قصة مثل الكثير من قصص العشق التي تنتهي بالفراق، تأتي لنا قصةجميل وبثينة لتنضم لموكب شهداء الحب، العاشق هو جميل بن عبد الله بن معمر العذرينشأ في قومه بني ربيعة بوادي القرى بين مكة والمدينة، أما العاشقة فهي بثينة بنتيحيى من بني ربيعة أيضاً.
عشق جميل بثينةمنذ الصغر فلما كبر خطبها فمنعه أهلها عنها، فأنطلق ينظم الشعر فيهافجمع لها قومها جمعاً ليأخذوه إذا أتاها فحذرتهبثينة فاستخفى وقال:
فلو أن الغادون بثينة iiكلهم
غياري وكل حارب مزمع iiقتلي
لحاولتها إما نهاراً iiمجاهراً
وإما سرى ليلٍ ولو قطعترجلي
وهجا قومهافاستعدوا عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة، فنذر ليقطعن لسانه فلحقبجذام وقال:
أَتانِيَ عَن مَروانَبِالغَيبِ iiأَنَّهُ
مُقيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن iiلِسانِيا
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِمَذهَبٌ
إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ iiالمَثانِيا
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُحَتّى iiاِستَفَزَّني
مِنَ الحُبِّمَعطوفُ الهَوى مِن iiبِلادِيا
بقى جميلهناك حتى عزل مروان عن المدينة،فأنصرف على بلادهوكان يختلف إليها سراً، كان لبثينة أخ يقال له حوَّاش عشق أخت جميل وتواعد للمفاخرةفغلبه جميل، ولما اجتمعوا لذلك قال أهل تيماء: قل يا جميل في نفسك ماشئت، فأنتالباسل الجواد الجمل، ولا تقل في أبيك شيئاً فإنه كان لصاً بتيماء في شملة لا تواريلبسته، وقالوا لحواش قل، وأنت دونه في نفسك وفي أبيك ما شئت فقد صحب النبي "صلىالله عليه و آله وسلم".
قال كثير: قال لي جميل يوماً: خذ لي موعداً معبثينة، قلت: هل بينك وبينها علامة؟ قال: عهدي بهم وهم بوادي الدوم يرحضون ثيابهم،فأتيتهم فوجدت أباها قاعداً بالفناء، فسلمت، فرد وحادثته ساعة حتى استنشدنيفأنشدته:
وَقُلتُ لَها ياعَزَّ أَرسَلَ iiصاحِبي
عَلى نَأيِ دارٍ وَالرَسولُمُوَكَّلُ
بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِمَوعِداً
وَأَن تَأمُريني بِالَّذي فيهِ iiأَفعَلُ
وَآخِرُ عَهدٍ مِنكَ يَومَ iiلَقيتَني
بِأَسفَلِ وادي الدَومِوَالثَوبُ يُغسَلُ
فضربت بثينة جانب الستر، وقالت إخسأ، ولما تساءلوالدها، قالت: كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء هذه الرابية، قال: فأتيت جميلاًوأخبرته أنها وعدته وراء الرابية إذا نام الناس.
كما يروي ابن عياش قائلاً: خرجت من تيماء فرأيتعجوزاً على أتان - أنثى الحمار- فقلت من أنت: قالت: من عذرة، قلت: هل تروين عن جميلومحبوبته شيئاً فقالت: نعم، إنا لعلى ماء بئر الجناب وقد أتقينا الطريق واعتزلنامخافة جيوش تجيء من الشام إلى الحجاز، وقد خرج رجالنا في سفر، وخلفوا عندنا غلماناًأحداثاً، وقد أنحدر الغلمان عشية إلى صرم لهم قريب منا ينظرون إليهم، ويتحدثون عنجوار منهم فبقيت أنا وبثينة، إذا انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا فسلم ونحنمستوحشون فرددت السلام، ونظرت فإذا برجل واقف شبهتهبجميل.
فدنا فأثبته فقلت: أجميل؟ قال: إيوالله، قلت: والله لقد عرضتنا ونفسك شراً فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التي وراءكوأشار إلى بثينة، وإذا هو لا يتماسك فقمت إلى قعب فيه إقط مطحون وتمر، وإلى عكةفيها شيء من سمن فعصرته على الأقط " الجبن"، وأدنيته منه فقلت: أصب من هذا وقمت إلىسقاء لبن فصببت له في قدح ماء بارد وناولته، فشرب وتراجع فقلت له: لقد جهدت فماأمرك؟ فقال: أردت مصر فجئت أودعكم وأسلم عليكم، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترينمنذ ثلاث ليال أنظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية، فجئت لأحدث بكمعهداً، فحدثنا ساعة ثم ودعنا وانطلق، فلم نلبث إلا يسيراً حتى أتانا نعيه منمصر.
وهكذا مات جميل وماتمعه حبه ولكن يظل شعره ينبض بالحياة ويروي لنا قصة عاشق
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ iiسُفوحُها
وَأَصبَحَ مِن نَفسيسَقيماً صَحيحُها
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن iiنَمُت
يُجاوِرُ فيالمَوتى ضَريحي ضَريحُها
فَما أَنا في طولِ الحَياةِ iiبِراغِبٍ
إِذا قيلَقَد سوّي عَلَيها iiصَفيحُها
أَظَلُّ نَهاري مُستَهاماً iiوَيَلتَقي
مَعَاللَيلِ روحي في المَنامِ iiوَروحُها
فَهَل لِيَ في كِتمانِ حُبِّيَ iiراحَةٌ
وَهَل تَنفَعَنّي بَوحَةٌ لَو أَبوحُها
تحياتي لك يا ورده