قسم القصص والروايات قسم يختص بالقصص والروايات من الإبداع الشخصي للأعضاء
(يُمنع المنقول منعًا باتًا) |
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() ![]() أخيراً , استطاع هو و عائلته إيجاد بيتٍ ليمكثوا فيه , بعد أن أمضى الأشهر الستة الماضية متنقلاً من بيتٍ إلى آخر , مروراً بعدةِ مدارس , فقد كان لرحلة النزوح شروطٌ أهمها أنها تأتي على غفلة , و ليس بالإمكان الاستعداد لها أبداً و من شروطها أيضاً أن عليك سلوك أطول الطرق على الإطلاق لتتجنب الحواجز قدر الإمكان , فقد صارت تعتقل دون مبررات . فور سماعه أن تلك المنطقة هادئة و آمنة نسبياً , توجه إلى هناك باحثاً عن بيت للإيجار يجب أن يكفي لخمس عائلاتٍ كاملة ..... تباً . و وجدوا ذاك البيت , الذي قد حقق الشروط اللازمة للبيت الآمن : طابق أرضي , محاط بالأبنية من ثلاث جهات , ضمن حارة ضيقة و صغيرة , و الأهم من ذلك ... الأهم على الإطلاق أنه قريبٌ من المخبز , فقد أصبح رغيف الخبز هو الأهم و الأغلى على الإطلاق , أما من بعد مجزرة حلفايا , فقد أصبح للخبز طعم الدم .. , أذن الفجر , أو بالأصح .. حان وقت أذان الفجر , فليس بالإمكان رفع الأذان و قد قصفت مئذنة الجامع .. عليه أن يسرع بالذهاب الآن إلى المخبز , يحركه الشوق لطعم الخبز الطري و الدافئ .. بعد أن ذاق سوء طعم خبز الذرة و خبز الرز و خبز البرغل , و الأسوأ اللاخبز , فإن حالفه الحظ قد يرجع إلى بيته قبل الظهر . و ذهب , و هناك لم يفاجئه الازدحام فقد كان شيئاً متوقعاً , و لكن كل من كان هناك نساء و أطفال . بدأ يبحث عن نهاية الطابور ليقف هناك , لا بد أن عليه أن ينتظر أياماً , سيكون محظوظاً لو عاد لبيته اليوم و ليس غداً بدأ ضوء الفجر يشع شيئاً فشيئاً , نظر إليه الطفل الذي كان يقف أمامه في الطابور و قال : " لماذا أنت هنا يا عمي ؟؟ عد إلى بيتك و دع ابنك يأتي هنا , " فسأله مستغرباً : " لماذا ؟؟ " فقال الفتى : " ألا تعرف يا عمي , الأمن قد يأتي في أي وقت و يعتقل كل الرجال هنا , فقد فعلوا ذلك من قبل , و أيضاً أبي عليه أن يعمل الآن , و هم أيضاً قد يقصفون هنا في أي وقت مثلما فعلوا بحلفايا , أنا إذا استشهدت يا عمي أمي ستنجب أطفالاً غيري , أما إذا استشهد أبي أو اعتقل , فمن أين نأتي بأبٍ آخر لنا ؟؟ , لذا يا عمي عد إلى بيتك . " نظر هكذا و الحيرة تملأ عينيه , و قال في نفسه : " كيف يمكن لطفلٍ مثله عمره ثلاثة عشر فحسب أن يقول هكذا كلام , كما أنه يبدو خائفاً علي , أكثر من خوفه على نفسه لماذا على أطفال سورية أن تكون حياتهم رخيصةً هكذا ... لماذا .. " و قطع الفتى الصغير حبل أفكاره قائلاً : " لا تحزن يا عمي , و لا تخف , أنا لست خائفاً من الموت , أنا أعرف أن الجنة أجمل , و روحي إشتاقت لترى الجنة , و أتمنى يا عمي أن أموت شهيداً , أصلاً أمي قالت لي أننا لا يجب أن نحزن على الشهداء , بل على أنفسنا لأننا لم نستشهد , أعطني المال يا عمي , سأشتري لك الخبز ... " فرد عليه قائلاً : لا يا صغيري , فلا يحق لكل شخص سوى كيلو خبز واحد فقط , سأشتري بنفسي و ليحدث ما يحدث أنا أيضاً علمتني أمي أنه لا يمكننا تجنب الموت حتى لو كنا في أكثر الأماكن أماناً في العالم , و أنا أيضاً قد وعدت أطفالي ألا أعود إلى البيت إلا و أنا أحمل خبزاً ... . و هكذا على هذا الحال ... مضى الوقت و صار العصر , فنهار الشتاء قصير ... و بارد , و بات دوره قريباً بعد أن انتظر طويلاً جداً , و في الأفق بينما كانت أشعة الشمس تتكسر على الغيوم الممزقة , بدأت طائرةٌ تحوم في الآفاق و صوت رصاصٍ يسمع من بعيد .... " تباً لماذا الآن " حاول تجاهل كل ذلك , .. نظر خلفه في الطابور و رأى بضعة رجال عدا عن الشبان و الأطفال . أما دور النساء فبدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً مع اقتراب المغرب , " لا أصدق أنني انتظر منذ الفجر " حصل الفتى الصغير على حصته و ذهب متجهاً إلى منزله , و حان دور صاحبنا أخيراً , لا يمكن وصف فرحته مع اقتراب الخبز إليه , ..... بينما كان صوت الطائرة يعلو .... ناوله الخباز رغائف الخبز الدافئ , فأمسكهما بيديه فتسرب إليهما الدفء بعد أن تجمدتا من الصقيع , ثم ... توقف الزمن للحظات .. تلاشت معها فرحةُ الخبز , صوت الطائرة يتلاشى شيئاً فشيئاً ... و إحساسه بالخبز الدافئ .. أيضاً ... تلاشى . , كان الصوت القادم من ناحية المخبز هائلاً و مدوياً , ارتعدت معه أوصالها , و تذكرت في الحال أن أبنها ينتظر هناك منذ الصبح , ارتدت ملابسها بسرعة , و خرجت إلى الشارع تمشي كالمجانين , و تسأل كل من تقابله : أين الانفجار ؟؟ أين الانفجار ؟؟ ... إلى أن أجابها أحدهم : " نزلت قذيفة عند بناءٍ يقع بالقرب من المخبز , و يقولون أن هناك قذيفةً نزلت على المخبز أيضاً لكنها لم تنفجر ......" , أصاب صوت الانفجار أذنيه بالصمم , , لكن لم يكن شيئاً أمام المنظر الذي رأته عينيه , هناك تماماً , حيث الخبز بين يديه , استقرت القذيفة لكنها لم تنفجر .... أم أنها فعلت ؟؟؟ بدا منظرها هناك مألوفاً و هي محاطة بأرغفة الخبز , لم يعد يشعر بقدميه فانحنى إلى الأرض و وقف على ركبتيه بينما كان الجميع يصرخ مبتعداً عنه ... و طالباً منه ألا يتحرك على الإطلاق , لكنه لم يكن يدرك ما يحدث , ثم وصل المسعفون و الناشطون و العسكريون , و حمل أحدهم القذيفة كما يحمل الطفل الوليد , عدا أنها قد تنفجر في أي لحظة , كان من حسن حظه أن السلاح الروسي سيئ النوعية , و مع ابتعاد الخطر عنه , أحس بالأمان شيئاً فشيئاً , كان الخبز قد تفتت و سحق في المكان حيث نزلت القذيفة , أو الصاروخ أو ... لا تهم الأسماء , قام بنفض الرماد عن الخبز .... و بدأ شيئاً فشيئاً يستوعب ما حدث حوله , كانت قذيفةٌ قد انفجرت بالفعل و لكن في البناء المجاور , شهداء , جرحى , و دماء ..... و كانت أم الفتى الصغير تبحث عنه بلهفة ,,, هل كان من بين الشهداء يا ترى ؟؟ , لم يعرف .... , و رآه .... في اليوم التالي ... عند المخبز في وقت الفجر و هو مصابٌ بجروحٍ بسيطةٍ جداً و قال أنه كاد أن يستشهد بالفعل , لكنه تذكر أنه لم يسأل صاحبنا عن اسمه , فعاد نحو المخبز .... في حين أن القذيفة التي انفجرت ,سقطت تماماً في المكان الذي كان يقف فيه . النهاية ![]() التعديل الأخير تم بواسطة The power ; 05-07-2014 الساعة 07:40 AM |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
رغيف البحر أنت ياسيدتي...أهداء ألى دموع السحاب | اميرة بذاتي | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 1 | 07-14-2010 12:03 AM |
أزمة رغيف الخبز وصلت بورسعيد | العاشق 2005 | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 0 | 02-27-2009 08:50 PM |
اسكربت فديو مميز مميز برمجة خاصة مميز مميز | العاشق 2005 | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 0 | 12-03-2008 12:30 PM |