السلام عليكم
من أطرف ما روي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، أنه كان يقضي الساعات الطوال يرفع أصابعه ويبسطها ويحركها لضبظ الأوزان وتنسيقها، وكان له إبن متخلف عقليا، دخل عليه يوما وهو في حالته هذه فظن أباه قد جن، فخاطبه الخليل بقوله:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني** أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتـني** وعلمت أنك جاهل فعذرتـــكا
عرف الخليل بذهنه الجبار، فقد ابتكر طريقة تدوين أول قاموس عربي لضبط اللغة وحصرها أسماه ( العين ) حيث جمع ما كان في أيامه معروفا من ألفاظ اللغة وأحكامها وقواعدها، ورتب حروف الهجاء حسب مخارجها على النسق التالي: الأحرف الحلقية وهي: ع، ح، هـ، خ، غ. وحرفا اللهاة ـ وهي اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم ـ وهما: ق، ك. والأحرف الشجْرية وهي: ج، ش، ض، وقد سميت كذلك لخروجها من الشجْر أي مخرج الفم. وأحرف الصفير: ز، س،ص، والصفير صوت يخرج من الشفتين. والحروف النطعية: ت، د، ط، والنطع: أي موقع اللسان من الحنك وذلك من بين طرف اللسان وبين أصول الثنايا العليا مصعِّدا الحنك. والأحرف اللثوية الصادرة من اللثة، وهي: ظ، ذ، ث. والحروف الذولقية وهي: ر، ل، ن، وقد سميت كذلك لخروجها من ذلق اللسان أي من طرفه. والأحرف الشفهية وهي: ف، ب، م، وأخيرا أحرف العلة الثلاثة (واي) مضيفا إليها الهمزة، فاستقام بذلك له الترتيب التالي:
ع، ح، هـ،خ، غ، ق، ك، ج، ش، ض، ز، س، ص، ت، د، ط، ظ، ذ، ث، ر، ل، ن، ف، ب، م، ا، و، ي.
إسم الكتاب جاء تيمنا بالحرف الأول ذوالمخرج الأول من الحلق هذا قبل أن تأتي المعاجيم بما هي عليه لغتنا اليوم . يقع المعجم في نحو 2500 صفحة لم يصل إلينا كله وللتنويه فللخليل كتب أخرى منها (معاني الحروف) و(جملة آلات العرب) و (تفسير حروف اللغة) و(كتاب العروض) و(النقط والشكل) كما ألف كتابا في الموسيقى على غير دراية بلغة أجنبية سماه: (النغم).
رحم الله الشيخ الجليل فقد دخل المسجد وهو يُعمل فكره فارتطم رأسه بسارية من سواريه كانت الرجة فيها شديدة فانقلب على ظهره، وكان ذلك سبب وفاته بعد حين عام 175هــ عن خمس وسبعين عاما.
وتحيات عبد العزيز