عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-11-2011, 01:53 AM
الصورة الرمزية الـدمشقي  
رقـم العضويــة: 51483
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الجنس:
العـــــــــــمــر: 29
المشـــاركـات: 8,462
نقـــاط الخبـرة: 2764
Twitter : Twitter
Youtube : Youtube
Tumblr : Tumblr
"فكّر قبل أن تعمل"





روي أن أحدَ الولاةِ كان یتجول ذات یوم في السوق القدیم متنكراً في زي
تاجر
وأثناء تجوالھ وقع بصره على دكانٍ قدیمٍ لیس فیھ شيء مما یغري
بالشراء
كانت البقالة شبھ خالیة ، وكان فیھا رجل طاعن في السن ، یجلس
بارتخاء على مقعد قدیم متھالك
ولم یلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم علیھا الغبار
اقترب الوالي من الرجل المسن وحیاه ، ورد الرجل التحیة بأحسن منھا
وكان یغشاه ھدوء غریب ، وثقة بالنفس عجیبة .. وسأل الوالي الرجل
دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما یباع !؟
أجاب الرجل بھدوء وثقة : أھلا وسھلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع
السوق
قال ذلك دون أن تبدر منھ أیة إشارة للمزح أو السخریة
فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال
ھل أنت جاد فیما تقول !؟
أجاب الرجل
نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ، أما بضائع السوق فإن لھا ثمن
محدد لا تتعداه
دھش الوالي وھو یسمع ذلك ویرى ھذه الثقة
وصمت برھة وأخذ یقلب بصره في الدكان ، ثم قال
ولكني لا أرى في دكانك شیئا للبیع
قال الرجل : أنا أبیع الحكمة .. وقد بعت منھا الكثیر ، وانتفع بھا الذین
اشتروھا
ولم یبق معي سوى لوحتین
قال الوالي : وھل تكسب من ھذه التجارة
قال الرجل وقد ارتسمت على وجھھ طیف ابتسامة
نعم یا سیدي .. فأنا أربح كثیراً ، فلوحاتي غالیة الثمن جداً
تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتین ومسح عنھا الغبار ، فإذا مكتوباً فیھا
)فكر قبل أن تعمل ) ..تأمل الوالي العبارة طویلا .. ثم التفت إلى الرجل
وقال
بكم تبیع ھذه اللوحة ..!؟
قال الرجل بھدوء : عشرة آلاف دینار فقط
ضحك الوالي طویلا حتى اغرورقت عیناه ، وبقي الشیخ ساكنا كأنھ لم
یقل شیئاً
وظل ینظر إلى اللوحة باعتزاز .. قال الوالي : عشرة آلاف دینار ..!! ھل
أنت جاد ؟
قال الشیخ : ولا نقاش في الثمن
لم یجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما یدعو للضحك والعجب
وخمن في نفسھ أن ھذا العجوز مختل في عقلھ ، فظل یسایره وأخذ
یساومھ على الثمن
فأوحى إلیھ أنھ سیدفع في ھذه اللوحة ألف دینار .. والرجل یرفض ،
فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة
حتى وصل إلى التسعة آلاف دینار .. والعجوز ما زال مصرا على كلمتھ
التي قالھا
ضحك الوالي وقرر الانصراف ، وھو یتوقع أن العجوز سینادیھ إذا
انصرف
ولكنھ لاحظ أن العجوز لم یكترث لانصرافھ ، وعاد إلى كرسیھ المتھالك
فجلس علیھ بھدوء ..
وفیما كان الوالي یتجول في السوق فكر
لقد كان ینوي أن یفعل شیئاً لا تأباه المروءة ، فتذكر تلك الحكمة ) فكر
قبل أن تعمل ( !!
فتراجع عما كان ینوي القیام بھ !! ووجد انشراحا لذلك
وأخذ یفكر وأدرك أنھ انتفع بتلك الحكمة ، ثم فكر فعلم أن ھناك أشیاء
كثیرة ،
قد تفسد علیھ حیاتھ لو أنھ قام بھا دون أن یفكر
ومن ھنا وجد نفسھ یھرول باحثاً عن دكان العجوز في لھفة
ولما وقف علیھ قال : لقد قررت أن أشتري ھذه اللوحة بالثمن الذي
تحدده
لم یبتسم العجوز ونھض من على كرسیھ بكل ھدوء ، وأمسك بخرقة
ونفض بقیة الغبار عن اللوحة
ثم ناولھا الوالي ، واستلم المبلغ كاملاً ، وقبل أن ینصرف الوالي قال لھ
الشیخ
بعتك ھذه اللوحة بشرط
قال الوالي : وما ھو الشرط ؟
قال : أن تكتب ھذه الحكمة على باب بیتك ، وعلى أكثر الأماكن في البیت
وحتى على أدواتك التي تحتاجھا عند الضرورة
فكر الوالي قلیلا ثم قال : موافق
وذھب الوالي إلى قصره ، وأمر بكتابة ھذه الحكمة في أماكن كثیرة في
القصر
حتى على بعض ملابسھ وملابس نسائھ وكثیر من أداواتھ
وتوالت الأیام وتبعتھا شھور ، وحدث ذات یوم أن قرر قائد الجند أن
یقتل الوالي لینفرد بالولایة
واتفق مع حلاق الوالي الخاص ، أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن
یكون في صفھ
وفي دقائق سیتم ذبح الوالي
ولما توجھ الحلاق إلى قصر الوالي أدركھ الارتباك ، إذ كیف سیقتل
الوالي
إنھا مھمة صعبة وخطیرة ، وقد یفشل ویطیر رأسھ
ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل
وازداد ارتباكاً ، وانتفض جسده ، وداخلھ الخوف ، ولكنھ جمع نفسھ
ودخل
وفي الممر الطویل ، رأى العبارة ذاتھا تتكرر عدة مرات ھنا وھناك
)فكر قبل أن تعمل ! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) ( فكر قبل أن تعمل ( !!
وحتى حین قرر أن یطأطئ رأسھ ، فلا ینظر إلا إلى الأرض ، رأى على
البساط نفس العبارة تخرق عینیھ
وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ، فأسرع یمد خطواتھ لیدخل إلى الحجرة
الكبیرة
وھناك رأى نفس العبارة تقابلھ وجھاً لوجھ !!( فكر قبل أن تعمل (!!
فانتفض جسده من جدید ، وشعر أن العبارة ترن في أذنیھ بقوة لھا
صدى شدید
وعندما دخل الوالي ھالھ أن یرى أن الثوب الذي یلبسھ الوالي مكتوبا
علیھ
)فكر قبل أن تعمل ( !!
شعر أنھ ھو المقصود بھذه العبارة ، بل داخلھ شعور بأن الوالي ربما
یعرف ما خطط لھ
وحین أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ، أفزعھ أن یقرأ على
الصندوق نفس العبارة
)فكر قبل أن تعمل (
واضطربت یده وھو یعالج فتح الصندوق ، وأخذ جبینھ یتصبب عرقا
وبطرف عینھ نظر إلى الوالي الجالس فرآه مبتسما ھادئاً ، مما زاد في
اضطرابھ وقلقھ
فلما ھم بوضع رغوة الصابون لاحظ الوالي ارتعاشة یده
فأخذ یراقبھ بحذر شدید ، وتوجس ، وأراد الحلاق أن یتفادى نظرات
الوالي إلیھ
فصرف نظره إلى الحائط ، فرأى اللوحة منتصبة أمامھ ( فكر قبل أن
تعمل ( !
فوجد نفسھ یسقط منھارا بین یدي الوالي وھو یبكي منتحبا ، وشرح
للوالي تفاصیل المؤامرة
وذكر لھ أثر ھذه الحكمة التي كان یراھا في كل مكان ، مما جعلھ یعترف
بما كان سیقوم بھ
ونھض الوالي وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانھ ، وعفا عن
الحلاق
وقف الوالي أمام تلك اللوحة یمسح عنھا ما سقط علیھا من غبار
وینظر إلیھا بزھو ، وفرح وانشراح ، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ،
وشراء حكمة أخرى منھ
لكنھ حین ذھب إلى السوق وجد الدكان مغلقاً ، وأخبره الناس أن العجوز
قد مات !!!


أرجو أن تكون القصّة قد أفادتكم



في أمان الله



رد مع اقتباس