منتديات العاشق - عرض مشاركة واحدة - ●● |نقاش الكتب الادبية || ●●

-الأمر الأول هو إنني حين لا أقرأ، أشعر وكأني مغروسٌ في مكاني، لا أتزحزح قِيد أُنْمُلة، كصخرة كبيرة صماء لا تتغير أبدًا،
فإذا مررتَ بها اليوم، رأيتها صخرة صمّاء، وإذا مررت بها خلاف عشر سنوات
وجدتها ما تزال صخرة صماء،
وهذه حالة من حالات الجمود لا أطيقها أبدًا، وباب من أبواب الجهل، وهي من أكثر
ما أمقت في طبائع الناس، وما أكثر الصخور الصماء في البلاد! وما أكثر من تأتيهم
بالشمس دليلا على الصبح-رغم أن الصبح ليس في حاجة إلى دليل-، فلا يقتنع لأنه أعمى
فوق كونه جامدًا أصم، فلئن أجازت لنا اللغة قول: صخور صمّاء، فلعلها تجيز لنا،
أن نقول عنهم أيضا أنهم: صخور عمياء!

أقول: إنني حين لا أقرأ، أشعر أني أقرب إلى هذه الفئة الجامدة ذات العقول والقلوب الحجرية القاسية التي قد تظل مثلما هي على جهلها وسفاهتها
حتى يومها الأخير، وهذا من أكبر المصائب، لأني لا أطيق أن أبقى كما أنا، إذ أحب أن أكون في سعيٍ دائم في تحسين نفسي،
ثم تحسين من وما حولي، ولأني كذلك، تمر بي حالة النفور التي أنت بها الآن، سريعا،
فلا أذكر أني وجدت نفسي قط في السنوات الأخيرة، منقطعا عن القراءة لأكثر من ثلاثة أو
أربعة أيام حين أمر بهذه الحالة، ثم أعود بنهمٍ كبير، وقد سبق وقلت في ما مضى من ردود،
أني أقرأ كل يوم، ما لم يكن هناك عارض من العوارض، كالدراسة وأشغال الدنيا،
أو طارئ من الطوارئ حمانا الله وإياكم.

فإن كنت تتفق معي فيما قلتُ، أو أن لديكَ دافعا قويا آخرَ من ذات نفسك
فاحرص على تذكره دائما، واجعله راسخا في صميمك، ووطِّن نفسك به،
فهو مُعين قوي، إن لم يكن معينك الأقوى.

-وبعــد، فإن لي زملاء وأصحابا، أعدهم خصوما الِدّاءَ، أنافسهم وينافسونني،
في نزالٍ شريف، وسط ميدان الحياة، وقد وقع هذا الأمر في دخيلة نفسي، فأجدني أتذكر
دائما أنني حين لا أقرأ أكون متأخرًا عنهم، بينما ركبهم يمضي ويمضي، وأنا أنظر إليهم
يسبقونني مبتعدين، دون أن أحرك ساكنا أو أن أرفع ثابتا كالـ... كالصخرة الصمّاء!

وليت شِعري، كيف يستكين المرء ويستخذي ويخضع، ويرضى القبوع في مؤخرة الركب، ورفاقه أمامه في سباق دائم؟ كأن لسان حالهم يقول له:
إن لم تلحق بنا فإنا تاركوك، فإن تركناك، كنت الأخير، وحينئذٍ ستكون الأخير أبدًا، وستظل أبدًا الأخير.

أهناك من يرضى أن يظل الأخير أو أن يكون متأخرا عن منافسيه؟!

وهذا –يا صاحبي- دافعٌ آخر أستعين به، في دفع ومدافعة الانقباض والنفور،
ولله درُّ "أبي العتاهية" حينما أمسكني وهزّني من كتفيَّ هزًّا عنيفًا وهو يوقظني قائلا:
أترضى أن تكونَ رفيقَ قومٍ *** لهم زادٌ وأنت بغير زادِ؟

-وقد تعلمنا فيما تعلمنا، أن "درهم وقاية، خير من قنطار علاج"، وحتى أقي نفسي
شر النفور من القراءة، ولا أكون ممن قارفوا هذا الظلم الكبير للنفس، فإنك تجدني
أرتدّ على آثاري قَصَصا، وأتبع طريقا يذود عني الشيء الجسيم من ضرر هذا الأمر،
وهذا الطريق هو: الاسترواح من القراءة، بالقراءة.

لكي لا أوجس الملل من القراءة في نفسي وأحس التبرّم بها،
أقرأ في بعض الأوقات لأجل المتعة الخالصة تماما، أي اختار كتابا أعلم أني لن
أستفيد منه شيئا –أو أكاد- في زيادة رصيدي العلمي والروحي، ويكون الهدف منه
كسر الرتابة، والاستراحة من ثقل الكتب الأخرى، والترفيه عن نفسي القارئة حتى تتنشط.

وخير ما يقع بين يدي لأجل هذا الغرض: سلسلة ما وراء الطبيعة
للمرحوم أحمد خالد توفيق، وأعمال أجاثا كريستي، وألف ليلة وليلة،
وأحيانا روايات الرعب...

لقد وصفت -أنت- في شونين قبل مدة طويلة، روايات الرعب بعديمة الفائدة،
وذكرت حسن الجندي.

حسنا... هذه فائدة من فوائدها.

(وهذه نقطة نقاشية، أردت استوقافك عندها لأني لا أتفق معك تمام الاتفاق، ولدي كلام بصددها، غير أني أحسب أن شغلا شغلني عن ذلك حينها،
أو ربما الكسل، أو لعلي أصبحت مُسنا مثل المسن زينوفا، وسأرد عليك بعد سنة كاملة كما رد هو على الجريمة والعقاب. )

وكأني بك الآن تقوم في وجهي قائلا: إنني لا أحتاج إلى القراءة حتى أستنشط نفسي،
فأنا بالفعل أشاهد الأنمي، وأقرأ المانجا، وأتابع الأفلام، وأجوب في المسلسلات،
وألعب ألعاب الفيديو، وأمرح في "يوتيوب"، وأسرح في "تويتر"،
مروّحا ومرفّها عن نفسي ومستمتعا، غير أني لا أجد لهذا الأثر الكبير في إبطال النفور.

(بالمناسبة: إنني أتذكر أنك مرّة في شونين، سألت عن لعبة الرجل الوطواط: BATMAN: ORIGINS )

فيقع مني إليك السؤال هنا: ولكن هل كنت تفعل هذا ونيتك أن تعود إلى
القراءة بنَفَسٍ جديد، أم أن غرضك كان الاستمتاع فقط باعتبار تلك الأشياء
هواية من الهوايات، وربما الاستراحة من أعباء الدراسة الثقيلة –أي العمل-؟

وذلك لأني لم أجد أحدًا من قبل يفر من القراءة حينما يستريح، بل وجدت العكس تماما؛
من يفر من أعباء الحياة إلى القراءة حتى يستريح.

وهذا طريقي في الأمر، فحتى حينما أحس بالتعب من القراءة، أرغب في أن أبقى مرتبطا
بها كأكثر ما يكون، فأقرأ ما قلت لك، وهذا يجدد النشاط في نفسي ويقيني
الانقباض وهجر القراءة، ثم بعد ذلك أعود من جديد إلى ما اعتدت أن أقرأه
من أصناف الكتب بشهية كبيرة، ولربما كنتَ لطريقي مخالفا.

،

وكما أسلفت في البداية، فإن هذا الانقباض والنفور يمر بي رغم ما ذكرت،
بيد أنني أقوم منه بأسرع ما يمكنني القيام، وهذا كان الغرض من كل ما كتبت.
والحوار السابق، إنما أجريته على لسانك حتى أوضح ما أريد به القصد،
ولست أجزم ولا أقول أنك تستهلك وقتك ونهارك وليلك، في متابعة الأنمي والمانجا
والأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو ويوتيوب وتويتر... فإن وقع شيءٌ من هذا في نفسك،
فمعذرةً وصُفحًا... والسلام.