الفَصْلُ الخَامِسْ : الكَهْلُ وَ بِدَايَةُ الكُرَّاسِ الجَدِيدِ
اُقَدِّمُ لَكُمْ رِوايةً بِعُنْوَانِ الْعُمْلَةِ الذَهَبِيَّة
اُرِيدُ انْ اوَضِّحَ بَعْضَ الامُورِ اَوَّلاً :
لا يُمْكِنُ انْ اُبْقِي الرِّوَايَةَ عَلَى مَسَارٍ ثَابِتْ , فَهَذَا سَيَجْعَلُهَا مُمِلَّة ,
و ايْضًا سَيَقْتُلُ وَاقِعِيَّتَهَا , لِهَذَا احْيَانًا يَجِدُ القَارِئُ مَالا يُرْضِيهْ ,
و هَذِهِ وَرَقَةٌ مَقْصُودَةٌ مِنْ طَرَفِي ,
ايْضًا اعْتَذِرُ لِمُحِبِّي الفُصُولِ القَصِيرَة , فَسَيَكُونُ الفَصْلُ الرَّابِعُ اخِرَ فَصْلٍ اُنْزِلُ فِيهِ مَضْمُونًا قَصِيرًا ,
كَذَلِكَ سَبَبُ تَاَخُّرِي فِي وَضْعِ الفَصْلِ الخَامِسِ , اِنْ لَمْ تَكُنْ اسْبَابًا ,
وَ التِّي تَكْمُنُ فِي اِنْتِظَارِي لِطَقْمٍ لَمْ اَجِدْهُ لِحَدِّ الانْ , و قَدْ سَئِمْتُ الانْتِظَار ,
وَ كَذَلِكَ عَدَمَ تَوَاجُدِي الدَّائِمَ فِي البَيْتِ , اِنْ لَمْ يَكُنْ نَادِرًا ,
و هَذَا يُصَعِّبُ عَلَيَّ مُرَاجَعَةَ الفَصْلِ بَعْدَ كِتَابَتِهِ ,
و ايْضًا تَجَنُّبَ كِتَابَةِ الزَّوَائِدْ , فَانَا اُحَاوِلُ انْ اجْعَلَ الرِّوَايَةَ قَصِيرةً عَلَى قَدْرِ الامْكَانِ ,
و اعْتَذِرُ اِنْ ازْعَجَ اسْلُوبِي البَعْضَ و كَذَلِكَ اخْطَائِي اللُّغَوِيَّةَ , فانَا احَاوِلُ صَقْلَ لُغَتِي العَرَبِيَّةَ ,
و الآنْ ,

الفصل الخامس : الكهل و بداية الكراس الجديد
يفتح عينيه على أشعة الشمس ,
فيجد رجلا كهلا متسولا ينظر إليه مباشرة ,
فيخاف و ينهض بسرعة و يضرب أذنه صوت قوي , الا و هو صوت سقوط هاتفه النقال ,
تلك هي آثار ما بعد الثمالة , يسمع كل شيء بشكل كبير ,
فيبتسم الكهل و هو يحمل الزجاجة الفارغة و يقول : لقد اكملتها كلها , أحسنت يا فتى !
فيغضب سامر و يتعجب من صوته الخشن حين قال : و ما دخلك ؟
فيضحك الكهل : حتى صوتك و تغير , يبدو أنك امضيت سهرة ممتعة , يبدوا أنك لا تتذكر ما حدث ,
سامر : و كيف عرفت ذلك ؟
يبتسم الكهل : هذا مؤكد , فأنت ثملت , و اصبحت حيوانا زاهيا لـ ليلة , و خسرت الكثير مقابل القليل !
يتأثر سامر : ماذا تقصد يا عم ؟
ينفجر الكهل ضحكا : يا عم ؟ ههه , إجلس يا فتى , دعني اقص لك قصة ,
سامر : إنتظر لحظة و ساعود , سأبحث عن أغراضي ,
الكهل : هل تقصد الدراجة و ما تبعها ؟ لست متاكدا من محتوياتها فلم استطع التفتيش , و لكن وضعتها في مكان آمن ,
حتى لا ياخدها عمال النظافة صباحا ,
يتعجب سامر : شكرا , كلي أذانُُ صاغية ,
الكهل : هل درست من قبل ؟
سامر : لا , في الحقيقة لا أتذكر ,
الكهل : لا تتذكر ؟ حسنا , لن اتدخل في هذا , إجلس , ولا تقل كلمة حتى انتهي ,
سامر : حسنا ,
الكهل : كان هنالك ثلاثون طالبا , يدرسون في نفس القسم , في ثانوية متواضعة , و بدأت السنة الدراسية
و كل الطلاب بملابس جديدة , و الجو مليئ بالألوان و السعادة تعم المكان ,
يبتسم سامر : و عاش الجميع بسعادة و هناء ههه ,
ينظر الكهل الى السماء قائلا : دعني اكمل يا فتى , دخل المدرس متعطرا , قائلا السلام عليكم , يعم السكوت ولا يرد احد ,
هنالك من يتكلم في الهاتف , و هنالك
من هو مشغول بزميلاته المتبرجات , فيكرر السلام , فيحس الجميع بالغرابة ,
فيقول المدرس :
دخل الاسلام غريبا , و سينتهي غريبا , تذكروا هذا يا اولاد , و احزنوا ,
فقد اتى زمن اصبح القاء السلام طلبا و ليس صدقة ,
فلا يعيره احد اهتمام ,
فيصعد الى الصبورة , يخرج الطباشير و يكتب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمْ
فتنطق فتاة : اظنك اخطات في القسم , فنحن ندرس رياضيات الان ,
فيدير راسه و لا يرد ,
يتوجه الى المكتب و يحمل القائمة ,
فتنطق الفتاة مجددا : هاي انت !
فينظر المدرس الى طالب يجلس في مؤخرة القسم ,
و تستمر الفتاة في التكلم ,
و المدرس ينظر الى الطالب ,
الى ان مرت الدقائق فتكلم الاستاد اخيرا : انت !
فلا يرد احد ,
فيشير الاستاد الى الطالب الجالس في المؤخرة قائلا : انت ! ماهو إسمك ؟
يقول الطالب باستهزاء : أحمد .
يدير راسه الى الفتاة فيسالها نفس الشيء فتقول : مروى ,
فيضرب الاستاد المكتب ليسكت الجميع و يقول : انصتوا للحظة ,
كرر إسمك يا فتى : احمد ,
و يبتسم نحو الفتاة : و انتِ ؟
فتقول : مروى , هل انت اطرش ؟
يقول الاستاد : هل سمعتم يا طلبة ؟ هل احتاج الى ان اكرر ؟
فيعم الصمت , فقد تغيرت ملامح الاستاد و اصبح جديا ,
فينطق احد الطلاب : و ما معنى هذا ؟
فيبتسم الاستاذ : ظننت انني مخطئ , فاردت ان اتاكد ,
ينظر الى مروى و يقول :
بالمناسبة , هل ترين هذه اللحية ؟ عمرها اكبر من عمرك ! فكيف تتجرئين
و تتكلمي مع استاذِك بهذه الطريقة ؟
و انت يا احمد ! الفتاة تتكلم و انت ساكت ! الفتاة ترد على الاستاذ , و انت ساكت ! من الرجل هنا ؟ انت ام هي ؟
لماذا يا اولادي ؟ لماذا تصمتون حين يصل الامر الى الحد ؟
هل يشترط ان اكون استاذ علوم إسلامية حتى ادَرِّس بِإسْمِ الله ؟
لماذا عم الصمت ؟ اليس لديكم هواتف و امور تهتمون بها ؟
انتم فئة رياضيات , و هذا يعني اني لو اردت ان اجعل كل القسم راسبا , لفعلت ذلك !
هل تحبون ان يصبح الامر هكذا ؟ ان يصل الى تهديد ؟
يعم الصمت لدقائق اخرى ,
فيقول مجددا : السلام عليكم !
فيرد الجميع السلام ,
فيقول الاستاذ : شكرا , و الان , سأنادي الجميع , ثم ساعطيكم تمارين خفيفة لاعرف مستواكم , ...
و استمرت حالة القسم على هذه الحالة لاشهر , حتى وصل وقت الامتحانات ,
و كانت ساعات الاستاذ الاسبوعية جحيما بالنسبة لكثير من الطلاب ,
مرت الامتحانات , و اتت النتائج ,
و نجح احمد فقط ,
فطرق باب المدير كثير من الناس , يشتكون من النتائج ,
في غضون ايام معدودة , طُرِد الأستاذ , بعد ان طلب حصة واحدة يودع فيها التلاميذ ,
اتى ذلك اليوم , الشيء الغريب ان جميع الطلاب اتوا ,
فدخل الاستاذ مثلما دخل المرة الاولى , و القى السلام ,
فرد الجميع السلام ,
فتوجه الى الصبورة , فوجد البسملة مكتوبة و مزخرفة ,
فإبتسم و نظر الى الطلاب قائلا : ماشاء الله , و لكن كيف لكم ان تاتوا بعد ان رسبتم من الإختبارات ؟
عم الصمت و لم يرد احد ,
فقال الاستاذ :
لن اطيل عليكم الحديث , سبب رسوبكم , هو اهتمامكم بامور تافهة , و رمي امور اَهَم,
تظنون انها تستحق العناء , و انها الاسهل , و لكن ماذا
استفدتم ؟ يشير الى احمد و يطلب منه الصعود الى الصبورة ,
فيصعد احمد خجلا و يقول : نعم يا استاذ ؟
انظروا اليه , هل فقد جزء من جسده ؟ هل حصل له مكروه ؟ هل ظلمته ؟ هل ظلم نفسه ؟
اجيبوني !
فيقول الجميع : لا يا استاذ !
الاستاذ : اذا لماذا ؟ الم تكن دروسي واضحة ؟ بالطبع لا , فاحمد نجح و بعلامة عالية ,
فينزل الجميع راسه ,
يبتسم الاستاذ :
تعلمون انه لا تزال لديكم فرصة , و هي نعمة , و انا ذاهب , و لا استطيع البقاء , هذه هي الدنيا ,
فهل اثق بكم لتبهروا الاستاذ الجديد ؟
يصيح الجميع : نعم يا استاذ ,
فيضحك الاستاذ : هل تعلمون سبب طردي ؟
فيقول احد الطلاب : النتائج يا استاذ .
فيدير راسه يمينا و يسارا و يقول : هل من اجابة اخرى ؟
فتقول مروى : مقولتك يا استاذ , ان الإسلام دخل غريبا و سينتهي غريبا !
الاستاذ : احسنتِ يا مروى , و مبارك عليك الحجاب ! لهذا يا اولادي , ان الطريق الصحيح اسهل , فكروا في الامر ,
ايهما اسهل ؟ ان تحمل ورقة و تدرس ؟ ام تقابل والديك بعلامات سيئة ؟
فلا يتكلم احد .
يقول الاستاذ و عينيه تطلان على النافدة :
ساروي لكم قصة خفيفة , ستكون عبرة لكم إن شاء الله ,
انا لم اولد مسلما , عائلتي كلها مسيحية , و ابي عمل قسا لاكثر من عشرين سنة ,
و ليلة قراءتي للقران كفضول فقط ,
جهزت جوا حميميا , الشموع و الاضاءة , مثل الافلام ,
و كل ما اقرا اية , انتظر سقوط شمعة ,
اقول في نفسي : يا الهي انا مستعد للدخول الى الاسلام ,
كل ما احتاجه هو اشارة , ربما انغلاق نافدة او اضاءة غريبة , او غراب يدخل الى الغرفة ,
يقولها و هو يبتسم تحسرا على تلك الايام و ترافقه ابتسامات التلاميذ .
فيكمل :
اقرا الاية التالية فلا يحدث شيء ,
فاقرا الثالثة و انتظر دخول الريح , او اي شيء يثبت ان الله موجود ,
و ان هذا الكلام مقدس ,
فسئمت و كنت ساقوم بغلق الكتاب و اكمل حياتي مقتنعا بديني ,
و لكن هل تعلمون ماذا حصل يا تلاميذ ؟
كانت الاية التالية , قال الله تعالى : " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و مالها من فروج * "
فاحسست ان الله يخاطبني , و احسست اني اعمى , حيث كل هذا امامي , و انا ابحث عن المزيد !
يفتح جميع الطلاب افواههم دهشة و حيرة ,
حينها قال الاستاذ:
نفس الشيء , انتم تنتظرون اشارة الى ان تدرسوا , تنتظرون الهاما ,
الى ان تنجحوا ,
انتم تنتظرون سببا , يرغمكم على القراءة ,
و لكن كل الاسباب و الاشارات موجودة ,
فالدراسة عبادة , و تعليم الناس عبادة ,
و كذلك افراح الوالدين و الى غير ذلك ,
فما الذي تريدونه اكثر من هذا ؟
ينظر اليهم و يصيح :
هل تحتاجون اربعة اعين لتروا الامر ؟
لا و الله ,
ساذهب الان يا تلاميذي , وضعت تحت كل طاولة رسالة لكل منكم ,
تجدون فيها ما يسركم إن شاء الله , كتبا و نصائح ,
و الان , انا اعتذر ان لم اقم بواجبي على اكمل وجه , و اي احد لديه اي شيء يقوله فيتفضل ,
ساقفل عيناي حتى لا اراه , يقولها و هو يبتسم !
و بينما اعين الاستاذ تكلم اذنيه لتحزر صوت الطالب الذي سيتكلم ,
ينهض الجميع و يتجهون اليه و يحضنه الكل تعبيرا لما قام به ,
****
سامر و فمه مفتوح : اكمل يا عم ! لماذا توقفت ؟
يضع المتسول يده على راس سامر : ساترك الباقي لتتخيله بنفسك !
سامر : و لكن لماذا ؟ لماذا لم تكمل القصة ؟
يقول الكهل : او ليست النهاية واضحة ؟ الم تفهم سبب سردي للقصة ؟
يعم الصمت و يفكر سامر : هل تقصد انني احد الطلاب ؟
يبتسم الكهل : نعم , و انت اخترت الطريق الصعب ,
و لكن , لن تقابل والديك بعلامات سيئة , بل ستقابل ربك ! قال الاستاذ للتلاميذ ان لديهم فرصة ثانية , صحيح ؟ انت ايضا ,
فاحمد الله على العمر الذي اعطاه لك ,
و على كوني معك الان لانصحك , هل تعلم ماهو احسن شيء في القصة ؟
سامر : نجاح احمد ؟
يضحك الكهل : لا , ان الاستاذ إنسان , و افعاله تحتمل الخطا ,
لكن الله لا يخطئ , و هو يمهل ,
فيرتاح سامر و لا يستطيع قول كلمة ,
الكهل :
لكن ...... هو لا يهمل ! فلماذا لا تكون احمد ؟ هل تظن ان حياتك اصبحت كارثة ؟ لما لا تعيد التفكير ,
ستجد انها لم تكن كذلك , بل انت الان قررت الرسوب ,
بمحض إرادتك , و الشيء المختلف الوحيد , هو انك تفكر فيها الان بجدية , انك فتحت عينيك للحظة ,
قال : قال المدرس : الم تكن دروسي واضحة ؟
و كذلك الله , هل تحتاج الى ان ترى السماء تسقط ؟ الا تكفيك كل هذه المعجزات ؟ انظر الى نفسك ,
كيف ستفسر ما فعلت ؟
و هل ساعيش معك دائما لانبهك ؟
لا , فنحن شبه آلآت ,
ابتسم الكهل و قال : عندما تشتري مكنسة , ماذا تجد معها ؟
ستجد دليلا و تعليمات ,
كذلك الإنسان , فقد اعطانا الله كتابا , القران الكريم , حتى لا تكون لدينا حجة ,
اقولها و اكرر : هل تفضل ان تكون احمد ؟
فقال سامر : نعم !
يبتسم الكهل : اجابة خاطئة , يجب ان تكون افضل ! لا تضع ابدا قدوة لك غير رسول الله صلى الله عليه و سلم , لا تقارن نفسك بالاخرين , بل خد طمعك و ضعه في
المسار الصحيح , و اطمع الدخول للجنة , و ان يرضى الله عليه , ولا تهرب من الله بعد ما فعلت ,
بل اقترب منه و اطلب الغفران , فالله غفور رحيم ,
تنزل دموع سامر و يكاد لا يصدق ما فعل و يتذكر كلام ابيه حين قال : لا تنسى مبادئك يا بنى !
ينهض الكهل و يمسك يد سامر : هل انت مستعد ؟
يمسك سامر يد الكهل و ينهض : نعم !
يقول الكهل : و الأن اذهب , ولا تسال عن حالتي , و تذكر ان الاستاذ لم يكن مع التلاميذ في باقي الفصول ,
و كذلك انا , لن اكون معك يوم مماتك , اتمنى لك التوفيق ,
فيحضن سامر الكهل و يشكره ,
الكهل : إذهب الان !
فيمشي سامر بخطوات قصيرة و يدير راسه الى الخلف و يلوح بيديه وداعا ,
ينظر الى السماء و يقول : الحمد لله !
و يحمل دراجته و اغراضه و ينطلق ليبحث عن اقرب مسجد ليتوب توبة نصوحة و يكمل طريقه ,
مؤمنا ان العمل عبادة ! و كلام الكهل يدور برأسه .

الطقم من تصميم المبدع Ali Alshehri الملقب بتايقر ,
يمكنكم مراسلته عبر صفحة الفيس بوك ,
و انا اشكره جزيل الشكر على ما قدمه لي ,
فقد اعطى طعما ثمينا للرواية يسهل للقارئ متابعتها ,
اتمنى له التوفيق و النجاح في مجال التصميم .

التعديل الأخير تم بواسطة Anarchy ; 08-22-2014 الساعة 07:05 PM
|