موسيقى النآي ●●

........

قـد تبـدو الأيام .. كالسنين بطولهـا .. ليـل بغيومـه الداكنـة يحيط بي ويلفـّني بأحزان الماضـي .. ينثـر قلـمي رفـات حروف متيبسـة المعاني ..

ليـالٍ واعـدة بالأنـوار بـدون وفاء .. يستمـر الليـل .. والقمـر .. لا ينام .. أعيـش أحلامـاً عذبـة لأصـحو على واقـع كأنـه الصخـر في قسـوتـه .. للـه ما فعـلت الآلام بروحـي ..

من بعـده ما ذقـتُ شهـداً ولا وسنـا .. فراقـه أحدث فيّ جروحاً بلا ضمـاد ..
من بـعده ما دفئتُ من بردي يومــا .. تركني وتركـه أصاب عيوني بالسهاد ..
من بـعده ما عرفـتُ للنــوم طــعمـا .. فقـدت النقيّ ومراد الله فوق كل مراد ..

إلى تلك التلال البعيـدة .. هناك جدول ماء كان يجلس بقـربه عازف ناي .. يدندن دندنة العذاب .. رأيـته ذات يوم يعزف الدموع ويرشـف من الجدول ..

سـألـته عن بدر مضيء رحـل ولم يعد منذ سنـوات .. فعاد للدندنـة وكأن الناي لغتـه .. هبّـت رياح الماضي تلفحني بذكريات من رحل ..

طارت خصلات من شعري تتراقص إلى جانب طرف فستاني الأسود .. لمعان دموعي تعكس ضوء القمر الذي يتربّـع بغرور على عرش السماء ..

وصاحب الناي المُـدندن لا زال يعزف عذابي .. لوّنـتْ ريشـة القدر السماء بلون الحداد .. وغربت شمـس الحياة للأبـد ...

ركدت مياه الجدول ولم أعد أسمـع سوى حفيف الشجر .. ونوتات موسيقـى الناي لا زالت تحرّك في حناياي أشجاناً كم باتت تؤلمـني وتكسر سـد الأحزان ..

وتوقـف العزف .. ولم تتوقـف الدموع .. بل سالت لكي تشـهد ألم فتـاة فقـدت الأعزاء جميعهم .. ولم يبق سواها في هذا الكون الكبيـر ..

بقايا حطام تحمـل إسم الشادن .. أمشـي بين كتـل من البشـر .. شبـحي يأبـى الهوان .. فيجمع شتاتي ليحوّلنـي لمخلوقـة يمكنها السيـر .. والكلام .. ونثـر الدمـوع ..

أعيش وسـط ظلام الليـل .. بلا شمـس تضيء دربـي .. تأبـى لياليّ الإنجلاء .. لإبـقى لحناً تائهـاً نسيني صاحب الناي .. دندن و غدا عن ناظري كالشبـح ..

غادر ليترك نوتاتـه ترن في إذنيّ كصوت الوهـم .. روحي تنتهي شيئـاً .. فشيئـاً .. على لحن العاشقيـن السهارى .. يترنّـمون بصوت ملؤه خمرة الحب .. يعزفـون ألحان القيثار كالسُـكارى ..

ساهرة الطرف أنا وحيدةٌ .. شريدة الإحساس ومشاعري تتوارى .. أفقـد حياتي بؤسـاً فبؤسـاً .. وحالي ينقضـي ولا يدري مسارا .. أموت بفقـده ضيماً وحزنـاً ..

ويسكنني هو .. كمن سكن الديارا .. أعيـش حياتي على لحن شجيّ .. وألحاني إنتهت وصارت دمارا .. ينسـلّ خيالي من ذكرى .. إلى ذكرى .. وأنا على دنياي أسدلتُ الستارا ..

مللت عيشـتي وربطت جأشي .. عن الدنيا .. و أشعلتُ بقبـره نارا .. لتمـوت روحه .. حطاماً حطاماً .. وتُهـت في وحدتـي .. وأيقـنتْ .. ليس لي في ملاقـاه .. إختيارا ..

ومضيـت بوحدتـي عاماً .. وعاماً .. وعام ينقـضي والحول دارا .. ودقات قلبي تتباطئ شيئـاً .. فشيئـاً .. وعالمي جحيـم يقـدح شرارا .. وكلٌ يمضـي إلى ضوء حياتـه ..

سـواي أنا .. في حجرتي أراه يرقـص في مخيلتي جهارا .. وداعاً يا حياة عشتها فـأبتني .. ووداعـاً يا فقيـداً أنهكني مصابا ..

~

طابت أوقاتكـم ..