( قصّة مثل )
كيف أعاودك ؟ وهذا أثر فأسك ؟
أصل هذا المثل على ما حكته العرب على لسان الحية ..
أن أخوين كانا في إبل لهما فأجدبت بلادهما ، وكان بالقرب منهما وادٍ خصيبٌ وفيه حية تحميه من كل أحد ..
فقال أحدهما للآخر : يا فلان ، لو أني أتيتُ هذا الوادي المُكلئ فرعيتُ فيه إبلي وأصلحتها ..
فقال له أخوه : إني أخاف عليكَ الحية ألا ترى أن أحدًا لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته ؟!
قال : فوالله لأفعلن ، فهبط الوادي ورعى به زماناً ..
ثم إن الحية نهشته فقتلته ..
فقال أخوه : والله ما في الحياة بعد أخي خير ، فلأطلُبنّ الحية ولأقتلنها أو لأتبعنّ أخي !
فهبط ذلك الوادي وطلب الحية ليقتلها ..
فقالت له الحية : ألستَ ترى أني قتلتُ أخاك ؟
فهل لكَ في الصلح فأدَعَكَ بهذا الوادي تكون فيه وأعطيكَ كل يوم مابقيتُ ؟
قال : أوَ فاعلةٌ أنت ؟
قالت : نعم .
قال : إني أفعل .. فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها ..
وجعلت تعطيه كل يوم ديناراً ، فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالاً ..
ثم إنه تذكر أخاه فقال : كيف ينفعني العيشُ وأنا أنظر إلى قاتل أخي ؟!
فعمد إلى فأس فأخذها ، ثم قعد لها ، فمرت به فتبعها ، فضربها ، فأخطأها ، ودخلت الجحر ..
ووقعت الفأس بالجبل فوقَ جحرها فأثرت فيه ..
فلما رأت ما فعل ، قطعت عنه الدينار ..
فخاف الرجل من شرها وندم ..
فقال لها : هل لكِ في أن نتواثق ونعودَ إلى ما كنا عليه ؟
فقالت : كيف أعاودُكَ وهذا أثرُ فأسِكَ ؟
مثل يُضرَب لمَن لا يفي بالعهد ، وهو من مشاهير أمثال العرب ..
قال نابغة بني ذبيان
وإني لألقى من ذَوِي الغَيِّ منهُمُ ... وما أصبَحَت تشكو مِن الشــَّجوِ ساهِره
كَمَا لقِيَت ذاتُ الصــَّفا مِن حليفِها ... وكانت تُريهِ المالَ غِبــًا وظاهِرَه
فلمــَّا رأى أن ثـَمَّرَ اللهُ مالَهُ ... وأثـَّـلَ موجودًا وسدَّ مفاقِرَه
أكبَّ على فأسٍ يُحِدُّ غُرابَها ... مُذَكـَّرَةٍ مِنَ المَعاوِلِ باتِرَه
فقامَ لها من فوقِ جُحرٍ مُشَيــَّدٍ ... لِيَقتُلَها أو يُخطِىءُ الكَفُّ بادِرَه
فلمــَّا وقاها اللهُ ضربَةَ فأسِهِ ... وللشــَـرِّ عينٌ لا تُغَمـِّضُ ناظِرَه
فقال : تعالَيْ نجعَلِ اللهَ بيننا ... على ما لَنا أو تُنجِزي لِيَ آخره
فقالت : يمينُ الله أفعَلُ إنـَّـني ... رأيتُكَ مشؤومًا ، يمينُكَ فاجـِرَه
أبَى لِيَ قبرٌ لا يَزالُ مُقابِلي ... وضربَةُ فأسٍ فوقَ رأسِيَ فاقِره