السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
موضوع قيم وممتاز جدا من مواضيع السلسلة المتميزة أيها المكرم .
المال ، تلك الأوراق التي يسعى لها أغلب البشر لتحقيق الثروة والمجد والبذخ والعيش في النعيم دون منغصات الحرمان أو قلة ذات اليد .
المال يحكم العالم والحياة ، البعض يسميه " قذارة الدنيا " ، ولكن للأسف فالمسمى لا يجلب التنفير بل يفرض نفسه على الجميع أينما كانوا لكي يحصلوا على الكفاف والرزق ، أو حتى البذخ في مراحل متقدمة .
لا بد أن المال مهم لتلك الدرجة إذا أليس كذلك ؟ أعني لماذا الأغلبية تعمل وتكد ؟ أليس الأمر مرتبطا بتحقيق أشياء أخرى كالزواج والحصول على المبتغى من الأغراض التي نحتاجها ؟ كالمأكل والملبس والمشرب ؟ والتنعم بأفخم الأغراض والإحتياجات ؟
هذه طبيعة النفس البشرية في بحثها عن ما يجعلها أكثر " رفعة ، ومكانة " ، وهذه طبيعة جبل عليها أكثر بنو آدم وقليل من يتحكم فيها .
المال مهم جدا وضروري لاستمرارية الحياة بحدها الطبيعي ، لكن بعض البشر قد يرتكب أكبر الموبقات من أجل الحصول على تلك الأوراق الخضراء وتلك السبائك الذهبية ، فقد يزور ويغش ويسرق وبل يجعل ملايين من الفقراء والمعدمين خدما له في مصانعه التي تنتج مدخولا بليونيا بينما عماله لا يتقاضون سوى أجورا تعادل " دولارا واحد في الشهر " ، وقد يمتهن بعضهم الدعارة من أجل الحصول على المال..
المال مفتاح يفتح أحد أقفال معرفة النفس البشرية ..
----------------------
عند حديثنا عن أي نوع من التنظيمات ، فلا بد من وجود عدة قواسم مشتركة تمتلكها أغلب التنظيمات ، من بينها السرية ، والتعاون ، والعمل الجماعي ، الصرامة الطبقية في تنفيذ الأوامر ، الخيانة ، التجسس ، العمليات الإغتيالية ، الطقوس المخصصة لأفراد الجماعة والشيفرات الخاصة للتواصل بين أفراد ذلك التنظيم .
والمافيا بطبيعة الحال لم تختلف في ذلك اختلافا جذريا بطبيعة الحال من حيث تنظيمها العملي وكذلك البنود التي وجب الإلتزام بها بين أفراد العصابة الواحدة .
عند حديثنا عن المافيا بصورة نمطية فذلك منطبق عليها أيضا ، بل الصرامة الطبقية هي أوضح الأمور التي تتناولها الأدبيات المتعلقة بدراسة جذور وأصول وأعمال رجال المافيا الإجرامية ، التي تفعل أي نوع يخطر على بالك من الجرائم لتحقيق مبتغاها دون النظر في أي أمر أخلاقي يردع عن مثل ارتكاب تلك الجرائم .
وعند حديثنا عن سيرة آل كابون لربما سنلحظ دوما عاملا مشتركا في تحديد السلوك الإنساني ( المنفعة - اللذة - التبرير ) ، فكما كان متضحا فميله للنزعة الإجرامية لم يولد من رحم محيط تربية أسرته ، بل وجد من محبط أكبر وأعمق وهو محيط المجتمع الذي عاش فيه ورأى رأي العين كيف تكون القوة والنفوذ والثروة " ولو أن ذلك أسلوب خاطئ " ولكن في النهاية الإنسان يبحث دوما عن ما يجعله أقوى ، ولعل نشأته في مجتمع غريب عن مكان مولده يجعله رأى أن " القوة الغاشمة " هي الوسيلة الوحيدة لكسب الإحترام في مجتمع متطاحن وكل فرد يريد البزوغ على الآخر .
ربما فيلم The GodFather أبرز لنا لمحات عن حياة رجال المافيا المقتبسة من قصص حقيقية عديدة لأمثال آل كابون ، وربما أظهر لنا جانبا خفيا من شخصياتهم التي يظهرون فيها بمظهر القسوة ، فهم على جهة أخرى يمتلكون من اللباقة والدماثة والكلام المعسول وأداء دور الشخصيات الطيبة المفيدة للمجتمع بأداء احترافي ، لا يستطيع المرء سوى أن يحكم فيه بأنهم أجادوا التبرير لأنفسهم فيما يفعلون فيه ، وحلوا الأمر بمزيد من الإزدواجية في التصرفات والأعمال ، في النهاية كل وجد نهاية حياته .
*كمعلومة أخيرة : الحكومة الأمريكية استفادت من أكثر أعضاء عصابة آل كابون إبان الحرب العالمية الثانية ، وكان أبرزهم لاكي لوتشيانو الذي ساهم في عمليات صقلية في إيطاليا عبر توفير الدعم اللوجستي والإستراتيجي لقوات الحلفاء ضد نظام الفاشي بينيتو موسوليني .
شكرا على الموضوع الرائع شارلوك ، تحياتي إليك .