عرف العرب منذ القدم فن الأدب على مختلف أنواعها من ألقاء الشعر وقص القصص، وكان
لمجلسهم النصيب الأكبر منه، ففى كان يلقى البعض الشعر أو الحكايات، والبعض الآخر
يسعد لسماع هذه الفنون من الأدب، وخاصة أنها تختصر شكل الحياة عندهم من عادات
وتقاليد ومعتقدات فى فترة وجيزة من الزمان، هى فترة الإلقاء.
ويعد فن”المقامات”من أهم الفنون الأدبية التى لم تأخذ حقها مثل باقى الفنون .. فهى
قصة قصيرة تكتب بلغة إيقاعية، مطعمة بالشعر، يحكيها راوٍ من صنع خيال الكاتب، أما عن
الشخصيات الثانوية فهى محدودة، وتدور على حدث واحد، فى زمن محدود، ومنطقة واحدة
هدفها نقد العادات والتقاليد السيئة والشخصيات السلبية فى المجتمع.
التعريف اللغـوي:
الأصل في المقامة أنها اسم مكان من أقام، ثم أطلقت على المجلس، فقيل: مقامات الناس
أي مجالسهم التي يتحدثون فيها ويتسامرون.
ثم أصبحت تطلق على الحديث الذي يدور في مجالس السمر من باب المجاز المرسل.
التعريف الاصطلاحي:
أما المقامات في اصطلاح الأدباء فهي حكايات قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة
لبطل المقامات، يرويها عنه راوٍ معين، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ
أو طرف وملح. أي إنها حكاية قصيرة، تقوم على الحوار بين بطل المقامات وراويها. والمقامات
تعتبر من البذور الأولى للقصة عند العرب، وإن لم تتحقق فيها كل الشروط الفنية للقصة.
وللمقامات خصائص نستعرضها بشیء من التِبیان لأوجُهها ::
أولا- المجلس: یجب أن تدور حوادث المقامة في مجلس واحد لاینتقل منه.
ثانيا- الراویة: ولکل مجموع من المقامات راویة واحد ینقلها عن المجلس الذي تحدث فیه.
ثالثا- المکدي: ولکل مجموع من المقامات مکد واحد أیضاً أوبطل، وهوشخص خیالي في الأغلب
أبرز میزاته أنه واسع الحیلة ذرب اللسان ذومقدرة في العلم والدین والأدب وهوشاعر وخطیب
یتظاهر بالتقوی ویضمر المجون، ویتظاهر بالجد ویضمر الهزل وهویبدوغالباً في ثوب التاعس
البائس إلا أنه في الحقیقة طالب منفعة.
خامسا- القصة نفسها: کل مقامة وحدة قصصیة قائمة بنفسها، ولیس ثمة صلة بین مقامة
وأخری إلا أن المؤلف واحد والراویة واحد والمکدي واحد، وقد تکون القصص من أزمنة مختلفة
مُتباعدة وإن کان الراویة واحداً.
سادسا- موضوع المقامة: موضوعات المقامات مختلفة منها أدبي ومنها فقهي ومنها فکاهي
و منها حماسي، ومنها خمري أومجوني، وهذه الموضوعات تتوالی علی غیر ترتیب مخصوص
عندبدیع الزمان. أما الحریري (فیما بعد) فالتزم أن تکون الموضوعات متعاقبة علی نسق
مخصوص وقد تکون المقامة طویلة أوقصیرة.
سابعا- اسم المقامة: واسم المقامة مأخوذ عادة من اسم البد الذي انعقد فیه مجلس
المقامة نحو: المقامة الدمشقیة، التبریزیة، الرملیة (نسبة إلی الرملة بفلسطین)، المغربیة
السمرقندیة، البلخیة، الکوفیة، البغدادیة، العراقیة، الخ. . . . أومن المحلة التي تنطوی علیها
المقامة نحوالمقامة الدیناریة، الحرزیة، الشعریة، الإبلیسية، الخمریة الخ. . . .
ثامنا- شخصیة المقامة: إن الشخصیة التي تبدو في المقامة لیست شخصیة المکدي ولکنها
شخصیة المؤلف وتنبني هذه الشخصیة علی الدرایة الواسعة بکل شیء يطرقه المکدي
أوالمؤلف علی الأصلح، فهو واسع الاطلاع علی العلوم العربیة خاصة، بصیر بالفنون الأدبیة
من شعر ونثر وخطابة، حاد الذهن قوي الملاحظة في حل الألغاز وکشف الشبهات، مرح
طروب في اجتیاز العقبات وسلوک المصائب.
تاسعا- الصناعة في المقامات: فن المقامات فن تصنیع وتأنق لفظي (وخصوصاً عند الحریري)
فهناک إغراق في السجع وإغراق في البدیع من جناس وطباق، وإغراق في المقابلة والموازنة
وفي سائر أوجه البلاغة حتی ما لایدخل في باب البلاغة علی وجه الحصر؛ کالخطبة التي تقرأ
طرداً وعکساً والخطبة المهملة (التي لانقط فیها) أوالتي تتعاقب فیها الأحرف المهملة والأحرف
المعجمة (المنقوطة) وما إلی ذلک.
عاشرا- الشعر: المقامة قصة نثریة ولکن قد یتخللها شعر قلیل أوکثیر من نظم صاحبها علی
لسان المکدي، أومن نظم بعض الشعراء، فيما یروی، علی لسان المکدي أیضاً، وقدیکون إیراد
الشعر لإظهار المقدرة في النظم أولاظهار البراعة في البدیع خاصة عند الحریري.
يقال: إن أول من أنشأ المقامات في الأدب العربي هو العالم اللغوي أبو بكر بن دريد (المتوفى
عام 321 هـ)، فقد كتب أربعين مقامة كانت هي الأصل لفن المقامات، ولكن مقاماته غير
معروفة لنا.
ثم جاء بعده العالم اللغوي أحمد بن فارس (المتوفى عام 395 هـ)، فكتب عدداً من المقامات .
ثم جاء بعده بديع الزمان الهمذاني، وكتب مقاماته المشهورة، وقد تأثر فيها بابن فارس حيث
درس عليه. ويعتبر البديع هو الرائد الحقيقي للمقامات في الأدب العربي.
ثم جاء بعده كتاب كثيرون، أشهرهم أبو محمد القاسم بن على الحريرى صاحب المقامات
المشهورة بمقامات الحريري.
ثم كثر كتاب المقامات كالزمخشري العالم اللغوي المفسر، وقد سمى مقاماته (أطواق الذهب)
وابن الاشتركوني السرقسطي الأندلسي (توفي عام 538 هـ)، صاحب المقامات السرقسطية،
وبطلها المنذر بن حمام، وراويها السائب بن تمام، ومقامات الإِمام السيوطي. وفي العصر
الحديث أنشأ محمد المويلحي حديث عيسى بن هشام، وناصيف اليازجى "مجمع البحرين"…
بديع الزمان الهمذاني (357هـ 398هـ )
أبو الفضل أحمد بن يحيى بن سعيد الهمذانى، المولود فى”همذان”سنة 358ه، ولقد امتازت
مقاماته بتقديم صورة شاملة لواقع البيئة التى كان يعيش فيها، فأحيانا ينقد سلبيات المجتمع،
أو يمدح الملوك، أو يرصد الفقر الذى كان منتشر فى عهده.
أما أشهر مقاماته فهما”المقامة المضیریة، المقامة البشریة”، أما المقامة المضیریة فتظهر فیها
براعته فى الوصف ودقة التصویر، بالإضافة إلى السخر وخفة الروح، أما البشریة فهي التي وفق
فيها لاختراع شخصية ليس لها وجود وتبناها التاريخ من بعده وهى “بشر بن عوانة العبدى”
الشاعر الجاهلي.
أبو القاسم الحريري (446هـ 516هـ )
أبو محمد محمد بن القاسم بن علي الحريرى، المولود فى”البصرة”سنة 446ه، اختلاف”الحريرى”
عن “الهمذانى” بأنه كان لا يكتفى بقول”حدثنا”، بل كان يميل إلى التغيير فى كل مقامة فأحيانا
يبدأ بـ”حدث” أو”روى”، أو يبدأ بإسناد الكلام إلى الراوى”الحارث بن همام”، بالإضافة إلى الجمل
القصيرة الموسيقية، والإفراط فى المجاز والسجع والأساليب اللغوية البديعة، فمقاماته تعد درة
فريدة من نوعها.
فن المقامات فن قديم ،فيه من البراعة والإحاطة بمختلف ضروب البديع والبراعات الأسلوبية
ما يجعل مستمعها في سياحة بيانية ،مُتقبلا الوعظ بأسلوب يشق القلوب .
1_ ويكيبيديا
2_ مدونة ق لعلوم اللغة العربية
3_الحريري أبومحمد القاسم بن علي، مقامات الحريري، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة الأولی، 2007م.
4- مبارک زکي، النثر الفني في القرن الرابع، مطبعة دار الکتب المصرية، القاهرة،
الطبعة الأولی، 1934م.
5- الهمذاني أبوالفضل بديع الزمان، مقامات بديع الزمان الهمذاني، شرح الأستاذ محمد عبده،
المطبعة الکاتوليکية، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، 1924م.
