هذه البداية

حان وقت نومها ، دخلت غرفتها ، غيّّرت ملابسها ، نظرت إلى المرآة بابتسامة مشرقة وهي تخلّّل خصلات شعرها ببطء ، فجأة ارتمت في فراشها وأطفأت النور وغطّّت نفسها، واسترسلت في حديت مع نفسها :

غدا صباحا إنشاء الله يوم عطلة ، سألبس الفستان الجديد الأحمر ، وأسرق أحمر الشفاه لأختي ندى وأضع القليل منه ثم أضع معطّّر أمي ، المهم سأتزيّّن كما تتزيّّن العروس ، وسأجد ألف سبب للخروج وهذا غير مهم ، لألتقي بذاك الشاب الذي لا أعرف حتى إسمه لكنه أخدني بنظراته الساحرة وابتسامته الرّّائعة ولباسه الجميل وعوده الفارع المهم شكله نار...نار..
وبينما هي غائبة عن عالمها دقّّت أمها على الباب قائلة :
حنان .. حنان
فلم ترد عليها ، فقالت أمها :
نامي أيتها العفريتة فأنا أعرف بأنك لا زلت مستيقظة
فضحكت حنان قائلة :
أنا عفريتة ...
نامي
حاضر
وفي الصباح مع صيحات أهل الدار استيقظت حنان وهي تتساءل في أي ساعة نامت ، المهم عندها أن تنفّّد خطّّتها بإحكام وبدون خسائر ، لأن قلبها الصغير لايتحمّّل أية ضربات وخصوصا هذه تجربتها الأولى وهي لم تتجاوز ستة عشر سنة وأصرّّت أن تخوض هذه التجربة الفريدة وتنجح فيها، لأن آذانها تعبت من سرد بعض صديقاتها عن هذه التجارب وفشلها ، وبأن شباب هذا الزمن الغابر لا يؤمن بشئ إسمه الصداقة الصادقة المبنية عن الإحترام والمسؤولية حتى بلوغ سن الزواج ، لا يتقن سوى كلمات نصفها غير مفهوم ، هدفهم الأول والأخير الإستمتاع وتضييع للوقت ورفع شعارات والبحث عن الشمّّاعة التي يحملونها المسؤولية في كل إخفاقاتهم .
لم تصدّّق بل لا تريد التصديق قائلة :
هذا الشاب ليس كمثله من الشباب الآخر، هذا ملاك يمشي على الأرض .
استعدّّت بما يكفي للخروج متمنية أن لا يلاحظ أحد خروجها فتحت باب المنزل بهدوء قائلة الحمد لله وإذا بصوت مبحوح غليظ يثقب آذانها :
إلى أين أيتها الضفدعة ؟
إنه صوت والدها ، ولم تستطيع النظر إليه قائلة وبارتباك واضح :
سأستعير كتاب الفرنسية من عند سحرصديقتي .
لك نصف ساعة ، هيا بسرعة .
خرجت كأنها خرجت من النار إلى الجنة ترتب ملابسها المرتّّبة ، وتنظر يمنة ويسرة كالسارق ، وتتمتم بكلمات متداخلة ،
دائما ما أجده ينتظر مروري بابتسامته عند آخر الشارع ، هل أبادره بالكلام ، ماذا أقول له : مرحبا ، كيف حالك ؟ وما العيب في ذلك إن لم يبادر هو بالكلام !!خصوصا إن كان خجولا ، نعم لاعيب في ذلك ، قالت لي سحر مرة بعد أول كلمة يصبح الحديث سهلا كما تتحذّّتي مع جدّّتك ،وكلما اقتربت من المكان زاد خفقان قلبها كأنها ستجري عملية جراحية ، لازالت غارقة في الحديث مع نفسها ، وإذا بصوت يخرجها من حالتها :
حنان ..حنان
التفت وإذا بصديقتها فرح. ومع من ؟ كانت واقفة مع ذلك الشاب الملاك ، كانت صدمتها كبيرة جدا ، ماذا تفعل إذا ؟؟ أمام هذا الموقف الغريب . هل تذهب عندهما ؟ أم تكتفي برد التحية وتذهب بهدوء ؟
قرّّرت الذّّهاب عندهما ، فقالت لها فرح :
أعرّّفك بتامر .
تامر هذه حنان ، أعز صديقتي .
فقال لها بعجرفة :
أعرفها . أراها مع سحر صديقتي السابقة .
وبسرعة قالت له حنان :
أنا لا أعرفك ، من تكون ؟
فردّّت فرح :
إنه ابن مسعود التاجر المعروف .
لكن حنان لم تبد أية اهتمام ؟ وودّّعتهما مبتسمة ابتسامة لا معنى لها ، ورجعت إلى منزلها مصدومة ، غائبة عن عالمها ، إلى أن وصلت إلى المنزل ، ووجدت أباها ، كأنه ينتظرها قائلا لها :
لم أر أي كتاب ؟
وقالت له مستغربة ، غائبة عن عالمها :
عن أي كتاب تتحدّّت ؟
كتاب الفرنسية ، الذي ذهبت لإحضاره من عند سحر .
وبسرعة ردّّت وبتهكّّم :
لم أجد كتاب الفرنسية ولا العربية ولا سحر ولا قمر ، ارتحت .
فقال لها مستغربا:
هل جننت ؟
جرت بسرعة ودخلت إلى غرفتها ، ارتمت على فراشها ، وأطلقت العنان لدموعها ورأسها يكاد ينفجر من سيل الأسئلة التي لا تجد لها جوابا ، واستسلمت أخيرا لنوم عميق لا تعرف متى تستيقظ منه .