قسم تقارير الشخصيات الإسلامية هذا القسم سيكون مرجعاً للشخصيات الإسلامية بنبذات مطولة عنهم وعن ماضيهم و عن ما قاموا بإنجازه
( يمنع وضع النقاشات السياسية أو النقاشات المنقولة ) |
|
#1
|
||||
|
||||
مُميٍز:-●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . .: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :. أسعد الرحمن أيامكُم ولياليكُم بطاعته وحسن الأعمال كـيـف حـالكُم , وأحـوالـكُم أيـهـا الـكـرام الأعـزاء .؟ عساكُم بخير وكُلُ الأمورِ بخير وعافية وصـحة . ● ● ● ● ● ● ● ● . الحمدلله , بفضل الله عُدنا مُجدداً لنُكمل هذه السلسلة , سيرة مولانا عُمـر بن الخطاب رضيَ الله عنه بإذن الله , ولزيارة الأجزاء السابقة مِن السلسلة :- / / .. .. / / ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الأول || ~ ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~ ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~ / / .. .. / / نسأل الله تعالى أن تكون هذه السلسلة مصدر فائدة وأستفادة وأن يتقبله خالصاً لعظمته ~ والنبدأ بالموضوع على بركة الله :- . ● ● ● ● ● ● ● ● . .الفصل الخامس ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:02 PM | #2 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . خامساً: البحرين: عندما تولى عمر أمر المسلمين كان العلاء بن الحضرمي والياً على البحرين، فأقره عمر في بداية خلافته والياً عليها واستمر عليها حتى سنة أربع عشرة على أرجح الأقوال([22])، وقد اشترك العلاء رضي الله عنه في الجهاد المبكر في نواحي بلاد الفرس، وكان له دور رئيس فيه، وفي أواخر فترة ولاية العلاء على البحرين أصدر عمر رضي الله عنه قراراً بعزله العلاء عن الولاية، ونقله إلى ولاية البصرة وقد كره العلاء ذلك فتوفي قبل أن يصل البصرة ودفن في البحرين وقد قيل في سبب عزله إنه غزا فارس عن طريق البحرين دون إذن من عمر وكان عمر يكره أن يحمل المسلمين في البحر، وبعد وفاة العلاء تولى على البحرين عثمان بن أبي العاص، فأخذ يجاهد ما يليه من نواحي بلاد فارس، حتى وصل في بعض فتوحه إلى نواحي السند، وقد صدرت أوامر عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن أبي العاص تأمره بالتعاون في فتوحه مع والي البصرة أبي موسى الأشعري فأصبحت جيوشهما تتعاون في غزو فارس عن طريق البصرة([23]). وقد اشتهر عن عثمان بن أبي العاص ورعه وبعده عن الوقوع في الحرام([24])، وقد تولى عثمان ولاية البحرين لعمر مرتين على الأقل إذ أنه ولاه للمرة الأولى في السنة الخامسة عشرة ثم احتاج إليه لقيادة بعض الجيوش في نواحي البصرة، ليشترك في فتوحاتها، وقد تولى (عيّاش بن أبي ثور) ([25]) البحرين بعد عثمان بن أبي العاص، ويبدو أن فترته لم تطل، ثم ولى عمر على البحرين (قدامة بن مظعون) رضي الله عنه الذي صحبه أبو هريرة ووليَ له أمر القضاء في البحرين بالإضافة إلى بعض المهام الأخرى، وخلال فترة ولاية قدامة للبحرين امتدحه الناس، إلا أنه حدث في آخر ولايته أن اتهم رضي الله عنه بشرب الخمر، وبعد التحقيق ثبتت التهمة، فأقام الفاروق عليه الحد وعثمان بن مظعون خال أولاد عمر بن الخطاب، عبد الله وأم المؤمنين حفصة([26])، وقد غضب عثمان على عمر إلا أن عمر أصر علي إرضائه وكان يقول: إني رأيت رؤيا أنه قد أتاني آت في منامي فقال لي: صالح قدامة فإنه أخوك([27]) وقيل إن عزل قدامة عن ولاية البحرين كان في سنة عشرين([28]) للهجرة، وقد تولى على البحرين بعد قدامة الصحابي المعروف (أبو هريرة) رضي الله عنه وقد كان أبو هريرة يتولى بعض المسؤوليات في البحرين أثناء ولاية قدامة بن مظعون السابقة وكان ضمن الشهود الذين شهدوا على قدامة في الخمر، وقد أصدر عمر رضي الله عنه أمراً بتولية أبي هريرة على البحرين بعد عزله لقدامة([29]) وقد ولى البحرين لعمر فيما بعد عثمان بن أبي العاص الثقفي مرة أخرى واستمر والياً عليها حتى توفي عمر([30])، وقد وردت في كثير من النصوص ولاية البحرين مضافة إليها عمان، ووردت روايات عند تولية عثمان بن أبي العاص أنه ولي البحرين واليمامة([31]) وهذه الروايات تعطينا دلالة قوية على مدى ارتباط البحرين بكل من عمان واليمامة، وأن هذين القسمين ربما اعتبرا جزءاً من ولاية البحرين خلال عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يخفى مدى الارتباط الجغرافي والبشري بين هذين الإقليمين وبين البحرين، وقد يفيد تعبير البحرين وما والاها الذي يردده المؤرخون ووجود توابع للبحرين ربما كان المقصود بها عمان واليمامة، وقد كانت البحرين مصدراً رئيسياً للخراج والجزية، وهذا يدل على ثراء هذه الولاية في تلك الأيام، وقد شاركت قبائل البحرين المسلمة وأمراؤها في بلاد فارس والمشرق، وكان لهم دور مهم في تلك الفتوح([32]). ● ● ● ● . سادساً: مصر: كان عمرو بن العاص رضي الله عنه هو الذي تولى فتح مصر وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله عند حديثنا عن الفتوحات وأقره عمر والياً عليها، واستمر في ولايته حتى توفي عمر بن الخطاب رغم اختلافه مع عمر في بعض الأحيان مما كان يدفع عمر إلى التهديد بتأديبه وكان عمرو هو والي مصر الرئيسي، مما كان يرد من وجود بعض الولاة الصغار الآخرين في مصر مثل ما ورد عن ولاية عبد الله بن أبي السرح على الصعيد إبان وفاة الخليفة عمر([33])، ومن الملاحظ في فترة ولاية عمرو بن العاص لمصر في عصر عمر كثرة تدخل الخليفة عمر في شؤون الولاية المختلفة([34])، وقد استفاد عمرو بن العاص من خبرة الأقباط في قضايا الخراج والجزية فاستخدمهم في هذا العمل([35])، وقد اشتهر عن عمرو منعه لجنوده من الزراعة والاشتغال بها ومعاقبة من يخالف ذلك بناءً على أوامر عمر بن الخطاب([36]) وكان هذا بالطبع لتفريغ الجنود لأمور الجهاد، وعدم الركون إلى الدعة، أو الارتباط بالأرض، وقد كان للجند من الأرزاق التي تصرف من بيت المال ما يغنيهم عن ذلك، وقد استطاع عمرو بن العاص بمتابعة من الخليفة عمر تنظيم أمورها في سنوات قليلة حتى أخذت مكانتها كولاية كبرى من ولايات الدولة، وجرى فيها من الأحداث مما يدل على استقرار أوضاع الولاية، بالرغم من المخاطر التي كانت تحدق بها من جراء محاولة الروم المستمرة استعادتها عن طريق غزو الإسكندرية من ناحية البحر، وقد كانت هذه الولاية أرضاً خصبة لانتشار الإسلام فيها في عهد الخليفة عمر نظراً لما ظهر فيها من عدل بين الناس ورحمة، لم يعهدهما أهلها من قبل بالإضافة إلى اقتناعهم بحقائق الإسلام وتعاليمه السمحة فأصبحوا جنداً من جنوده، وكانت الأمور الإدارية في مصر تمضي بطريقة بسيطة إذ كان عمرو وهو الوالي وهو المسؤول عن الخراج، ولا يمنع هذا من استعانة عمرو ببعض الولاة على مناطق أخرى تابعة له كما مرّ، ولكن الوالي الرئيسي والمسؤول أمام الخليفة هو عمرو بن العاص طوال فترة حكم عمر بن الخطاب، وقد استفاد عمرو من بعض أهل البلاد في ترتيب أمور الخراج وتنظيم شؤونها المالية([37]). ● ● ● ● . سابعاً: ولايات الشام: حينما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان المسؤول عن جيوش الشام وبلادها هو خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة أصدر أمراً بعزل خالد بن الوليد عن ولاية الشام وتعيين أبي عبيدة بن الجراح مكانه أميراً لأمراء الشام، ومسؤولاً مباشراً عنهم ووالياً على الجماعة فيها([38])، وحينما تولى أبو عبيدة على الشام أخذ ينظم أمورها، ويعين الأمراء من قبله على المناطق المختلفة فيها، وأخذ يعيد تنظيمها حيث كان على بعضها أمراء سابقون فمنهم من أقره أبو عبيدة ومنهم من عزله، يقول خليفة بن خياط: فولى أبو عبيدة حين فتح الشامات يزيد بن أبي سفيان على فلسطين وناحيتها، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق وحبيب بن مسلمة على حمص ثم عزله، وولى عبد الله بن قرط الثمالي([39])، ثم عزله، وولى عبادة بن الصامت ثم عزله ورد عبد الله بن قرط([40])، وكان يبعث أحياناً بعض أصحابه لتولي مناطق من الشام لفترة معينة، ذلك أن أبا عبيدة بعث معاذ بن جبل على الأردن([41])، ومن ذلك إنابته لبعض الناس مكانه حين كان يسافر للجهاد فقد أناب سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل([42])، على دمشق حين خروجه إلى بيت المقدس،وكان أبو عبيدة رحمه الله طوال فترة ولايته على الشام مثالاً للرجل الصالح الورع الذي يقتدي به بقية أمرائه ويقتدي به العامة، وقد استشهد كما مرّ معنا في طاعون عمواس ثم تولى بعده معاذ، فاستشهد بعده بأيام وحينما علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بوفاة أبي عبيدة ووفاة معاذ من بعده عين على أجناد الشام يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وفرق أمراء آخرين على الشام، وقد كان يزيد صاحب خبرة في إمارة الأجناد، إذ كان على رأس أحد الجيوش التي بعثها أبو بكر إلى الشام للفتح، كما أن أبا عبيدة قد استخلفه عدة مرات على دمشق أثناء غزواته([43])، وقد ذكر المؤرخون أن عمر حينما ولّى يزيد على أجناد الشام حدد أمراء آخرين وزعهم على المناطق واختص يزيد بفلسطين والأردن([44])، وتعتبر فترة يزيد على الشام قصيرة لذلك يقل الحديث عنها في المصادر التاريخية وقد توفي يزيد في السنة الثامنة عشرة، وقبيل وفاته استخلف أخاه معاوية بن أبي سفيان على ما كان يتولاه وكتب إلى عمر كتاباً في ذلك، وكانت مدة ولاية يزيد قريباً من السنة([45])، وأقرّ عمر رضي الله عنه ولاية معاوية وأجرى تعديلات في إدارة الشام بعد وفاة يزيد، وقد حدد لمعاوية جند دمشق وخراجها، وحدّ من سلطات معاوية في القضاء والصلاة حيث بعث إليه برجلين من أصحاب رسول الله r وجعلهما على القضاء والصلاة([46])، وهذا فيه تحديد لسطات معاوية خصوصاً أن الصلاة وكلت إلى غيره وكان الأمير في العادة هو أمير الصلاة، ولعل هناك أسباباً دفعت عمر إلى هذه السياسة الجديدة التي بدأت تظهر في الأقاليم الأخرى وبالأسلوب نفسه الذي نهجه مع معاوية تقريباً، وقد اشتهر معاوية بالحلم والبذل مما جعل مجموعات من الناس تلحق بولايته من العراق وغيرها([47])، وقد قام عمر بتعيين بعض الأمراء في الشام، وجعل ولايتهم من قبل معاوية، وخلال ولاية معاوية على بلاد الشام كان في بعض الأحيان يقوم ببعض الغزوات ضد الروم في شمال الشام وهي ما عرفت بالصوائف([48])، وقد استمر معاوية والياً على الشام بقية عصر عمر حتى وفاته رضي الله عنه، مع وجود أمراء آخرين في مناطق معينة من الشام لهم اتصالهم المباشر بالخليفة في المدينة المنورة، إلا أن معاوية يعتبر أشهرهم، حيث كان والياً على البلقاء والأردن وفلسطين وانطاكية وقلقيلية ومعرة مصرين وغيرها من مدن الشام([49])، وقد سماه بعض المؤرخين والي الشام بينما تحفط بعضهم فقالوا حين ذكروا ولاة عمر ومعاوية بن أبي سفيان على بعض الشام ولكن بعضهم ذكر أنه قبل موت عمر جمع الشام كلها لمعاوية بن أبي سفيان([50])، ولابد من التنبيه على أن الولايات كانت تجري فيها تغييرات مستمرة تبعاً للظروف العسكرية والظروف العامة للدولة في تلك الأيام، فكانت الأردن أحياناً تستقل وأحياناً تضم لها أقاليم وأحياناً تنزع منها أقاليم وتضم إلى الشام أو إلى فلسطين إلى غير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره([51]). ● ● ● ● . ثامناً: ولايات العراق وفارس: كانت الفتوحات قد بدأت في العراق أيام أبي بكر رضي الله عنه وكانت في البداية تحت إمارة المثنى بن حارثة الشيباني إلى أن قدم خالد بن الوليد إلى العراق، فجعل الولاية له، فلما أمره بالمسير إلى الشام أعاد أبو بكر الولاية مرة أخرى إلى المثنى بن حارثة، وحينما تولى الخلافة عمر بن الخطاب عزل المثنى وعين أبا عبيدة بن مسعود الثقفي، وكان عزل المثنى في الوقت نفسه الذي عزل فيه خالداً، مما أثار استغراب الناس فقال عمر: إني لم أعزلهما في ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما([52])، ومع عزل المثنى فقد كان جندياً مخلصاً اشترك مع أبي عبيد في معظم معاركه وأبلى بلاء حسناً([53]) وبعد استشهاد أبي عبيد عاد المثنى إلى القيادة ثم تولى قيادة جيوش العراق سعد بن أبي وقاص، وقد انتقضت على المثنى جراحه التي أصابته يوم الجسر فمرض منها ومات قبل أن يصل سعد بن أبي وقاص للعراق([54]) فقد كانت البصرة قد بدأت بالظهور على مسرح الأحداث كولاية قبيل معركة القادسية، إلا أن انتصار القادسية وسقوط المدائن في يد المسلمين يعتبر بداية مرحلة جديدة وقوية في بلاد العراق، بدأ فيها تنظيم الولايات يأخذ شكلاً معيناً وبارزاً تتضح فيه الملامح العامة سواء في ولاية البصرة أو ولاية الكوفة، وما ألحق بكل منهما من المدن والقرى التي كانت تتبع كلاً منهما من أقاليم فارس والعراق، أو ما استقل عنهما من الولايات في بلاد فارس([55]). ● ● ● ● . - ولاية البصرة: وجه عمر بن الخطاب إلى نواحي البصرة قبل إنشائها شريح بن عامر، أحد بني سعد بن بكر مدداً لقطبة بن قتادة ثم ولاه عمر في نواحي البصرة، وقتل في إحدى المعارك([56])، ثم قام عمر بن الخطاب بإرسال عتبة بن غزوان إلى نواحي البصرة مع مجموعة من الجند وولاه عليها، وذلك في السنة الرابعة عشر وليس في السادسة عشر كما يرجح ذلك صالح أحمد العلي إذ يقول: ويزعم بعض المؤرخين أن عتبة أرسل سنة 16هـ بعد معركة القادسية أو جلولا ولكن الأغلبية المطلقة من المؤرخين يؤكدون أنه أرسل سنة 14هـ مما يجعلنا نرجح روايتهم([57])، وقد كانت مرحلة ولاية عتبة على البصرة مرحلة تأسيسية وهامة في حياة هذه الولاية، فقد كانت حافلة بالعديد من الأعمال الجليلة، ومنها مجموعة من الفتوح قام بها في بلاد الفرس القريبة منه على ضفتي دجلة والفرات([58])، وقد استعفى عتبة من عمر فأبى عمر أن يعفيه وكان ذلك في موسم الحج وعزم عليه عمر ليرجعن إلى عمله ثم انصرف فمات في الطريق إلى البصرة، فلما بلغ عمر موته قال أنا قتلته، لولا أنه أجل معلوم، وأثنى عليه خيراً وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة([59]) ثم تولى من بعده المغيرة بن شعبة وهو أول من وضع ديوان البصرة واستمر والياً على البصرة إلى أن عزله عمر رضي الله عنه في السنة السابعة عشرة من الهجرة بعد التهمة الموجهة إلى المغيرة بالزنا وقد قام عمر بالتحقيق وثبتت براءة المغيرة وجلد الشهود الثلاثة وقام عمر بعزل المغيرة، من باب الاحتياط والمصلحة، وولاه عمر فيما بعد على أماكن أخرى([60])، وبعد عزل المغيرة بن شعبة ولّى عمر على البصرة أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، ويعتبر أبو موسى – بحق – أشهر ولاة البصرة أيام عمر بن الخطاب، فقد فتحت في أيامه المواقع العديدة في فارس، فكان يجاهد بنفسه ويرسل القواد للجهات المختلفة من البصرة، ففي أيامه تمكن البصريون من فتح الأهواز وما حولها وفتحوا العديد من المواضع المهمة وكانت فترة ولايته حافلة بالجهاد، وقد تعاون أبو موسى مع الولاة المجاورين له في كثير من الحروب والفتوحات، وقد قام بجهود كبيرة لتنظيم المناطق المفتوحة وتعيين العمال عليها وتأمينها وترتيب مختلف شؤونها، وقد جرت العديد من المراسلات بين أبي موسى وعمر بن الخطاب في مختلف القضايا منها توجيهه لأبي موسى في كيفية استقباله للناس في مجلس الإمارة ومنها نصيحته لأبي موسى بالورع ومحاولة إسعاد الرعية، وهي قيّمة قال فيها عمر: أما بعد فإن أسعد الناس من سعدت به رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته، إياك أن ترتع فيرتع عمالك، فيكون مثلك عند ذلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرتعت فيها تبغي السمن وإنما حتفها في سمنها([61])، وهناك العديد من الرسائل بين عمر وأبي موسى تدل على نواحٍ إدارية وتنفيذية مختلفة كان يقوم بها أبو موسى بتوجيه من عمر، وقد جمع معظم هذه المراسلات محمد حميد الله في كتابة القيم عن الوثائق السياسية([62])، وتعتبر فترة ولاية أبي موسى على البصرة من أفضل الفترات حتى لقد عبر عنها أحد أحفاد البصريين فيما بعد، وهو الحسن البصري رحمه الله فقال: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى([63])، إذ أن أبا موسى رحمه الله كان بالاضافة إلى إمارته خير معلم لأهلها، حيث علّمهم القرآن وأمور الدين المختلفة([64])، وفي عهد عمر بن الخطاب كان العديد من المدن في فارس، والتي فتحت في زمنه تخضع للبصرة وتدار من قبل والي البصرة الذي يعين عليها العمال من قبله، ويرتبطون به ارتباطاً مباشراً وهكذا اعتبرا أبو موسى من أعظم ولاة عمر اعتبر مراسلات عمر مع أبي موسى من أعظم المصادر التي كشفت سيرة عمر مع ولاته، وبيّنَت ملامح أسلوبه في التعامل معهم([65]). ● ● ● ● . - ولاية الكوفة: يعد سعد بن أبي وقاص أول ولاة الكوفة بعد إنشائها بل إنه هو الذي أنشأها بأمر عمر، وكان له الولاية عليها وعلى المناطق المجاورة لها قبل بناء الكوفة، وقد استمر سعد والياً على الكوفة وقام بدوره على أكمل وجه، وكانت لسعد فتوحات عظيمة بعد استقراره بالكوفة في نواحي بلاد فارس([66])، كما كان لسعد مجموعة من الإصلاحات الزراعية في ولايته، منها أن مجموعة من الدهاقين سألوا سعداً أن يحفر لهم نهراً لصالح المزارعين في مناطقهم، فكتب سعد إلى عامله في المنطقة يأمره بحفر النهر لهم فجمع العمال وحفر النهر، وقد كان سعد ينظم أمور المناطق التابعة للكوفة ويعين عليها الولاة من قبله بعد التشاور مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد أعجب عقلاء أهل الكوفة بسعد بن أبي وقاص وامتدحوه، فحين سأل عمر بن الخطاب أحد مشاهير الكوفة عن سعد أجاب: أنه متواضع في جبايته عربي في نمرته أسد في تأمُّرِه يعدل في القضية ويقسم بالسوية، ويبعد بالسرية ويعطف عليها عطف البرة وينقل علينا خفياً نقل الذرة([67])، كما سأل عمر جرير بن عبد الله عن سعد بن أبي وقاص وولايته فقال جرير: تركته في ولايته أكرم الناس مقدرة وأقلهم قسوة هو لهم كالأم البرة يجمع لهم كما تجمع الذرة أشد الناس عند البأس وأحب قريش إلى الناس([68])، ومع اقتناع خيار أهل الكوفة وعقلائها بسعد وامتداحهم له فقد وقعت بعض الشكاوي ضده من قبل بعض عوام الناس فتم عزله وسيتم بإذن الله بيان ذلك عند حديثنا عن الشكاوى ضد الولاة، وبعد عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة أصدر عمر قراراً بتعيين عمار بن ياسر على صلاة الكوفة، ويلاحظ أن عماراً رضي الله عنه كان ضمن القادة الذي كانوا في الكوفة، وكان سعد بن أبي وقاص يستعين بهم أثناء ولايته على الكوفة ولذلك كانت لدى عمار خبرة سابقة وشبه كاملة عن الولاية قبل أن يتولى عليها، وتختلف ولاية عمار هذه عن ولاية سعد، إذ أن عمر جعل مع عمَّار أناساً آخرين يشتركون معه في المسؤولية ويتقاسمون المهام، فكان عمار على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض، لذلك اختلف الوضع إلى حد ما في الولاية في هذه المرحلة عما كانت عليه أيام سعد، ولا يمكننا تجاهل هذا التوزيع الجديد للمسؤولية في الولاية، وقد قام كل منهم بما نيط به من أمور، فكان عمار يقوم بالصلاة، وينظم أمور الولاية وشؤونها ويقود الجيوش، فقام ببعض الفتوح، واشترك أهل الكوفة في أيامه في عدد من المعارك ضد الفرس الذين جمعوا الجموع ضد المسلمين، فكان عمار يدبر ولايته بمقتضى تلك الظروف الحربية حسب توجيهات عمر بن الخطاب، وقد استمر عمار يؤدي مهمته في ولاية الكوفة مع ابن مسعود إضافة إلى قيامه بالشؤون المالية للولاية يقوم بتعليم الناس القرآن وأمور الدين([69])، وكانت ولاية عمار لأهل الكوفة قرابة سنة وتسعة أشهر، وعزله عمر بناء على عدة شكاوى من أهل الكوفة ضده وقد قال عمر لعمّار أساءك العزل؟ فقال عمّار ما سرني حين استعملت ولقد ساءني حين عزلت، وقيل إنه قال ما فرحت حين وليتني ولا حزنت حين عزلتني([70])، كما ذكر أنه استعفى عمر حين أحس بكراهية أهل الكوفة له فأعفاه عمر ولم يعزله([71]) ثم عين عمر جبير بن مطعم على الكوفة ثم عزله قبل أن يتجه إلى الكوفة، نظراً لأن عمر أمره بكتمان خبر التعيين، ولكن الخبر انتشر بين الناس فغضب عمر وعزله ثم تولى ولاية الكوفة المغيرة بن شعبة واستمر يؤدي واجبه والياً للكوفة إلى أن توفي عمر بن الخطاب([72]). ● ● ● ● . - المدائن: كانت المدائن عاصمة كسرى، قد تم فتحها من قبل سعد بن أبي وقاص، واستقر بها سعد فترة من الوقت ثم انتقل منها إلى الكوفة بعد تمصيرها، وقد كان ضمن جيش سعد سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو الذي اشترك في العديد من المعارك ضد الفرس، وكان له دور كبير في دعوتهم إلى الإسلام قبل القتال وقد ولاه عمر بن الخطاب على المدائن فسار في أهلها سيرة حسنة، فقد كان مثالاً حياً لتطبيق تعاليم الإسلام، وقد ذكر أنه كان يرفض الولاية لولا أن عمر أجبره على قبولها، فكان يكتب إلى عمر يطلب الإعفاء فيرفض عمر ذلك، وقد اشتهر عن سلمان رضي الله عنه زهده، فكان يلبس الصوف، ويركب الحمار ببرذعته بغير اكاف ويأكل خبز الشعير وكان ناسكاً زاهداً([73]) وقد استمر سلمان يعيش في المدائن إلى أن توفي على أرجح الأقوال سنة 32هـ في خلافة عثمان بن عفان، ويبدو أن سلمان لم يكن والي المدائن في أواخر أيام عمر رضي الله عنه إذ أن عمر قد عين حذيفة بن اليمان على المدائن ولم يذكر المؤرخون عزل عمر لسلمان، فلعله استعفى عمر فوافقه بعد أن كان يمانع في إعفائه وولى بعده حذيفة بن اليمان، وقد ورد العديد من الأخبار عن ولاية حذيفة على المدائن منها كتاب عمر إلى أهل المدائن بتعيين حذيفة والياً عليهم، وأمر عمر أهل المدائن بالسمع والطاعة لحذيفة، وقد استمر حذيفة والياً على المدائن بقية أيام عمر وكذلك طيلة خلافة عثمان([74]). ● ● ● ● . - أذربيجان: كان حذيفة بن اليمان أول الولاة على أذربيجان ثم تولى بعد ما نقل إلى المدائن عتبة بن فرقد السلمي وفي أثناء ولايته حدثت بينه وبين عمر العديد من المراسلات، من ذلك أن عتبة بن فرقد حين جاء إلى أذربيجان وجد عندهم نوعاً من الحلوى الطبية تسمى (الخبيص) ففكر أن يصنع منها لعمر بن الخطاب، وبالفعل وضع منها وغلفها بما يحفظها من الجلود وغيرها وبعث بها إلى عمر بن الخطاب في المدينة، فلما تسلمها ذاق الخبيص فأعجبه، فقال عمر: أكل المهاجرين أكل منه شبعه؟ قال الرسول: لا إنما هو شيء خصك بك، فأمر عمر بردها على عتبة في أذربيجان، وكتب إليه يا عتبة إنه ليس من كدك ولا كد أبيك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع في رحلك، وإياك والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير([75])، وقد رويت الحادثة بروايات مختلفة يؤكد بعضها بعضاً، وقد استمر عتبة والياً على أذربيجان بقية خلافة عمر رضي الله عنه وجزءاً من خلافة عثمان، وقد وجد العديد في ولاة عمر في مناطق مختلفة في العراق وفارس، منهم من كان مستقلاً بولايته، ومنهم من كانت ولايته مرتبطة بإحدى الولايتين الكبيرتين في العراق اللتين هما محورا الإدارة، والقيادة لبلاد العراق وفارس الكوفة، أو البصرة، ومن هذه البلدان التي اختصت بولاة، الموصل، حلوان، كسكر([76])، ● ● ● ● . المبحث الثاني: تعيين الولاة في عهد عمر: سار الفاروق رضي الله عنه على المنهج النبوي الشريف في اختيار الولاة، فكان لا يولي إلا الأكفاء والأمناء والأصلح من غيرهم على القيام بالأعمال، ويتحرى في الاختيار والمفاصلة غاية جهده ولا يستعمل من يطلب الولاية، وكان يرى أن اختيار الولاة من باب أداء الأمانات، بحيث يجب عليه أن يعين على كل عمل أصلح من يجده، فإن عدل عن الأصلح إلى غيره مع عدم وجود ما يبرر ذلك، يكون قد خان الله، ورسوله والمؤمنين([77])، ومن أقواله في هذا الشأن: وأنا مسؤول عن أمانتي وما أنا فيه، ومطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله، لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم([78])، وقال رضي الله عنه: من قلد رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين([79])، وقال أيضاً: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمسلمين([80]). . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:03 PM | #3 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . أولاً: أهم قواعد عمر في تعيين الولاة وشروطه عليهم: ● ● ● ● . 1- القوة والأمانة: وقد طبق الفاروق رضي الله عنه هذه القاعدة، ورجّح الأقوى من الرجال على القوي، فقد عزل عمر شرحبيل بن حسنة وعين بدله معاوية. فقال له شرحبيل: أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا إنك لكما أحب ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل([81])، ومن أجمل ما أثر عن عمر في هذا المعنى قوله: اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة([82]). ● ● ● ● . 2- مقام العلم في التولية: وقد جرى عمر الفاروق على سنة رسول الله صلى الله عله وسلم في تولية أمراء الجيوش خاصة. قال الطبري: إن أمير المؤمنين، كان إذا اجتمع إليه جيش من أهل الإيمان، أمّر عليهم رجلاً من أهل الفقه والعلم([83]). ● ● ● ● . 3- البصر بالعمل: كان عمر بن الخطاب يستعمل قوماً، ويدع أفضل منهم لبصرهم بالعمل([84])، والتفضيل هنا إنما يعني أن أولئك الذين تركهم عمر، كانوا أفضل ديناً، وأكثر ورعاً، وأكرم أخلاقاً، ولكن خبرتهم في تصريف الأمور أقل من غيرهم فليس من الضروري أن يجتمع الأمران كلاهما معاً، وهذه القاعدة التي وضعها عمر، ما زالت متبعة حتى اليوم، في أرقى الدول، ذلك بأن المتدين الورع الخلوق، إذا لم تكن له بصيرة في شؤون الحكم، قد يكون عرضة لخديعة أصحاب الأهواء والمضللين، أما المحنَّك المجرَّب، فإنه يعرف من النظرة السريعة، معاني الألفاظ، وما وراء معاني الألفاظ وهذا السبب نفسه هو الذي دعا عمر بن الخطاب أيضاً لاستبعاد رجل لا يعرف الشر، فلقد سأل عن رجل أراد أن يوليه عملاً فقيل له: يا أمير المؤمنين: إنه لا يعرف الشر. فقال عمر لمخاطبه: ويحك ذلك أدنى أن يقع فيه([85])، وهذا لا يعني أن يكون العامل غير متصف بالقوة والأمانة والعلم والكفاية وغيرها من الصفات التي يستلزمها منطق الإدارة والحكم، وإنما يقع التفاضل بين هذه الصفات، ويكون الرجحان لما سمّاه عمر بن الخطاب: البصر بالعمل([86]). ● ● ● ● . 4- أهل الوبر وأهل المَدَر: وكان عمر ينظر، حين تعيينه أحد عماله، إلى بعض الخصائص والطباع والعادات والأعراف، فلقد عُرف أنه كان ينهى عن استعمال رجل من أهل الوبر على أهل المدر([87])، وأهل الوبر هم ساكنوا الخيام، وأهل المدر هم ساكنوا المدن وهذه نظرة اجتماعية سلوكية في آن معاً، في اختيار الموظفين، فلكل من أهل الوبر والمدر طبائع وخصائص وأخلاق وعادات وأعراف مختلفة، ومن الطبيعي أن يكون الوالي عارفاً بنفسية الرعية، وليس من العدل أن يتولى أمرها رجلٌ جاهل بها، فقد يرى العُرف نُكراً وقد يرى الطبيعي غريباً، فيؤدي ذلك إلى غير ما يتوخاه المجتمع من أهداف يسعى إلى تحقيقها([88]). ● ● ● ● . 5- الرحمة والشفقة على الرعية: كان عمر رضي الله عنه يتوخى في ولاته الرحمة والشفقة على الرعية، وكم من مرة أمر قادته في الجهاد ألا يغرروا بالمسلمين ولا ينزلوهم منزل هلكة، وكتب عمر لرجل من بني أسلم كتاباً يستعمله به، فدخل الرجل على عمر وبعض أولاد عمر في حجر أبيهم يُقبّلهم. فقال الرجل: تفعل هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما قبَّلت ولداً لي قط، فقال عمر: فأنت والله بالناس أقل رحمة، لا تعمل لي عملاً، ورده عمر فلم يستعمله([89])، وغزت بعض جيوشه بلاد فارس حتى انتهت إلى نهر ليس عليه جسر فأمر أمير الجيش أحد جنوده أن ينزل في يوم شديد البرد لينظر للجيش مخاضة يعبر منها، فقال الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت، فأكرهه القائد على ذلك، فدخل الرجل الماء وهو يصرخ: يا عمراه يا عمراه! ولم يلبث أن هلك، فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة. فقال: يا لبيكاه يا لبيكاه، وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه وقال: لولا أن تكون سنّة لأقدت منك، لا تعمل لي على عمل أبداً([90])، وخطب عمر ولاته فقال: اعلموا أنه لا حلم أحب إلى الله تعالى ولا أعمّ من حلم إمام ورفقه، وأنه ليس أبغض إلى الله ولا أعمّ من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يُرزق العافية ممن هو دونه([91]). ● ● ● ● . 6- لا يولي أحداً من أقاربه: كان عمر حريصاً على أن لا يولي أحداً من أقاربه رغم كفاية بعضهم وسبقه إلى الإسلام مثل سعيد بن زيد ابن عمه وعبد الله بن عمر ابنه، وقد سمعه رجل من أصحابه يشكو إعضال أهل الكوفة به في أمر ولاتهم. وقول عمر: لوددت أني وجدت رجلاً قوياً أميناً مسلماً أستعمله عليهم. فقال الرجل: أنا والله أدلك عليه، عبد الله بن عمر، فقال عمر: قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا([92])، وكان يقول: من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة لا يشغله إلا ذلك فقد خان الله ورسوله([93]). ● ● ● ● . 7- لا يعطي من يطلبها: كان لا يولي عملاً لرجل يطلبه، وكان يقول في ذلك: من طلب هذا الأمر لم يُعن عليه، وقد سار على هذا النهج اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . ● ● ● ● . 8- منع العمال من مزاولة التجارة: كان عمر يمنع عماله وولاته من الدخول في الصفقات العامة سواءً أكانوا بائعين أو مشترين([94])، روي أن عاملاً لعمر بن الخطاب اسمه الحارث بن كعب بن وهب، ظهر عليه الثراء، فسأله عمر عن مصدر ثرائه فأجاب: خرجت بنفقة معي فاتجرت بها. فقال عمر: أما والله ما بعثناكم لتتجروا وأخذ منه ما حصل عليه من ربح([95]). ● ● ● ● . 9- إحصاء ثروة العمال عند تعيينهم: كان عمر يحصي أموال العمال والولاة قبل الولاية ليحاسبهم على ما زادوه بعد الولاية مما لا يدخل في عداد الزيادة المعقولة، ومن تعلل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه وكان يقول لهم: إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجاراً([96]). ● ● ● ● . 10- شروط عمر على عماله: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا استعمل عاملاً كتب عليه كتاباً، وأشهد عليه رهطاً من الأنصار: أن لا يركب برذوناً([97])، ولا يأكل نقياً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون حاجات المسلمين ثم يقول: اللهم فاشهد([98]). وهذه الشروط تعني الالتزام بحياة الزهد والتواضع للناس، وهي خطوة أولى في إصلاح الأمة بحملها على التوسط في المعيشة، واللباس والمراكب، وبهذه الحياة التي تقوم على الاعتدال تستقيم أمورها، وهي خطة حكيمة، فإن عمر لا يستطيع أن يلزم جميع أفراد الأمة بأمر لا يعتبر واجباً في الإسلام، ولكنه يستطيع أن يلزم بذلك الولاة والقادة، وإذا التزموا فإنهم القدوة الأولى في المجتمع، وهي خطة ناجحة في إصلاح المجتمع وحمايته من أسباب الانهيار([99]). ● ● ● ● . 11- المشورة في اختيار الولاة: كان اختيار الولاة يتم بعد مشاورة الخليفة لكبار الصحابة([100])، فقد قال رضي الله عنه لأصحابه يوماً: دلوني على رجل إذا كان في القوم أميراً فكأنه ليس بأمير، وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير([101])، فأشاروا إلى الربيع بن زياد([102])، وقد استشار عمر رضي الله عنه الصحابة في من يولي على أهل الكوفة فقال لهم: من يعذرني من أهل الكوفة ومن تجنيهم على أمرائهم إن استعملت عليهم عفيفاً استضعفوه، وإن استعلمت عليهم قوياً فجّروه، ثم قال: أيها الناس ما تقولون في رجل ضعيف غير أنه مسلم تقي وآخر قوي مشدّد أيهما الأصلح للإمارة؟ فتلكم المغيرة بن شعبة فقال يا أمير المؤمنين إن الضعيف المسلم إسلامه لنفسه وضعفه عليك وعلى المسلمين، والقوي المشدّد فشداده على نفسه وقوته لك وللمسلمين فأعمل في ذلك رأيك فقال عمر: صدقت يا مغيرة، ثم ولاه الكوفة وقال له: انظر أن تكون ممن يأمنه الأبرار ويخافه الفجّار، فقال المغيرة: أفعل ذلك يا أمير المؤمنين([103]). ● ● ● ● . 12- اختبار العمال قبل التولية: كان عمر رضي الله عنه يختبر عماله قبل أن يوليهم، وقد يطول هذا الاختبار كما يوضحه الأحنف بن قيس حين قال: قدمت على عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه، فاحتبسني عنده حولاً فقال يا أحنف قد بلوتك وخبرتك فرأيت أن علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك وأنّا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم، ثم قال له عمر أتدري لم احتبستك وبين له أنه أراد اختباره ثم ولاه([104])، ومن نصائح عمر للأحنف: يا أحنف، من كثر ضحكه قلتْ هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه([105]). ● ● ● ● . 13- جعل الوالي من القوم: من الملاحظ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في كثير من الأحيان يولي بعض الناس على قومهم إذا رأى في ذلك مصلحة ورأى الرجل جديراً بالولاية، ومن ذلك توليته ((جابر بن عبد الله البجلي)) على قومه بجيلة([106])، حينما وجههم إلى العراق، وكذلك تولية سلمان الفارسي على المدائن، وتولية نافع بن الحارث على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، ولعله كان يرمي من وراء ذلك إلى أهداف معينة يستطيع تحقيقها ذلك الشخص أكثر من غيره([107]). ● ● ● ● . 14- المرسوم الخلافي: وقد اشتهر عن عمر رضي الله عنه أنه حينما كان ينتهي من اختيار الوالي واستشارة المستشارين يكتب للوالي كتاباً يسمى عهد التعيين أو الاستعمال عند كثير من المؤرخين ويمكننا أن نسميه مجازاً (المرسوم الخلافي في تعيين العامل أو الأمير) وقد وردت العديد من نصوص التعيين لعمال عمر([108])ولكن المؤرخين يكادون يتفقون على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملاً كتب له كتاباً وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين والأنصار واشترط عليه شروطاً في الكتاب([109]) كما قد يكون الشخص المرشح للولاية غائباً، فيكتب له عمر عهداً يأمره فيه بالتوجه إلى ولايته، ومثال ذلك كتابه إلى العلاء بن الحضرمي عامله على البحرين أمره بالتوجه إلى البصرة لولايتها بعد عتبة بن غزوان، كما أنه في حال عزل أمير وتعيين آخر مكانه فإن الوالي الجديد كان يحمل خطاباً يتضمن عزل الأول وتعيينه مكانه، وذلك مثل كتاب عمر مع أبي موسى الأشعري حين عزل المغيرة بن شعبة عن ولاية البصرة وعين أبا موسى مكانه([110]). ● ● ● ● . 15- لا يستعين بنصراني على أمور المسلمين: قدم على عمر فتح من الشام، فقال لأبي موسى: ادع كاتبك يقرأه على الناس في المسجد. قال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: لم؟ أجنب هو؟ قال: لا ولكنه نصراني، فانتهره عمر وقال: لا تدنوهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنوهم وقد خونهم الله، وقد نهيتكم عن استعمال أهل الكتاب، فإنهم يستحلون الرشوة([111])، وعن أُسِّقَ([112])، قال: كنت عبداً نصرانياً لعمر، فقال: أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم فأعتقني لما حضرته الوفاة وقال: اذهب حيث شئت([113]). ● ● ● ● . ثانياً: أهم صفات ولاة عمر: من أهم صفات ولاة عمر؛ سلامة المعتقد، والعلم الشرعي، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة والشجاعة، والمروءة، والزهد، وحب التضحية، والتواضع وقبول النصيحة، والحلم، والصبر وعلو الهمة، والحزم والإرادة القوية، والعدل، والقدرة على حل المشكلات، وغير ذلك من الصفات وأما أهمها فهي: 1- الزهد: فمن ولاة عمر الذين اشتهروا بزهدهم، سعيد بن عامر بن حذيم وعمير بن سعد وسلمان الفارسي، وأبو عبيدة ابن الجرّاح، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم وكان نساء بعض الولاة يقدمن الشكاوى إلى عمر نتيجة زهد أزواجهن، فقد اشتكت امرأة معاذ بن جبل رضي الله عنه وذلك: أن عمر بعث معاذاً ساعياً.. على بعض القبائل فقسم فيهم حتى لم يدع شيئاً، حتى جاء مجلسه الذي خرج به على رقبته. فقالت امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال من عراضة أهليهم؟ فقال: كان معي ضاغط([114])، فقالت: قد كنت أميناً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند أبي بكر، أفبعث عمر معك ضاغطاً؟ فقامت بذلك في نسائها واشتكت عمر، فبلغ ذلك عمر فدعا معاذاً، فقال أنا بعثت معك ضاغطاً، فقال: لم أجد شيئاً أعتذر به إليها إلا ذلك. قال: فضحك عمر وأعطاه شيئاً وقال أرضها به([115]). ● ● ● ● . 2- التواضع: اشتهر الولاة في عهد عمر بتواضعهم الشديد حتى إن القادمين إلى بلادهم لا يميزون بينهم وبين عامة الناس فهم في لباسهم وبيوتهم ومراكبهم كعامة الناس لا يميزون أنفسهم بشي، ومن أمثلة ذلك قصة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فقد بعث إليه الروم رجلاً ليفاوضه: فأقبل حتى أتى أبا عبيدة، فلما دنا من المسلمين لم يعرف أبا عبيدة من أصحابه، ولم يدر أفيهم هو أم لا ولم يرهبه مكان أمير. فقال لهم: يا معشر العرب، أين أميركم؟ فقالوا هاهو ذا. فنظر فإذا هو بأبي عبيدة جالس على الأرض وهو متنكب القوس وفي يده أسهم وهو يقلبها. فقال له الرسول: أنت أمير هؤلاء؟ قال: نعم. قال فما يجلسك على الأرض؟ أرأيت لو كنت جالساً على وسادة أو كان ذلك وضعك عند الله أو مانعك من الإحسان؟ قال أبو عبيدة: إن الله لا يستحي من الحق، ولأصدقنك عما قلت ما أصبحت أملك ديناراً ولا درهماً وما أملك إلا فرسي وسلاحي وسيفي، لقد احتجت أمسي إلى نفقة فلم يكن عندي حتى استقرضت من أخي هذا نفقة كانت عنده يعني معاذاً فأقرضنيها، ولو كان عندي أيضاً بساط أو وسادة ما كنت لأجلس عليه دون إخواني وأصحابي وأجلس أخي المسلم الذي لا أدري لعله عند الله خير مني على الأرض، ونحن عباد الله نمشي على الأرض، ونجلس على الأرض، ونأكل على الأرض ونضجع على الأرض وليس ذلك ينقصنا عند الله شيئاً، بل يعظم الله به أجورنا، ويرفع درجاتنا، ونتواضع بذلك لربنا([116]). ● ● ● ● . 3- الورع: حرص العديد من الولاة أن يُعفى من الأعمال الموكلة إليهم فقد استعفى عتبة بن غزوان عمر من ولاية البصرة فلم يعفه([117])، كما أن (النعمان بن مقرن) كان والياً على كسكر فطلب من عمر أن يعفيه من الولاية ويسمح له بالجهاد رغبة في الشهادة([118])، كما رفض بعض الصحابة الولاية حينما طلب منهم عمر أن يعملوا في الولايات، فقد رفض الزبير بن العوام ولاية مصر حينما عرض عليه ذلك قائلاً يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر، فقال: لا حاجة لي فيها ولكن أخرج مجاهداً وللمسلمين معاوناً([119])، كما رفض ابن عباس ولاية حمص حينما عرض عليه عمر أن يوليه إياها بعد وفاة أميرها([120]). ● ● ● ● . 4- احترام الولاة لمن سبقهم من الولاة: امتاز الولاة على البلدان باحترام من سبقهم من الولاة وتقديرهم وهذا يلاحظ في معظم الولاة في العصر الراشدي حيث نجد مثلاً أن خالداً بن الوليد حينما قدم إلى الشام أميراً على أبي عبيدة بن الجراح وغيره رفض أن يتقدم على أبي عبيدة في الصلاة، وحينما قام عمر بعزل خالد بن الوليد عن ولاية أجناد الشام وتعيين أبي عبيدة مكانه أخفى أبو عبيدة الخبر عن خالد ولم يخبره به حتى ورد كتاب آخر من عمر، فعلم خالد بالخبر فعاتب أبا عبيدة على عدم تبليغه([121])، يقول الدكتور عبد العزيز العمري: ولم أجد من خلال البحث أن أحداً من الولاة عمل على إذلال من سبقه أو النيل منه، بل إنهم في الغالب يعملون على مدحهم في أول خطبة يلقونها ويثنون عليهم([122]). ● ● ● ● . ثالثاً: حقوق الولاة: مما لا ريب فيه أن للولاة على البلدان حقوقاً مختلفة يتصل بعضها بالرعية وبعضها بالخليفة، وبالإضافة إلى حقوق أخرى متعلقة ببيت المال، وكل هذه الحقوق الأدبية أو المادية تهدف بالدرجة الأولى إلى إعانة الولاة على القيام بواجباتهم وخدمة دين الإسلام وهذه أهم حقوقهم: 1- الطاعة في غير معصية: وواجب الطاعة من الرعية للأمراء والولاة قررته الشريعة قال تعالى:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59) { (النساء، آية:59). وهذه الآية تنص على وجوب طاعة أولى الأمر ومنهم الأمراء المنفذون لأوامر الله سبحانه وتعالى([123])، ولاشك أن طاعة الأمراء والخلفاء مقيدة بطاعة الله وأنهم متى عصوا الله فلا طاعة لهم([124]). ● ● ● ● . 2- بذل النصيحة للولاة: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له: يا أمير المؤمنين لا أبالي في الله لومة لائم خير لي أم أقبل على نفسي، فقال: أما من ولي من أمر المؤمنين شيئاً فلا يخف في الله لومة لائم، ومن كان خلواً من ذلك فليقبل على نفسه ولينصح لولي أمره([125]). ● ● ● ● . 3- إيصال الأخبار للولاة: يجب على الرعية للوالي إيصال الأخبار الصحيحة إليه والصدق في ذلك، سواء ما يخص أحوال العامة، أو ما يخص أخبار الأعداء أو ما كان متعلقاً بعمال الوالي وموظفيه والعجلة في ذلك قدر المستطاع خصوصاً ما كان متعلقاً بالأمور الحربية وأخبار الأعداء وما يتعلق بخيانات العمال وغير ذلك من منطق الاشتراك في المسؤولية مع الوالي في مراعاة المصلحة العامة للأمة([126]). ● ● ● ● . 4- مؤازرة الوالي في موقفه: إذا كان موقفه للمصلحة العامة وتلزم المعاونة بالدرجة الأولى من قبل الخليفة، فقد كان عمر رضي الله عنه حريصاً على هذا المعنى كل الحرص حيث كان يولي عناية خاصة لاحترام الناس لولاتهم وتقديرهم لهم ويبذل في ذلك مختلف الأسباب (فكان عمر على شدة ما فيه مع عماله إذا أحس باعتداء أو شبه اعتداء وقع على أحدهم يشتد على المعتدين في تلك الناحية ليبقى للعامل هيبة توقره في الصدور ومهابة يلجم بها العامة والخاصة([127]). ● ● ● ● . 5- حق الأمير في الاجتهاد: من حق الأمير الاجتهاد برأيه في الأمور التي يكون مجال الاجتهاد فيها مفتوحاً خصوصاً في الأمور التي لم يحددها الشرع بدقة وفي الأمور الأخرى التي لم يأت فيها تفويض من الخليفة للتصرف في حدود معينة، فقد اجتهد أحد ولاة عمر في الشام في قسمة الأسهم بين الراجلة والفرسان، فأجاز عمر اجتهاده، وقد اشتهر عن ابن مسعود وكان أحد ولاة عمر رضي الله عنه أنه خالف عمر في أكثر من مائة مسألة اجتهادية([128]). ● ● ● ● . 6- احترامهم بعد عزلهم: من حقوق الولاة احترامهم بعد عزلهم، فعندما عزل عمر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة عن ولاية الأردن، بين للناس سبب عزله، وقال لشرحبيل عندما سأله أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا إنك لكما أحب ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل([129])، وعزل سعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة ولعله رأى أن احترامه يقضي بإبعاده عن أناس كانوا يعيبونه في صلاته مع أن سعداً كان أشبه الناس صلاة برسول الله لعلمه التام بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فعزله عمر احتراماً له عن أن يقع فيه مثل هؤلاء الجهال([130]). . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:05 PM | #4 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . 7- حقوقهم المادية: أما عن الناحية المادية فقد كان للولاة حقوق وعلى رأسها مرتباتهم التي يعيشون عليها، ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون قد أحسوا بأهمية الأرزاق بالنسبة للعمال، وأنها حق من حقوقهم إضافة إلىاستغنائهم بها عن الناس وبالتالي عدم التأثير عليهم أو محاولة رشوتهم([131])، وقد كان عمر بن الخطاب حريصاً على نزاهة عماله وعفتهم عن أموال الرعية، واستغنائهم بأموالهم عن أموال الغير، ولعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أحس بهذه القضية الخطيرة، وأحس أنه لكي يضمن نزاهة عماله فلا بد له أن يغنيهم عن الحاجة إلى أموال الناس وقد دار حوار بينه وبين أبي عبيدة مفهومه أن أبا عبيدة قال لعمر بن الخطاب: دنّست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني باستعمالهم فقال له عمر: يا أبا عبيدة إذا لم أستعن بأهل الدين على سلامة ديني فبمن أستعين؟ قال أبو عبيدة: أما إن فعلت فاغنهم بالعمالة عن الخيانة([132])، يعني إذا استعملتهم في شيء فأجزل لهم في العطاء والرزق، حتى لا يحتاجون إلى الخيانة أو إلى الناس وقد كان عمر يصرف لأمراء الجيش والقرى وجميع العمال من العطاء ما يكفيهم بالمعروف نظير عملهم ( على قدر ما يصلحهم من الطعام ما يقومون به من الأمور) ([133])، وكان عمر يحرص على نزاهة العمال عما بأيديهم من الأموال العامة فيقول لعماله: قد أنزلتكم من هذا المال ونفسي منزلة وصي اليتيم من كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف([134])، وقد فرض عمر لجميع عماله تقريباً مرتبات محددة وثابتة سواء يومية أو شهرية أو سنوية وقد ورد ذكر بعضها في المصادر التاريخية منها ما كان طعاماً ومنها ما كان نقوداً محددة([135])، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات وعمّار بن ياسر على الصلاة والجند ورزقهم كل يوم شاة، فجعل نصفها وسقطها وأكارعها لعمار بن ياسر، لأنه كان في الصلاة والجند، وجعل ربعها لعبد الله بن مسعود والربع الآخر لعثمان بن حنيف كما ورد أن عمر بن الخطاب فرض لعمرو بن العاص أثناء ولايته على مصر مائتي دينار([136])، وكان عطاء سلمان الفارسي رضي الله عنه وهو على ثلاثين ألفاً من الناس في المدائن خمسة آلاف درهم، ولزهده كان يأكل من عمل يده من الخوص ويتصدق بعطائه([137])،وقد وردت روايات أخرى متفاوتة في أرزاق عمر لولاته، ولا شك أن هذا الاختلاف في الروايات مرده إلى تطور الأحوال وتغيرها خلال عهد عمر، فلا يعقل أن تبقى الأرزاق والمرتبات على ماهي عليه من أول عهده إلى نهايته، نظراً لتغير الظروف والأحوال واختلاف الأسعار وتطور الحاجات نتيجة اتساع الفتوح وزيادة الدخل في بيت المال([138])، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رزق معاوية على عمله بالشام عشرة آلاف دينار في كل سنة، كما ذكر أن عمر كان يفرض لأمراء الجيوش والقرى في العطاء ما بين تسعة آلاف وثمانية آلاف وسبعة آلاف على قدر ما يصلهم من الطعام وما يقومون به من الأمور([139]). وقد كره بعض العمال أخذ الأرزاق نتيجة قيامه بأعمال الإمارة والولاية للمسلمين إلا أن الفاروق كان يوجههم إلى أخذها، فقد قال عمر رضي الله عنه لأحد ولاته: ألم أحدثك أنك تلي من أعمال المسلمين أعمالاً فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقال: بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ قال إني لي أفراساً وأعبداً وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين فقال عمر: لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت، وكان رسول الله يعطيني العطاء فأقول أعطه أفقر إليه مني فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه، ومالاً فلا تتبعه نفسك([140])، وعلى كل حال فإن مبدأ إعطاء الأرزاق للعمال وإغنائهم عن الناس كان مبدأ إسلامياً فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، حتى أغنوا العمال عن أموال الناس، وفرّغوهم للعمل ولمصلحة الدولة الإسلامية([141]). ● ● ● ● . 8- معالجة العمال إذا مرضوا: مرض معيقيب، وكان خازن عمر على بيت المال، فكان يطلب له الطب من كل من يسمع عنده بطب، حتى قدم عليه رجلان من أهل اليمن، فقال: هل عندكم من طب لهذا الرجل الصالح، فإن هذا الوجع قد أسرع فيه. قالا: أما شيء يذهبه فإنا لا نقدر عليه ولكنا نداويه بدواء يقفه فلا يزيد. قال عمر: عافية عظيمة أن يقف فلا يزيد قال: هل ينبت في أرضك هذا الحنظل. قال: نعم: قالا: فاجمع لنا فيه فأمر عمر فجمع له منه مكتلان عظيمان، فعمدا إلى كل حنظلة، قطعاها باثنين، ثم أضجعا معيقيباً فأخذ كل واحد منهما بإحدى قدميه ثم جعلا يدلكان بطون قدميه بالحنظل، حتى إذا امّحقت أخذ أخرى. ثم أرسلاه فقال عمر: لا يزيد وجعه هذا أبداً. قال الراوي: فوالله ما زال معيقيب بعدها متمسكاً ما يزيد وجعه حتى مات([142]). ● ● ● ● . رابعاً: واجبات الولاة: إن الولاة بما بوأهم الله من مكانة، قد ألقى على كاهلهم أعباءً ثقالاً، وواجبات جساماً، أثر منها عن عمر بن الخطاب ما يلي: 1- إقامة أمور الدين: كنشر الدين الإسلامي بين الناس، وإقامة الصلاة، وحفظ الدين وأصوله، وبناء المساجد وتيسير أمور الحج، وإقامة الحدود الشرعية: ● ● ● ● . · نشر الدين الإسلامي: حيث اختص ذلك العصر بفتوحات عظيمة اقتضت من الولاة العمل على نشر الدين في البلاد المفتوحة مستعينين بمن معهم من الصحابة([143])، وفي زمن عمر كتب إليه يزيد بن أبي سفيان وكان والياً على الشام: إن أهل الشام قد كثروا وملؤوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم فأعني برجال يعلمونهم، فأرسل إليه عمر خمسة من فقهاء الصحابة([144])، وقد اشتهر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يردد: ألا إنني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم أمر دينكم وسنة نبيكم([145])، وكان عمر يقول لولاته إنا لا نوليكم على أشعار المسلمين ولا على أبشارهم وإنما نوليكم لتقيموا الصلاة وتعلموهم القرآن([146])، وقد أرسل عمر رضي الله عنه مجموعة من المعلمين إلى الأمصار الإسلامية، حيث أسسوا المدارس العلمية المشهورة كما مرّ معنا. ● ● ● ● . · إقامة الصلاة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب لولاته: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أشد إضاعة([147])، كما كان عمر يؤكد لولاته أهمية إقامة الصلاة في الناس بقوله: وإنما نوليكم لتقيموا الصلاة وتعلموهم العلم والقرآن([148])، وكان عمر رضي الله عنه ينص في قرار التعيين أن فلاناً أمير الصلاة والحرب كالقرار الذي عين فيه عمار بن ياسر على الصلاة والحرب وعبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال([149])، وقد تحدث الفقهاء الذين كتبوا في السياسة الشرعية عن أهمية الصلاة بالنسبة للأمير وما يتضمنه ذلك الأمر من معان عظيمة دنيوية وأخروية([150]). ● ● ● ● . · حفظ الدين وأصوله: حرص الفاروق على حفظ الدين على أصوله الصحيحة التي نزلت على رسول الله، وكان يعمل جاهداً على إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والقضاء على البدع والعمل على احترام دين الله وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أمر بطرد رجل وتغريبه نتيجة كثرة إثارته لمواضيع من المتشابه من القرآن([151]) كما مر معنا، وأمر رضي الله عنه بالقيام في رمضان وتعميم ذلك على الأمصار([152])، وقد كتب إلى أبي موسى الأشعري: إنه بلغني أن ناساً من قبلك قد دعوا بدعوى الجاهلية يا آل ضبة فإذا أتاك كتابي هذا فانهكهم عقوبة في أموالهم وأجسامهم حتى يفرقوا إذا لم يفقهوا([153]). ● ● ● ● . · تخطيط وبناء المساجد: وتذكر بعض الإحصاءات أنه أنشئ في عهد عمر 4000 مسجد في بلاد العرب وحدها وقد اشتهر الولاة بنشر المساجد وتأسيسها في مختلف مناطق حكمهم مثل عياض بن غنم الذي أنشأ مجموعة من المساجد في النواحي المختلفة من الجزيرة([154]). ● ● ● ● . · تيسير أمور الحج: كان الولاة في عهد الخلافة الراشدة مسؤولين عن تيسير أمور الحج في ولاياتهم وتأمين سلامة الحجاج منها، فقد كان الولاة يعينون الأمراء على قوافل الحج، ويحددون لهم أوقات السفر حيث لا يغادر الحجاج بلدانهم إلا بإذن الوالي وقد أكد الفقهاء بعد ذلك على أن تسيير الحجاج عمل من مهام الوالي على بلده يقول الماوردي: أما تسيير الحجيج من عمله فداخلة في أحكام إمارته لأنه من جملة المعونات التي تنسب لها([155]). ● ● ● ● . · إقامة الحدود الشرعية: أقام عمرو بن العاص الحد على أحد أبناء عمر بن الخطاب في مصر ثم عاقبه عمر نفسه بالجلد، وقيل أنه توفي بعد ذلك في أثر هذا الجلد([156])، وقد كان الولاة يقومون بالقصاص في القتل دون إذن الخليفة إلى أن كتب إليهم عمر: أن لا تقتلوا أحداً إلا بإذني([157])، فأصبحوا يستأذنون عمر في القتل قبل تنفيذه، فإقامة الحدود من الأمور الدينية والدنيوية التي كان ينظر إليها الخلفاء وولاتهم نظرة جادة ويهتمون بها كما يهتمون بشعائر الدين المختلفة([158]). ● ● ● ● . 2- تأمين الناس في بلادهم: إن المحافظة على الأمن في الولاية من أعظم الأمور الموكلة إلى الوالي، وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يقوم بالعديد من الأمور أهمها إقامة الحدود على العصاة والفساق، مما يجد من الجرائم التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم([159]) وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أخيفوا الفساق واجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً([160])، كما أن إقامة فريضة الجهاد ضد الأعداء كان له دور كبير في تأمين البلاد الإسلامية وأمصارها([161]). ● ● ● ● . 3- الجهاد في سبيل الله: إذا استعرضنا أسماء الأمراء منذ بداية خلافة أبي بكر إلى خلافة عمر لوجدنا لهم باعاً طويلاً في الفتوحات، بل إنهم كانوا يتوجهون أمراء إلى بلدان لم تفتح بعد فيعملون على فتحها ومن ثم تنظيمها كأمراء الشام أبي عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وأمراء العراق كالمثنى بن حارثة وخالد بن الوليد وعيّاض بن غنم وغيرهم([162])، وقد كان الولاة في عهد الخلفاء الراشدين مع إدارتهم لبلادهم مجاهدين لنواحي العدو، ولم يمنعهم ذلك من القيام بأعمالهم الموكلة إليهم، وقد تحدثت المصادر التاريخية عن أهم أعمال الولاة في دعم حركة الجهاد والتي من أهمها: ● ● ● ● . - إرسال المتطوعين إلى الجهاد. - الدفاع عن الولاية ضد الأعداء: فقد قال عمر: ولكم علي أن أسد ثغوركم. - تحصين البلاد: فقد أمر الفاروق ببناء حصون لمن نزل الجيزة في مصر من قبائل الفتح، خوفاً عليهم من الإغارات المفاجئة([163]). - تتبع أخبار الأعداء: فقد اشتهر عن أبي عبيدة رضي الله عنه متابعته الدقيقة لتجمعات الروم في بلاد الشام، فكان يقوم ببعض العمليات الانسحابية التمويهية بناء على هذه الأخبار([164]). - إمداد الأمصار بالخيل: وضع عمر رضي الله عنه سياسة عامة في الدولة لتوفير الخيل اللازمة للجهاد في الأمصار الإسلامية حسب حاجتها فأقطع أناساً من البصرة أراضي كي يعملوا فيها على إنتاج الخيل وتربيتها([165])، كما أعطى عمر أناساً من المسلمين في دمشق أرضاً للعناية بالخيل فزرعوها فانتزعها منهم وأغرمهم لمخالفتهم الهدف من إعطائهم الأراضي وهو المساعدة في إنتاج الخيل، وقد كان لعمر أربعة آلاف فرس في الكوفة وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلي في نفر من أهل الكوفة يصنّع سوابقها ويجريها في كل عام، وبالبصرة نحوٌ منها، وأيضاً في كل مصر من الأمصار الثمانية عدد قريب من العدد السابق([166]) وكانت هذه الخيول مجهزة للدفاع الفوري عن الدولة الإسلامية([167]). ● ● ● ● . - تعليم الغلمان وإعدادهم للجهاد: فقد كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى أهل الأمصار يأمرهم بتعليم أولادهم الفروسية والسباحة والرمي، وقد أصيب أحد الغلمان أثناء التعليم في الشام ومات، فكتبوا إلى عمر في ذلك فلم يثنه عن أمره بتعليم الأولاد الرمي([168]). - متابعة دواوين الجند: اهتم الفاروق رضي الله عنه اهتماماً خاصاً بدواوين الأمصار نظراً لاعتقاده أن أهل الأمصار أحوج الناس للضبط خصوصاً القريبة من الأعداء وهي الأمصار التي تحتاج إلى الجنود باستمرار([169])، وقد كان الولاة على البلدان مسؤولين مباشرة عن دواوين الجند رغم وجود بعض الموظفين الآخرين الذين يتولون مهمتها، ولكن باعتبار أن هؤلاء الولاة هم أمراء الحرب فقد كانت مسؤوليتهم عن الدواوين في بلدانهم كمسؤولية الخليفة باعتبارهم نواباً([170]). ● ● ● ● . - تنفيذ المعاهدات: وقد جرت بعض المعاهدات بين أبي عبيدة بن الجراح وبعض مدن الشام، وكذلك الحال بالنسبة لأمراء العراق كسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وغيرهم من الولاة، وقد كان الولاة إضافة إلى ذلك يحرصون على حماية حقوق الذميين والمعاهدات الشخصية والعامة، وينفذون المعاهدات انطلاقاً من الأوامر الشرعية برعاية العهد([171])، وقد أوصى الفاروق بأهل الذمة فقال: أوصيكم بذمة الله وذمة رسوله خيراً، أن يقاتل مَنْ وراءهم، وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم([172]). . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:09 PM | #5 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . 4- بذل الجهد في تأمين الأرزاق للناس: فقد قال عمر: إن سلمني الله لأدعنّ أرامل العراق وهن لا يحتجن إلى أحد بعدي، ونحن لا ننسى موقف عمر عام الرمادة، حين حل الجوع بالناس، فإنه وضع جميع إمكانيات الدولة لحل الأزمة وإشباع البطون الجائعة، فقد روى البيهقي في سننه أن عمر أنفق على أهل الرمادة حتى وقع المطر، فترحلوا، فخرج إليهم عمر راكباً فرساً، فنظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم، فدمعت عيناه، فقال رجل من بني محارب بن خصفة: أشهد أنها انحسرت عنك، ولست بابن أمة ? يمتدح عمر ? فقال له عمر: ويلك، ذلك لو أنفقت من مالي أو من مال الخطاب، إنما أنفقت من مال الله([173])، وقد قال رضي الله عنه: ولكم عليّ ألا أجتبي شيئاً من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليّ أن أزيد أعطياتكم وأرزاقكم إن شاء الله([174])، وقد أخذ توزيع الأعطيات في عهد عمر شكلاً دورياً منتظماً، ولم يكن ذلك خاصاً بسكان البلدان، بل إن القبائل في البادية شملتها الأعطيات، فقد كان عمر بن الخطاب يدور في القبائل القريبة من المدينة ويوزع عليهم أعطياتهم بنفسه وكان يكتب إلى بعض ولاته أن أعط الناس أعطياتهم وأرزاقهم فكتب إليه عمر أنه فيئهم الذي أفاء الله عليهم، ليس هو لعمر ولا آل عمر أقسمه بينهم([175])، ولم يكتف عمر بتأمين الأموال للناس بل إنه عمل على تأمين الطعام، ففي إحدى زيارته للشام قام إليه بلال بن رباح فقال: يا أمير المؤمنين إن أمراء أجنادك بالشام والله ما يأكلون إلا لحوم الطير والخبز النقي وما يجد ذلك عامة المسلمين، فقال لهم عمر رضي الله عنه ما يقول بلال؟ فقال له يزيد بن أبي سفيان، يا أمير المؤمنين إن سعر بلادنا رخيص وإنا نصيب هذا الذي ذكر بلال هنا بمثل ما كنا نقوت عيالاتنا بالحجاز فقال عمر رضي الله عنه: لا والله لا أبرح حتى تضمنوا لي أرزاق المسلمين في كل شهر. ثم قال انظروا كم يكفي الرجل ما يشتهيه؟ قالوا جريبين مع ما يصلحه من الزيت والخل عند رأس كل هلال فضمنوا له ذلك. ثم قال يا معشر المسلمين هذا لكم سوى أعطياتكم فإن وفّى لكم أمراؤكم بهذا الذي فرضت لكم عليهم، وأعطوكموه في كل شهر، فذلك أحب، وإن هم لم يفعلوا فأعلموني حتى أعزلهم وأولي غيرهم([176])، وقد كان عمر يحرص على توفير الطعام في البلدان ويتابع الأسواق ويمنع الاحتكار، وكذلك كان ولاته يقومون بمهمتهم في مراقبة الأسواق، كما كان يأمر التجار بالمسير في الآفاق والجلب على المسلمين وإغناء أسواقهم([177])، ولم يكتف الفاروق وولاته بتأمين الطعام ومراقبة الأسواق فقط، بل إن السكن وتوزيعه كان من المهام الموكلة لأمراء البلدان، فعند إنشاء الأمصار وتخطيطها وزعت الأراضي على الناس لسكناها في الكوفة والبصرة([178]) والفسطاط كما كان الأمراء يشرفون على تقسيم البيوت في المدن المفتوحة، كحمص ودمشق والاسكندرية وغيرها([179]). ● ● ● ● . 5- تعيين العمال والموظفين: كان تعيين العمال والموظفين في الوظائف التابعة للولاية في كثير من الأحايين من مهام الوالي حيث إن الولاية في الغالب تتكون من بلد رئيسي إضافة إلى بلدان وأقاليم أخرى تابعة للولاية، وهي بحاجة إلى تنظيم أمورها، فكان الولاة يعينون من مثلهم عمالاً وموظفين في تلك المناطق، سواء كانوا في مستوى أمراء، أو عمال خراج، وفي الغالب فإن هذا التعيين يتم بالاتفاق بين الخليفة والوالي([180]). ● ● ● ● . 6- رعاية أهل الذمة: كانت رعاية أهل الذمة واحترام عهودهم والقيام بحقوقهم الشرعية، ومطالبتهم بما عليهم للمسلمين من واجبات، وتتبع أحوالهم، وأخذ حقوقهم ممن يظلمهم انطلاقاً من الأوامر الشرعية في هذا الجانب، من واجبات الوالي، وقد كان الخلفاء يشترطون على الذميين في كثير من الأحيان شروطاً معينة قبل مصالحتهم، وبالتالي يوفون لهم بحقوقهم ويطالبون بما عليهم من شروط([181]). ● ● ● ● . 7- مشاورة أهل الرأي في ولايته وإكرام وجوه الناس: شدد عمر على الولاة في استشارة أهل الرأي في بلادهم، وكان الولاة يطبقون ذلك ويعقدون مجالس للناس لأخذ آرائهم، وكان يأمر ولاته باستمرار بمشاورة أهل الرأي([182])، وطلب من ولاته إنزال الناس منازلهم، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: بلغني أنك تأذن للناس جماً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القران والتقوى والدين، فإذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة؛ وكتب إليه أيضاً: لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائج الناس، فأكرموا وجوه الناس، فإنه بحسب المسلم الضعيف أن ينتصف في الحكم والقسمة([183]). ● ● ● ● . 8- النظر إلى حاجة الولاية العمرانية: فقد قام سعد بن أبي وقاص بحفر نهر في ولايته بناء على طلب بعض كبار الفرس لصالح المزارعين في المنطقة([184])، كما كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري يأمره بحفر نهر لأهل البصرة، وقام أبو موسى بحفر نهر طوله أربع فراسخ حتى تمكن من جلب المياه لسكان البصرة([185]) كما اعتنى ولاة عمر رضي الله عنه عند تأسيسهم للأمصار المشهورة الكوفة، والبصرة والفسطاط بتخطيط الشوارع وتوزيع الأراضي وبناء المساجد وتأمين المياه، وغير ذلك من المصالح العامة لهذه المدن، كما اهتم الولاة بتوطين السكان في المناطق غير المرغوب فيها، لقربها من العدو أو غير ذلك من الأسباب فقد قدموا لهم الإغراءات وأقطعوهم الأراضي تشجيعاً لهم على البقاء فيها، وقد فعل ذلك عمر وعثمان في إنطاكية وفي بعض بلاد الجزيرة. ● ● ● ● . 9- مراعاة الأحوال الاجتماعية لسكان الولاية: كان الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه سألهم عن أميرهم فيقولون خيراً، فيقول هل يعود مرضاكم؟ فيقولون نعم فيقول هل يعود العبد؟ فيقولون نعم فيقول كيف صنيعه بالضعيف؟ هل يجلس على بابه؟ فإن قالوا لخصلة منها (لا عزله) ([186]) وكان عمر يقوم بعزل العامل إذا بلغه أنه لا يعود المريض ولا يدخل عليه الضعيف([187])، كما حرص عمر بن الخطاب على أن يظهر عماله بالمظهر المتواضع أمام الناس حتى يشعر الناس بأن ولاتهم منهم ولا يتميزون عنهم، فكان عمر يشترط على عماله مركباً وملبساً مماثلاً للناس، وينهاهم عن اتخاذ الأبواب والحجاب([188]). 10- عدم التفريق بين العربي وغيره: يجب على الولاة أن يقوموا بالمساواة بين الناس وأن لا يفرقوا بين العربي وغيره من المسلمين، فقد قدم قوم على عامل لعمر بن الخطاب، فأعطى العرب وترك الموالي، فكتب إليه عمر: أما بعد: فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم وفي رواية، كتب إليه: ألا سويت بينهم([189]). كما أن هناك العديد من الواجبات الأخلاقية الأخرى التي أمر الإسلام بالتزامها مثل (الوفاء بالعهد، وإخلاص المرء في عمله، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل ما يعمل، واستعداده للتعاون مع سائر الجماعة في كل أعمال البرّ والتقوى، ووجوب النصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن هذا ولا شك يؤدي إلى إصلاح حال الجماعة([190]))، وكان على الوالي، فضلاً عن الالتزام بهذه المعاني، نشرها بين الناس في ولايته وذلك من خلال خطبه وكتبه ومواعظه وتصرفاته، وقد كان الولاة في عصر الراشدين –بصفة إجمالية- نموذجاً صالحاً لهذه الأخلاقيات والواجبات، سواء في أشخاصهم وخصوصياتهم أم في سلوكهم العام مع الرعية([191]). ● ● ● ● . خامساً: الترجمة في الولايات، وأوقات العمل عند الولاة: 1- الترجمة في الولايات: إن عملية الترجمة تعتبر من الوظائف المساعدة لولاة البلدان في عصر الخلفاء الراشدين، والحاجة ماسة إليها، في كثير من الأحيان، وقد طلب عمر من ولاته في العراق أن يبعثوا إليه في المدينة بدهاقين من فارس ليتفاهم معهم حول قضايا الخراج، فبعثوا إليه بالدهاقين وبترجمان معهم([192])، وقد ذكر عن المغيرة بن شعبة أنه كان يجيد شيئاً من اللغة الفارسية وقام بالترجمة بين عمر والهرمزان في المدينة([193]). إن معرفة الترجمة أمر معروف في الدولة الإسلامية عموماً في عصر الخلفاء لراشدين وقبل ذلك، وإذا علمنا أن دواوين الخراج كانت بغير اللغة العربية، فإننا ندرك مدى الحاجة إلى وجود مترجمين في الولايات يتولون الترجمة في قضايا الخراج وغيرها خصوصاً أن العمال الرئيسيين على الخراج كانوا بالدرجة الأولى من العجم، كما أن انتشار الموالي والداخلين الجدد في الإسلام في البلدان الإسلامية المختلفة جعل الحاجة إلى الترجمة مهمة جداً في كثير من الأمور المتصلة بالقضاء وغيره، كما أن المفاوضات بين القواد الفاتحين وهم في الغالب من الولاة وبين أهل البلاد المفتوحة يحتاج إلى وجود المترجمين([194]). ● ● ● ● . 1- أوقات عمل الولاة: لم يكن هناك تنظيم دقيق لوقت العمل في عهد الفاروق، فقد كان الخليفة والولاة يعملون في جميع الأوقات، وليس عليهم حجاب حتى إن بعضهم يقوم بالتجول ليلاً وقدوتهم في ذلك عمر بن الخطاب الذي اشتهر بالمشي ليلاً وتفقد المدينة، وقد كان الناس يدخلون على الولاة في مختلف الأوقات ويقضون حاجاتهم دون أن يجد الناس من يمنعهم من الدخول على الولاة بحجة أن ذلك الوقت ليس وقت عمل، وقد اشتهر الولاة بحرصهم على إنجاز الأعمال أولاً بأول وعدم تأخيرها، وقد كتب عمر بن الخطاب في هذا المجال إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قائلاً: لا تؤخر عمل اليوم إلى الغد فتدال عليك الأعمال، فتضيع، وأن للناس لنفرة عن سلطانهم أعوذ بالله أن تدركني وإياكم وضغائن محمولة ودنيا مؤثرة وأهواء متبعة([195]). المبحث الثالث: متابعة الولاة ومحاسبة عمر لهم: ● ● ● ● . أولاً: متابعة الولاة: لم يكن عمر يرضى بأن يهتم بحسن اختيار عماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: خيرُ لي أن أعزل كل يوم والياً من أن أبقي ظالماً ساعة نهار([196])، وقال: أيما عامل لي ظلم أحداً فبلغني مظلمته فلم أغيرها، فأنا ظلمته([197])، وقال يوماً لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما عليّ؟ فقالوا: نعم: قال: لا حتى أنظر في عمله، أعَمِل بما أمرته أم لا([198]). وقد سار رضي الله عنه بحزم في رقابته الإدارية لعماله وتابعهم بدقة، وكانت طريقة عمر في الإدارة إطلاق الحرية للعامل في الشؤون المحلية وتقييده في المسائل العامة ومراقبته في سلوكه وتصرفاته، وكان له جهاز سري، مربوط به لمراقبة أحوال الولاة والرعية، وقد بينت لنا المصادر التاريخية أن ما يشبه اليوم (المخابرات) كان موجوداً عند عمر فقد كان علمه: بمن نأى عنه من عماله بمن بات معه في مهاد واحد، وعلى وساد واحد فلم يكن في قطر من الأقطار ولا ناحية من النواحي عامل أو أمير جيش إلا وعليه عين لا يفارقه، فكانت ألفاظ من بالمشرق والمغرب عنده في كل ممس ومصبح، وأنت ترى ذلك في كتبه إلى عماله حتى كان العامل منهم ليتهم أقرب الناس إليه وأخصّهم([199])، وكانت وسائل عمر في متابعتة لعماله متعددة منها: ● ● ● ● . 1- طلب من الولاة دخول المدينة نهاراً: كان رضي الله عنه يطلب من ولاته – القادمين إلى المدينة – أن يدخلوها نهاراً، ولا يدخلوها ليلاً، حتى يظهر ما يكون قد جاءوا به من أموال ومغانم فيسهل السؤال والحساب([200]). ● ● ● ● . 2- طلب الوفود من الولاة: كان عمر رضي الله عنه يطلب من الولاة أن يرسلوا وفوداً من أهل البلاد ليسألهم عن بلادهم، وعن الخراج المفروض عليهم ليتأكد بذلك من عدم ظلمهم، ويطلب شهادتهم فكان يخرج إليه مع خراج الكوفة عشرة من أهلها، ومع خراج البصرة مثلهم، فإذا حضروا أمامه شهدوا بالله أنه مال طيب، ما فيه ظلم مسلم ولا معاهد([201])، وكان هذا الإجراء كفيلاً بمنع الولاة من ظلم الناس إذ لو حدث هذا لرفعه هؤلاء الموفدون إلى أمير المؤمنين وأخبروه به، كما أن عمر في الغالب كان يقوم بمناقشة هؤلاء الموفدين وسؤالهم عن بلادهم وعن ولا تهم وسلوكهم معهم([202]). ● ● ● ● . 3- رسائل البريد: كان عمر رضي الله عنه يرسل البريد إلى الولاة في الأمصار فقد كان يأمر عامل البريد عندما يريد العودة إلى المدينة أن ينادي في الناس من الذي يريد إرسال رسالة إلى أمير المؤمنين؟ حتى يحملها إليه دون تدخل من والي البلد، وكان صاحب البريد نفسه لا يعلم شيئاً من هذه الرسائل، وبالتالي يكون المجال مفتوحاً أمام الناس لرفع أي شكوى أو مظلمة إلى عمر نفسه دون أن يعلم الوالي أو رجاله بذلك، وحينما يصل حامل الرسائل إلى عمر ينثر ما معه من صحف ويقرأها عمر ويرى ما فيها([203]). ● ● ● ● . 4- المفتش العام (محمد بن مسلمة): كان محمد بن مسلمة الأنصاري يستعين به الفاروق في متابعة الولاة ومحاسبتهم والتأكد من الشكاوى التي تأتي ضدهم، فكان موقع محمد بن مسلمة كالمفتش العام في دولة الخلافة، فكان يتحرى على حقائق أداء الولاة لأعمالهم، ومحاسبة المقصرين منهم، فقد أرسله عمر لمراقبة ومحاسبة كبار الولاة([204])، والتحقيق في الشكايات ومقابلة الناس والسماع منهم ونقل آرائهم عن ولاتهم إلى عمر مباشرة، وكان مع محمد بن مسلمة أعوان. ● ● ● ● . 5- موسم الحج: كان موسم الحج فرصة لعمر ليستقي أخبار رعيته وولاته، فجعله موسماً للمراجعة والمحاسبة واستطلاع الآراء في شتى الأنحاء؛ فيجتمع فيه أصحاب الشكايات والمظالم، ويفد فيه الرقباء الذين كان عمر يبثهم في أرجاء دولته لمراقبة العمال والولاة ويأتي العمال أنفسهم لتقديم كشف الحساب عن أعمالهم، فكان موسم الحج ((جمعية عمومية كأرقى ما تكون الجمعيات العمومية في عصر من العصور([205])، وكان عمر يلخص في موسم الحج واجبات عماله أمام الرعية ثم يقول: فمن فعل به غير ذلك فليقم )) فما قام من أهل الموسم – آنذاك – أحد إلا رجل واحد – مما يدل على عدالة هؤلاء الولاة ورضا الرعية عنهم – فقال ذلك الرجل: إن عاملك فلاناً ضربني مائة سوط؛ فسأل عمر العامل فلم يجد عنده جواباً، فقال للرجل قم فاقتص منه فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر، ويكون سُنَّة يأخذ بها بعدك، فقال عمر: أنا لا أقيد – أي اقتص – وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه؟ فقال عمرو: فدعنا فلنرضه، فقال: دونكم فأرضوه، فافتدى العامل من الرجل بمائتي دينار، كل سوط بدينارين([206]). ● ● ● ● . 6- جولة تفتيشية على الأقاليم: كان تفكير عمر قبل مقتله أن يجول على الولايات شخصياً لمراقبة العمال وتفقد أحوال الرعية، والاطمئنان على أمور الدولة المترامية، قال عمر: لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولا، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يدفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، ثم والله لنعم الحول هذا([207])، وقد طبق عمر شيئاً من هذا خصوصاً في ولاية الشام حيث سار إليها عدة مرات وتفقد أحوالها ودخل بيوت ولاتها وأمرائها([208])، ليعرف أحوالهم عن كثب فقد دخل دار أبي عبيدة وشاهد حالته وتقشفه ودار بينه وبين امرأة أبي عبيدة حوار شديد ألقت فيه اللوم على عمر نتيجة ما يعيشون فيه من تقشف، كما زار دار خالد بن الوليد ولم يجد عنده شيئاً يلفت النظر سوى أسلحته التي كان منشغلاً بإصلاحها، وقد كان عمر أثناء دخوله على هؤلاء يدخل فجأة إذ يصحبه رجل فيطرق الباب على الوالي فيتكلم الرجل ويطلب الأذن بالدخول له ولمن معه دون أن يعلموا أنه عمر وحينما يدخل عمر إلى الدار يقوم بالتمحيص فيها والاطلاع على ما فيها من أثاث([209])، وقد سمع عمر رضي الله عنه أن يزيد بن أبي سفيان ينوع في طعامه،فانتظر حتى إذا حان وقت عشاء يزيد استأذن عليه عمر، فلما رأى طعامه نهاه عن الإسراف في الطعام([210])، ولم يكتف عمر بالمراقبة عن طريق هذه الزيارات بل عمد إلى طريقة أخرى وهي إرسال كميات من الأموال إلى الولاة وإرسال كميات من الأموال إلى الولاة وإرسال من يراقبهم حتى يعرف كيف تصرفوا فيها فأرسل إلى أبي عبيدة بخمسمائة دينار فعمد إليها أبو عبيدة فقسمها كلها فكانت امرأته تقول: والله لقد كان ضرر دخول الدنانير علينا أكثر من نفعها ثم إن أبا عبيدة عمد إلى خلق ثوب كنا نصلي فيه فيشققه، ثم جعل يصبّر فيه من تلك الدنانير الذهب ويبعث بها إلى مساكين، فقسمها عليهم حتى فنيت([211])، وعمل عمر الشيء نفسه مع ولاة آخرين في سفرته تلك إلى الشام، ولم يكتف عمر بمراقبته للعمال أثناء سفره، بل كان يستقدمهم إلى المدينة ثم يوكل من يراقبهم في أكلهم وشربهم، ولباسهم، ويفعل ذلك بنفسه أيضاً([212]). ● ● ● ● . 7- الأرشيف أو الملفات الخاصة بأعمال الخلافة: كان عمر رضي الله عنه حريصاً كل الحرص على حفظ الأوراق الخاصة بالولايات وبالخلافة عموماً وكان أكثر حرصه على حفظ المعاهدات التي يجريها الولاة مع أهل البلاد المفتوحة منعاً لظلم أحد، فقد ورد أنه كان هناك تابوت لعمر بن الخطاب فيه كل عهد كان بينه وبين أحد ممن عاهده، ويمكننا أن نطلق على هذا التابوت (الأرشيف) أو الملفات الخاصة بأعمال الخلافة، ولعل الولاة أيضاً كانوا يحتفظون بأوراقهم ومكاتباتهم للعودة إليها عند الحاجة وحتى لا تلتبس عليهم الأمور([213]). ● ● ● ● . ثانياً: شكاوى من الرعية في الولاة: كان عمر رضي الله عنه يحقق بنفسه في شكاوى الرعية ضد ولاتهم وكان يحرص على استيضاح الأمر، والتحقيق الدقيق واستشارة أصحاب الرأي والشورى الذين كانوا من حوله، ثم كانت تأتي أوامره في تنفيذ الجزاء والعقوبة على من يستحق سواء أكان عاملاً أم من الرعية([214])، وهذه بعض الشكاوى ضد الولاة وكيف تعامل عمر معها رضي الله عنه: ● ● ● ● . 1- شكوى أهل الكوفة في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: اجتمع نفر من أهل الكوفة بزعامة الجراح بن سنان الأسدي فشكوا أميرهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين عمر، وذلك في حال اجتماع المجوس في نهاوند لغزو المسلمين، فلم يشغلهم ما داهم المسلمين في ذلك، ولقد كان سعد عادلاً رحيماً بالرعية قوياً حازماً على أهل الباطل والشقاق، عطوفاً على أهل الحق والطاعة، ومع ذلك شغب عليه هؤلاء القوم ممن لا يطيقون حكم الحق ويريدون أن يحققوا شيئاً من أهوائهم، وقد وقتوا لشكواهم وقتاً رأوا أنه أدعى لسماع أمير المؤمنين منهم حيث كان المسلمون مقبلين على معركة مصيرية تستدعي اتفاق كلمة المسلمين وتظافر جهودهم في مواجهتها، وحيث كانوا يعلمون اهتمام عمر الشديد باجتماع كلمة المسلمين دائماً، وخاصة في مثل تلك الظروف، فرجوا أن يفوزوا ببغيتهم، وقد استجاب أمير المؤمنين لطلبهم في التحقيق في أمر شكواهم مع علمه بأنهم أهل هوى وشر، ولم يكتمهم اعتقاده فيهم، بل صرّح لهم بذلك، وبين لهم أن اعتقاده بظلمهم لواليهم وتزويدهم الحقائق لا يمنعه من التحقيق في أمرهم، واستدل على سوء مقصدهم بتوقيتهم السيء حيث قال لهم: إن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الأمر وقد استعدّ لكم من استعدوا،، وايم الله لا يمنعني ذلك من النظر فيما لديكم وإن نزلوا بكم([215])، فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للأعاجم والأعاجم في الاجتماع، وكان محمد بن مسلمة هو صاحب العمال الذي يقتص آثار من شُكي زمان عمر فقدم محمد على سعد ليطوف به في أهل الكوفة، والبعوث تضرب على أهل الأمصار إلى نهاوند، فطوَّف به على مساجد أهل الكوفة، لا يتعرض للمسألة عنه في السر، وليست المسألة في السر من شانهم إذ ذاك([216]). وفي هذا بيان لمنهج الصحابة رضي الله عنهم في التحقيق في قضايا الخلاف التي تجري بين المسؤولين ومن تحت ولايتهم، فالتحقيق يتم في العلن، وذلك بحضور المسؤول والذين هو مسؤول عنهم وكان لا يقف على مسجد فيسألهم عن سعد إلا قالوا: لا نعلم إلا خيراً ولا نشتهي به بدلاً، ولا نقول فيه ولا نعين عليه، إلا من مالأ الجراح بن سنان وأصحابه فإنهم كانوا يسكتون لا يقولون سوءاً، ولا يسوغ لهم، ويتعمَّدون ترك الثناء، حتى انتهوا إلى بني عبس. فقال محمد: أنشد بالله رجلاً يعلم حقاً إلا قال، قال أسامة بن قتادة: اللهم إن نشدتنا فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن كان قالها كذباً ورئاء وسمعة فأعم بصره، وأكثر عياله، وعرِّضه لمضلات الفتن، فعمي واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يحبسها، فإذا عثر عليه، قال: دعوة سعد الرجل المبارك. قال: ثم أقبل – يعني سعد – على الدعاء على النفر، فقال: اللهم إن كانوا خرجوا أشراً وبطراً وكذباً فاجهد بلاءهم، فجُهد بلاؤهم، فقطع الجراح بالسيوف يوم ثاور الحسن بن علي ليغتاله بساباط، وشُدخ قبيصة بالحجارة، وقتل أربد بالوجء – يعني الضرب – بنعال السيوف – يعني بأعقابها – هذا وإن في هذا الخبر نموذجاً من معية الله تعالى لاوليائه المتقين حيث استجاب الله تعالى دعوة سعد على من ظلموه فأصيبوا جميعاً بما دعا عليهم، وإن في استجابة الله تعالى دعاء سعد وأمثاله لوناً من العناية الإلهية بأولياء الله المتقين، فكم خاف المبطلون من هذا السلاح الخفي الذي لا يملكون بكل وسائلهم المادية مقاومته ولا الحدَ منه، وكون هؤلاء الذين دعا عليهم سعد خُتم لهم بالخاتمة السيئة دليل على تمكن الهوى والشر من نفوسهم حتى أدى بهم ذلك إلى المصير السيء، وقد دافع سعد عن نفسه فقال: إني لأول رجل أهرق دماً من المشركين، ولقد جمع لي رسول الله أبويه، وما جمعهما لأحد قبلي – يعني حينما قال له يوم أحد: إرم فداك أبي وأمي – ولقد رأيتني خمس الإسلام، وبنو أسد تزعم أني لا أحسن أن أصلي وأن الصيد يلهيني، وخرج محمد بن مسلمة به وبهم إلى عمر حتى قدموا عليه، فأخبره الخبر، فقال: يا سعد ويحك كيف تصلي؟ قال: أطيل الأُوليين وأحذف الأخريين، فقال هكذا الظن بك، ثم قال عمر رضي الله عنه: لولا الاحتياط لكان سبيلهم بيِّنا، ثم قال: من خليفتك يا سعد على الكوفة؟ فقال: عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقره واستعمله([217]) وقول عمر رضي الله عنه: لولا الاحتياط كان سبيلهم بينا يعني قد اتضح أمرهم، وأنهم ظالمون جاهلون، وظهرت براءة سعد مما نسبوه إليه، ولكن الاحتياط لأمر الأمة يقتضي درء الفتن وإماتتها وهي في مهدها قبل أن تستفحل فتسبَّب الشقاق والفرقة وربما القتال، وإذا كان المسئول المدَّعى عليه بريئاً مما نُسب إليه، فإن ذلك لا يضره بشيء، وقد برئت ساحته مما نسب إليه من التهمة، وقد كانوا يفهمون الولاية مغرماً لا مغنماً، وتكليفاً يرجون به ثواب الله تعالى، فالولاية على أمر من أمور المسلمين نوع من الأعمال الصالحة لمن اتقى الله تعالى وأراد رضوانه والدار الآخرة، فإذا تحول هذا العمل إلى مصدر للفتنة فإن الحكمة تقتضي عدم الاستمرار فيه، كما هو الحال في هذه الواقعة، ولكل حادث حديث وهذا هو ما أقدم عليه عمر حينما أعفى سعداً من العمل، وكلّف نائبه الذي هو موضع ثقة سعد([218]). هذا وقد استبقى عمر سعداً رضي الله عنهما في المدينة وأقر من استخلفه سعد على الكوفة بعده، وصار سعد من مستشاري عمر في المدينة([219])، ثم جعله من الستة المرشحين للخلافة حين طعن ثم أوصى الخليفة من بعده بأن يستعمل سعداً (فإني لم أعزله عن سوء، وقد خشيت أن يلحقه من ذلك([220]). . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:14 PM | #6 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . 2- شكاوى ضد عمرو بن العاص والي مصر: كانت مراقبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص صارمة وحازمة وكان الخليفة الفاروق يتدخل في شئون الولاية المختلفة وحتى عندما اتخذ عمرو بن العاص منبراً كتب إليه: أما بعد فقد بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى به على رقاب المسلمين أو ما يكفيك أن تكون قائماً والمسلمون تحت عقبك فعزمت عليك إلا ما كسرته([221])، وكان عمرو بن العاص يخشى مراقبة عمر بن الخطاب ويعلم مدى حرصه على إقامة العدل بين الناس، وعلى إقامة الحدود الشرعية، فكان يبذل جهده حتى لا يصل إلى عمر من الأخبار إلا ما يسره ومن ذلك أن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب ورجلاً آخر شربا شراباً دون أن يعلما أنه مسكر فسكرا، ثم إنهما جاءا إلى عمرو بن العاص يطلبان منه أن يقيم عليهما الحد فزجرهما عمرو وطردهما، فقال له عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي قال عمرو: فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر وعزلني، ثم إن عمرو جلدهما أمام الناس وحلق رأسيهما داخل بيته، وكان الأصل العقاب بالحلق مع الجلد في وقت واحد أمام الناس، فجاءه كتاب من عمر يعنفه على عدم حلقه أمام الناس، وكان فيه: تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك وقد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت هو ولد أمير المؤمنين وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عليه([222]). وقد وجهت ضد عمرو بن العاص بعض الشكاوى أثناء ولايته بعضها من جنوده المسلمين، وبعضها من أهل البلاد من الأقباط، مما دعا عمر رضي الله عنه إلى استدعاء عمرو بن العاص عدة مرات، لمعاتبته بل وأحياناً لمعاقبته على ما بدر منه، ومن ذلك ما تقدم به أحد المصريين ضد ابن لعمرو بن العاص ضربه بالسوط، مما جعل عمر بن الخطاب يستدعي عمرو وابنه ثم يأمر المصري بالقصاص من ابن عمرو بن العاص ويقول له: لو ضربت أباه عمرو لما حلنا بينك وبين ذلك، والتفت عمر إلى عمرو بن العاص وقال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً([223])، وكذلك يدخل في هذا الباب ما تقدم به أحد الجنود من أن عمرو بن العاص اتهمه بالنفاق وكتب معه عمر إلى عمرو بن العاص أمراً بأن يجلس عمرو أمام الناس فيجلده إذا ثبت صدق ما ادعاه بشهادة شهود، وقد ثبت بالشهادة أن عمرو رماه بالنفاق، فحاول بعض الناس أن يمنع الرجل من ضرب عمرو وأن يدفع له الأرش مقابل الضرب، ولكنه رفض ذلك، وعندما قام على رأس عمرو ليضربه سأله: هل يمنعني أحد من ضربك؟ فقال عمرو: لا فامض لما أمرت به، قال: فإني قد عفوت عنك([224]). ● ● ● ● . 3- شكاوى ضد أبي موسى الأشعري والي البصرة: عن جرير بن عبد الله البجلي أن رجلاً كان مع أبي موسى الأشعري، وكان ذا صوت، ونكاية، في العدو، فغنموا مغنماً فأعطاه أبو موسى بعض سهمه، فأبى أن يقبله إلا جميعاً، فجلده أبو موسى عشرين سوطاً وحلقه، فجمع الرجل شعره ثم ترحل إلى عمر بن الخطاب حتى قدم عليه، فدخل على عمر بن الخطاب، قال جرير: وأنا أقرب الناس من عمر، فأدخل يده فاستخرج شعره ثم ضرب به صدر عمر ثم قال: أما والله لولا النار، فقال عمر: صدق والله لولا النار فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت ذا صوت ونكاية، فأخبره بأمره، وقال ضربني أبو موسى عشرين سوطاً، وحلق رأسي، وهو يرى أنه لا يقتص منه، فقال عمر رضي الله عنه: لأن يكون الناس كلهم على صرامة هذا، فأحب إلي من جميع ما أفاء الله علينا، فكتب عمر إلى أبي موسى: السلام عليك أما بعد فإن فلاناً أخبرني بكذا وكذا، فإن كنت فعلت ذلك في ملأ من الناس، فعزمت عليك لما قعدت له في ملأ من الناس، حتى يقتص منك وإن كنت فعلت ذلك في خلاء من الناس، فاقعد له في خلاء من الناس، حتى يقتص منك، فقدم الرجل، فقال له الناس: أعف عنه، فقال: لا والله لا أدعه لأحد من الناس، فلما قعد له أبو موسى ليقتص منه، رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال: اللهم إني قد عفوت عنه([225])، وعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: كنا مع عمر في مسير فأبصر رجلاً يسرع في سيره، فقال: إن هذا الرجل يريدنا، فأناخ ثم ذهب لحاجته، فجاء الرجل فبكى وبكى عمر –رضي الله عنه- وقال: ما شأنك؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت الخمر، فضربني أبو موسى وسود وجهي، وطاف بي، ونهى الناس أن يجالسوني، فهممت أن آخذ سيفي فأضرب به أبا موسى، أو آتيك فتحولني إلى بلد لا أعرف فيه، أو ألحق بأرض الشرك، فبكى عمر –رضي الله عنه- وقال: ما يسرني أنك لحقت بأرض الشرك وأن لي كذا وكذا، وقال: إن كنت ممن شرب الخمر، فلقد شرب الناس الخمر في الجاهلية، ثم كتب إلى أبي موسى: إن فلاناً أتاني فذكر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا فأمر الناس أن يجالسوه وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادته، وكساه وأمر له بمائتي درهم([226])، وجاء في رواية: إن فلاناً بن فلان التميمي أخبرني بكذا وكذا، وايم الله لئن عُدت لأسودنّ وجهك وليطاف بك في الناس، فإن أردت أن تعلم أحقًّ ما أقول فعد وأمُر الناس فليؤاكلوه وليجالسوه، وإن تاب فاقبلوا شهادته وكساه عمر رضي الله عنه حُلّة وحمله، وأعطاه مائتي درهم([227])، وهذه القصة فيها حرص الفاروق على ألا يتعدى أحدٌ من عماله العقوبات الشرعية عند معاقبة العاصين([228]). ● ● ● ● . 4- شكوى أهل حمص ضد سعيد بن عامر: قال خالد بن معدان: استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر الجُمحي، فلما قدم عمر حمص قال: يا أهل حمص، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه، وكان يقال لأهل حمص الكوفية الصغرى لشكايتهم العمال، قالوا: نشكوه أربعاً، لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: أعظم بها وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل، قال: وعظيمة، وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا، قال عظيمة وماذا؟ قالوا: يَغْنَط الغَنْطَة بين الأيام (أي يغمى عليه ويغيب عن حسه) فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم لا تفيّل رأيي فيه اليوم، وافتتح المحاكمة فقال لهم أمامه: ما تشكون منه؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: ما تقول؟ قال: والله إن كنت لأكره ذكره: ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم فقال: ما تشكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحداً بليل، قال: ما تقول؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز وجل قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه قال: ما تقول؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجفّ ثم أدلكها ثم أخرج إليهم آخر النهار قال: ما تشكون منه، قالوا: يَغْنط الغنطة بين الأيام قال: ما تقول؟ قال: شهدت مصرع خُبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة فقالوا، أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال، والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمداً r يشتاكُ شوكة ثم نادى يا محمد فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أؤمن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً فتصيبني تلك الغنطة فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيّل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال: استعن بها على أمرك، ففرَّقها([229]). ● ● ● ● . 5- عزل من استهزأ بأحد أفراد الرعية: قال قيس بن أبي حازم رحمه الله: استعمل عمر –رضي الله عنه- رجلاً من الأنصار فنزل بعظيم أهل الحيرة عمرو بن حيان بن بقيلة، فأمال عليه بالطعام والشراب ما دعا به، فاحتبس الهزل([230])، فدعا الرجل فمسح بلحيته، فركب إلى عمر –رضي الله عنه- فقال يا أمير المؤمنين، قد خدمت كسرى وقيصر فما أُتي إليّ ما أتي في ملكك، قال: وما ذاك؟ قال: نزل بي عاملك فلان فأمَلْنا عليه بالطعام والشراب، ما دعا به فاحتبس الهزل فدعاني فمسح بلحيتي، فأرسل إليه عمر –رضي الله عنه- فقال: هيه؟! أمال عليك بالطعام والشراب ما دعوت به، ثم مسحت بلحيته؟ والله لولا أن تكون سنة ما تركت في لحيتك طاقة إلا نتفتها، ولكن اذهب فوالله لا تلي لي عملاً أبداً([231]). ● ● ● ● . ثالثاً: العقوبات التي نزلت بالولاة في عهد عمر رضي الله عنه: نتيجة لمراقبة الفاروق لولاته لاحظ وجود بعض الأخطاء التي وقع فيها الولاة، فقام بتأديبهم ومعاقبتهم على هذه الأخطاء التي وقعوا فيها وقد اختلفت طرق تأديب الولاة حسب اختلاف الأحداث وحسب ما يراه الخليفة ومن أهم أساليب الولاة: ● ● ● ● . 1- القود من الأمراء والاقتصاص منهم لو أخطأوا: وقد كان عمر يقول: ألا وأني لم أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلمونكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفسي بيده إذن لأقصنه([232])، ولم يكتف عمر بالبيانات الرسمية التي تهدد الولاة وتمنعهم من الاعتداء على الناس بل إنه طبق ذلك عملياً، كما مر معنا فيمن اشتكى من أبي موسى الأشعري، واشتكى من عمرو بن العاص رضي الله عنهم([233]). ● ● ● ● . 2- عزل الوالي نتيجة وقوعه في الخطأ: وقد قام الفاروق رضي الله عنه بعزل الولاة نتيجة وقوعهم في أخطاء لا يرتضيها، فقد عزل رضي الله عنه أحد الأمراء نتيجة تدخله فيما لا يعنيه في شئون أجناده حيث بعثه على جيش، فلما نزل بهم قال: عزمت عليكم لما أخبرتموني بكل ذنب أذنبتموه فجعلوا يعترفون بذنوبهم فبلغ ذلك عمر فقال: ما له لا أم له، يعمد إلى ستر ستره الله فيهتكه؟ والله لا يعمل لي أبداً([234])، كما غضب عمر من أحد الولاة حينما بلغه بعض شعره وهو يتمثل فيها بالخمر فعزله([235]). 3- إتلاف شيء من مساكن الولاة: وهو ما يقع فيه المخالفة، فقد كان عمر رضي الله عنه يحرص على أن تكون بيوت الولاة بدون أبواب، وبدون حجاب، فلما بلغه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قد وضع بابا لداره بعث إليه محمد بن مسلمة وأمره بإحراق ذلك الباب([236])، وكان سبب ذلك الباب قرب الأسواق من داره، وكانت الأصوات مرتفعة بالسوق تؤذي سعداً، فوضع بابا يحجز عنه أصوات الناس بالسوق، وبلغ ذلك أسماع عمر عن دار سعد وبابه، وأن الناس يسمّونه قصر سعد، فدعا محمد بن مسلمة وأرسله إلى الكوفة، وقال: اعمد إلى القصر حتى تحرق بابه، ثم ارجع عودك على بدئك، فخرج حتى قدم الكوفة، فاشترى حطباً ثم أتى به القصر، فأحرق الباب([237])، وروى ابن شبة: أن عمر استعمل مجاشع بن مسعود على عمل فبلغه أن امرأته تجدد بيوتها فكتب إليه عمر: من عبد الله أمير المؤمنين إلى مجاشع بن مسعود سلام عليك أما بعد فقد بلغني أن الخضيراء تحدث بيوتها، فإذا أتاك كتابي هذا فعزمت عليك ألا تضعه من يدك حتى تهتك ستورها، قال: فأتاه الكتاب والقوم عنده جلوس فنظر في الكتاب، فعرف القوم أنه قد أتاه بشيء يكرهه، فأمسك الكتاب بيده ثم قال للقوم: انهضوا فنهضوا: والله ما يدرون إلى ما ينهضهم، فانطلق بهم حتى أتى باب داره فدخل فلقيته امرأته فعرفت الشر في وجهه فقالت له: مالك؟ فقال إليك عني قد أرمقتني([238])، فذهبت المرأة، وقال للقوم: ادخلوا، فدخل القوم، فقال: فليأخذ كل رجل منكم ما يليه من هذا النحو واهتكوا، قال فهتكوا جميعاً حتى ألقوها إلى الأرض والكتاب في يده لم يضعه بعد وفي أثناء زيارة عمر إلى الشام دعاه يزيد بن أبي سفيان إلى الطعام فلما دخل عمر البيت وجد فيه بعض الستائر، فأخذ عمر يقطعها ويقول: ويحك أتلبس الحيطان ما لو ألبسته قوماً من الناس لسترهم من الحر والبرد([239]). ● ● ● ● . 3- التأديب بالضرب: فقد استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث اشتهر عنه حمل الدرة، وضربه بها وقد ضرب بعض الولاة، بسبب حوادث اقترفوها، ففي أثناء زيارة عمر إلى الشام دخل على بعض ولاته فوجد عندهم بعض المتاع الزائد، فغضب عمر وأخذ يضربهم بالدرة([240])، وفي أثناء زيارة عمر إلى الشام لقيه الأمراء، فكان أول من لقيه يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة، ثم خالد على الخيول، عليهم ثياب فاخرة لا تليق بالمجاهدين فنزل وأخذ الحجارة ورماهم بها وقال: ما أسرع ما رجعتم عن رأيكم، إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم مذ سنتين وبالله ولو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم فقالوا يا أمير المؤمنين إنها يلاقة وإن علينا السلاح، قال فنعم إذن([241]). ● ● ● ● . 4- خفض الرتبة من وال إلى راعي غنم: وقد استعملها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أحد ولاته، روى ابن شبة: أن عمر رضي الله عنه استعمل عياض بن غنم على الشام فبلغه أنه اتخذ حماماً واتخذ نوّاباً([242])، فكتب إليه أن يقدم عليه، فقدم، فحجبه ثلاثاً، ثم أذن له ودعا بجبة صوف، فقال البس هذه، وأعطاه كنف الراعي وثلاثمائة شاة وقال انعق بها، فنعق بها فلما جازه هنيهة، قال: أقبل، فأقبل يسعى حتى أتاه، فقال: اصنع بكذا وكذا، اذهب فذهب، حتى إذا تباعد ناداه: يا عياض أقبل فلم يزل يردده حتى عرّقه في جبينه، قال أوردها علي يوم كذا وكذا، فأوردها لذلك اليوم، فخرج عمر رضي الله عنه فقال انزع عليها فاستقى حتى ملأ الحوض فسقاها ثم قال: انعق بها، فإذا كان يوم كذا فأوردها فلم يزل يعمل به حتى مضى شهران أو ثلاثة، ثم دعاه فقال: هيه اتخذت نواباً واتخذت حماماً أتعود قال: لا قال: ارجع إلى عملك([243])، وقد كانت نتيجة هذه العقوبة التأديبية أن أصبح عياض بعد ذلك من أفضل عمّال عمر رضي الله عنه([244]). ● ● ● ● . 5- مقاسمة الولاة أموالهم: وكان تطبيق هذا النظام أمراً احتياطياً في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث شعر عمر بنمو الأموال لدى بعض الولاة فخشي أن يكون الولاة قد اكتسبوا شيئاً من هذه الأموال بسبب ولايتهم([245]) وقد علق ابن تيمية على فعل عمر هذا فقال: وكذلك محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة، والمؤاجرة والمضاربة، والمساقات والمزارعة، ونحو ذلك هو من نوع الهدية، ولهذا شاطر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من عماله من كان له فضل ودين، لا يتهم بخيانة وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضي ذلك، لأنه كان إمام عدل، يقسم بالسوية ([246]) وقد قام عمر رضي الله عنه بمشاطرة أموال عماله منهم، سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وكان رضي الله عنه يكتب أموال عماله، إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك، وربما أخذه منهم([247]) وقد قام أيضا بمشاطرة بعض أقارب الولاة لأموالهم، إذا ما رأى مبرراً لذلك، فقد أخذ من أبي بكرة نصف ماله، فاعترض أبو بكرة قائلاً: إني لم آلِ لك عملاً؟ فقال عمر: ولكن أخاك على بيت المال وعشور الأبلة، فهو يقرضك المال تتجر به([248]). ● ● ● ● . 6- التوبيخ الشفوي والكتابي: وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاتبة الأمراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم به، حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات، كما عاتب عياض بن غنم، وخالد بن الوليد وأبا موسى الأشعري وغيرهم من الأمراء([249]) وأما المعاتبة الكتابية في خلافة عمر فهي كثيرة، منها: أنه كتب إلى أحد الولاة، وكان قدم عليه قوم فأعطى العرب وترك الموالي: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام([250]). ومن هذا كله نجد أن الولاة لم يكونوا بمنأى عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة، ولم تشهد البشرية مثيلاً لها في عدلها وجرأتها، مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجاً رفيعاً للحضارة الإسلامية بعد عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام([251]) هذا وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين الخليفة وولاته مكفولة إلى أقصى ما يمكن تصوره من حرية النقاش، لا يرهب الوالي سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك: عندما قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على صهوة جواده، ومشى إليه، وقال: السلام على أمير المؤمنين، فمضى عمر، ولم يرد عليه سلامه، ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان معاوية سميناً، فلهث. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أتعبت الرجل، فلو كلمته: فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية، أأنت صاحب الموكب الذي أرى. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لم ويحك؟ قال معاوية: لأننا ببلاد كثر بها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العُدة والعدد، استخف بنا، وهجم علينا! وأما الحجاب، فإننا نخاف من الابتذال وجرأة الرعية. وأنا بعد عاملك، إن استوقفتني وقفت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين. قال عمر: ما سألتك عن شيء إلا خرجت منه، إن كنت صادقاً فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذباً فإنها خدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك، وانصرف عنه([252]). ورغم شدة عمر على ولاته ودقته في محاسبتهم وإقدامه على عزل من تحوم حوله شبهة أو تثور في حقه شكاية ذات أثر، فإن رابطة قوية من الحب والولاء كانت تربطه بولاته الذين كانوا يثقون ثقة مطلقة في إخلاص خليفتهم وسلامة مقاصده وسياسته وتجرده وعدله، لقد كان عمر إذا غابت عنه أخبار بعض قادته في ساحات الجهاد يكاد يقتله القلق ويستبد به الخوف والشفقة عليهم، وكان في بعض الحروب الكبرى يخرج بنفسه يتنطّس الأخبار، ويتحسس الأنباء علّه يطمئن عليهم، وفي حالات أخرى كان يلتقي بهم فنجد أمارات الحب العميق بينهم،فلما سار عمر لفتح بيت المقدس وانتهى إلى الجابية لقيه قائداه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فوافقا عمر راكباً، فقبّلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما([253]). ● ● ● ● . 6- التوبيخ الشفوي والكتابي: وقد قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاتبة الأمراء على تصرفاتهم أثناء اجتماعهم به، حيث إنه عاتب عمرو بن العاص مرات، كما عاتب عياض بن غنم، وخالد بن الوليد وأبا موسى الأشعري وغيرهم من الأمراء([249]) وأما المعاتبة الكتابية في خلافة عمر فهي كثيرة، منها: أنه كتب إلى أحد الولاة، وكان قدم عليه قوم فأعطى العرب وترك الموالي: أما بعد فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام([250]). ومن هذا كله نجد أن الولاة لم يكونوا بمنأى عن المحاسبة والتأديب بصور مختلفة، ولم تشهد البشرية مثيلاً لها في عدلها وجرأتها، مما جعل هذا العصر الراشدي بحق نموذجاً رفيعاً للحضارة الإسلامية بعد عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام([251]) هذا وقد كانت حرية النقاش وبحث المشاكل بين الخليفة وولاته مكفولة إلى أقصى ما يمكن تصوره من حرية النقاش، لا يرهب الوالي سلطان الخليفة وهذا مثال على ذلك: عندما قدم عمر على الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم فلما رأى معاوية عمر نزل من على صهوة جواده، ومشى إليه، وقال: السلام على أمير المؤمنين، فمضى عمر، ولم يرد عليه سلامه، ومعاوية يسرع خلف جمل عمر وكان معاوية سميناً، فلهث. فقال عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، أتعبت الرجل، فلو كلمته: فالتفت إليه عمر وقال يا معاوية، أأنت صاحب الموكب الذي أرى. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال معاوية: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لم ويحك؟ قال معاوية: لأننا ببلاد كثر بها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العُدة والعدد، استخف بنا، وهجم علينا! وأما الحجاب، فإننا نخاف من الابتذال وجرأة الرعية. وأنا بعد عاملك، إن استوقفتني وقفت، وإن نهيتني انتهيت يا أمير المؤمنين. قال عمر: ما سألتك عن شيء إلا خرجت منه، إن كنت صادقاً فإنه رأى لبيب، وإن كنت كاذباً فإنها خدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك، وانصرف عنه([252]). ورغم شدة عمر على ولاته ودقته في محاسبتهم وإقدامه على عزل من تحوم حوله شبهة أو تثور في حقه شكاية ذات أثر، فإن رابطة قوية من الحب والولاء كانت تربطه بولاته الذين كانوا يثقون ثقة مطلقة في إخلاص خليفتهم وسلامة مقاصده وسياسته وتجرده وعدله، لقد كان عمر إذا غابت عنه أخبار بعض قادته في ساحات الجهاد يكاد يقتله القلق ويستبد به الخوف والشفقة عليهم، وكان في بعض الحروب الكبرى يخرج بنفسه يتنطّس الأخبار، ويتحسس الأنباء علّه يطمئن عليهم، وفي حالات أخرى كان يلتقي بهم فنجد أمارات الحب العميق بينهم،فلما سار عمر لفتح بيت المقدس وانتهى إلى الجابية لقيه قائداه عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة فوافقا عمر راكباً، فقبّلا ركبتيه، وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما([253]). . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:15 PM | #7 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . رابعاً: قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه: وجد أعداء الإسلام في سعة خيالهم وشدة حقدهم مجالاً واسعاً لتصيد الروايات التي تظهر صحابة رسول الله في مظهر مشين، فإذا لم يجدوا شفاء نفوسهم، اختلقوا ما ظنوه يجوز على عقول القارئين، لكي يصبح أساساً ثابتاً لما يتناقله الرواة وتسطره كتب المؤلفين وقد تعرَّض كل من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما لمفتريات أعداء الإسلام الذين حاولوا تشويه صفحات تاريخهما المجيد ووقفوا كثيراً عند أسباب عزل عمر لخالد بن الوليد رضي الله عنهم وألصقوا التهم الباطلة بالرجلين العظيمين وأتوا بروايات لا تقوم على أساس عند المناقشة، ولا تقوم على البرهان أمام التحقيق العلمي النزيه([254]) وإليك قصة عزل خالد بن الوليد على حقيقتها بدون لف أو تزوير للحقائق، فقد مرّ عزل خالد بن الوليد بمرحلتين، وكان لهذا العزل أسباب موضوعية. ● ● ● ● . 1- العزل الأول: عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالد بن الوليد في المرة الأولى عن القيادة العامة وإمارة الأمراء بالشام، وكانت هذه المرة في السنة الثالثة عشر من الهجرة غداة تولي عمر الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق وسبب هذا العزل اختلاف منهج الصديق عن الفاروق في التعامل مع الأمراء والولاة، فالصديق كان من سنته مع عماله وأمراء عمله أن يترك لهم حرية ا لتصرف كاملة في حدود النظام العام للدولة مشروطاً ذلك بتحقيق العدل كاملاً بين الأفراد والجماعات، ثم لا يبالي أن يكون لواء العدل منشوراً بيده أو بيد عماله وولاته، فللوالي حق يستمده من سلطان الخلافة في تدبير أمر ولايته دون رجوع في الجزئيات إلى أمر الخليفة، وكان أبو بكر لا يرى أن يكسر على الولاة سلطانهم في مال أو غيره ما دام العدل قائماً في رعيتهم([255])، وكان الفاروق قد أشار على الصديق بأن يكتب لخالد رضي الله عنهم جميعاً: أن لا يعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمره، فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك، فكتب إليه خالد: إما أن تدعني وعملي وإلا فشأنك وعملك، فأشار عليه بعزله([256])، ولكنّ الصديق أقرّ خالداً على عمله([257])، ولما تولى الفاروق الخلافة، كان يرى أنه يجب على الخليفة أن يحدد لأمرائه وولاته طريقة سيرهم في حكم ولاياتهم ويحتم عليهم أن يردوا إليه ما يحدث حتى يكون هو الذي ينظر فيه ثم يأمرهم بأمره، وعليهم التنفيذ، لأنه يرى أن الخليفة مسؤول عن عمله وعن عمل ولاته في الرعية مسؤولية لا يرفعها عنه أنه اجتهد في اختيار الوالي. فلما تولى الخلافة خطب الناس، فقال: إن الله ابتلاكم بي، وابتلاني بكم، وأبقاني بعد صاحبي فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلوا فيه عن الجزء والأمانة، ولئن أحسن الولاة لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم([258])، وكان يقول: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟([259])، فعندما تولى الفاروق الخلافة أراد أن يعدل بولاة أبي بكر رضي الله عنه إلى منهجه وسيرته، فرضي بعضهم وأبى آخرون وكان ممن أبى عليه ذلك خالد بن الوليد([260])، فعن مالك بن أنس، أن عمر لما ولي الخلافة كتب إلى خالد ألا تعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمري، فكتب إليه خالد إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك، فقال عمر: ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه، فعزله([261])، ثم كان يدعوه إلى العمل فيأبى إلا أن يخليه يفعل ما شاء فيأبى عليه([262]). فعزل عمر خالداً من وجهة سياسة الحكم وحق الحاكم في تصريف شؤون الدولة ومسؤوليته عنها، وطبيعي أن يقع كل يوم مثله في الحياة، ولا يبدو فيه شيء غريب يحتاج إلى بيان أسباب تتجاذبها روايات وآراء، وميول وأهواء ونزعات، فعمر بن الخطاب خليفة المسلمين في عصر كان الناس فيه ناساً لا يزالون يستروحون روح النبوة له من الحقوق الأولية أن يختار من الولاة والقادة من ينسجم معه في سياسته ومذهبه في الحكم ليعمل في سلطانه ما دامت الأمة غنية بالكفايات الراجحة، فليس لعامل ولا قائد أن يتأبد في منصبه، ولا سيما إذا اختلفت مناهج السياسة بين الحاكم والولاة ما كان هناك من يغني غناءه ويجزي عنه، وقد أثبت الواقع التاريخي أن عمر رضي الله عنه كان موفقاً أتم التوفيق وقد نجح في سياسته هذه نجاحاً منقطع النظير، فعزل وولى، فلم يكن من ولاّه أقل كفاية ممن عزله، ومرد ذلك لروح التربية الإسلامية التي قامت على أن تضمن دائماً للأمة رصيداً مذخوراً من البطولة والكفاية السياسية الفاضلة([263]) وقد استقبل خالد هذا العزل بدون اعتراض وظل رضي الله عنه تحت قيادة أبي عبيدة رضي الله عنه حتى فتح الله عليه قنسرين فولاه أبو عبيدة عليها، وكتب إلى أمير المؤمنين يصف له الفتح وبلاء خالد فيه فقال عمر قولته المشهورة: أمّر خالد نفسه، رحم الله أبا بكر، هو كان أعلم بالرجال مني([264])، ويعني عمر بمقولته هذه أن خالداً فيما أتى به من أفانين الشجاعة وضروب البطولة قد وضع نفسه في موضعها الذي ألفته في المواقع الخطيرة من الإقدام والمخاطرة، وكأنما يعني عمر بذلك أن استمساك أبي بكر بخالد وعدم موافقته على عزله برغم الإلحاح عليه إنما كان عن يقين في مقدرة خالد وعبقريته العسكرية التي لا يغني غناءه فيها إلا آحاد الأفذاذ من أبطال الأمم([265]). هذا وقد عمل خالد تحت إمرة أبي عبيدة نحواً من أربع سنوات فلم يعرف عنه أنه اختلف عليه مرة واحدة، ولا ينكر فضل أبي عبيدة وسمو أخلاقه في تحقيق وقع الحادث على خالد فقد كان لحفاوته به وعرفانه لقدره، وملازمته صحبته والأخذ بمشورته وإعظامه لآرائه وتقديمه في الوقائع التي حدثت بعد إمارته الجديدة، أحسن الأثر في صفاء قلبه صفاء جعله يصنع البطولات العسكرية النادرة وعمله في فتح دمشق وقنسرين وفحل شاهد صدق على روحه السامية التي قابل بها حادث العزل، وكان في حاليه سيف الله خالد بن الوليد([266])، ويحفظ لنا التاريخ ما قاله أبو عبيدة في مواساة خالد عند عزله: .. وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن أخوان وقوّام بأمر الله عز وجل، وما يضير الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ودنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما تعرض من الهلكة إلا من عصم الله عز وجل، وقليل ما هم([267]) وعندما طلب أبو عبيدة من خالد أن ينفذ مهمة قتالية تحت إمرته، أجابه خالد قائلاً: أنا لها إن شاء الله تعالى وما كنت أنتظر إلا أن تأمرني، فقال أبو عبيدة: استحيت منك يا أبا سليمان. فقال خالد: والله لو أمر علي طفل صغير لأطيعن له، فكيف أخالفك وأنت أقدم مني إيماناً وأسبق إسلاماً، سبقت بإسلامك مع السابقين وأسرعت بإيمانك مع المسارعين، وسماك رسول الله بالأمين فكيف ألحقك وأنال درجتك والآن أشهدك أني قد جعلت نفسي حبساً في سبيل الله تعالى ولا أخالفك أبداً، ولا وليت إمارة بعدها أبداً ولم يكتف خالد بذلك فحسب بل اتبع قوله بالفعل وقام على الفور بتنفيذ المهمة المطلوبة منه([268])، ويظهر بوضوح من قول خالد وتصرفه هذا، أن الوازع الديني والأخلاقي كان مهيمناً على تصرفات خالد وأبي عبيدة رضي الله عنهم وقد بقي خالد محافظاً على مبدأ طاعة الخليفة والوالي بالرغم من أن حالته الشخصية قد تغيرت من حاكم إلى محكوم بسبب عزله عن قيادة الجيوش([269]). إن عزل خالد في هذه المرة (الأولى)، لم يكن عن شك من الخليفة ولا عن ضغائن جاهلية، ولا عن اتهامه بانتهاك حرمات الشريعة ولا عن طعن في تقوى وعدل خالد، ولكن كان هناك منهجان لرجلين عظيمين، وشخصيتين قويتين كان يرى كل منهما ضرورة تطبيق منهجه، فإذ كان لابد لأحدهما أن يتنحى فلابد أن يتنحى أمير الجيوش لأمير المؤمنين؛ من غير عناد ولا حقد وضغينة([270]). إن من توفيق الله تعالى للفاروق تولية أبي عبيدة رضي الله عنهم لجيوش الشام، فذلك الميدان بعد معركة اليرموك كان يحتاج إلى المسالمة واستلال الأحقاد، وتضميد الجراح وتقريب القلوب فأبو عبيدة رضي الله عنه يسرع إلى المسالمة إذا فتحت أبوابها ولا يبطئ عن الحرب إذا وجبت عليه أسبابها، فإن كانت بالمسالمة جدوى فذاك وإلا فالاستعداد للقتال على أهبته، وقد كان أبناء الأمصار الشامية يتسامعون بحلم أبي عبيدة فيقبلون على التسليم إليه ويؤثرون خطابهم له على غيره، فولاية أبي عبيدة سنة عمرية وكانت ولايته للشام في تلك المرحلة أصلح الولايات لها([271]). ● ● ● ● . 2- العزل الثاني: وفي (قنسرين) جاء العزل الثاني لخالد، وذلك في السنة السابعة عشرة([272])، فقد بلغ أمير المؤمنين أن خالداً وعياض بن غنم أدربا في بلاد الروم وتوغلا في دروبهما ورجعا بغنائم عظيمة، وأن رجالاً من أهل الآفاق قصدوا خالداً لمعروفه منهم الأشعث بن قيس الكندي فأجازه خالد بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله([273])، فكتب عمر إلى قائده العام أبي عبيدة يأمره بالتحقيق مع خالد في مصدر المال الذي أجاز منه الأشعث تلك الإجازة الغامرة، وعزله عن العمل في الجيش إطلاقاً واستقدمه المدينة، وتمّ استجواب خالد وقد تم استجواب خالد بحضور أبي عبيدة وترك بريد الخلافة يتولى التحقيق وترك إلى مولى أبي بكر يقوم بالتنفيذ، وانتهى الأمر ببراءة خالد أن يكون مدّ يده إلى غنائم المسلمين فأجاز منها بعشر آلاف([274]) ولما علم خالد بعزله ودّع أهل الشام، فكان أقصى ما سمحت به نفسه من إظهار أسفه على هذا العزل الذي فرق بين القائد وجنوده أن قال للناس: إن أمير المؤمنين استعملني على الشام حتى إذا كانت بثنية([275])، وعسلاً عزلني فقام إليه رجل فقال: اصبر أيها الأمير، فإنها الفتنة فقال: خالد: أما وابن الخطاب حي فلا([276])، وهذا لون من الإيمان القاهر الغلاب، لم يرزقه إلا المصطفون من أخصاء أصحاب محمد r: فأية قوة روحية سيطرت على أعصاب خالد في الموقف الخطير؟ وأي إلهام ألقي على لسان خالد ذلك الرد الهادئ الحكيم([277]). سكن الناس وهدأت نفوسهم بعد أن سمعوا كلمة خالد في توطيد قواعد الخلافة العمرية، وعرفوا أن قائدهم المعزول ليس من طراز الرجال الذين يبنون عروش عظمتهم على أشلاء الفتن والثورات الهدّامة وإنما هو من أولئك الرجال الذين خلقوا للبناء والتشييد، فإن أرادتهم الحياة على هدم ما بنوا تساموا بأنفسهم أن يذلها الغرور المفتون([278]). ورحل خالد إلى المدينة فقدمها حتى لقي أمير المؤمنين، فقال عمر متمتلاً: صنعت فلم يصنع كصنعك صانع وما يصنع الأقوام فالله يَصنعُ([279]) وقال خالد لعمر: لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله إنك في أمري غير مُجمل يا عمر، فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسُّهمان، ما زاد على الستين ألفاً فلك، فقوم عمر عروضه فخرجت إليه عشرون ألفاً، فأدخلها بيت المال. ثم قال: يا خالد، والله إنك علي لكريم، وإنك إلي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء([280])، وكتب عمر إلى الأمصار: إني لم أعزل خالداً عن سُخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة([281]). ● ● ● ● . 3- مجمل أسباب العزل وبعض الفوائد: ومن خلال سيرة الفاروق يمكننا أن نجمل أسباب عزل خالد رضي الله عنه في الأمور التالية: - حماية التوحيد: ففي قول عمر رضي الله عنه: ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به، يظهر خشية عمر من فتنة الناس بخالد وظنهم أن النصر يسير في ركاب خالد؛ فيضعف اليقين بأن النصر من عند الله سواء كان خالد على رأس الجيوش أم لا، وهذا الوازع يتفق مع حرص عمر علىصبغ إدارته للدولة العقائدية الخالصة وبخاصة وهي تحارب أعداءها حرباً ضروساً متطاولة باسم العقيدة وقوتها، وقد يقود الافتتان بقائد كبير مثل خالد خالداً نفسه إلى الافتتان بالرعية وأن يرى نفسه يوماً في مركز قوة لا يرتقي إليها أحد، وبخاصة أنه عبقري حرب ومنفق أموال، فيجر ذلك عليه وعلى الدولة أمر خُسْر، وهو إن كان احتمالا بعيداً في ظل ارتباط الناس بخليفتهم عمر وإعجابهم به، وفي ظل انضباط خالد العسكري وتقواه، فقد يحدث يوماً ما بعد عمر، ومع قائد كخالد، مما يستدعي التأصيل لها في ذلك العصر ومع أمثال هؤلاء الرجال([282])، والخوف في هذا الأمر من القائد الكفء أعظم من الخوف من قائد صغير لم يُبْلِ أحسن البلاء ولم تتساير بذكره الأنباء([283]). وقد أشار شاعر النيل حافظ إبراهيم رحمه الله إلى تخوف عمر فقال في عمريته في الديوان: وقيل خالفت يا فاروق صاحبنا فيه وقد كان أعطى القوس باريها فقال خفت افتتان المسلمين به وفتنة النفس أعيت من يداويها([284]) ● ● ● ● . - اختلاف النظر في صرف المال: كان عمر يرى أن فترة تأليف القلوب، وإغراء ضعفاء العقيدة بالمال والعطاء، قد انتهت، وصار الإسلام في غير حاجة إلى هؤلاء، وأنه يجب أن يوكل الناس إلى إيمانهم وضمائرهم، حتى تؤدي التربية الإسلامية رسالتها في تخريج نماذج كاملة، لمدى تغلغل الإيمان في القلوب، بينما يرى خالد أن ممن معه من ذوي البأس والمجاهدين في ميدانه من لم تخلص نيتهم لمحض ثواب الله، وأن أمثال هؤلاء في حاجة إلى من يقوي عزيمتهم، ويثير حماستهم من هذا المال([285])، كما أن عمر كان يرى أن ضعفة المهاجرين أحق بالمال من غيرهم، فعندما اعتذر إلى الناس بالجابية من عزل خالد قال: أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس([286])، ولا شك أن عمر وخالداً مجتهدان فيما ذهبا إليه ولكن عمر أدرك أموراً لم يدركها خالد رضي الله عنهما([287]). ● ● ● ● . - اختلاف منهج عمر عن منهج خالد في السياسة العامة: فقد كان عمر يصر على أن يستأذن الولاة منه في كل صغيرة وكبيرة، بينما يرى خالد أن من حقه أن يُعطى الحرية كاملة من غير الرجوع لأحد في الميدان الجهادي وتطلق يده في كل التصرفات إيماناً منه بأن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب([288]). ولعل من الأسباب أيضاً، إفساح المجال لطلائع جديدة من القيادات حتى تتوفر في المسلمين نماذج كثيرة من أمثال خالد والمثنى وعمرو بن العاص، ثم ليدرك الناس أن النصر ليس رهناً برجل واحد([289])، مهما كان هذا الرجل. ● ● ● ● . - موقف المجتمع الإسلامي من قرار العزل: تلقى المجتمع الإسلامي قرار العزل بالتسليم لحق الخليفة في التولية والعزل، فلم يخرج أحد عن مقتضى النظام والطاعة والإقرار للخلافة بحقها في التولية والعزل وقد روي أن عمر خرج في جوف الليل فلقي عَلْقَمة بن عُلاثة الكلابي، وكان عمر يشبه خالداً إلى حد عجيب، فحسبه علقمة خالداً، فقال: يا خالد عزلك هذا الرجل، لقد أبى إلا شحّاّ حتى لقد جئت إليه وابن عم لي نسأله شيئاً، فأما إذا فعل فلن أسأله شيئاً، فقال له عمر يستدرجه ليعلم ما يخفيه: هيه! فما عندك؟ قال: هم قوم لهم علينا حق فنؤدي لهم حقهم، وأجرنا على الله، فلما أصبحوا قال عمر لخالد وعلقمة مشاهد لهما: ماذا قال لك علقمة منذ الليلة؟ قال خالد: والله ما قال شيئاً، قال عمر: وتحلف أيضاً؟ فاستثار ذلك علقمة وهو يظن أنه ما كلم البارحة إلا خالداً، فظل يقول: مَهْ يا خالد؛ فأجاز عمر علقمة وقضى حاجته، وقال لأن يكون من ورائي على مثل رأيك يعني حرصه على الطاعة لولي الأمر وإن خالفه أحب إليّ من كذا وكذا([290])، وهذا وقد جاء اعتراض من أبي عمرو بن حفص بن المغيرة بن عم خالد بن الوليد بالجابية، فعندما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان، فنزعته وأمّرت أبا عبيدة بن الجراح. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: والله ما أعذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووضعت لواء نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد قطعت الرحم وحسدت ابن العم. فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك([291])، وهكذا اتسع صدر الفاروق لابن عم خالد بن الوليد، وهو يذب عن خالد حتى وصل دفاعه إلى دعوى اتهامه للفاروق بالحسد، ومع ذلك ظل الفاروق حليماً([292]). ● ● ● ● . 4- وفاة خالد بن الوليد وماذا قال عن الفاروق وهو على فراش الموت: دخل أبو الدرداء على خالد في مرض موته، فقال له خالد: يا أبا الدرداء، لئن مات عمر، لترين أموراً تنكرها. فقال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك. فقال خالد: قد وجدت عليه في نفسي في أمور، لما تدبرتها في مرضي هذا وحضرني من الله حاضر عرفت أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل، كنت وجدت عليه في نفسي حين بعث من يقاسمني مالي، حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، ولكنه فعل ذلك بغيري من أهل السابقة، وممن شهد بدراً، وكان يغلظ علي، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته علي، وكنت أدل عليه بقرابته، فرأيته لا يبالي قريباً ولا لوم لائم في غير الله، فذلك الذي ذهب عني ما كنت أجد عليه، وكان يكثر علي عنده، وما كان ذلك إلا على النظر: فقد كنت في حرب ومكابدة وكنت شاهداً وكان غائباً، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري([293])، ولما حضرته الوفاة وأدرك ذلك، بكى وقال: ما من عمل أرجى عندي بعد لا إله إلا الله، من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين، بتّها وأنا متترس والسماء تنهل عليَّ، وأنا أنتظر الصبح حتى أغير على الكفار، فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء لقد طلبت القتل في مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي([294])، وأوصى خالد أن يقوم عمر على وصيته وقد جاء فيها: وقد جعلت وصيتي وتركتي وإنفاذ عهدي إلى عمر بن الخطاب، فبكى عمر رضي الله عنه فقال له طلحة بن عبيد الله: إنك وإياه كما قال الشاعر: لا ألفينَّك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زوّدتني زادي([295]) فقد حزن عليه الفاروق حزناً شديداً، وبكته بنات عمه، فقيل لعمر أن ينهاهنَّ، فقال: دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة، على مثل أبي سليمان تبكي البواكي([296]). وقال عنه: قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق، وليته بقي ما بقي في الحمى حجر، كان والله سداداً لنحور العدو، ميمون النقيبة([297])، وعندما دخل على الفاروق هشام بن البختري في ناس من بني مخزوم، وكان هشام شاعراً، فقال له عمر: أنشدني ما قلت في خالد، فلما أنشده قال له: قصرت في الثناء على أبي سليمان رحمه الله، إن كان ليحب أن يذل الشرك وأهله، وإن كان الشامت به لمتعرضاً لمقت الله ثم تمثل بقول الشاعر: فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي تهيأ لأخرى مثلها فكان قدِ ولا موت من قد مات بعدي بمخلدي ثم قال: رحم الله أبا سليمان ما عند الله خير له مما كان فيه ولقد مات فقيداً وعاش حميدا([298])ً ولقد رأيت الدهر ليس بقائل([299]) هذا وقد توفي ودفن بحمص ببلاد الشام عام 21هـ([300]) رحمه الله رحمة واسعة وأعلى ذكره في المصلحين. . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:16 PM | #8 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . ([1]) البخاري، ك الخصومات (3،25) باب الربط والحبس مسند أحمد رقم 232 الموسوعة الحديثية إسناده صحيح. ([2]) الولاية على البلدان عبد العزيز العمري (1/67) وهذا أهم مرجع في الفصل وقد قمت بتلخيص هذا الكتاب. ([3]) الولاية على البلدان (1/68). ([4]) تاريخ اليعقوبي (2/147). ([5]) تاريخ اليعقوبي (2/157). ([6]) الولاية على البلدان (1/68). ([7]) تاريخ خليفة بن خياط ص134 . ([8]) تاريخ الطبري (5/239). ([9]) الطائف في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، نادية حسين صقر ص19 . ([10]) الطائف في العصر الجاهلي وصدر الإسلام ص19 . ([11]) الولاية على البلدان (1/69). ([12]) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني، يحيى بن الحسين (1/83). ([13]) تاريخ الطبري (2/157). ([14]) غاية الأماني (1/83). ([15]) الأموال للقاسم بن سلام ص436 . ([16]) تاريخ اليعقوبي (2/157). ([17]) تاريخ الطبري (5/239). ([18]) الولاية على البلدان (1/71). ([19]) اليمن في ظل الإسلام د. عصام الدين ص49 . ([20]) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم ص119-123 . ([21]) الولايات على البلدان (1/71). ([22]) نفس المرجع (1/75). ([23]) نفس المرجع (1/73). ([24]) سير أعلام النبلاء (2/374). ([25]) الولاية على البلدان (1/73). ([26]) الطبقات (5/560)، تاريخ المدينة (3/843) الولاية على البلدان (1/74). ([27]) الولاية على البلدان (1/74). ([28]) البداية والنهاية (7/101). ([29]) الولاية على البلدان (1/75). ([30]) نفس المرجع (1/75). ([31]) تاريخ الطبري (5/239). ([32]) الولاية على البلدان (1/76). ([33]) فتوح مصر ص173 . ([34]) الولاية على البلدان (1/79). ([35]) فتوح مصر وأخبارهم ص152 . ([36]) الولاية على البلدان (1/82). ([37]) الولاية على البلدان (1/83). ([38]) تهذيب تاريخ دمشق (1/152). ([39]) الأزدي له صحبة ورواية اشترك في فتوح الشام. ([40]) تاريخ خليفة ص155 . ([41]) فتوح الشام ص248 . ([42]) الفتوح، ابن أعثم الكوفي ص289 الولاية على البلدان (1/90). ([43]) فتوح البلدان ص137 . ([44]) فتوح البلدان ص145،146 . ([45]) الوثائق السياسية للعصر النبوي والخلافة الراشدة ص493 . ([46]) الولاية على البلدان (1/92). ([47]) تاريخ الطبري (5/239). ([48]) الولاية على البلدان (1/92). ([49]) الولاية على البلدان (1/93). ([50]) تاريخ خليفة بن خياط 155 ، سير أعلام النبلاء (3/88). ([51]) الولاية على البلدان (1/102). ([52]) نفس المصدر (1/108). ([53]) البداية والنهاية (7/28). ([54]) الولاية على البلدان (1/111). ([55]) الولاية على البلدان (1/113). ([56]) تاريخ خليفة بن خياط ص155 . ([57]) التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ص36 . ([58]) تاريخ خليفة بن خياط ص127،128 . ([59]) الولاية على البلدان (1/115). ([60]) نفس المصدر (1/117). ([61]) مناقب عمر لابن الجوزي ص130 . ([62]) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة. ([63]) سير أعلام النبلاء (2/389). ([64]) الولاية على البلدان (1/120). ([65]) الولاية على البلدان (1/120). ([66]) فتوح البلدان ص139 ، تاريخ اليعقوبي (2/151). ([67]) الولاية على البلدان (1/123). ([68]) نفس المصدر (1/123). ([69]) الطبقات (3/157). ([70]) الفتوح ابن أعثم (2/82). ([71]) نهاية الأرب (19/368). ([72]) تاريخ خليفة ص155 ، تاريخ الطبري (5/239). ([73]) مروج الذهب (2/306) الولاية على البلدان (1/131). ([74]) سير أعلام النبلاء (2/364). ([75]) الولاية على البلدان (1/133). ([76]) الولاية على البلدان (1/133،134،135). ([77]) وقائع ندوة النظم الإسلامية (1/295،296). ([78]) دور الحجاز في الحياة السياسية ص255 . ([79]) الفتاوى (28/42). ([80]) الفتاوى (28/138). ([81]) تاريخ الطبري (5/39). ([82]) الفتاوى (28/42). ([83]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/479). ([84]) المدينة النبوية فجر الإسلام (2/56). ([85]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/482). ([86]) نفس المصدر (1/482). ([87]) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (1/282). ([88]) نفس المصدر (1/283). ([89]) محض الصواب (2/519). ([90]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص150 . ([91]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين ص334 . ([92]) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص108 ، الولاية على البلدان (1/128). ([93]) الفتاوى (28/138). ([94]) الإدارة الإسلامية في عصر عمر بن الخطاب ص213 . ([95]) نفس المصدر ص213 . ([96]) نفس المصدر ص215 . ([97]) البرذون: الدابة، البراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العرب. ([98]) محض الصواب (1/510). ([99]) التاريخ الإسلامي (19،20/268). ([100]) عصر الخلافة الراشدة ص114 . ([101]) فرائد الكلام ص165 . ([102]) نفس المصدر ص165 . ([103]) الولاية على البلدان (1/ 128). ([104]) الولاية على البلدان (1/ 142) مناقب أمير المؤمنين ص117. ([105]) صفة الصفوة (1/ 287). ([106]) الولاية على البلدان (1/ 142). ([107]) نفس المصدر (1/ 142). ([108]) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص407 . ([109]) الولاية على البلدان (1/144). ([110]) الولاية على البلدان (2/49). ([111]) بدائع السالك (2/27). ([112]) ذكره بن حجر في الإصابة. ([113]) محض الصواب (2/514)، الطبقات (6/158). ([114]) ضاغط: مراقب. ([115]) الولاية على البلدان (2/53). ([116]) فتوح الشام للأزدي ص122، 123. ([117]) الولاية على البلدان (2/ 54). ([118]) نفس المصدر (2/ 54). ([119]) فتوح البلدان للبلاذري ص214. ([120]) الخراج لأبي يوسف ص22، 23. ([121]) تاريخ اليعقوبي (2/ 139، 140). ([122]) الولاية على البلدان )2/ 55). ([123]) نفس المصدر (2/ 56). ([124]) نفس المصدر (2/ 56). ([125]) الخراج لأبي يوسف ص15، الولاية على البلدان (2/ 57). ([126]) الولاية على البلدان (2/ 57). ([127]) نفس المصدر (1/ 152). ([128]) إعلام الموقعين (2/ 218). ([129]) تاريخ الطبري (5/ 39). ([130]) الولاية على البلدان (2/ 59). ([131]) الولاية على البلدان (2/ 60). ([132]) الخراج لأبي يوسف ص122. ([133]) الولاية على البلدان (1/ 149). ([134]) تاريخ الدينة (2/ 694) الولاية على البلدان (1/ 149). ([135]) الولاية على البلدان (1/ 150). ([136]) الطبقات الكبرى (4/ 261). ([137]) سير أعلام النبلاء (1/ 547). ([138]) الولاية على البلدان (2/ 63). ([139]) الخراج لأبي يوسف ص50، الولاية على البلدان (2/ 63). ([140]) الولاية على البلدان (2/64)، الإدارة الإسلامية محمد كرد ص48 . ([141]) الولاية على البلدان (2/64). ([142]) أخبار عمر طنطاويات ص341 . ([143]) أعلام الموقعين (2/247). ([144]) سير أعلام النبلاء (2/247). ([145]) السياسة الشرعية ص150 . ([146]) نصيحة الملوك للماوردي ص72 ، الولاية على البلدان (2/65). ([147]) الطريقة الحكمية ص240 ، الولاية على البلدان (2/67). ([148]) نصيحة الملوك ص72 . ([149]) الأحكام السلطانية ص33 . ([150]) الولاية على البلدان (2/67). ([151]) نفس المصدر (2/68). ([152]) الولاية على البلدان (2/68). ([153]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص133 . ([154]) فتوح البلدان للبلاذري ص182 ، الولاية على البلدان (2/69). ([155]) الأحكام السلطانية ص33 . ([156]) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص240،242 . ([157]) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص521 . ([158]) الولاية على البلدان (2/70). ([159]) الولاية على البلدان (2/71). ([160]) عيون الأخبار (1/11). ([161]) الولاية على البلدان (2/71). ([162]) نفس المصدر (2/72). ([163]) الولاية على البلدان (1/77). ([164]) الفتوح بن أعثم ص215 . ([165]) الولاية على البلدان (2/74). ([166]) الولاية على البلدان (2/74). ([167]) الولاية على البلدان (2/74). ([168]) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص486 . ([169]) النظم الإسلامية، صبحي الصالح ص488،491 . ([170]) الولاية على البلدان (20/77). ([171]) الولاية على البلدان (2/77). ([172]) موسوعة فقه عمر بن الخطاب ص133 . ([173]) سنن البيهقي (6/357) موسوعة فقه عمر ص135 . ([174]) موسوعة فقه عمر ص137 . ([175]) الولاية على البلدان (2/77). ([176]) فتوح الشام للأزدي ص257 ، الولاية على البلدان (2/78). ([177]) تاريخ المدينة (2/749). ([178]) الولاية على البلدان (2/79). ([179]) فتوح البلدان للبلاذري ص143،224 . ([180]) الولاية على البلدان (2/79). ([181]) نفس المصدر (2/80). ([182]) نفس المصدر (2/80). ([183]) نصيحة الملوك للماوردي ص207 ، موسوعة فقه عمر ص134 . ([184]) فتوح البلدان للبلاذري ص273 ، الولاية على البلدان (872). ([185]) فتوح البلدان للبلاذري ص351،352 . ([186]) الولاية على البلدان (2/82). ([187]) نفس المصدر (2/82). ([188]) المصدر نفسه (2/82). ([189]) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص523. ([190]) النظريات السياسية الإسلامية محمد ضياء الريس ص307، 308. ([191]) الولاية على البلدان (2/85). ([192]) الخراج لأبي يوسف ص40، 41، الولاية على البلدان (2/ 105). ([193]) المصدر نفسه. ([194]) الولاية على البلدان (2/ 104). ([195]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص129. ([196]) النظم الإسلامية، صبحي الصالح ص89، الإدارة الإسلامية 215. ([197]) مناقب أمير المؤمنين لابن الجوزي ص56، الإدارة الإسلامية 215. ([198]) الإدارة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ص215. ([199]) التاج في أخلاق الملوك ص168. ([200]) فن الحكم ص174. ([201]) الخراج لأبي يوسف ص124 الولاية على البلدان (1/ 157). ([202]) الولاية على البلدان (1/ 157). ([203]) تاريخ المدينة (2/ 761). ([204]) الأنصار في العصر الراشدي ص123إلى 126. ([205]) عبقرية عمر للعقاد ص82، الدولة الإسلامية د. حمدي شاهين ص138. ([206]) الطبقات لابن سعد (3/ 222). ([207]) تاريخ الطبري (5/ 18)، الولاية على البلدان (1/ 161). ([208]) الولاية على البلدان (1/ 161). ([209]) تاريخ المدينة (3/ 837). ([210]) الولاية على البلدان (1/ 162). ([211]) تاريخ المدينة (3/ 837). ([212]) الولاية على البلدان (1/ 162). ([213]) الولاية على البلدان (1/ 163). ([214]) الإدارة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب 223. ([215]) تاريخ الطبري (5/ 103). ([216]) تاريخ الطبري (5/ 103). ([217]) تاريخ الطبري (5/104). ([218]) التاريخ الإسلامي للحميدي (11/222). ([219]) دور الحجاز في الحياة السياسية ص257. ([220]) تاريخ الطبري (5/225). ([221]) فتوح مصر وأخبارها ص92. ([222]) تاريخ المدينة (3/841). ([223]) الولاية على البلدان (1/81). ([224]) تاريخ المدينة (3/807، 808) في إسناده انقطاع. ([225]) محض الصواب (2/467) إسناده حسن. ([226]) محض الصواب (2/552) إسناده حسن. ([227]) صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص134 إسناده حسن. ([228]) نفس المصدر ص133. ([229]) حلية الأولياء (1/245)، أخبار عمر ص152. ([230]) أي أكثر من الهزل. ([231]) تاريخ المدينة (3/813) خبر صحيح، الفاروق الحاكم العادل ص11. ([232]) الولاية على البلدان (2/127)، الأموال لأبي سلام ص63، 64. ([233]) الولاية على البلدان (2/126، 127). ([234]) تاريخ المدينة (3/818). ([235]) السياسة الشرعية لابن تيمية ص105. ([236]) فتوح البلدان ص77، نهاية الأرب (19/8). ([237]) الإدارة الإسلامية مجدلاوي ص216. ([238]) أرمقتني أوجعتني وأغضبتني لسان العرب (7/161). ([239]) تاريخ المدينة (3/832)، الولاية على البلدان (2/128). ([240]) تاريخ المدينة (3/834). ([241]) الولاية على البلدان (2/129). ([242]) نوّاباً: أي جماعة من الناس يختصون بالزيارة والمسامرة دون غيرهم. ([243]) تاريخ المدينة (3/817، 818) الولاية على البلدان (2/130). ([244]) الولاية على البلدان (2/130). ([245]) الولاية على البلدان (2/130). ([246]) الفتاوى (28 / 157). ([247]) فتوح البلدان ص220،221 ، الولاية على البلدان (2/131). ([248]) شهيد المحراب ص250 . ([249]) الولاية على البلدان (2/131). ([250]) فتوح البلدان ص443 . ([251]) الولاية على البلدان (2/133). ([252]) الفاروق عمر بن الخطاب للشرقاوي ص287 . ([253]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين ص151 . ([254]) أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ، إبراهيم شعوط ص123 . ([255]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص321-331 . ([256]) البداية والنهاية (7/115). ([257]) التاريخ الإسلامي (11/146). ([258]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص331 . ([259]) نفس المصدر ص332 . ([260]) نفس المصدر ص332 . ([261]) البداية والنهاية (7/115). ([262]) خالد بن الوليد صادق عرجون ص332 . ([263]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص332،333 . ([264]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص321 . ([265]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص321 . ([266]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص346 . ([267]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص323 . ([268]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين 84 . ([269]) نظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين ص84 . ([270]) أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص132 . ([271]) عبقرية خالد للعقاد ص154،155،156 . ([272]) تاريخ الطبري (5/41). ([273]) نفس المصدر (5/42). ([274]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص324 . ([275]) البثنية قيل المراد: حنطة منسوبة إلى بلد بالشام وقيل الناعمة من الرملة اللينة. ([276]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص347 ، الكامل في التاريخ (2/156). ([277]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص347 . ([278]) نفس المصدر ص347 . ([279]) تاريخ الطبري (5/43). ([280]) تاريخ الطبري (5/43). ([281]) تاريخ الطبري (5/43). ([282]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين، حمدي شاهين ص149 . ([283]) عبقرية عمر ص158 . ([284]) حروب الإسلام في الشام، باشميل ص566 . ([285]) أباطيل يجب أن تحمى من التاريخ ص134 . ([286]) البداية والنهاية (7/115). ([287]) التاريخ الإسلامي (11/147). ([288]) الخلافة والخلفاء الراشدون، سالم البهنساوي ص196 . ([289]) أخطاء يجب أن تمحى من التاريخ ص134 . ([290]) الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين ص151 . ([291]) النسائي (8283) خبر صحيح في سننه الكبرى، محض الصواب (2/496) إسناده صحيح. ([292]) صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ص219 . ([293]) خالد بن الوليد، صادق عرجون 349 ، الخلافة والخلفاء ص198 . ([294]) سير أعلام النبلاء (1/382)، الطريق إلى المدائن ص367 . ([295]) الفاروق عمر ص287 . ([296]) الطريق إلى المدائن ص366 . ([297]) خالد بن الوليد، صادق عرجون ص348 . ([298]) تهذيب تاريخ دمشق (5/116). ([299]) ليس بقائل: أي ليس بتارك أحداً يخلد في هذه الدنيا، فهو من الإقالة في المعنى، صادق عرجون ص348 . ([300]) تاريخ الطبري (5/130)، القيادة العسكري ص589 . . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:16 PM | #9 |
الاختيارية
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
● ● ● ● . الحمدلله تُـم طرح الجزء الرابع مِن السلسلة بسلام ,و نتمنى مِن الـسلـسلة الكريمة الفائدة والأستفادة للجميع إن شاء الله تعالى وصلى الله وسلم على نبينا وقائدنا محمداً وآله وصحبه أجمعين .: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته :. . ● ● ● ● |
05-25-2012, 06:30 PM | #10 |
رقـم العضويــة: 88658
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الجنس:
المشـــاركـات: 3,017
نقـــاط الخبـرة: 279
|
رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اهلين اخى العزيز ومشرفنا الغالى ارسلان فى بدايت الامر بيسعدنى وبيشرفنى ان اكون اول من بيرد على موضوعك الاكثر من رائع وكمان بدى اشكرك لارسال الرابط الى منك شخصيا هيك ريحنتنى لغايه فى نفسى كانت بلنسبه النا احنا باحسن حال والحمد لله ياغالى هلئه انت كيفاتك خيو والاختبرات تبعك ان شاء الله موفق وربى بيسهل امرك معه كل الاختبارات اللهم امين بلعودة للموضوع ماشاء الله تبارك شو راح بحكى وشو راح بتكلم مابعطيك حقك الى تعبت فيه الموضوع متعوب عليه بجد وكثير كثير اخذ من وقتك مشان انا عم اشتغل على واحد نفس النمط بس مابيجى نصف الى عم تدرجو انت ويالله شو بيتعب خيو الله بيساعدك خيو من كثر التركيز والتدقيق كمان والتنسيق الى جعل الموضوع باحله صورة خيو شو راح بتكلم على الخليفه عمر الفاروق الرجل الصالح شو بتكلم عنو كمان مابعطيه حقو وما انا لاقف واعبر عن صحابى جليل وخليفه المسلمين مهما كتبت واسردتو من التعبير الجميل فانى مقصر بحقه جزاهو الله خير الجزاء فهوا الاساس الذى عزز وقوة بها من عزيمه المسلمين فهوا القدوة الحسنه وفخر المسلمين فجزاهو الله عنا خير الجزاء فرضى الله عن خلفيتنا عمر بن الخطاب ورضى الله عن سائر الصاحبه اجمعين ومن اتبعهم الى يوم الدين اتمنالك الموفقيه اخى الحبيب بلطرح الجميل هذا وبنتظار مواضيعك القادمه باذن الله وربى بيجعل هل مواضيع الى عم تنشرها حجه لك يوم تلقاه فعسى ان يدخلك بها من ابواب رحمته الواسعه اللهم امين يارب العالمين وللقارئين اجمعين فعسى ان ينتفع بها من يقرها ان شاء الله لك منى الشكر الجزيل والتقيم كمان وكمان وردة حلوة لعيونك والى ذالك الوقت المنتظر استودعك الله |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع مُميٍز:-●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الرابع || ~ : | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثالث || ~ | شَنَجُ الرَبيعْ | قسم تقارير الشخصيات الإسلامية | 54 | 08-03-2012 09:21 AM |
مُميٍز :- ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الخامس || ~ | شَنَجُ الرَبيعْ | قسم تقارير الشخصيات الإسلامية | 25 | 06-21-2012 02:30 AM |
●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~ | شَنَجُ الرَبيعْ | قسم تقارير الشخصيات الإسلامية | 47 | 05-24-2012 06:16 AM |