صورة العلم في عقيدة الهمداني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هو أبو الفضل أحمد بن الحسين ( 385/398 هــ )
اشتُهر ببديع الزمان الهمداني وذلك لإبداعاته العظيمة في المقامات، وهو فن سردي من فنون الأدب العربي، تميز به الهمداني. فهو يصور حياة الناس بواسطة قصص خيالية قصيرة وبديعة، بطلها أبو الفتح الإسكندري، وراويها عيسى بن هشام. وهم أبطال خياليون. قد إخترت لكم منها، كلامه في العلم نرجوا الله أن ينفعنا به جميعا : ( أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ) الحديث.
العلم وليس غير العلم.
حدَّثنا عيسى بن هشام قال: كنت في بعض مطارح الغربة مجتازاً. فإذا أنا برجل يقول لآخر: بم أدركت العلم؟ وهو يجيبه قال:
طلبته فوجدته بعيد المرام، لا يُصطاد بالسهام، ولا يقسم بالأزلام، ولا يرى في المنام، ولا يضبط باللجام، ولا يورث عن الأعمام، ولا يستعار من الكرام، فتوسلت إليه بافتراش المَدَر(الطين اليابس)، واستناد الحجر، ولاردِّ الضجر، وركوب الخطر، وإدمان السهر واصطحاب السفر، وكثرة النظر، وإعمال الفكر، فوجدته شيئا لا يصلح إلا للغرس ولا يغرس إلا في النفس، وصيدا لا يقع في الندر(نادر)، ولا ينشب إلا في الصدر، وطائراً لا يخدعه إلا قنَص اللفظ ولا يعلقُه إلا شرك الحفظ، فحملته على الروح، وحبسته عن العين، وأنفقت من العيش، وخزَنت في القلب، وحرَّرت بالدرس، واسترحت من النزر إلى التحقيق، ومن التحقيق إلى التعليق، واستعنت في ذلك بالتوفيق.
فسمعت من الكلام ما فتق السمع ووصل إلى القلب، وتغلغل في الصدر، فقلت: يا فتى! ومن أين مطلع هذه الشمس ؟ فجعل يقول:
إسكــندرية داري لو قرَّ فيها قراري
لكن بالشام ليلي وبالعــراق نهاري
ومع تحيات أخوكم في الله عبد العزيز :1 (28):
|