Jonathan Ive / APPLE

على الرغم من سعرهما إلا أن القيمة الحقيقية للآيفون والآيباد لا تكمن في الجهاز نفسه بقدر ما تتمثل في المعلومات والتحديثات الخاصة بالأصدقاء والمواضيع الجديدة الموجودة فيهما، وكل ما يمكن الوصول اليه من خلالهما بنقرة اصبع.
وقد تم تصميم الجهاز نفسه وقد وضعت كل تلك الخصائص في الاعتبار: أنيق وسلس وقبل كل شيء بسيط، بحيث يحدد ما بداخل الجهاز التجربة.
مهندس الجهاز يتمتع الى حد كبير بتلك الصفات نفسها: انطوائي وغير مرئي بالنسبة إلى معظم الذين يحملون واحدا من ابداعاته. لكن داخل استديوهات التصميم الشديدة الحراسة في شركة أبل، يتسم جوناثان ايف بالتعقيد والقوة تماما مثل كثير من الأعمال الداخلية لآي فون.

نائب الرئيس الأول للتصميم الصناعي في شركة أبل هو المسؤول عن تصميم أجهزة الكمبيوتر المحمول المعدنية الملساء الأنيقة، وأجهزة الآيبود بألوان حلوة وجهاز آيباد الأملس اللامع الأبيض اللون، وهو أحدث اصدار لأبل كشف النقاب عنه أخيرا في سان فرانسيسكو، حيث جلس جوناثان على الهامش بهدوء.
عند الحديث عن الآيفون في الفيلم الوثائقي Objectified، يقول «الكثير مما يبدو أننا نقوم به في منتج مثل هذا هو في الواقع بذل أقصى جهدنا للقيام بشيء يثير المتعة عند الناس. أعتقد أنه عندما تتطور النماذج والأشكال وفق ذلك النوع من المنطق، وألا تكون مجرد أشكال اعتباطية، تشعر أنه أمر لا مفر منه وأنه غير مقصود تقريبا».
تحقق استحسان الجمهور للمصمم، البريطاني المولد، ببطء، لكن لديه الآن سلسلة من الجوائز والأوسمة باسمه، والتي توجت العام الماضي بحصوله على لقب سير. قضى معظم حياته المهنية في ظل رئيسه الصريح والمفعم بالحيوية ستيف جوبس، لكن عندما كان ينسب الفضل والتقدير لجوبس في تصميم ما، كان جوبس ينسبه لصاحبه السير جوناثان. وقد قدم المستثمرون والمستهلكون احترامهم لذلك من خلال شرائهم لمنتجات أبل وأسهمها، الأمر الذي دفع بقيمة أسهم الشركة لتجاوز 500 مليار دولار لأول مرة في الشهر الماضي.

البساطة والجمال
ولعل السير جوناثان البالغ من العمر 45 عاما، هو الأكثر احتراما من قبل الجيل المقبل من المصممين، ممن هم في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم من أصحاب المشروعات في وادي السيليكون الذين يؤسسون شركات التكنولوجيا الخاصة بهم، وفق معاييره التي تستند الى البساطة والجمال.
في مكاتب «باث»، وهو تطبيق التواصل الاجتماعي للهواتف المحمولة الذي صمم خصيصا للآيفون، سميت قاعة المؤتمرات باسم السير جوناثان الذي علقت صورته على المدخل.
يقول ديف مورين، الرئيس التنفيذي لباث والموظف السابق في أبل الذي يتذكر حضور اجتماع لأبل أداره السير جوناثان «نحمل له كما مهولا من الاحترام». ويضيف قائلا إن أحد الموظفين اشتكى بشأن أحد جوانب كمبيوتر ماك بوك المحمول الذي يصعب من استخدامه بالنسبة إلى المعاقين. فشرح له السير جوناثان بأن فريق العمل لديه قد قطعوا شوطا كبيرا في تصميم كل ميزة، بحيث يمكن للشخص تشغيل الجهاز باصبع واحد، بما فيه اختبار وتعديل الشاشة لثلاثة أشهر، بحيث يمكن فتحها باصبع واحد من دون تغيير وضع جهاز الكمبيوتر المحمول.

شراكة عظيمة
وفي النهاية، يقول مورين «المنتجات العظيمة هي نتاج شراكة عظيمة بين مصمم ورجل أعمال مبادر». يعرف عن السير جوناثان نهجه الدقيق والبساطة التي تركز على الجوهر والروح وهوية المنتج والجمالية، وهي السمة المميزة لتأثير المصمم ديتر رامس الابداعي الرئيسي فيه، والذي صمم أجهزة المذياع وصانعات القهوة وغيرها من الأجهزة المنزلية لشركة براون الألمانية لصناعة المنتجات الاستهلاكية. لكن أكثر ما يحسب ويعتد به في نجاحه في أبل ينبع من علاقته الوثيقة بجوبس.
فكما يقول مارك رولستون، مدير الابتكار في فروغ ديزاين «هناك مدرستان للفكر في هذا الموضوع. واحدة تتعلق بكونه مصمما تحويليا، شخص تجاوز المفهوم النموذجي للمساواة، وجلب شيئا خاصا بالفعل الى السوق. وفي قراءة أكثر عمقا وتعقيدا للمسألة يتبين أنه الشخص المناسب في التوقيت المناسب».
انضم الى أبل في 1992. لكن عمله لم ينطلق الانطلاقة الناجحة الا عندما عاد جوبس الى الشركة في عام 1997، حيث تعاون الاثنان عن قرب. منح جوبس السير جوناثان الحرية الابداعية والوقت لاستكشاف التصاميم والاستثمار في الموارد. سافر الى الصين واليابان وأشرف على تصميم المصانع التي تصنع المعادن والزجاج لمنتجات أبل. وكان جوبس ذكر لكاتب سيرته الشخصية والتر ايساكسون «اذا كان لي من شريك روحي في أبل، فهو جوني. هو شخص ذكي على نحو رائع ولافت. يفهم جميع جوانب البيزنس والتسويق. ويختار الأشياء بمنتهى البساطة».

تقدم وترقية
لكن بالنسبة إلى الآخرين، تمثلت الموهبة الأساسية للسير جوناثان في قدرته على ادارة علاقته مع جوبس، بل وحتى استغلالها لمصلحة تقدمه وترقيته. فكما يقول موظف سابق في أبل «جوني رجل سياسي للغاية. لا ترغب حقا في أن تجتازه أو تعترضه والا ستخسر كل شيء».
ما تبقى هو أن نرى كيف سيكون أداء السير جوناثان من دون جوبس، وتحت ادارة الرئيس التنفيذي الجديد تيم كوك، رجل الأعمال الذي وحتى وقت قريب كان نظير السير جوناثان في التسلسل الهرمي لأبل.
لم تطلق أبل منتجا مفصليا يمثل اختراقا منذ اطلاق آيباد الأصلي في ابريل 2010، والتعديلات البسيطة الأخيرة التي أدخلت على جهاز آيباد أثارت ردود فعل مختلطة بشأنها من قبل المحللين. ومع ذلك ألمح كوك الى وجود المزيد في جعبة الشركة بقوله «لقد بدأنا للتو».
والواقع أن عملية التصميم تتطلب فريقا كاملا لانتاج منتجات ممتازة ورائعة، وفق رولستون. الا أن بريطانيا، على الأقل، حريصة على الادعاء بمواهب السير جوناثان الفردية: اذ قالت عنه بريا غوها، القنصل العام لبريطانيا في سان فرانسيسكو «يمثل قوة التصميم والابتكار البريطاني». لكن ليس أمام بريطانيا سوى أن تبدي اعجابها به من بعيد خلال معظم حياته المهنية.

ولد في لندن، ومنذ كان طفلا كان يفكك الأشياء. فضوله حيال الأشياء تطور الى اهتمام في صنعها. وبعد التخرج من نيوكاسل بوليتيكنيك، عمل لفترة وجيزة في لندن للاستشارات في تصميم كل شيء، بدءا من الأمشاط حتى أجهزة التلفاز. وكانت أبل من زبائن الشركة. وسرعان ما اجتذبت السير جوناثان للالتحاق بها في كاليفورنيا.

ويصادف هذا العام الذكرى العشرين لعمله في الشركة.
في مقابلة أجراها معه ستيفن فراي في سان فرانسيسكو، حيث يعيش مع زوجته وابنيه التوأم، نسب الفضل للثقافة الأميركية فيما وصل اليه من ابداع. وقال «أعتقد ان هناك نقصا واضحا من السخرية والشك. الأفكار هشة للغاية أليس كذلك؟ من السهل جدا أن تفوتك فكرة ما لأنها قد تكون هادئة جدا، أو أن تموت تلك الفكرة. ان الفضول والاستعداد للمحاولة أمر مهم للغاية بالنسبة إلى التصميم وتطوير تلك الأفكار الهشة المؤقتة وتحويلها الى منتجات حقيقية».
فايننشال تايمز