أما بعد:
دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
فسأله عن كاتبه فقال: (لي كاتب نصراني) (يبدو أنه اتخذه لتميزه في الكتابة )، فعنف عمر
رضي الله عنه تعنيفا شديدا، ثم قال له أما سمعت قول الله -عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]. ألا اتخذت كاتباً حنيفاً؟ قال: (يا أمير المؤمنين! لي
كتابته وله دينه )، فقال عمر: (ألا لا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تُعزّوهم وقد أذلهم الله،
ولا تدنوهم وقد أقصاهم الله) ذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.
روى مسلم في صحيحه والإمام أحمد واللفظ له عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الجمرة (حرة الوبَرة)
فقال: (إني أردت أن أتبعَك وأصيبَ معك) (يعني من الغنائم) قال: (تؤمن بالله عز وجل
ورسوله؟)قال: لا! قال: (ارجع فلن نستعين بمشرك) قال: ثم لحقه عند الشجرة ففرح
بذاك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له قوةٌ وجَلَد، فقال: (جئت لأتبعَك
وأصيب معك )، قال: (تؤمن بالله ورسوله؟)قال: لا! قال: (ارجع فلن أستعين بمشرك )،قال:
ثم لحقه حين ظهر على البيداء فقال له مثل ذلك، قال: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: نعم! قال: فخرج به.
وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بأفراد من الكفار في خيبر وحنين، لعل ذلك لتأليف
قلوبهم بما يصيبون من غنائم، ولذلك ذكر أهل العلم شروطا للاستعانة بالكفار في القتال،
من أهمها وجود الحاجة لذلك، وأن يكون أمر المسلمين بيدهم لا بيد الكفار.
إخوة الإسلام، ذكر أهل العلم استنباطا من الأدلة في القرآن والسنة؛ أن الناس في الولاء
والبراء على أقسام ثلاثة: القسم الأول: من تجب محبته لله؛ محبة خالصة لا معاداة فيها،
وهم المؤمنون من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وعلى رأسهم نبينا صلى الله
عليه وسلم وصحابته من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
والقسم الثاني: من يُبغض ويعادى في الله، بغضا خالصا لا محبة معها، وهم الكفار على
اختلافهم. ويلحق بهؤلاء المنافقون الذين ظهر نفاقهم وكفرهم بمحاربتهم للدين.
كما يُلحق بهم أهل البدع المكفرة ممن ينتسبون إلى الإسلام.
والقسم الثالث: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فتجتمع فيه المحبة والعداوة،
فلهم حقوق أهل الإسلام من المحبة والمناصرة وغيرها من الحقوق، مع بغضٍ لهم على
قدر معاصيهم التي أظهروها، وهؤلاء هم من ظهرت معاصيهم من المؤمنين، يحبون على
قدر ما فيهم من الإيمان والتوحيد، ويُبغضون لما فيهم من المعاصي. ويُلحق بهم أهل البدع
غير المكفرة.
وختاما، ننبه إلى أن البراء من الكفار لا يكون بالاعتداء عليهم، أو ظلمهم، أو عدم إعطائهم
حقوقهم، بل ديننا دين العدل والأخلاق.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا من حبك. اللهم اجعلنا أذلة
للمؤمنين أعزة على الكافرين. اللهم ارزقنا محبة المؤمنين، وبغض الكافرين.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،
ربنا إنك رؤوف رحيم.
الله أعز الإسلام والمسلمين...