القسم الإسلامي العام
(القسم تحت مذهب أهل السنة والجماعة)
(لا تُنشر المواضيع إلا بعد إطلاع وموافقة إدارة القسم) |
#1
|
||||
|
||||
باب الشفاعة
باب الشفاعة قال الله تعالى : ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) [النساء: 85] . 1/246 ـ وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجةٍ أقبل على جلسائه فقال : (( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب )) متفق عليه (11) . وفي رواية : (( ما شاء )) . 2/ 247 ـ وعن بن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها . قال : قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو راجعتِهِ ؟ )) قالت : يا رسول الله ، تأمرني ؟ قال : (( إنما أشفع )) قالت : لا حاجة لي فيه )) رواه البخاري (12) . الـشـرح قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ : باب الشفاعة . والشفاعة : هي التوسط للغير ؛ لجلب منفعة أو دفع مضرة . مثال الأول : أن تتوسط لشخص عند آخر في أن يساعده في أمر من الأمور ومثال الثاني : أن تشفع لشخص عند آخر في أن يسامحه ويعفو عن مظلمته ، حتى يندفع عنه الضرر . ومثال ذلك في أيام الآخرة ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف ليُقضى بينهم ، حين يصيبهم من الكرب والغم ما لا يطيقون ، فهذه شفاعة في دفع مضرة . ومثالها في جلب منفعة ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة . والمراد بالشفاعة في كلام المؤلف : الشفاعة في الدنيا ؛ وهي أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر ؛ يتوسط له بجب المنفعة له أو دفع المضرة عنه . والشفاعة أقسام : القسم الأول : شفاعة محرمة لا تجوز ، وهي أن يشفع لشخص وجب عليه الحدّ بعد أن يصل إلى الإمام ، فإن هذه الشفاعة محرمة لا تجوز ؛ مثال ذلك : رجل وجب عليه حدّ في قطع يده في السرقة ، فلما وصلت إلى الإمام أو نائب الإمام ؛ أراد إنسان أن يشفع لهذا السارق ألا تقطع يده ، فهذا حرام أنكره النبي عليه الصلاة والسلام إنكاراً عظيماً . وذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية ، امرأة من بني مخزوم من أشراف قبائل العرب ، كانت تستعير الشيء ثم تجحده ، أي تستعيره لتنتفع به ثم تنكر بعد ذلك أنها استعارت شيئاً ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ؛ فاهتمت لذلك قريش ، قالوا : امرأة من بني مخزوم وتقطع يدها ؟ هذا عار كبير ، من يشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأوا أن أقرب الناس لذلك أسامة بن زيد بن الحارثة . وأسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن زيد بن حارثة عبدٌ أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ، ثم أعتقه وكان يحبه عليه الصلاة والسلام ، ويحب ابنه أسامة ، فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( أتشفع في حد من حدود الله ؟)) قال ذلك إنكاراً عليه ، ثم قام فخطب الناس وقال : (( أيها الناس ؛ إنما أهلك من كان قبلكم ؛ أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله ـ يعني أقسم بالله ـ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ؛ لقطعت يدها )) ( 12 ) . وهذه المرأة المخزومية دون فاطمة شرفاً ونسباً ، ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم قال :( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ؛ لقطعت يدها )) لسدّ باب الشفاعة والوساطة في الحدود إذا بلغت الإمام . وقال عليه الصلاة والسلام : (( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله ؛ فقد ضادِّ الله في أمره )) ( 14 ) . وقال صلى اله عليه وسلم : (( إذا بلغت الحدود السلطان ؛ فلعن الله الشافع والمشفع )) ( 15) . ولما سرق رداء صفوان بن أمية وكان قد توسده في المسجد ، فجاء رجل فسرقه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد السارق ـ انظر ماذا سرق ؟ سرق رداء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده ـ فقال : يا رسول الله ؛ أنا لا أريد ردائي ، يعني أنه رحم هذا السارق وشفع فيه ألا تقطع يده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هلاّ كان ذلك قبل أن تأتيني به )) ( 16 ) . يعني لو عفوت عنه قبل أن تأتيني به ، لكان ذلك لك ، لكن إذا بلغت الحدود السلطان ؛ فلابد من تنفيذها ، وتحرم فيها الشفاعة . القسم الثاني : أن يشفع في شيء محرم ، مثل أن يشفع لإنسان معتدٍ على أخيه ، أعرف مثلاً أن هذا الرجل يريد أن يخطب امرأة مخطوبة من قبل ، والمرأة المخطوبة لا يحل لأحد خطبتها ، فذهب رجل ثان إلى شخص وقال : يا فلان أحب أن تشفع لي عند والد هذه المرأة يزوجنيها ، وهو يعلم أنها مخطوبة ، فهنا لا يحل له أن يشفع؛ لأن هذه شفاعة في محرم . والشفاعة في المحرم تعاون على الإثم والعدوان ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )[المائدة: 2] . ومن ذلك أيضاً أن يأتي رجل لشخص فيقول : يا فلان ؛ أنا أريد أن أشتري دخاناً من فلان وقد سُمْتُه بكذا وكذا ، وأبى عليّ إلا بكذا وكذا أكثر مما سمتُه به ، فأرجوك أن تشفع لي عنده ليبيعه عليّ بهذا السعر الرخيص ، فهنا لا تجوز الشفاعة ؛ لأن هذه إعانة على الإثم والعدوان . القسم الثالث : الشفاعة في شيء مباح فهذه لا بأس بها ، ويكون للإنسان فيها أجر ، مثل أن يأتي شخص لآخر فيسوم منه بيتاً ويقول له هذا الثمن قليل ، فيذهب السائم إلى شخص ثالث ، ويقول : يا فلان اشفع لي عند صاحب البيت لعله يبيعه عليّ ، فيذهب ويشفع له ، فهذا جائز ؛ بل هو مأجور على ذلك ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه ويقول : (( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء ))( 17 ) أو (( ما أحب )) . فهنا يأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة . ومثل ذلك أيضاً لو وجب لك حق على شخص ، ورأيت أنك إذا تنازلت عنه هكذا ربما استخفّ بك في المستقبل وانتهك حرمتك ، فهنا لا حرج أن تقول مثلاً لبعض الناس : اشفعوا له عندي ؛ حتى تظهر أنت بمظهر القوي ولا تجبن أمامه ويحصل المقصود . فالحاصل أن الشفاعة في غير أمر محرم من الإحسان إلى الغير كما قال تعالى ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا)[النساء: 85] . -------------------- ( 11 ) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب التحريض على الصدقة . . ، رقم ( 1432 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام ، رقم ( 2627 ) . ( 12 ) رواه البخاري ، كتاب الطلاق ، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج ، رقم ( 5283 ) . ( 13 ) رواه البخاري ، كتاب المناقب ، باب ذكر أسامة بن زيد ، رقم ( 2722 ) ، ومسلم ، كتاب الحدود ، باب قطع السارق الشريف وغيره . . ، رقم ( 1688 ) . ( 14 ) رواه أبو داود ، كتاب الأقضية ، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها ، رقم ( 3597 ) . ( 15 ) رواه ابن مالك في الموطأ ( 2/ 835 ) . ( 16 ) رواه أبو داود ، كتاب الحدود ، باب من سرق من حرز ، رقم ( 4394 ) ، والنسائي ، كتاب قطع السارق ، باب ما يكون حرزاً وما لا يكون ، وابن ماجه ، كتاب الحدود ، باب من سرق من حرز رقم ( 2595 ) . ( 17 ) رواه البخاري ، كتاب الزكاة ، باب الصدقة باليمين ، رقم ( 1432 ) ، ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام ، رقم ( 2627 ) . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|