تذكرني !
تابعنا على
Bleach منتديات العاشق
قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة قسم خاص بجميع المواضيع المحذوفة و المُكررة والتي لاتنطبق على الشروط والقوانين والتي لا شأن لها في أي قسم من أقسام المُنتدى

الخيميائي2.....

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-23-2011, 09:29 PM
الصورة الرمزية CrRiMiNAL  
رقـم العضويــة: 98424
تاريخ التسجيل: Sep 2011
الجنس:
المشـــاركـات: 19
نقـــاط الخبـرة: 10
افتراضي الخيميائي2.....

ربما بدت الكنيسة، مع شجرة الجميز المنتصبة في الداخل مسكونة بالأرواح. هل كان هذا هو السبب الذي جعل هذا الحلم يعاوده أيضاً، وهل لهذا يعاني من شعور الغضب تجاه نعاجه، صديقاته المخلصات دوماً؟ شرب قليلاً من الخمر الذي تبقى لديه من عشاء ليلة الأمس، وشد معطفه على جسده، فهو يعلم أن الشمس
ستكون في أوجها بعد بضع ساعات، وسيصبح الطقس حاراً جداً، لدرجة لن يستطيع معها اصطحاب قطيعه عبر الريف .
في تلك الساعة من الصيف، كانت إسبانية كلها غافية، الحرارة مرتفعة حتى في الليل، وخلال ذلك الوقت كله
يتوجب عليه أن يحمل معطفه معه .
وكلّما كانت تتملكه الرغبة في الشكوى من هذا العبء تحديداً، كان يتذكر أنه بفضله يجابه برودة الصباح
الباكر .
-علينا أن نكون مستعدين دائماً لمفاجآت الطقس تخيل عندئذٍ وتقبل بامتنان ثقل معطفه الذي كان هناك
مبرر لوجوده كمثل الشاب، فبعد سنين من تطواف سهول الأندلس، صار يعرف عن ظهر قلب، أسماء مدن
المنطقة كلها، وكان هذا ما أعطى لحياته معنى، إنه الترحال ...
كان ينوي هذه المرة أن يشرح للفتاة الشابة، لماذا يعرف راع بسيط القراءة؟ فقد كان يتردد حتى سن السادس
عشرة عاماً على المدرسة الأكليريكية، وأهله أرادوا له أن يصبح قسيساً، تتشرف به عائلة متواضعة، من
وسط فلاحي، تكد من أجل لقمتها وهي بذلك كأغنامه .
درس اللاتينية والإسبانية واللاهوت، لكنه منذ طفولته المبكرة كان يحلم بمعرفة العالم، ويكسب معرفة أفضل
من مجرد معرفة الذات الإلهية أو آثام البشر .
ذات مساءٍ جميل، وهو ذاهب لرؤية ذويه، تسّلح بالشجاعة وأخبر والده بأنه لايريد أن يكون راهباً بل يريد
السفر .
-ياولدي، رجال من العالم بأسره قد أتوا إلى هنا، ومروا آنفاً بهذه القرية، إنهم يأتون إلى هنا ليبحثوا عن
أشياء جديدة، لكنهم يبقون الرجال أنفسهم، يذهبون إلى الهضبة لزيارة القصر ويجدون أن الماضي أفضل من
الحاضر، أكانوا ذوي شعر فاتح، أو ذوي بشرة غامقة، فهم يشبهون رجال قريتنا.
قال الشاب :
-لكنني لا أعرف قصور البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال .
تابع الأب :
-عندما رأى هؤلاء الرجال حقولنا ونساءنا حبذوا العيش هنا إلى الأبد .
قال الإبن :
-أريد أن أتعرف على نساء وحقول وأراضي البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال، إنهم لا يديمون البقاء بيننا .
قال الأب :
-لكن هؤلاء الرجال يملكون المال الوفير، أما عندنا فالرعاة وحدهم من يستطيع رؤية مختلف البلدان .
-إذاً سأصبح راعياً .
لم يضف الأب شيئاً بعد، وفي صباح اليوم التالي أعطى لولده كيس نقود يحتوي على ثلاث قطع ذهبية إسبانية قديمة .
-ذات يوم، وجدتها في أحد الحقول، وكنت أفكر أنها حق للكنيسة بمناسبة ترقيتك فيها، لكن خذها واشتر
لنفسك بها قطيعاً، واذهب عبر العالم، إلى أن يأتي اليوم الذي تعلم فيه أن قصرنا هو الأعظم، ونساءنا هن
أجمل النساء، ومنحه بركته .

قرأ الولد في عيني والده الرغبة في تطواف العالم أيضاً، رغبة كانت تحيا معه رغم عشرات السنين التي
حاول أن يمضيها مقيماً في المكان نفسه يأكل ويشرب ويغفو فيه كل ليلة .
× × ×

تلون الأفق باللون الأحمر، ثم بدت الشمس .
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينه وبين أبيه، فأحس بالسعادة، كان قد عرف من قبل كثيراً من القصور،
وكثيراً من النساء، لكن أياً منهن لا تعادل تلك التي ينتظرها بعد مسيرة يومين من الآن، كان يمتلك معطفاً،
وكتاباً وبإمكانه أن يبادله مقابل آخر، وقطيعاً من الغنم، والأكثر أهمية من هذا كله أنه كل يوم يتحقق حلم
حياته الكبير: الترحال ...
وعندما سيتعب من التجوال في ريف الأندلس، فإنه سيستطيع بيع أغنامه ليصبح بحاراً، وعندما سيمل البحر،
فإنه سيكون قد تعرف على مدن كثيرة، ونساء كثيرات، وفرص عديدة ليظل سعيداً .
ثم تساءل وهو يشاهد بزوغ الشمس :
-كيف يمكن للمرء أن يبحث عن الإله في مدرسة إكليريكية؟ .
لم يكن قد جاء إطلاقاً حتى هذه الكنيسة، مع أنه مر من هنا مرات عديدة .
العالم كبير، لامتناهٍ، ولو ترك أغنامه تقوده، ولو لبعض الوقت، لوصل إلى اكتشاف أشياء جديدة ومفعمة
بالفائدة .
-المشكلة هي انها لا تعي أنها تعبر دروباً جديدة كل يوم، ولا تلاحظ أن المراعي تغيرت، وأن الفصول
متباينة، لأنها لا تملك من هاجس سوى الماء والكلأ .
-إن الشيء نفسه يجري لكل الناس فكر الراعي حتى بالنسبة لي أنا الذي لم أفكر بنساء أخريات منذ
التقيت ابنة ذلك التاجر .
نظر إلى السماء، وقدر أنه سيكون تبعاً لحساباته في " طريفه " قبل وقت الغداء، هناك ... سيستطيع
مبادلة كتابه بآخر أكبر حجماً، وتعبئة زجاجته خمراً، وأن يحلق ذقنه، ويقص ضعره، عليه أن يكون على أتم
استعداد للقاء الفتاة الشابة، ولم يكن يريد حتى أن يتصور احتمال امكانية وصول راعٍ آخر قبله، يملك من
الغنم أكثر منه، قاصداً طلب يدها .
-إنها تماماً إمكانية تحقيق حلم يجعل الحياة ذات أهمية تخيل رافعاً نظره نحو السماء وهو يسرع في
خطواته .
لقد تذكر لتوه أن هناك في " طريفه " امرأة عجوز تعرف تفسير الأحلام، في هذه الليلة حلم بالحلم الذي كان
يراوده ... الحلم القديم نفسه ..

× × ×
قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخل المنزل، إلى غرفة يفصلها عن الصالة ستار من البلاستيك متعدد الألوان،
كانت هناك طاولة، وصورة للأب المقدس السيد المسيح، وكرسيان .
جسلت العجوز، ورجته أن يفعل مثلها، ثم أمسكت بيديه وأخذت بالدعاء بصوت منخفضٍ جداً، كان هذا أشبه
مايكون بصلاة غجرية، لقد التقى كثيراً من الغجر في دربه من قبل، فقد كانوا يسافرون أيضاً، لكنهم لم
يكونون يهتمون بالغنم، بل ان الشائع بين الناس هو أن الغجري يقضي وقته في خداع الناس، ويقال أيضاً أن هناك عهداً بينهم وبين الشيطان، وأنهم يسرقون الأطفال، ليجعلوا منهم عبيداً لهم في مخيماتهم الغامضة .عندما كان الراعي الشاب طفلاً صغيراً كان كثير التخوف وتراوده فكرة أن يختطفه الغجر، وعاوده هذا الخوف
القديم عندما كانت العجوز تمسك بيديه .
-لكن توجد هنا صورة السيد المسيح _ فكر محاولاً أن يطمئن نفسه، لم يكن يريد ليديه أن ترتجفا، أو أن
تلاحظ العجوز خوفه، وفي صمت تلا صلاةً .
-أمر مثير ! قالت العجوز دون أن تفارق عيناها يد الولد .
وابتسمت من جديد، أما هو فقد كان يشعر من وقت إلى آخر بثورة أعصابه، يداه أخذتا ترتجفان رغماً عنه،
ولاحظت العجوز ذلك، صمم أن يسحبها على الفوز ثم قال :
-أنا لم آتِ إلى هنا من اجل قراءة خطوط يدي .
وهو الآن يتأسف دخوله هذه الدار وحسب أنه سيكون من الأفضل أن يدفع قيمة الاستشارة وينصرف دون أن
يعرف شيئاً، فقد علق دون شك أهمية كبرى على حلم تكرر .
قالت العجوز :
-أتيت تسألني على الأحلام، والأحلام هي لغة الله، وعندما يتكلم الله بلغة البشر فأنا أستطيع تفسيرها، لكنه
عندما يتكلم بلغة روحك، فلن يفهمه أحد سواك، وعلى أية حال، عليك أن تدفع قيمة استشارتي .
-حيلة أخرى فكر الشاب، وعلى الرغم من كل شيء فإن الراعي قد قرر المجازفة. إنه يتعرض دائماً لخطر الذئاب، أو لخطر الجفاف، وهذا تماماً ما يجعل من مهنته مهنة هامة ومثيرة .
قال الشاب :
-حلمت بالحلم نفسه مرتين على التوالي. كنت متواجداً مع أغنامي على أرض أحد المراعي، حينما ظهر طفل
وأخذ يلعب مع البهائم، وأنا لا أحبذ كثيراً أن يأتي أحد ليلهو مع نعاجي، فهي تخاف من رؤية أشخاص لا
تعرفهم، لكن الأطفال ينجحون دائماً في اللهو معها دون أن يسببوا لها الخوف، إنني أجعل لماذا، ولا أعرف
كيف تستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية .
-ارجع إلى حلمك قالت العجوز فلدي قدر على النار، بالاضافة إلى أنك لاتملك الكثير من المال وتأخذ
وقتي كله .
-تابع الطفل اللعب مع النعاج لفترة أردف الراعي مرتبكاً قليلاً وفجأة أخذ بيدي وقادني حتى أهرامات
مصر .
عدل الشاب عن الكلام لحظة، ليرى إن كانت العجوز تعرف ماتكون أهرامات مصر، لكنها بقيت خرساء، ثم
تابع :
-عندئذٍ أمام أهرامات مصر، (لفظ هذه الكلمى بمنتهى الدقة، لتستطيع العجوز فهمها جيداً)، كان الطفل يقول
لي: " إن تأتِ حتى هنا، فستجد كنزاً مخبأ " . وفي اللحظة التي كان يكاد أن يريني فيها المكان المحدد كنت استيقظ في المرتين .
مكثت العجوز صامتة للحظات، ثم عادت وأمسكت بيدي الشاب اللتين تفحصتهما بانتباه .
-لن أدعك تدفع الآن أي شيء، لكنني أريد عشر الكنز إن وجدته .
أخذ الشاب يضحك، إنها ضحكة انشراح ورضا، فهكذا سيدخر القليل من المال الذي يملكه بفضل حلم صار
عبارة عن مسألة كنز مخبأ ! لابد أن تكون المرأة الطيبة العجوز غجرية، فالغجر أغبياء .


-حسن، كيف تفسرين هذا الحلم ؟ .
-أولاً يجب أن تقسم. اقسم لي أنك ستعطيني العشر من كنزك مقابل ما سأقوله لك .
أقسم الراعي، وطلبت منه العجوز أن يكرر القسم، وهو يثبت عينيه في صورة السيد المسيح .
قالت العجوز :
-إنه حلم باللغة الكونية، حلم أستطيع تأويله، لكنه تأويل صعب جداً، يبدو لي أني استحق حصتي مما ستجد،
والتأويل هو ذا :
"عليك أن تذهب حتى أهرامات مصر، لم أسمع عنها مطلقاً لكن إن كان من أراك إياها طفل، فهذا يعني أنها
موجودة فعلاً، هناك ستجد كنزاً سيجعل منك رجلاً غنياً ."

ذهل الشاب للوهلة الأولى، ثم غضب، لم يكن بحاجة للمجيء، لرؤية هذه المرأة من أجل شيء تافه، لكنه
تذكر في نهاية الأمر أنه لم يدفع شيئاً .
-لم تك لدي حاجة لإضاعة وقتي مادام الأمر هكذا قال الشاب .
-أنت ترى، لقد كنت قد قلت لك أن حلمك صعب التفسير، الأشياء البسيطة هي الأشياء الأكثر روعة والعلماء
وحدهم من يراها، وبما أنني لست واحدة منهم فإنه يتوجب علي معرفة فنون أخرى: قراءة الكف مثلاً .
-وماذا علي أن أفعل من أجل الذهاب حتى مصر ؟
-أنا لا أقوم إلا بتفسير الأحلام وليس بمقدوري تحويلها إلى حقيقة، ولهذا السبب علي أن أعيش مما تعطيني
إياه بناتي .
-وإن لم أصل حتى مصر ؟
-حسن، عندها لن أوفى أجري ولن تكون هذه المرة الأولى .
ولم تضف العجوز شيئاً، بل طلبت من الشاب الانصراف لأنه جعلها تضيع الكثير من الوقت .

× × ×

انصرف الراعي خائباً وعازماً على ألا يعتقد بالأحلام بعد الآن، ثم تذكر أن عليه القيام بأشياء مختلفة، ذهب
للبحث عن شيء يأكله، ولمبادلة كتابه مقابل آخر أكبر حجماً، وجلس على مقعد في الساحة، ليتذوق الخمرة
الجديدة التي ابتاعها .
إنه نهار حار، ولعلّ الخمر، بفضل أحد تأثيراته الخفية التي يملكها، يستطيع أن يكون مرطباً له .
كانت أغنامه عند مدخل المدينة، في حظيرة أحد الاصدقاء الجدد. تعرف على الكثير من الناس في هذه
الأنحاء، وهذا ماجعله يحب السفر لأيام متتلية، فعندما نرى الأشخاص أنفسهم كما هي الحال عليه في المدرسة
الإكليريكية فإننا نتوصل إلى اعتبارهم جزءاً من حياتنا، وبما أنهم يشّكلون جزءاً من حياتنا، فإنهم يبحثون
في نهاية الأمر عن تغييرها كما يرغبون بغير رضى، لأن كل الناس يعتقدون معرفة كيف يجب أن نعيش
تماماً، لكن أياً كان لا يعرف قطعاً كيف يتوجب عليه أن يعيش هو نفسه حياته الخاصة، كما لدى هذه المرأة
المنجمة التي تجهل كيف تحول الأحلام إلى واقع .
قرر الانتظار حتى حلول الظلا، قبل أن يذهب إلى الريف مع نعاجه، فبعد ثلاثة أيام سيلتقي ثانيةً ابنة التاجر .
بدأ بقراءة الكتاب الذي كان قد حصل عليه من خوري طريفه. كان مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألة دفن من
بدايته، بالاضافة إلى ذلك كانت أسماء الشخصيات معقدة للغاية. ثم حدث نفسه، بأنه لو قدر لو يوماً أن يؤلف
كتاباً، فسوف يورد الشخصيات واحدة واحدة، كي يوفر لقرائه حفظ أسمائها دفعة واحد عن ظهر قلب .
عندما كان يقرأ بتركيز تلك القصة الجميلة عن دفن في الثلج، والتي منحته احساساً بالرطوبة رغم الشمس
المحرقة ... جاء رجل عجوز للجلوس بجانبه والحديث معه .
-ماذا يفعل هؤلاء ؟ سأل العجوز مشيراً إلى المارة في الساحة .
أجاب الراعي بلهجة جافة :
-إنهم يعملون ... وتظاهر بالقراءة .
وفي الواقع، فقد كان يحلم بالذهاب لجز صوف نعاجه أمام ابنة التاجر كي تلمس بنفسها مقدرته على القيام
بالكثير من الأمور الهامة، كان قد تخيل هذا المشهد عشرات المرات. وأن الشابة تبدو له مندهشة عندما
يشرح لها عن الغنم وكيف يجز الصوف من الخلف إلى الأمام، لقد بذل مابوسعه لتذكر بعض القصص الجيدة
وروايتها لها أثناء عملية الجز، كانت في الغالب قصصاً قرأها في الكتب، وهو يرويها، كما لو أنه عاشها
بنفسه، ولن تعرف مطلقاً الفرق طالما أنها تجهل قراءة الكتب .
أصر العجوز على الكلام حينذاك، واخبره أنه متعب وعطش، وطلب أن يشرب جرعة من الخمر، فقدم له
الشاب زجاجته عّله يذهب ويتركه بحاله .
لكن العجوز كان يريد الثرثرة بإلحاح، فسأل الراعي عن الكتاب الذي يقرأه .
فكر الشاب أن يكون ف ّ ظاً ويغير مقعده، لكنه تذكر أن أباه قد عّلمه أن يحترم المسنين، عندها ناول الرجل
العجوز الكتاب لسببين :أولاهما، لأنه كان يجد نفسه فعلاً غير قادر على لفظ العنوان، وثانيهما، كي يغير
العجوز مقعده إن كان يجهل فعلاً القراءة حتى لا يشعر بالذل .
-هِم - تنحنح العجوز متفحصاً الكتاب من وجوهه كلها كم لو كان شيئاً غريباً إنه كتاب مهم ولكنه ممل
جداً .
ولشد ماتفاجأ الراعي عندما وجد أن العجوز يجيد القراءة. وأنه كان قد قرأ من قبل هذا الكتاب. وأنه كتاب
ممل كم أكد العجوز، فالوقت لا يزال مناسباً كي يستبدله بآخر .
تابع العجوز :
-إنه كتاب يتحدث عن الشيء نفسه الذي تحدثت عنه الكتب كلها تقريباً، عن عجز الناس في اختيار
مصيرهم، وأخيراً يجعلنا ندرك أكبر خدعو في العالم .
-ماهي أكبر خدعة في العالم ؟! سأل الشاب مندهشاً .
-هي ذي " :في إحدة لحظات وجودنا، نفقد السيطرة على حياتنا التي ستجد نفسها محكومة بالقدر، وهنا
تكمن خديعة العالم الكبرى " .
قال الشاب :
-بالنسبة لي، لم تجر الأمور بهذه الطريقة، فقد كانوا يريدون أن يجعلوا مني كاهناً لكنني قررت أن أكون
راعياً .
-هكذا أفضل لك، لأنك تحب الترحال .
-لقد حدس أفكاري قال لنفسه سنتياغو، بينما كان العجوز يتصفح الكتاب، دون أن يظهر أية نية لرده .
لاحظ الراعي أن العجوز يرتدي زياً غريباً، فقد كان يبدوا أنه عربي الهيئة، وهذا شيء مألوف في تلك
المنطقة، فإفريقية على بضع ساعات من " طريفة " ويكفي اجتياز المضيق الصغير بواسطة القارب وغالباً
مايأتي العرب للتسوق من المدينة فالناس يشاهدونهم وهم يصلون عدة مرات في اليوم بطريقة تدعو للفضول .
-من أين أنت ؟ سأل الشاب .
-من أماكن عدة .
-لايمكن لأحد أن يكون من أماكن عدة، فأنا راعٍ، ومن الممكن أن أتواجد في أماكن مختلفة، لكنني أنتمي
لمكانٍ واحد، مدينة قريبة من قصر قديم جداً، فهناك ولدت .
-لنقل إذن إنني ولدت في سالم
لم يكن الراعي يعرف أين تقع سالم، لكنه لم يطرح سؤالاً، كي لايشعر بأنه سخيف نتيجة جهله .
انهمك بمراقبة الساحة للحظة، فالناس يذهبون ويجيئون، ويبدون منشغلين للغاية .
سأل الشاب :
-كيف هي سالم؟ باحثاً عن أية علامة لا على التعيين .
-كما هي دائماً من الأزل .
لم يكن في هذا أية علاقة تدل عليها، لكن على الأقل كان يعلم أن سالم ليست في الأندلس، وإلا لكان عرفها .
-وماذا تفعلون أنتم في سالم؟
-ما أفعله في سالم؟ !
انفجر للمرة الأولى العجوز ضاحكاً، لكنني أنا ملك سالم، أي سؤال هذا ... !
الناس يقولون الكثير من الكلمات الغريبة، ومن المستحسن أحياناً أن يعيش المرء مع النعاج الخرساء،
ويكتفي بالبحث عن الماء والغذاء، أو مع الكتب التي تحكي قصصاً لاتُصدق، أما عندما يتكلم المرء مع البشر
فإن هؤلاء يقولون بعض الأمور التي تجعلنا جاهلين كيف نتابع الحديث .
قال العجوز :
-أنا أدعى " ملكي صادق "، كم تملك من الغنم؟
-ما يلزم .
كان العجوز يريد أن يعرف الأكثر عن حياته .
-لدينا مشكلة إذن، فأنا لا أستطيع أن أساعدك، مادمت تفكر بامتلاك ما يلزمك من الغنم .
بدأ الشاب يعاني نوعاً من الضيق، فهو لم يكن قد طلب منه أية مساعدة. فالشيخ العجوز هو الذي كان قد طلب خمراً، وأراد أن يثرثر، وهو الذي كان قد اهتم بالكتاب .
-أعد إلي الكتاب، يجب أن أذهب للبحث عن أغنامي ومتابعة طريقي .
-أعطني منها العشر، وسأعّلمك كيف تصل إلى كنزك المخبأ .


تذكر الفتى حلمه، وفجأة صار كل شيء واضحاً له .
فالمرأة العجوز لم تجعله يدفع شيئاً، لكن هذا الشيخ، سينجح في تحصيل مبلغ أكبر مقابل معلومة لم تكن
تتعلّق بأي واقع، لابد أنه غجري أيضاً ويمكن أن يكون زوجها .
في تلك الأثناء، ودون أن يقول أية كلمة، انحنى العجوز، والتقط غصناً من الأرض، وشرع يكتب شيئاً على
رمل الساحة، وفي اللحظة التي انحنى فيها، لمع شيء ما على صدره، كان الضوء باهراً لدرجة جعلت الشاب
شبه أعمى .
لكن وبحركة سريعة ومدهشة لرجل في عمره، سارع العجوز لشد معطفه على صدره .
زال انبهار عيني الفتى، فاستطاع أن يرى بوضوع ماكان الرجل يكتبه، قرأ اسم أبيه، واسم أمه على رمال
الساحة الرئيسية للمدينة الصغيرة، ألعاب طفولته، ليالي المدرسة الإكليريكية الباردة، ثم قرأ سيرة حياته حتى
هذه اللحظة، قرأ أشياء لم يكن قد رواها لأحد قط، كتلك المرة التي سرق فيها سلاح أبيه وذهب لاصطياد
الوعول الجبلية، أو كتجربته الجنسية الأولى والوحيدة .
-أنا ملك سالم قال العجوز .
-لماذا يثرثر ملك مع راع؟ تساءل الفتى في ذهول وحيرة .
-توجد عدة أسباب، لكن لنقل أن أهمها هو أنك كنت قادراً على انجاز " أسطورتك الشخصية . "
لم يكن الشاب يعرف ماكان العجوز يقصد بقوله: " أسطورة شخصية . "
-هي ماكنت دائماً تتمنى أن تفعل، فكل واحد منا يعرف ماهي أسطورته الشخصية وهو في ريعان شبابه، في
هذه الفترة من الحياة، يكون كل شيء واضحاً، كل شيء ممكناً، ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنى مايحب
أن يفعله في حياته. وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفية تنشط لإثبات استحالة تحقيق الأسطورة الشخصية .
لم يكن لقول العجوز أي معنى بالنسبة للراعي الشاب .
لكنه كان يريد معرفة ماهية هذه " القوى الخفية ". إن ابنة التاجر ستبقى فاغرة فاها !
-إنها قوى قد تبدو سيئة، ولكنها في الواقع هي تلك التي تعّلمك كيف تحقق أسطورتك الشخصية، إنها هي
التي تعد عقلك، وإرادتك لأن هناك حقيقة كبرى في هذا العالم :
"فأياً كنت، وأي شيء فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بالفعل، فهذا يعني أن هذه الرغبة قد ولدت في " النفس
الكلية " ، وأنها رسالتك على الأرض "
-حتى لو كانت الرغبة فقط هي رغبة في الترحال ؟ أو في الزواج من ابنة تاجر أقمشة؟
-أو البحث عن الكنز، فإن النفس الكلية تتغذى من سعادة الناس أو من شقائهم، من الرغبة، من الغيرة،
وإنجاز الأسطورة الشخصية هو الالتزام الأول والأوحد للناس، وكل شيء ليس إلا شيئاً واحداً .
"وعندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك . "
احتفظا بالصمت للحظة، راقبا فيها الساحة والمارة، وكان العجوز هو المبادر في إعادة فتح الحديث :
-لماذا ترعى الغنم؟
-لأنني أحب الترحال .
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربته الحمراء في إحدى زوايا الساحة وقال :
-هذا الرجل أيضاً كان دائماً يريد الترحال عندما كان طفلاً، لكّنه فضل شراء عربة صغيرة ليبيع البوشار
ويجمع المال طيلة سنين عديدة، وعندما يصبح عجوزاً سيسافر ليمضي شهراً في إفريقية، إنه لم يدرك أبداً
أن الانسان يمتلك القدرة لينفذ مايحلم به .
-كان عليه أن يكون راعياً فكر الشاب بصوتٍ عالٍ .
-لقد فّكر في ذلك قال العجوز لكن باعة البوشار ذوو شخصيات أكبر من تلك التي هم عليها الرعاة،
فباعة البوشار لديهم بيوت تؤويهم، بينما الرعاة يناموت تحت النجوم، والناس يفضلون تزويج بناتهم من
باعة بوشار على تزويجهم من الرعاة .
شعر الراعي بغصة في الصميم، وهو يفكر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجد بالتأكيد بائع بوشار .
-وأخيراً أردف العجوز فإن مايفكر به الناس عادة عن باعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من
الأسطورة الشخصية .
تصفّح العجوز الكتاب وتسّلى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التي قوطع هو
بها :
-لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
-لأنك تحاول أن تعيش أسطورتك الشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها .
-وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
-ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخّلى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرة جديدة، أو كطريقة للتخلص
من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيها الاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب
الناس لا يلاحظون شيئاً .
روى أنه في الاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذا الرجل قد
تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد .
خمس سنوات عمل خلالها بتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً
وتسعين ألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء ف ّ كر بالتراجع، ولم يكن
ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاً دأب في الجد خلف أسطورته الشخصية،
فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عند أقدامه، وتحت وطأة غضبه واحساسه باستلابه خلال
خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلك الحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى،فتفتت لتكشف عن أجمل زمردة في العالم .
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة :
-إن الناس يتعّلمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخّلون عن عاجلاً عن المتابعة، لكن
هكذا هي الدنيا .
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبة للمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ .
-لقد نُبشت الكنوز بفعل السيل الجاري قال العجوز ودفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفة المزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك .
-أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفي بالأمر؟
بدا الشيخ خائباً :
-إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقد الرغبة في الحصول عليه .
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز .
تأوه العجوز وصرخ :
-محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيء في الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول
مجاهدو عهد الأنوار تعليمها .
ثم أعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً :
-غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك، وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيا عمت مساء .
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة .

× × ×

حاول الشاب الرجوع إلى قرائته، لكنه لم يتم ّ كن من التركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز
يقول الحقيقة، ذهب للبحث عن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هي
عليه أن يخبره بما قال العجوز .
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه فكر دون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار
ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كان سيتخّلى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة .
كان يستطيع أن يوفر عليه هذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى
كبير، ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد في إفريقية .
-ماذا تريد؟ سأل موظف الحجز .
-ربما غداً أجاب مبتعداً .
عندما يبيع واحدة من نعاجه، فإنه سيستطيع الانتقال إلى الجهة الأخرى من المضيق، لكن هذه الفكرة أرعبته .
-هاهو حالم آخر قال قاطع التذاكر لزميله بينما كان الشاب يبتعد ليس لديه مايغطي نفقات سفره .
في حين أنه عندما كان امام الكوة، كان قد فّكر بنعاجه، وامتلكه الخوف من الذهاب إليها. فخلال هاتين
السنتين تعّلم كل شيء عن تربية الغنم، وتعلم كيف يجز الصوف، والعناية بالنعاج الحوامل، وحماية قطيعه من
الذئاب، كان يعرف حقول ومراعي الأندلس كلها، ويعرف السعر الدقيق ومبيع كل واحده من دوابه .
قرر العودة إلى حظيرة صديقه عبر أطول الطرق، كان في المدينة قصر أيضاً، أراد تسّلق المنحدر الحجري
والذهاب للجلوس على حائط السوق ليستطيع رؤية أفريقية، فأحدهم كان قد شرح له أن العرب الذين احتلوا
إسبانية كلها تقرياً، ولزمن طويل قد جاؤوا من هناك، لكنه يكره العرب لأنهم جاؤوا بالغجر .
ومن الأعلى، يستطيع أن يرى أيضاً الجزء الأكبر من المدينة والساحة التي تحدث فيها مع العجوز .
-لعن الله الساعة التي التقيت فيها بهذا العجوز ف ّ كر فهو قد ذهب بكل بساطة للبحث عن امرأة قادرة
على تفسير الاحلام، فلا تلك المرأة، ولا ذاك العجوز، لم يعّلقا أية أهمية على كونه راع، فقد كانا شخصين
منعزلين لا يعتقدان بشيء في الحياة، ولايفهمان أن الرعاة ينتهون في الارتباط بدوابهم، فالراعي يعرف بدقة
كل واحدة منها، ويعرف أن كانت بينها واحدة عرجاء، وأيا منها ستضع بعد شهرين، إنه يعرف الكسولات
منها ومتى يكون جزها وذبحها. وان قرر الرحيل يوماً، فإنها ستتألم كثيراً .
أخذت الريح الشرقية تعصف، فمع هذه الريح جاء قوم من السفهاء الكفار، وقبل أن يعرف " طريفه "، لم يكن
ليخيل إليه أن إفريقية كانت قريبة جداً، الأمر الذي يشّكل خطراً كبيراً، فالعرب يستطيعون غزو البلاد من
جديد. أخذت الريح تعصف بقوة أكبر .
-هاأنذا بين أغنامي والكنز قال لنفسه، وكان عليه أن يقرر أن يختار بين شيء ألفه وآخر يحب كثيراً لو
يحصل عليه، وهناك ابنة التاجر، لكنها ليست بأهمية النعاج بالنسبة إليه، وماجعله يتأكد من ذلك هو لو أنها
لن تلتقيه مابعد الغد، لما كانت انتبهت إلى ذلك: الأيام كلها متشابهة لديها، وعندما تكون الأيام تشبه بعضها
بعضاً، فهذا يعني أن الناس قد توقفوا عن ملاحظة الأشياء الطيبة التي تخطر في حياتهم طالما أن الشمس
تعبر السماء باستمرار .
-لقد غادرت أبي، أمي، وقصر المدينة التي ولدت فيها حدث نفسه لقد تعودنا على ذلك، والاغنام سوف
تعتاد على غيابي .
من هناك، في الاعلى، راقب الساحة، كان البائع المتجول يتابع بيع بوشاره، جاء زوجان شابان ليجلسا على
المقعد الذي شهد حواره مع العجوز، ثم تبادلا قبلة طويلة .
-بائع البوشار ... تمتم في نفسه دون أن يتم الجملة، لأن الرياح أخذت تعصف بشكل أقوى، وشعر بها
تلطم وجهه، إنها جلبت العرب بلا شك، لكنها كانت تأتي أيضاً برائحة الصحراء، وبالنساء المحجبات، وتحمل
عرق وأحلام أولئك الذين كانوا قد رحلوا ذات يوم بحثاً عن المجهول، أو عن الذهب، والمغامرات والأهرامات .

أخذ الشاب يغبط الريح على حريتها، وأدرك أن لاشيء يمنعه أن يكون شبيهاً بها، فالأغنام، وابنة التاجر،
وحقول الأندلس لم تكن إلا مراحل من أسطورته الشخصية .

× × ×

يــــــتـــــبــــــــــع...........
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع الخيميائي2.....:
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الخيميائي2..... CrRiMiNAL قسم الأدب العربي و العالمي 1 10-23-2011 09:36 PM

الساعة الآن 01:20 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

كُل ما يُكتب أو يُنشر في منتديات العاشق يُمثل وجهة نظر الكاتب والناشر فحسب، ولا يمثل وجهه نظر الإدارة

rel="nofollow" maxseven simplicity and clarity