

وسبحان الله ! كم رأى الناس من هذا عبرا !!!

... وثم أمر أخوف من ذلك وأدهي وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار , والإنتقال الى الله تعالى , فربما تعذر عليه النطق بالشهادة , كما شاهد الناس كثيراً من المحتضرين أصابهم ذلك .
حتى قيل لبعضهم قل : لا إله إلا الله , فقال: آه آه لا أستطيع أن أقولها .
وقيل لآخر قل : لا إله إلا الله , فقال : شاه رخ غلبنك ثم قضى(اي مات) .
وقيل لآخر قل : لا إله إلا الله, فقال:
يارب قائلة يوما وقد تعبت * أين الطريق إلى حمام منجاب
ثم قضى (مات).
وقيل لآخر قل : لا إله إلا الله , فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتا ننتنتا فقال وماينفعني ما تقول ولم أدع معصية الا ركبتها ثم قضى ولم يقلها .
وقيل لآخر ذلك فقال : وما يغني عني وما أعلم أني صليت لله تعالى صلاة ثم قضى(مات) ولم يقلها .
وقيل لآخر ذلك فقال : هو كافر بما تقول وقضى(مات) .
وقيل لآخر ذلك فقال : كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها .
وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته فجعل يقول: لله فلس .. لله فلس .. حتى قضى (مات).
وأخبرني بعض التجار عن قرابة له انه احتضر وهو عنده فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول : هذه القطعة رخيصة هذا مشتري جيد هذه كذا حتى قضى (مات).
وسبحان الله ! كم شاهد الناس من هذا عبراً والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان واستعمله بما يريده من المعاصي وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى وعطل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته فكيف الظن بهعند سقوطه قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع وجمع الشيطان له كلقوته وهمته وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرضته فان ذلك آخر العمل فاقويما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة فمن ترى ذلك فهناك ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل اللهالظالمين ويفعل الله ما يشاء) .
فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عنذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا .
فبعيد من قلب بعيد من الله تعالى غافل عنه متعبد لهواه مصير لشهواته ولسانه يابس من ذكره وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصية اللهأن يوفق لحسن الخاتمة .
ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعا بالايمان (أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم) .
يا آمنا من قبيح الفعل يصنعه * الشياطين أتاك تواقيع تملكه
جمعت شيئين أمنا واتباع هوى * هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب المخاوف قد * ساروا وذلك درب لست تسلكه
فرطت في الزرع وقت البذر من سفه * فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعجب شىء منك زهدك في * دار البقاء بعيش سوف تتركه
===
من كتاب :
( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي )
أو :
( الداء والدواء )
لأبن القيم الجوزية - رحمه الله تعالى -
===
نسأل الله أن يختم لنا بالحسنى وأن تكون آخر كلمة لنا في هذه الحياة :
لا إله إلا الله , محمد رسول الله
منقول