تذكرني !
تابعنا على
Bleach منتديات العاشق
قسم ملتقى الأدباء قسم يختص بكل ما يتعلق بالأُدباء من معلومات وتقارير عنهم.

  #1  
قديم 11-10-2015, 12:35 AM
الصورة الرمزية animo kun
مشرف القسم الترفيهي
عضو فريق تلبية الأنمي
 
رقـم العضويــة: 301667
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الجنس:
المشـــاركـات: 74,762
نقـــاط الخبـرة: 17835
Icons23 ●●||الأديب الإنجليزي الشهير جون ميلتون || ●● ‏




السلام عليڪم ورحمـۃ اللـہ وبرڪاتـہ

إخوتيے وأخواتيے زوار وأعضاء منتدىے العاشق الڪرام

رواد القسم الأدبيے الأحبــۃ أسعد اللـہ أوقاتڪم بالخير والبرڪۃ

معڪم يتجدد اللقاء اليوم بموضوع جديد

عن الأديب الإنجليزي الشهير جون ميلتون

لن أطيل عليڪم جميعاً .. وأترڪڪم لقراءة الموضوع



جون مـِلتون (John Milton؛ عاش 9 ديسمبر 1608 - 8 نوفمبر 1674) شاعر وعالم إنگليزي من
القرن 17 يعرف أڪثر لقصيدۃ "الفردوس المفقود" Paradise Lost التي ڪتبها في عام 1667.
أصيب في فترۃ لاحقۃ من حياته بالعمى، وڪتب حول ذلڪ قصيدۃ مڪونۃ من 14 بيتاً شعرياً.
إلى جانب جفري تشوسر ووليام شيڪسپير، يعتبر جون ملتون من أبرز شعراء الأدب الإنجليزي
ولد جون ميلتون في مدينۃ لندن في 9 ديسمبر 1608. ڪان مهتماً بڪتابۃ المقالات والقصائد
قصيدته الأڪثر شهرۃ "الفردوس المفقود"، التي تعتبر من أعظم الأعمال الشعريۃ في اللغۃ
الإنجليزيۃ.


تلقى جون ميلتون تعليمه في ڪمبردج بينعامي 1625 و 1632، وهناڪ ڪتب
قصيدۃ "في صباح يوم ميلاد المسيح" (بالإنجليزيۃ: On the Morning of Christ's Nativity).

ڪان طيله حياته شخصيۃ نشطۃ في القضايا السياسيۃ والدينيۃ وإبان الحرب الأهليۃ
الإنجليزيۃ أصبح في صف أوليڤر ڪرومويل المعارض للحڪم الملڪي. استطاع الفرار من
عقوبات حتميۃ بعد رجوع الحڪم الملڪيفي عام 1660. بعد إصابته بالعمى في عام 1652،
ڪرس نفسه لڪتابۃ قصيدۃ "الفردوس المفقود" التي تحڪي قصۃ الشيطان وهبوط آدم وحواء.

بعد أربع سنوات نشر قصۃ انتصار المسيح على غوايۃ الشيطان في "استرداد
الفردوس" (Paradise Regained) والدراما "عذاب شمشون" (Samson Agonistes).
تشتمل أعماله المعروفۃ الأخرى على المسرحيۃ القصيرۃ "ڪومس" (1637)
و "أريوباجيتيڪا" (1644). توفي في 8 نوفمبر 1674، في بڪنگهام‌ شاير

ڪان جد ملتون ڪاثوليڪياً حڪم عليه في 1601 بدفع غرامۃ قدرها ستون جنيهاً لتغيبه عن
الصلوات الأنجليڪانيۃ، وحرم ابنه من الميراث لأنه تخلى عن الڪنيسۃ الرومانيۃ. أما جون
ملتون، الذي تبرءوا منه وأنڪروه فقد حصل على قدر لا بأس به من المال بوصفه ڪاتباً
عمومياً في لندن، صاحب قلم برع في ڪتابۃ أو نسخ المخطوطات والوثائق والمستندات
القانونيۃ. وأولع بالموسيقى، ونظم القصائد الغزليۃ القصيرۃ، واحتفظ في داره بڪثير من الآلات
الموسيقيۃ ومن بينها أرغن، وانتقل هذا الانعطاف نحو الموسيقى إلى الشاعر الذي ربما
أقر بأن المرء لڪي يجيد الڪتابۃ، لابد أن تتغلغل الموسيقى في نفسه، وأن تڪون له
أذن موسيقيۃ واعيۃ.


أما الأم، سارۃ جفري، فڪانت ابنۃ خياط تاجر، أنجبت لزوجها ستۃ أبناء ڪان صاحبنا جون
ثالثهم. أما أخوه الأصغر فأصبح ملڪياً يدين بالولاء لأسرۃ ستيوارت، وواحد من رجال الڪنيسۃ
التقليديۃ. على حين أن جون أصبح جمهورياً بيوريتانياً من أنصار ڪرومول. وڪان البيت
في "برد سترت" مؤسسۃ بيوريتانيۃ تقيۃ مخلصۃ، ولڪن غير متزمتۃ، فإن حب الجمال الذي
ساد عصر النهضۃ، امتزج هنا بالنزوع إلى الخير والفضيلۃ، الذي أتى به الإصلاح الديني.

واشترى جون الأڪبر عقاراً، وأثرى، واستخدم معلمين (بيوريتانيين) من أجل جون الأصغر،
وأرسله في سن الحاديۃ عشر إلى المدرسۃ إلى مدرسۃ سانت بول. وهناڪ تعلم الصبي
اللاتينيۃ واليونانيۃ والفرنسيۃ والإيطاليۃ وبعض العبريۃ، وقرأ شڪسبير ولڪنه آثر عليه سبنسر.
وأنا لنلحظ، عابرين، أنه تأثر ڪثيراً بالترجمۃ الإنجليزيۃ لڪتاب "الأسبوع" لمؤلفه دي بارتاس
(1578)، وهو عبارۃ عن ملحمۃ تصف خلق الدنيا في سبعۃ أيام: ڪان بي نهم شديد إلى
العلم والمعرفۃ، إلى حد أني، منذ بلغت الثانيۃ عشر ڪدت لا أترڪ الڪتاب أبداً، ولا آوي إلى
النوم قبل منتصف الليل. وهذا أدى في الأساس إلى فقد بصري. وڪانت عيناي (مثل عيني أمه)
ضعيفتين بطبيعتهما، وڪنت عرضۃ للإصابۃ بالصداع ڪثيراً، ولڪن هذا على أيۃ حال لم ينقص
من حبي للإطلاع، ولم يعوق تقدمي في التحصيل.

وفي سن السادسۃ عشرۃ انتقل إلى ڪريست ڪولدج في جامعۃ ڪمبردج. وهناڪ أدى
نزاعه مع أحد المدرسين إلى التضارب والتلاڪم بالأيدي. وأحس صمويل جونسون "بالخجل
حين أروي ما أخشى أن يڪون حقيقۃ، وهي أن ملتون ڪان من أواخر من وقعت عليهم
العقوبۃ البدنيۃ من طلبۃ الجامعتين ڪلتيهما". وطرد لمدۃ فصل دراسي واحد ثم سمح له
بالعودۃ، وڪان بالفعل ينظم شعراً جيداً. وفي 1629، وهو في الحاديۃ والعشرين، نظم قصيدۃ
غنائيۃ في الاحتفال "بصبيحۃ عيد الميلاد". وبعد ذلڪ بعام واحد، نظم قصيدۃ من ستۃ عشر
بيتاً، أحياء لذڪرى شڪسبير ولتنقش على قبره، وقد ووفق بعد ذلڪ على نشرها في
الطبعۃ الثانيۃ لإعمال شڪسبير: ما حاجۃ شڪسبير العزيز إلى جهد جيل في إقامۃ أحجار
مڪومۃ لعظامها لمڪرمۃ، أو لإخفاء رفاته المقدسۃ تحت هرم يشير إلى النجوم؟
أيها العزيز الذي لا يغيب عن الذاڪرۃ، أيها العظيم سليل الشهرۃ، ماذا يريد من شاهد هزيل
على اسمڪ الرنان.

وقضى ملتون في جامعۃ ڪمبردج ثمان سنوات، وحصل على درجۃ البڪالوريوس في 1628،
والماجستير 1632. ثم ترڪها دون أن يحس بالولع المعهود في المتخرجين بحضور يوم الڪليۃ
التي تخرجوا منها. وڪان أبوه يتوقع أن ينخرط في سلڪ الڪهنوتيۃ. ولڪن الشاب المغرور
أبى أن يقسم يمين الولاء للمذهب الأنجليڪاني وطقوسه الدينيۃ:
ومذ رأيت ڪيف غزا الطغيان الڪنيسۃ-بمعنى أن الذي يرسم قسيساً يجب أن يتعهد بأن
يڪون عبداً رقيقاً، وفوق ذلڪ يقسم اليمين الذي لو لم يلتزم إلتزاماً يبعث على الضجر فإنه
أما أن يحنث في يمينه أو يرائي في إيمانه-فأني وجدت من الأفضل إيثار الصمت البريء أمام
الوظيفۃ المقدسۃ، وظيفۃ الڪلام والوعظ، التي تشتري بالعبوديۃ والقسم الڪاذب.


وآوى ملتون إلى البيت والده الريفي في هورتون بالقرب من ونزر، ومن الواضح أن والده تولى
الإنفاق عليه هناڪ ، وتابع هو دراساته، القديمۃ بصفۃ أساسيۃ، إلى أن ألم حتى بأصغر
المؤلفين اللاتينيين شأناً. وڪتب قصائد باللغۃ اللاتينيۃ ، أثنى عليها ڪاردينال ڪاثوليڪي.
وسرعان ما جعل دفاعه باللاتينيۃ عن سياسۃ ڪرومول يرن صداه في أنحاء أوربا.
وحتى حين ڪتب نثراً بالإنجليزيۃ، فأنه ڪتب باللاتينيۃ حيث ڪان يخضع الإنجليزيۃ لتقديم
وتأخير وتعقيدات والتواءات ڪلاسيڪيۃ، ولڪنه ڪان يڪتب في لغۃ غريبۃ ساحرۃ رنانۃ.

ويحتمل أنه في هورتون وسط الحقول المورقۃ والخضرۃ في الريف الإنجليزي، ڪتب القطع
المزدوجۃ، التي خلدت ذڪرى الابتهاج الخالي من الهم، ونوبات الڪآبۃ في شبابه العابر،
سواء بسواء. إن ڪل سطر من لالگرو "Allegro" يطالب بأن يتغنى به الناس. و"لالجرو" هي
"الابنۃ الجميلۃ، الممتلئۃ الجسم، المرحۃ اللطيفۃ، والمولودۃ من "زفير" الريح الغربيۃ العليلۃ
وهي تداعب أورورا الفجر" أن ڪل شيء في مشهد الريف يدخل الآن البهجۃ على قلب
الشاعر: القنبرۃ تشق سڪون الليل، الديڪ يختال في مشيته أمام دجاجاته، الڪلاب تقفز
عند سماعها بوق الصياد، شروق الشمس " في أشعۃ وضاءۃ في لون الڪهرمان" (أصفر
ضارب للحمرۃ). بائعۃ اللبن التي تغني والقطعان التي تلوڪ غذاؤها، ورقص الشبان
والشابات على الحشائش، والأمسيات بجوار المدفأۃ أو في المسرح: إذا مثل بن جونسون
إحدى تمثيلياته الراقيۃ أو صدح شڪسبير الشاعر العذب القوي الخيال بألحان الغابۃ
الشعبيۃ الفطريۃ الموسيقى.


وتفڪ الأغلال التي تقيد روح التأليف والانسجام الخفيۃ، إنڪ إذا استطعت أيها المرح أن توفر
لي هذه المباهج ڪلها، فإني أود أن أحيا معڪ. وحتى الآن لم يڪن ثمۃ بيوريتاني متجهم
عبوس مڪتئب، بل شاب إنجليزي مفعم بالصحۃ يجري في عروقه بعض دم شعراء عصر
إليزابث. ولڪن طرأ بين الحين والحين مزاج آخر، حتى بدت هذه المسرات تافهۃ للعقل
المفڪر، حين يتذڪر المأساۃ (التراجيديا)، ويفتش عن مغزى، ولا يجد في الفلسفۃ إجابات،
بل تساؤلات للم يحس بها من قبل. عندئذ يأتي "Penseroso" المفڪر:
يسير دون أن يراه أحد: حيث يرى القمر المتجول، راڪباً قرب الظهيرۃ، وڪأنه رجل ضل
الطريق، عبر السموات المتراميۃ الأرجاء الخاليۃ من المسالڪ.أو يجلس وحيداً إلى جانب
المدفأۃ: حيث الجمرات المتوهجۃ في الغرفۃ تعلم الضوء ڪيف يڪتسي بالظلمۃ بعيداً
عن أي مصدر للابتهاج والفرح، اللهم إلا صرار الليل على الموقد.

أو أنه قابع "في برج عال منعزل"، تغلبت عليه النجوم، يقلب صفحات أفلاطون، ويتساءل أين
المساء. أيۃ عوالم وأيۃ أقطار شاسعۃ تتسع لهذا العقل الخالد الذي تخلى عن قصره في
زوايۃ من جسده. أو هو يتذڪر مآسي العشاق والميتات الحزينۃ للملوڪ. وخير من هذه
الفلسفۃ الصارمۃ هناڪ "صحن الدير الذي يعج بالجهد والجد في العمل والدرس" في
الڪاتدرائيۃ الڪبرى، ونوافذها التي تروي مشاهد التاريخ وضوئها المظلل. فليعرف الأرغن
المجلجل، للمرتلين ذوي الأصوات الممتلئۃ أدناه، في أصوات عاليۃ وترنيمات صافيۃ، فلربما
غمرتني عذوبۃ الأنغام في أذني بنشوۃ، وأبرزت ڪل السموات أمام ناظري". تلڪ هي
المتعۃ والمسرات التي يجدها "الرجل المفڪر"، وإذا بدت مرتبطۃ بالمڪآبۃ، فإن الشاعر
سيقضي حياته مع الڪآبۃ.


ففي هاتين القصيديتين البهيجتين، يڪشف ملتون عن ذاته وهو في الرابعۃ والعشرين،
شاباً تتحرڪ مشاعره لڪل ما في الحياۃ من جمال، ولا يجد حرجاً في المسرات والملذات،
ڪما وجد التفڪير المحير في الحياۃ والموت طريقه إلى نفسه فتأثر به، ڪما أحس بالصراع
بين الدين والفلسفۃ يحتدم بين جوانبه.

# الدراسۃ، الشعر والسفر

وحانت أول فرصۃ ليبرز فيها الشاعر ويذيع صيته في 1634 حين ڪلف بڪتابه مسرحيۃ ريفيۃ
يمثلها ممثلون مقنعون في الاحتفالات بتوليۃ إرل يرد جووتر رئيساً "لمجلس الغرب". ولحن
هنري لاوس الموسيقي التصويريۃ. أما شعر ملتون فڪان مجهولاً أسم مؤلفه تواضعاً. وڪان
موضع ثناء وإطراء، إلى حد أنه حمل على الاعتراف بأنه مؤلفه. وأطراه سير هنري وتون قائلاً:
في أغانيڪ وقصائدڪ رفۃ دوريۃ (نسبۃ إلى الدوريين الذين غزواً بلاد الإغريق في القرن 12
ق.م.) لم أر لها مثيلاً في لغتنا حتى اليوم.


وڪان عنوان القطعۃ في الأصل "مسرحيۃ في قصر لدلو" (في شروبشاير) أما اليوم فهي
تسمى "ڪومس Comus" (المسرحيۃ) وقد مثلها اثنان من صغار النبلاء مع شقيقتهما،
وڪانت فتاۃ في ربيعها السابع عشر، من وصيفات الملڪۃ هنريتا ماريا. وعلى الرغم من
أن معظم المسرحيات ڪان شعراً مرسلاً غير مقفى، محشواً بالأساطير، فقد ڪانت زاخرۃ
بالغناء العاطفي المرح والأناقۃ الرائعۃ الشجيۃ: وتميزت ببراعۃ لم تتڪرر في شعر ملتون
فيما بعد وڪانت الفڪرۃ الرئيسيۃ فڪرۃ تقليديۃ: عذراء فاتنۃ، تتجول في الغابات على
غير هدى، وهي تشدو: "بأغنيات ربما خلقت نفساً من تحت براثن الموت".

ويدنو منها الساحر "ڪومس" ويقرأ عليها تعويذۃ حتى تتخلى عن عفتها، ويتوسل إليها أن
تلهو معه، وقد تألقت نضارۃ وشباباً، فتدافع الفتاۃ، في فصاحۃ بالغۃ عن الفضيلۃ وضبط النفس
و "الفلسفۃ السماويۃ"، وجرت ڪل الأبيات على خير وجه. فيما عدا قطعۃ ربما ڪانت
مشئومۃ، إشارات إلى "الجمهوريۃ"، ڪان من المحتمل أن يؤدي بهذا الجمع الحاشد المسرف
النفور والاستياء: إذا ڪان لڪل رجل منصف، يصيبه الآن الهزل والنحول تحت وطأۃ العوز قدر
متواضع يليق به، من هذا الترف الفاخر الذي تنعم به الآن فئه قليلۃ في إسراف بالغ، لتوزعت
ڪل خيرات الطبيعيۃ توزيعاً عادلاً في أنصبۃ متساويۃ غير زائدۃ عن الحاجۃ، ولما اختزنت
الطبيعۃ مثقال ذرۃ هذه الخيرات وفي 1637 اعتل مزاج الشاعر وتڪدر صفو حياته بغرق
صديقه الشاب ورفيقه الشاعر إدوارد ڪنگ.


وأسهم ملتون في ڪتاب تذڪاري عن ڪنج، بقصيدۃ رثاء "ليسيداس Lycidas" منظومۃ في
شڪل رعوي مصطنع محشوۃ بالآلهۃ الموتى، ولڪنها غنيۃ بالأبيات التي لا تزال تحلق فيها
الذڪرى الحبيبۃ. وا أسفاه ماذا يحملنا على أن نرهق أنفسنا بهذا الهم المقيم، في النهوض
بصنعۃ الراعي (نظم الشعر) البسيطۃ المحتقرۃ، وللتأمل بڪل ما أوتينا من قوۃ في ربۃ الشعر
الجحود؟. أما ڪان من الخير، ڪما يفعل الآخرون، أن يلهو ويلعب مع الراعيۃ أما ريللس في
الظل، أو يعبث بخصلات شعر "نيرا". أن الشهرۃ هي الحافز الذي يثير الروح الصافيۃ وهي آخر
الوهن في (العقل الرفيع)، ليزدري بالمباهج، ويڪد ويشقى طوال أيامه. ولڪن حين نأمل
في الحصول على الجزاء الوفاق. وتفڪر في الانطلاق إلى الوهج الخاطف تأتي "الروح
العمياء" (ملڪ الموت) بآلهتها البغيضۃ، لنقضي على الحياۃ الواهنۃ الخيوط.

# الحرب الأهليۃ، النثر

يبدو أن جون ملتون الأڪبر (الوالد) أحس بأن ست سنوات من الانصراف إلى العمل في روايۃ
وأناۃ في هورتون ڪانت جزاء وفاقاً للموهبۃ التي ابتدعت مثل هذه القطع الغنائيۃ. وليڪمل
حسن صنيعه أرسل ابنه ليتجول في أنحاء القارۃ مع دفع ڪل النفقات. وغادر ملتون إنجلترا
في إبريل 1632 يرافقه خادم. وقضى بضعۃ أيام في باريس (وڪانت آنذاڪ تحت قبضۃ ريشليو
العسڪريۃ)، وأسرع إلى إيطاليا، حيث أقام شهرين في فلورنسۃ، زار خلالها گاليليو الڪفيف
نصف السجين، والتقى برجال الأدب، وجلس إلى الجامعيين، وتبادل معهم التحيۃ في شعر
باللاتينيۃ، ونظم بالإيطاليۃ قصائد السونيت، وڪأنه نشأ وترعرع على ضفاف نهر أرنو أو نهر بو.


وفي ناپولي استقبله ورحب به وڪرمه نفس المرڪيز مانسو الذي صادق وناصر تاسو
وماريني من قبل وقضى في روما أربعۃ أشهر التقى فيها ببعض الڪاردينالات المثقفين
وأحبهم، ولڪنه أعلن بصراحۃ مذهبه البروتستانتي. ثم عاد إلى فلورنسۃ، ثم قصد إلى
البندقيۃ عبر بولونيا وفيرارا، ثم ذهب إلى فينيس عبوراً بمدينۃ فيرونا وميلان ثم قفل راجعاً
إلى لندن مروراً بجنيف وليون وباريس (أغسطس 1639). وفي ڪتاباته الأخيرۃ دون قطعتين
مشهورتين عن رحلته في إيطاليا. وڪتب رداً على تعريض أحد الخصوم به: "أشهد الله أنه
في ڪل تلڪ الأماڪن التي لا تلقى فيها الرذيل إلا أيسر الاستنڪار والتثبيط، وترتڪب
في أقل خجل وأيسره، لم أحد أنا قط عن جادۃ الفضيلۃ والنزاهۃ".

وبتذڪر ڪيف امتدح النقاد الإيطاليون شعره: وهڪذا بدأت أوافق ڪل الموافقۃ على ما ذڪره
هؤلاء النقاد الإيطاليون أو يقول نفر من أصدقائي هنا في بلدي ، ڪما استمع بنفس القوۃ إلى
اسحثاث داخلي ينمو بين جوانجي ڪل يوم، من أنه بالعمل الجاد والانڪباب على الدرس
(وهذا ما اعتبره قدري في هذه الحياۃ) بالإضافۃ إلى الميل الطبيعي، بهذا ڪله يمڪن أن
أخلف شيئاً مڪتوباً للأجيال القادمۃ، وقد لا يرتضون أن يفنى (بل يبقى ويخلد على الزمن).
وبدأ ملتون الآن يخطط لملحمۃ تخلد ذڪر وطنه وعقيدته، وتخلد اسمه على مر القرون. وڪان
لزاماً أن تمضي عشرون سنۃ قبل أن يتمڪن من البدء فيها، وتسع وعشرون سنۃ قبل أن
يتمڪن من نشرها. وفيما بين فترتي نظمه الشعر: الفترۃ الأولى (1630-1640) والثانيۃ
(1658-1668) ، لعب دوراً في الثورۃ الڪبرى، وسخر قلمه للحرب والنشر.


# المُصلح

في 1639 استأجر ملتون مسڪناً لرجل أعزب في "سانت بريد تشيرشيارد" في لندن، حيث
تولى التدريس لأبناء أخته. وبعد سنۃ واحدۃ انتقل معهم إلى أولدرزجيت ستريت"، وهناڪ
(1643) أستقبل عددا آخر من التلاميذ بين سن العشرۃ إلى سن السادسۃ عشرۃ آواهم
وعلمهم،وحصل من ذلڪ على دخل متواضع يڪمل به المبلغ الذي خصصه له والده. وفي
ڪتاب إلى "مستر هارتلب (1644) صاغ ملتون آراءه في التعليم. فأتى لهذه اللفظۃ بتعريف
قوي رائع: Cquote2.png "أقول أن التعليم التام الواسع هو الذي يعد الإنسان لينهض، بحق
ومهارۃ ورحابۃ صدر، بڪل مهامه الخاصۃ والعامۃ، في السلم والحرب، سواء بسواء." وأول
واجب على المعلم هو أن يغرس الخلق القويم في نفس التلميذ، " ويصلح ما أفسده آباؤنا
الأولون"-أي أن يقهر نزعۃ الشر الطبيعيۃ في الإنسان (الخطيئۃ الأولى)-أو (ڪما يجدر بنا أن
نذڪر الآن) أن يعيد تڪييف الخلق القومي الذي سبق تشڪيله وفقاً لحاجات مرحلۃ الصيد،
نقول تڪييفه تبعاً لمتطلبات حياۃ المدينۃ الحاليۃ".

وأحس ملتون أن هذا يمڪن تحقيقه على خير وجه بأن نغرس في الذهن الناشئ إيماناً قوياً
باله واحد بصير، وأن نعوده على ضبط النفس وفقاً لنظام واقي (التحرر من الانفعال، عدم التأثير
بالفرح أو الترح، الخضوع دون تذمر لحڪم الضرورۃ) وضرب لتلاميذه مثلاً يحتذونه: "الدراسۃ
الشاقۃ والطعام اليسير". فقلما أجاز لنفسه يوماً "اللهو والمتعۃ وبعد الدين والأخلاق، يجب أن
تأتي الدراسات اللاتينيۃ والإغريقيۃ القديمۃ، والتي لم يستخدمها ملتون مجرد نماذج للأدب،
بل وسائل لدراسۃ العلوم الطبيعيۃ والجغرافيا والتاريخ والقانون والأخلاق والفسيولوجيا والطب
والزراعۃ وهندسۃ العمارۃ، والخطابۃ والشعر والفلسفۃ واللاهوت. وإذا ڪان هذا التوفيق الفريد
بين العلم والإنسانيات قد أفترض أن النزر اليسير قد أضيف إلى العلم منذ سقوط روما، فيجب
أن نلاحظ أن هذا حقيقي فعلاً، اللهم إلا بالنسبۃ لـگاليليو، بل أن ڪوپرنيڪس نفسه ڪان
له سلفه الإغريقي في شخص أرستارخوس.


وفوق ذلڪ، اقترح ملتون تعريف تلاميذه ڪذلڪ ببعض النصوص الحديثۃ في العلوم والتاريخ،
بل حتى ببعض النماذج الحيۃ في الفنون العمليۃ، وڪان يأمل في أن يستقدم إلى حجرات
الدراسۃ صيادين وبحارين وبساتين ومشتغلين بالتشريح وصيدليين ومهندسين ومعماريين،
لينتقلوا إلى التلاميذ أحدث ألوان المعرفۃ في هذه المجالات وخصص وقتاً ڪافياً للموسيقى
والتمثيل، وساعۃ ونصف الساعۃ يومياً للرياضۃ البدنيۃ والتدريب العسڪري. ويمڪن أن يطوف
طلابه أرجاء البلاد في جماعات على صهوات الجياد، يرافقهم أدلاء معروفون بالرزانۃ والحصافۃ،
لتعلموا ويلاحظوا، "أو" يلتحقون بالبحريۃ بعض الوقت ليتعلموا الملاحۃ ومصارعۃ البحر، وأخيراً
وبعد بلوغهم سن الثالثۃ والعشرين، يمڪنهم أن يسيحوا خارج إنجلترا. وهذا برنامج شاق،
ليس لدينا دليل على تطبيقه تطبيقاً ڪاملاً في مدرسۃ ملتون، وربما ڪان في حيز الإمڪان
تطبيقه أو أن التلاميذ اقتبسوا من معلمهم شيئاً من غيرته وجده.

وراوده أحياناً حلم إنشاء أڪاديميۃ تنافس أڪاديميۃ أفلاطون وأرسطو. ولڪنه افتتن بأحداث
العصر البارزۃ والشغل بها. من ذلڪ أن التئام البرلمان الطويل (1640) ڪان نقطۃ تحول في
حياته، بل يڪاد يڪون تحولاً عنيفاً غير طبيعي عن الشعر والتعليم إلى السياسۃ والإصلاح.
وفي 11 ديسمبر قدم حزب "الجذر والفرع" البيوريتاني الذي انتسب إليه بعض أصدقائه قدم
إلى البرلمان عريضۃ صارخۃ ممهورۃ بخمسۃ عشر ألف توقيع (يحتمل أن يڪون من بينهم
ملتون) يلتمسون فيها إقصاء الأساقفۃ عن الڪنيسۃ الإنجليزيۃ. ورد جوسف هول أسقف
أڪستر على العريضۃ "باحتجاج متواضع إلى المحڪمۃ العليا في البرلمان" (يناير 1641)،
دافع فيه عن النظام الأسقفي بأنه مأخوذ عن "عصر الرسل الأبرار بلا انقطاع...حتى العصر
الحاضر" فاستل خمسۃ من الڪهنۃ المشيخيين أقلامهم في "الرد على الاحتجاج المتواضع"
(مارس 1641) وقعوه باسم مستعار مڪون من الأحرف الأولى من أسمائهم . ورد الأسقف
هول وبعض الأسقفيين الآخرين، وأقر مجلس العموم الاقتراح، ورفضه اللوردات.


واشتد الجدل على المنبر وفي الصحب وفي البرلمان، وانضم ملتون إلى المعمعۃ بڪتيب من
تسعين صحيفۃ "إصلاح يمس نظام الڪنيسۃ في إنجلترا (بونيه 1641). وفي عبارات قويۃ
لاهثۃ، استوعب بعضها نصف صفحۃ، عزا ملتون تدهور الڪنيسۃ الرسميۃ إلى سببين:
الإبقاء على الطقوس الڪاثوليڪيۃ، واحتڪار الأساقفۃ لسلطۃ تعيين القساوسۃ. وهزأ ملتون
"بهذه الطقوس الفارغۃ التي لا معنى لها، والتي تحتفظ بها الڪنيسۃ لمجرد أنها علامۃ خطيرۃ
للانزلاق نحو روما، والتي لا تستخدم إلا ڪمجرد مسرحيۃ تعرض أبهۃ الأساقفۃ". إن
الأساقفۃ-ڪانوا يتسللون خلسۃ إلى الڪاثوليڪيۃ في طقوسهم-وتلڪ طعنۃ صريحۃ لرئيس
الأساقفۃ لود الذي ڪان قد قدمت له قبعۃ الڪارديناليۃ. وأنڪر ملتون ما زعمه جيمس الأول
وشارل الأول من أن الأساقفۃ ضرورۃ لا زعامۃ لحڪومۃ الڪنيسۃ وللنظم الملڪيۃ.

وأهاب بالاسڪتلنديين المشيخيين أن يواصلوا حربهم ضد النظام الأسقفي، وتضرع إلى الثالوث
الأقدس أن يرعى المصلحۃ العامۃ: يا إلهي: أولِ عنايتڪ لڪنيستڪ البائسۃ التي ڪادت
تنهار وتلفظ أنفاسها الأخيرۃ، لا تترڪها هڪذا فريسۃ لتلڪ الذئاب المزعجۃ التي تتربص
وتفڪر طويلاً لتلتهم قطيعڪ الوديع، تلڪ الخنازير البريۃ التي سطت على ڪرمنڪ،
وترڪت بصمات حوافرها المدنسۃ على نفوس عبادڪ. لا تدعهم ينفذون خططهم اللعينۃ التي
تقف الآن على مدخل الهاويۃ غير ذات القرار، مترقبۃ أن يفتح الحارس ويطلق الجراد والعقارب
الفتاڪۃ، لتحتوينا في ظلام جهنم الدامس، حيث لن تشرق علينا شمس حقيقتڪ، ولن نعود
نأمل في بزوغ الفجر البهيج، أو نسمع زقزقۃ العصافير في الصباح.


واختتم هذه العبارۃ بإلقاء جماعۃ الطقوس التقليديۃ في الجحيم. ولڪن أولئڪ الذين يتوقون
إلى مناصب الحڪم الرفيعۃ والارتقاء هنا في هذه الدنيا، على حساب إفساد عقيديتهم الحقۃ
والانتقاص منها، وعلى حساب ڪروب بلدهم واستعباده، لابد أنهم، بعد خاتمۃ مزريۃ في
هذه الحياۃ (التي وهبهم الله إياها)، سيلقي بهم في الدرڪ الأسفل من النار، وهناڪ
يتلقاهم من سبقهم من المحڪوم عليهم بالهلاڪ الأبدي، فيتحڪمون فيهم في حقد
وحسد، ويطأونهم بأقدامهم ويزدرونهم، وفي حمأۃ تعذيبهم، لن يجدوا الراحۃ إلا في ممارسۃ
أشد ألوان الطغيان عسفاً ووحشيۃ، معهم بوصفهم أرقاءاً وعبيداً لهم، وسيبقون على هذه
الحال إلى الأبد، مخلدين في أحط وأسفل مهاوي الهلاڪ الأبدي وأشدها ڪآبۃ واحتقاراً
واضطهاداً.

وعندما رد الأسقف هول على القساوسۃ الخمسۃ المشيخيين وهاجمهم بعنف، انبرى ملتون
لنصرتهم في بيان عاصف لابد أنه أخرج الأسقف وهو في الخامسۃ والستين من ردائه
الڪهنوتي: "نقد لاذع لدفاع المحتج على بيان المشيخيين" ، ظهر، مجهولاً ڪاتبه، في يوليه
1641. واعتذر ملتون في المقدمۃ عن عنفه فقال: في الڪشف عن إنسان سيء السمعۃ
عدو للحق، ولسلام بلاده وإدانته وبخاصۃ إذا اغتر بأن له لساناً ذرياً منطلقاً مؤثراً، فإنه لا
يتنافى مع اعتدال المسيحيۃ وتواضعها أن ترد على مثل هذا الرجل بأسلوب أعنف وأشد
من أسلوبه، وأن تشيع غطرسته إلى مثواها مضمخۃ بمائه المقدس.


وأعاد الأسقف وابنه الڪرۃ ببيان عنوانه "حجۃ داحضۃ متواضعۃ جديدۃ" (يناير 1642) هاجما
فيه ڪاتب "النقد اللاذع" بحدۃ تميز بها هذا العصر المغيظ المحنق. فرد ملتون ڪيد الأسقف
في نحره ببيان عنوانه "دفاع ضد الحجۃ الداحضۃ المتواضعۃ" (إبريل) اعتذر فيه مرۃ أخرى عن
سوء معاملته للأسقف هول، وشجب الفريد العريضۃ "التي أوردها هول" وهي اتهام ملتون
بأنه طرد من ڪمبردج، وأڪد ملتون للعالم بأسره بأن زملاءه في "ڪرايست ڪولدج" دعوه،
بعد تخرجه، للإقامۃ معهم، وأڪد من جديد طهارته التي لا مطعن فيها: على الرغم من أني
لم ألقن إلا قدراً يسيراً من المسيحيۃ، فإن شيئاً من التحفظ والنزعۃ الطبيعيۃ والقواعد الخلقيۃ،
واستقيته من أنبل فلسفۃ، ڪان ڪافياً ليجعلني أحتقر من ألوان الفجور ما هو أقل ڪثيراً
مما يجري في المواخير.

ولڪني قد عرفت مبدأ الأسفار المقدسۃ التي تڪشف عن الأسرار الساميۃ الطاهرۃ...التي
تقول بأن "الجسد للرب، والرب للجسد "فإني ڪذلڪ سألت نفسي: إذا ڪان التجرد عن
العفۃ في المرأۃ التي ينعتها القديس بولص بأنها فخر الرجل، فضيحۃ وخزياً وعاراً، فالأمر يقيناً
ڪذلڪ في الرجل الذي هو صورۃ الله وفخره معاً، فإنه لا بد أن يڪون أشد فساداً وعاراً،
لأنه يقترف الإثم ضد جسده، وهو الجنس الأڪمل، وضد فخره الذي يڪمن في المرأۃ،
والأنڪى من ذلڪ ضد صورۃ الرب وفخره ماثلين في شخصه هو ومن ثم نجد ملتون يرثي
لأخلاق ڪثير من الشعراء القدامى، ويؤثر عليهم دانتي وپترارڪ، اللذين لم يڪتبا قط إلا
تڪريماً وتشريفاً منهما لأولئڪ الذين نذرا لهم أشعارهما التي عرضا فيها أفڪاراً ساميۃ
نقيۃ، دون تأثيم وانتهاڪ للحرمات.


ولم ألبث إلا قليلاً حتى تأڪد عندي هذا الرأي: إن هذا الذي لا يمڪن أن يخيب أمله في أن
يڪتب ڪتابۃ جيدۃ، ويجدر أن يڪون هو نفسه قصيدۃ صادقۃ، أي مرڪباً مڪوناً من أفضل
الأشياء وأشرفها، لا يقدم على أن يڪون قصيدۃ عقود مدح وثناء للرجال البطوليين أو المدائن
المشهورۃ، إلا إذا أوتي من التجربۃ والخبرۃ والمران على ڪل ما هو أهل للثناء والإطراء.
وبعد هذا المثال الذي اقتبسناه، انتقل ملتون إلى الحديث عن قدمي الأسقف وجوربه الذي
يبعث "برائحۃ منتنۃ إلى السماء". وإذا بدت هذه اللغۃ غير لائقۃ باللاهوت فإنه دافع عنها
"بقواعد أعظم البلغاء" وبأنه يحذو حذو لوثر، وذڪر قراءه بأن "المسيح نفسه وهو يتحدث عن
التقاليد البغيضۃ لا يتردد في استعمال ألفاظ مثل الغائط والمرحاض".

والآن نڪتفي بهذا القدر من النزاع الڪريه الڪئيب، الذي سقناه لأنه يلقي ضوءاً على
شخصيۃ ملتون وعلى آداب السلوڪ في ذاڪ العصر، ولأنه وسط هذا الهراء القاسي
وفوضى الأجروميۃ والجمل الطويلۃ، ڪانت هناڪ قطع نثريۃ ذات جرس موسيقي، مشرقۃ
تهز المشاعر مثل شعر ملتون وفي نفس الوقت (مارس 1642)، وڪان قد نشر باسمه
ڪتيباً أڪثر موضوعيۃ: "إثارۃ تفڪير حڪومۃ الڪنيسۃ في حظر السلطۃ الأسقفيۃ":
Cquote2.png "هذا النير البغيض الذي لا يمڪن أن يزدهر أي عقل حر أو موهبۃ ممتازۃ
تحت وطأۃ ما يفرضه من غباء وعداء تعسفي وطغيان."


وسلم بالحاجۃ إلى نظام أخلاقي واجتماعي. والحق أن ملتون أدرڪ أن في نهوض النظام
وسقوطه مفتاح ارتقاء الدول وانهيارها:
Cquote2.png ليس في هذا العالم شيء أعظم أهميۃ وأشد إلحاحاً وخطراً في ڪل حياۃ
الإنسان بأسرها من النظام. وهل أنا في حاجۃ إلى ضرب مثل على ما أقول؟ إن ڪل من قرأ
في تبصر وتدبر عن الأمم والدول...لابد أن يقر على الفور بأن ازدهار المجتمعات المتحضرۃ
واضمحلالها، وڪل تحرڪات الأحداث البشريۃ وتحولاتها، إنما تروح وتجيء وڪأنها على محور
عجلۃ النظام. وأنه ليس ثمۃ ڪمال اجتماعي في هذه الدنيا، مدني أو ديني، يمڪن أن
يسمو فوق النظام وقواعد الانضباط. لأن النظام هو الذي، بفضل أوتاره الموسيقيۃ يحافظ على
ڪل أجزاء الحياۃ ويمسڪ بها متضامۃ بعضها إلى بعض. ومثل هذا النظام، على أيۃ حال
يجب ألا يستقي من أيۃ هيئۃ ڪهنوتيۃ متسلسلۃ في رتب الڪنيسۃ، بل من إدراڪ أن
ڪل إنسان بذاته يمڪن أن يڪون ڪاهناً.

وفي ڪل المراحل ڪان ملتون يعي ويدرڪ ڪل قدراته ومواهبه. أنه قدم للجزء الثاني من
رسالته بقطعۃ عن سيرۃ حياته، وأبدى فيها حزنه لأن النزاع قد باعد بينه وبين إخراج عمل
عظيم شغل باله طويلاً: إن هذا الذي أداه أعظم العباقرۃ وصفوتهم في أثينا وروما أو إيطاليا
الحديثۃ، والعبرانيون القدامى، لبلادهم، يمڪن أن أقوم به أنا لبلدي، بدوري، ويقدر حظي من
الحياۃ والعمل، هذا بالإضافۃ إلى أني فوق ڪل شيء مسيحي(. "وروى ملتون ڪيف أنه
ڪان بالفعل يعد الموضوعات التي يضمنها مثل هذا الڪتاب. ولڪنه أراده عملاً يستطيع من
خلاله "أن يصور نابضاً بالحياۃ وبصف...سجل الطهر والفضيلۃ بأسره"، و "ڪل ما هو سام
ومقدس في العقيدۃ الدينيۃ"، "وڪأنما ڪان يتنبأ بأن الأعوام الستۃ عشر قد تنقض قبل أن
تدع له الثورۃ الڪبرى فرصۃ للشروع في الڪتابۃ: فقال يعتذر عن تأخره:
Cquote2.png لست أخجل من الاتفاق مع قارئ فطن ذي درايۃ، على أنه في بضع سنين
يتعهد بدفع ديوني الحاليۃ، لأنه عمل ليس نتاجاً لنزوۃ الشباب أو لعب الخمر بالعقل، مثل هذا
الذي يسيل به "قلم عاشق شرس" بذئ في أوقات الضياع، أو شاعر متطفل في فوره حقده.


ڪما أنه عمل لا يمڪن إنجازه بالتضرع وقراءۃ التعاويذ للذاڪرۃ وبناتها المغويات (بنات الأفڪار)
، بل بالدعوات والصلوات المخلصۃ الخاشعۃ "للروح الأبدي الخالد الذي يستطيع إثراءنا بالتعبير
والمعرفۃ، ويبعث إلينا بأحد ملائڪته (وحارس عرشه) ساروفيم، مع نار مذبحۃ المقدسۃ،
ليمس ويطهر شفتي من يشاء. ويجدر أن يضاف إلى هذا، دأب على القراءۃ الجادۃ المنتقاۃ،
ومثابرۃ على الملاحظۃ الدقيقۃـ وتبصير بالفنون والمسائل العامۃ الجذابۃ والواسعۃ، حتى إذا تم
العمل، إلى حد ما تحت مسئوليتي وبجهدي الخاص، فإني عندئذ لا أرفض أن أزڪى هذا
الأمل المنشود عند ڪثير ممن لا ينفرون من المغامرۃ بالوثوق إلى هذا الحد بما أقطع على
نفسي لهم من تعهدات أو وعود.

# زواجه وطلاقه

في "الحجۃ الداحضۃ المتواضعۃ" ڪان الأسقف هول قد اتهم ملتون بأنه يسعى لشهرۃ أدبيۃ،
ويعلن عن مواهبه وقدراته وتجاربه وثقافته وبيئته السابقۃ، أملاً في الفوز "بأرملۃ ذات ثراء" أو
أيۃ جائزۃ أخرى. وفي "الرد" عليه عمد ملتون إلى تسفيه هذه الفڪرۃ والتنديد بها، وقال أنه
على النقيض من ذلڪ، "نشأ في بحبوبۃ من العيش" واتفق في الرأي مع "أولئڪ الذي يؤثرون
في حڪمه وتبصر وبروح طيبۃ، عذراء غير ذات ثراء عريض، وذات أصل ڪريم، على أغنى
الأرامل". وبينما انساقت إنجلترا إلى الحرب الأهليۃ (1642)، انطلق ملتون إلى الزواج (1643).
لم ينضم ملتون إلى جيش البرلمان، وعندما اقتربت القوات الملڪيۃ من لندن (12 نوفمبر
1642) نظم قصيدۃ (سونيت) يشير فيها على قادتها أن يحموا بيت الشاعر وشخصه؛ ڪما
فعل الإسڪندر الأڪبر مع الشاعر بندرا من قبل، واعدا إياهم بأن ينشر على الملأ شعراً
"حسن صنيعهم". على أن القوات الملڪيۃ ردت على أعقابها. ولم يمس بيت ملتون بأذى،
وبقي ليستقبل زوجته.


وڪان ملتون قد التقى بماري باول في فورست هل في أڪسفوردشاير، حيث ڪان والدها
قاضي الصلح. وهذا الوالد، ريتشارد باول ڪان قد اعترف من قبل، في 1627، بأنه مدين
لملتون، وڪان آنذاڪ في ڪمبردج، بمبلغ 500 جنيه، خفف فيما بعد إلى 312، ولڪن لم
يسدد بعد. والظاهر أن الشاعر قضى عند أسرۃ باول شهراً (مايو-يونيۃ 1643) ولسنا ندري
ليسترد الدين أو يحظى بزوجۃ. وربما أحس جون وهو في الرابعۃ والثلاثين، بأنه قد آن الأوان
للزواج والنسل، وواضح أن ماري ڪانت تتحلى بالعذريۃ التي ينشدها. وفاجأ أبناء أخته بعودته
إلى لندن متأبط ذراع زوجته.

ولم تدم السعادۃ طويلاً لأحد. فقد ڪره أبناء الأخت ماري ڪدخيلۃ عليهم، وڪرهت هي
ڪتب ملتون، وافتقدت أمها و "القدر الڪبير من الصحبۃ والأنس والبهجۃ والرقص..." الذي
ڪانت تنعم به في فورست هل. ويقول أوبري:
Cquote2.png "ڪثيراً ما ڪانت تسمع أبناء الأخت هؤلاء يضربون فيتعالى صراخهم مذ رأى
ملتون أن ماري محدودۃ التفڪير ضيقۃ الأفق ليس لديها سوى النزر اليسير من الأفڪار، التي
هي في جملتها ملڪيۃ، فإنه انصرف ثانيۃ إلى ڪتبه. وتحدث فيما بعد عن "شريڪۃ حياۃ
بڪماء جامدۃ ڪئيبۃ لا روح فيها"، ورثى "للإنسان الذي يجد نفسه مرتبطاً بأوثق رباط بهيڪل
من طين وبلغم، ڪان يأمل منه أن يڪون شريڪ مجتمع تملؤه السعادۃ والبهجۃ والسرور."


ويعتقد بعض الباحثين في الزواج غير المتڪافئ أن ماري أبت عليه البناء بها. وبعد شهر طلبت
السماح لها بزيارۃ والديها، فوافق ملتون، مع التفاهم بينهما على عودتهما. ولڪنها ذهبت ولم
ترجع. وبعث إليها برسائل تجاهلها، ولما لم يجد أي متنفس آخر لمشاعره، ڪتب ونشر دون
توقيع "مبدأ الطلاق ونظامه" (أغسطس 1643)، وأهداه إلى "برلمان إنجلترا والجمعيۃ" أي
جمعيۃ وستمنستر التي ڪانت تصوغ آنذاڪ اعترافاً بالمذهب المشيخي. وتقدم إلى البرلمان
برجاء أن يتحلل من أغلال التقاليد، ويسير بالإصلاح قدماً، بإقرار أسس أو شروط أخرى للطلاق،
غير الزنى، وعرض أن يوضح: أن التصور، وعدم الأهليۃ أو تنافر العقول الناشئ عن سبب
طبيعي لا يتسنى تغييره، مما عوق، والأرجح أنه ڪثيراً ما يعوق إلى الأبد، مزايا الحياۃ
الزوجيۃ، وهب السلوى والبهجۃ والهدوء والطمأنينۃ، نقول أن هذا سبب للطلاق أقوى من
البرودۃ الزوجيۃ الطبيعيۃ، لا سيما إذا لم يڪن هناڪ أطفال، وڪانت هناڪ موافقۃ من
الطرفين.

واقتبس ملتون القانون اليهودي القديم الذي ورد في التوراۃ (سفر التثنيۃ 24-1) "إذا أخذ رجل
امرأۃ وتزوج بها، فإن لم تجد نعمۃ في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء. وڪتب لها ڪتاب
طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته". وأوضح أن السيد المسيح رفض هذا الجزء من شريعۃ
موسى. فقد جاء في إنجيل متي (5-31،32) "وقيل من طلق امرأته فليعطها ڪتاب طلاق.
وأما أنا فأقول لڪم أن من طلق امرأته إلا لعلۃ الزنى يجعلها تزني"، واحتج ملتون بأنه "المسيح
لم يقصد أن يؤخذ ڪلامه بمعناه الحرفي، ڪلمۃ بڪلمۃ"، وڪثيراً ما أعلن أنه لم يأت ليغير
مقدار ذرۃ من شريعۃ موسى. وڪافح ملتون حتى يجعل تفسيره الواسع يشمل قضيته
الشخصيۃ، حتى أنه ذهب إلى حد تبرير الطلاق لعدم القدرۃ على الإسهام في حديث مناسب
معقول. "لأن عدم الصلاحيۃ والتخلف في العقليۃ التي تنفر من الزواج، يمڪن أن تهبط بالزواج
إلى "حالۃ أسوأ من حياۃ الوحدۃ الموحشۃ" حيث تڪون النفس النابضۃ بالحياۃ مربوطۃ إلى
مجرد جثۃ(59).


ونفد الڪتاب الصغير بسرعۃ، لأنه قوبل باستنڪار عام. وفي فبراير 1644 نشر ملتون طبعۃ
مزبدۃ منقحۃ ظهر اسمه في جرأۃ وشجاعۃ. ورد على ناقديه في أسلوب العالم المتفقه، في
"تتراڪوردون Tetrachordon" ثم في أسلوب أخف في ڪولاستريون Colasterion (صدر
ڪلاهما في 4 مارس 1645)، تناولهم فيهما بأقسى القدح والألفاظ المقذعۃ-ڪتلۃ من الطين،
خنزير، خنزير بري، ذو أنف بشع، محام له مخ الديڪ، حمار صفيق، بغيض، ڪريه الرائحۃ لقد
استطاع ملتون في الصحيفۃ الواحدۃ أن يقفز من مرتفعات بارناسوس إلى أحط مهاوي
السفاهۃ والبذاءۃ.

وحيث أخفق في أن يحصل من البرلمان على تعديل في قانون الطلاق، اعتزم أن يتحدى
القانون، ويتخذ زوجۃ ثانيۃ، وڪان يفضل مسن دافيز التي لا يعرف عنها شيئاً إلا أنها رفضته.
ولما ترامت شائعات هذه الخطبۃ إلى مسامع ماري باول قررت أن تستعيد زوجها ، على أي
الأحوال، حلوها أو مرها، قبل فوات الأوان. وذات يوم بينما ڪان ملتون في زيارۃ لصديق فاجأته
ماري وجثت بين يديه وتوسلت إليه أن يعيدها إلى مخدعه وبيته. وتردد هو، ولڪن أصدقاءه
ناصروا قضيتها، فقبل عودتها إليه. وانتقل الآن إلى بيت أوسع في باربيڪا ستريت، ضمها ڪما
ضم أباه وتلاميذه. وسرعان ما جاء أبواها أيضاً مع الشاعر، بعد أن تدهورت حالهما بهزيمۃ
الملڪيۃ، مما جعل هذا البيت أقرب ما يڪون إلى دار للمجانين، أو الفلاسفۃ. وزاد الأمر ضغثاً
على أبالۃ في 1646، مولد طفلۃ ملتون الأولى آن. وخفف من هذه الفوضى موت ريتشارد پاول
في يوليۃ، ڪما أن جون ملتون الأڪبر (الوالد) اختتم حياته المديدۃ الڪريمۃ في مارس
التالي. ومن ثم أصبح الشاعر وريثاً لمنزلين أو ثلاثۃ في لندن، ولبعض المال، وربما لبعض
العقارات في الريف. وفي 1647 فض ملتون مدرسته وانتقل مع زوجته وابنته واثنين من أبناء
أخته إلى "هاي هلبورن ستريت" وفي 1648 ولدت له ابنته الثانيۃ ماري.


# حريۃ الصحافۃ
المقالۃ الرئيسيۃ: أريوپاگيتيڪا


في 13 أغسطس 1644، تحدث القس المشيخي هربرت پالمر أمام مجلس العموم، واقترح
علناً حرق رسالۃ ملتون عن الطلاق. ولم تحرق الرسالۃ؛ ولڪن شڪوى بالمر ربما أدت
"بشرڪۃ المڪتبات" التي تضم ڪل باعۃ الڪتب الإنجليز، إلى لفت نظر مجلس العموم (24
أغسطس) إلى أن الڪتب والنشرات تخالف القانون الذي يتطلب تسجيلها وإجازتها بمعرفۃ
الشرڪۃ. وڪان هذا القانون قد صدر في عهد اليزابث، ڪما أن البرلمان ڪان قد جدد العمل
به في 14 يونيه 1643، بإصداره أمراً ينص على:
Cquote2.png أنه لا يطبع ڪتاب أو نشرۃ أو ورقۃ، أو أي جزء من شيء من هذا القبيل، أو
يعرض للبيع، قبل التصديق على نسخۃ منه وإجازته، من أشخاص يعينهم لهذا الغرض أحد
المجلسين أو ڪلاهما معاً، وقبل أن يسجل في السجل المعد لذلڪ في شرڪۃ المڪتبات،
طبقاً لما جرى عليه العرف من زمن بعيد. ويعاقب أي خرق لهذا القانون بالقبض على من تولوا
التأليف والطبع. Cquote1.png الصفحۃ الأولى من طبعۃ 1644 من ڪتاب أريوپاگيتيڪا
Areopagitica

وڪان ملتون يهمل دوماً تسجيل ما ينشره نثراً. وعلى الرغم من أن ڪتابه "مبدأ الطلاق
ونظامه" ظهر بعد صدور الأمر سالف الذڪر بشهرين، فإنه تجاهل ما يقضي به. وربما ڪان
شاعرنا ذا حظوۃ لدى البرلمان لأنه ناصره في صراعه مع الملڪ، على أن البرلمان على أيۃ
حال، تغاضى عنه وحده ولڪن الأمر ظل سيفاً مسلطاً على رأسه وعلى رؤوس سائر
المؤلفين في بريطانيا. وبدى لملتون ضرباً من المحال أن يزدهر الأدب في ظل مثل هذه الرقابۃ.
فماذا يجدي خلع ملڪ وتحطيم نظام أسقفي استبدادي قاسٍ، إذا استمر البرلمان والڪنيسۃ
على التدقيق والتحقيق في ڪل ڪلمۃ يتفوه بها الإنجليز؟. وفي 24 نوفمبر 1643 أخرج درن
تسجيل أو إجازۃ أروع أعماله النثريۃ "أريوپاگيتيڪا: حديث من جون ملتون عن حريۃ المطبوعات
دون إجازۃ، إلى برلمان إنجلترا" وليس في هذا الحديث قذف ولا طعن ولا نقد لاذع، بل ڪان
على مستوى عالٍ من اللغۃ والفڪر وفيه يطلب إلى البرلمان بڪل إجلال واحترام، أن يعيد
النظر في قانون الرقابۃ، من حيث أنه ينزع إلى "تثبيط الهمم في سبيل العلم والمعرفۃ، ويعوق
بل يقضي على أي إبداع واڪتشاف يمڪن أن يخرج في المستقبل إلى حيز الوجود في
مجال الحڪمۃ الدينيۃ والمدنيۃ ڪليهما." ثم يستطرد في قطعۃ مشهورۃ قيمۃ:


لست أنڪر أنه من أعظم صلاحيات الڪنيسۃ والدولۃ أن ترقب بعين يقظۃ ڪيف تحط الڪتب
من قدرها ومن أقدار الناس، ومن ثم يحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به العدالۃ على
عوامل الشر لأن الڪتب ليست أشباه ميتۃ إطلاقاً، بل أن فيها من الفعاليۃ والحيويۃ مل
يجعلها نشيطۃ في مثل نشاط النفس التي أنتجتها. ليس هذا فحسب، بل أنها ڪذلڪ،
تحفظ، وڪأنما تحفظ في قنينۃ، أبقى عصارۃ ودقۃ مؤثرۃ للفڪر الحي الذي نماها وأبدعها.
وإني لأدرڪ أنها نشيطۃ قويۃ الإنتاج مثل أسنان التنين الخرافيۃ إذا نثرت على الأرض هنا
وهناڪ انبعث منها رجال مسلحون (هڪذا تقول الخرافۃ). ومن جهۃ أخرى، فإنه إذا لم يڪن
ثمۃ حيطۃ وحذر، فأن قتل الإنسان يعدل تقريباً قتل الڪتاب الجيد. إن من يقتل رجلاً يقتل
مخلوقاً عاقلاً على صورۃ الله، على حين أن من يدمر الڪتاب الجيد، يقتل العقل نفسه، بل
يقتل صورۃ الله، في صميمها. وڪم من إنسان يعيش حملاً ثقيلاً على الأرض، ولڪن الڪتاب
الجيد هو دم الحياۃ الغالي للروح الساميۃ يصان ويختزن، قصداً لحياۃ وراء الحياۃ. حقاً أن أي
عصر لن يستطيع استعادۃ الحياۃ، وقد لا يڪون في هذا خسارۃ، ولا تعوض ثورات العصور في
الغالب عن فقدان حقيقۃ منبوذۃ، ساءت حال أمم بأڪملها من أجل افتقارها إليها.

وينبغي لذلڪ أن نڪون حذرين يقظين لأي اضطهاد نصبه على الأعمال الحيۃ لمشاهير الرجال
البارزين، وڪيف نبدد حياۃ الرجل الناضج المحفوظۃ المختزنۃ في ڪتاب. فإذا رأينا عملاً من
أعمال القتل يرتڪب على هذه الصورۃ، وهو في بعض الأحيان استشهاد، إذا امتد هذا إلى
ڪل الإنتاج حتى ينتهي الأمر إلى مذبحۃ، فمن ثم لا ينتهي الإعدام عند خنق الحياۃ الفطريۃ،
بل ينفذ إلى الجوهر السماوي الخامس البالغ الرقۃ، أي روح العقل ذاته، فيقضي على الخلود
أڪثر ما يقضي على مجرد حياۃ.


ويستشهد ملتون بالنشاط الفڪري في أثينا القديمۃ، حيث لم تفرض الرقابۃ إلا على الڪتابات
التي تتضمن إلحاداً أو قذفاً، وهڪذا حڪم قضاۃ محڪمۃ أريوباجوس العليا بإحراق ڪتب
بروتاجوراس، وبنفيه خارج البلاد، لمقالۃ بدأها بالاعتراف بأنه لا يدري "إذا ڪان هناڪ آلهۃ أم
لا". ويمتدح ملتون حڪومۃ روما القديمۃ لإتاحتها قدراً ڪبيراً من الحريۃ للڪتاب، ثم يصف نمو
الرقابۃ في روما الإمبراطوريۃ والڪنيسۃ الڪاثوليڪيۃ. ويحس ملتون بأن قانون الرقابۃ هذا
تشتم من رائحۃ "البابويۃ" ما فائدۃ أن تڪون رجلاً، لا مجرد تلميذ في مدرسۃ، إذا ڪنا فقط
هربنا عن الدرۃ أو العصا لنقع تحت نير الرخصۃ (للطباعۃ)؟ إن الحڪومات ومراقبيها ليسوا
معصومين من الخطأ، فليس لهم أن يفرضوا ما يروق لهم أو ما يفضلونه من آراء ومبادئ على
الناس، والأولى أن يترڪوا الناس ليختاروا ويتعلموا، حتى ولو ڪلفتهم التجربۃ والخطأ أبهظ
الثمن.

إني لا أستطيع أن امتدح فضيلۃ مفروضۃ عليها الحمايۃ والرقابۃ، لا يمارسها أحد ولا ينشق
عبيرها أحد، لا تنطلق قط لترى خصومها، بل تتسلل بمعزل عن الناس. أعطني الحريۃ لأعرف
وأتحدث وأناقش، بلا قيد، وفقاً لما يمليه الضمير، فوق ڪل الحريات..ومع أن ڪل رياج
المذاهب والمبادئ أطلقت لتهب على الأرض، حتى إذا دخلت الحقيقۃ إلى الميدان، أسأنا
إليها بالرقابۃ والحظر، لنشڪڪ في قوتها، فلنترڪها مع البهتان يتصارعان، فمن ذا الذي
رأى يوماً أن الحقيقۃ تنهزم في معرڪۃ حرۃ مفتوحۃ؟


ومهما يڪن من أمر فإن ملتون لا يطالب بالحريۃ المطلقۃ للمطبوعات، فهو يؤمن بأن الإلحاد
والتشهير والفحش يجب أن يحرمها القانون، ويرفض التسامح مع الڪاثوليڪيۃ لأنها عدو
للدولۃ، ولأنها هي نفسها موصومۃ بالتعصب. وفيما عدا ذلڪ، فإن الدولۃ التي تسود فيها
حريۃ الفڪر والڪلام لابد أن ترقى وتنمو فيها سائر الأشياء سواء بسواء. يخيل إلي أني أرى
بعين البصيرۃ أمۃ ڪريمۃ قويۃ تستيقظ وتنفض النوم عن جفونها، مثل رجل قوي يفيق من
سباته، وتهز خصلات شعرها. ويبدو لي أني أراها مثل نسر، يجدد شبابه ويفتح عينيه الحادتين
في وقت الظهيرۃ. ولم يلتفت البرلمان لدفع ملتون أو حجته، بل على النقيض من ذلڪ، سن
قوانين تصاعدت صرامتها (1647، 1649، 1653) ضد إصدار مطبوعات غير مرخصۃ. وشڪا أعضاء
شرڪۃ المڪتبات من أن ملتون لم يڪن قد سجل "الأريوباجيتيڪا".

وعين مجلس اللوردات اثنين من رجال القضاء لمساءلته، ولسنا نعرف النتيجۃ. ولڪن من
الواضح أنهم لم يزعجوه، لأنه ڪان صوتاً ذا نفع وقيمۃ للبيوريتانيين المنتصرين.
وفي فبراير 1649، أي بعد إعدام تشارلز الأول بأسبوعين اثنين، نشر ملتون رسالۃ عن "ولايۃ
الملوڪ والحڪام"، ارتضى فيها نظريۃ العقد الاجتماعي التي تقول بأن سلطۃ الحڪومۃ
مستمدۃ من سيادۃ الشعب، وأنه من حق من يملڪون السيادۃ أن يحاسبوا أي طاغيۃ أو
ملڪ شرير، وعزله وإعدامه، بعد إدانته إدانۃ عادلۃ". وبعد شهر واحد دعاه مجلس الدولۃ في
الحڪومۃ الثوريۃ ليڪون "سڪرتير المجلس للغات الأجنبيۃ". فنحي ملحمته جانباً، ليتفرغ
لمدۃ أحد عشر عاماً، لخدمۃ جمهوريۃ البيوريتانيين وحڪومۃ "الحمايۃ" على عهد ڪرومول.


# سڪرتير اللغۃ اللاتينيۃ

ڪان النظام الجديد في حاجۃ إلى من يتقن اللغۃ اللاتينيۃ، ليحرر المراسلات الأجنبيۃ، وڪان
ملتون المرشح البارز لهذا العمل. حيث ڪان يستطيع الڪتابۃ باللغات اللاتينيۃ والإيطاليۃ
والفرنسيۃ ڪأحد أبناء روما القديمۃ أو فلورنسۃ أو باريس، ڪما أنه ڪان قد أثبت في أشد
أوقات الحرج أنه مخلص لقضيۃ البرلمان في نزاعه ضد الأساقفۃ والملڪ. وڪان مجلس الدولۃ
لا "ڪرومول" هو الذي استخدمه لهذا العمل. ولم يڪن له صلۃ وثيقۃ بالحاڪم الجديد،
ولڪنه لا بد أن يڪون قد رآه ڪثيراً، وأنه قد أحس في تفڪيره وفي ڪتاباته، بالتقارب مع
هذه الشخصيۃ المرعبۃ. ولم يستخدم المجلس ملتون لمجرد ترجمۃ رسائله الأجنبيۃ إلى
اللاتينيۃ، بل ڪذلڪ، ليبرز للحڪومات الأجنبيۃ، في نشرات لاتينيۃ، وجه العدالۃ والحق في
السياسۃ الداخليۃ التي ينتهجها المجلس، ڪما يبرز، فوق ذلڪ ڪيف ڪان من الحڪمۃ
وسداد الرأي الإطاحۃ برأس الملڪ.

وفي أبريل 1649، فور تقليده منصبه، انضم ملتون إلى موظفين آخرين في المجلس في وقف
نشرات الملڪيين وأنصاره المساواۃ ضد نظام الحڪم الجديد. وڪانت الرقابۃ على
المطبوعات آنذاڪ أشد صرامۃ منها في أي وقت مضى في تاريخ إنجلترا، متعبۃ في ذلڪ
القاعدۃ العامۃ التي تقول بأن الرقابۃ تشتد بتزعزع مرڪز الحڪومۃ. إن الرجل الذي ڪان قد
دبج بأفصح بيان النداء الذي لم يڪن له نظير من قبل، من أجل حريۃ الصحافۃ بات الآن ينظر
إلى الرقابۃ من وجهۃ نظر السلطۃ الحاڪمۃ. على أنه يجدر بنا أن نلاحظ أن ملتون قال من قبل
الأريوباجيتيڪا: إنه من أهم صلاحيات الڪنيسۃ والدلوۃ أن ترقب بعين يقظۃ ڪيف تحط
الڪتب من قدرها ومن أقدر الناس ومن ثم تحتجز أو تسجن أو تطبق أقصى ما تقضي به
العدالۃ على عوامل الشر".


ومذ ڪان جون للبيرن بصفۃ خاصۃ ڪاتباً مزعجاً من أنصار المساواۃ، فإن المجلس أصدر
تعليماته إلى ملتون ليتولى الرد على ڪتابه المتطرف "اڪتشاف أغلال جديدۃ". ولسنا ندري
هل قام ملتون بهذه المهمۃ أو لم يقم. ولڪنه يروي هو نفسه أنه "أمر" أن يرد على "صورۃ
الملڪ" وامتثل لهذا الأمر فنشر في 6 أڪتوبر 1649 ڪتاباً من 242 صفحۃ تحت عنوان
"محطم الصورۃ". وارتياباً، ولڪن اعتراضاً من بأن "صورۃ الملڪ" هو ما أوهم بأنه من تأليف
شارل الأول نفسه، فإنه-أي ملتون تناول حجۃ الملڪيۃ فقرۃ فقرۃ، وانبرى لتنفيذها بڪل مل
أوتي من قوۃ ومن خلال ذلڪ دافع عن سياسۃ ڪرومول، وبرر إعدام الملڪ، وأبدى احتقاره
"لتلڪ الشرذمۃ من الغوغاء المتقلبين الذين يعوزهم التفڪير السليم المولعين بالصور،..قطيع
ساذج عاجز تربى على الذل والخنوع....يفتتن بالطغيان".

واستبد الغيظ والحنق بشارل الثاني، وهو يتجول في القارۃ، فاستأجر أعظم علماء أوربا ڪلود
سوميز ليتولى الدفاع عن الملڪ الميت، وسرعان ما أصدر "سالماسيوس" "دفاعه عن
الملڪ السابق شارل الأول"، في ليدن (نوفمبر 1649)، نعت فيه ڪرومول وأتباعه بأنهم "أوغاد
متعصبون...وأنهم العدو المشترڪ للبشريۃ" وأهاب بڪل الملوڪ، من أجلهم هم أنفسهم؛
أن يجهزوا الجيوش للقضاء على هذا الوباء...يقيناً أن دم الملڪ العظيم يستصرخ ڪل الملوڪ
والأمراء في العالم المسيحي للثأر له. ولا يمڪن أن يقوموا بعمل فيه هدوء روحه وسڪونها خيراً
من أن يعيدوا لوريثه الشرعي ڪل حقوقه ڪاملۃ، ويستردوا له عرش أبيه....وأن يذبحوا،
ڪضحايا على جدث الميت المقدس، هذه الوحوش البالغۃ الضراوۃ، الذين تآمروا على قتل هذا
الملڪ العظيم.


وخشي ڪرومول أن-تزيد حملات مثل هذا العالم الذائع الصيت في أوربا من الاستياء السائد
في القارۃ ضد حڪومته، فطلب إلى ملتون الرد على سالماسيوس. وجهد السڪرتير
اللاتيني في إنجاز هذه المهمۃ قرابۃ عام ڪامل، في ضوء الشموع، على الرغم من تحذير
طبيبه له بأنه يفقد بصره تدريجياً، وأنه مهدد بالعمى. وڪانت إحدى العينين عاطلۃ بالفعل،
وفي 31 ديسمبر ظهر "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه ضد دفاع سالماسيوس عن
الملڪيۃ-لجون ملتون"، بدأ بالسخريۃ من سالماسيوس لبيعه خدماته لشارل الثاني، واستطرد
ليظهر أن سالماسيوس قبل أربع سنوات فقط ڪتب يهاجم النظام الأسقفي الذي يدافع عنه
الآن: أيها العميل الفاسد المرتشي المأجور...أيها الجبان المحتقر المرتد الخارج على
مبادئڪ...يا أشد الحمقى سذاجۃ وبلاهۃ... أنت جدير بعڪازۃ المهرج، حين تظن أنڪ تغزي
الملوڪ والأمراء بالحرب، بمثل هذه الحجج الصبيانيۃ الواهيۃ... هل تتخيل إذن، أيها المتلعثم
المحامي الصغير الحقير، الذي لم يولد إلا لينسخ ويقلد ڪبار الڪتاب، الذي لم يؤت أيۃ موهبۃ
أو ذڪاء أو عبقريۃ، أنڪ ستنتج شيئاً تڪتب له الحياۃ من عندياتڪ؟ صدقني أنڪ
وڪتاباتڪ العقيمۃ معاً، ستلقي في زوايا النسيان في الجيل القادم. لولا أن "دفاعڪ عن
الملڪ" سيدين ببعض الفضل للرد عليه، بمحض الصدفۃ، وعلى الرغم من أنه قد أغفل وطرح
جانباً لبعض الوقت، فإنه لذلڪ سيبعث من جديد.

وهذا هو ما حدث على وجه الدقۃ. أن سالماسيوس ڪان قد أضفى على تشارلز الأول صورۃ
مثاليۃ. ولڪن ملتون يحط من قدره. ويشتبه في أن شارل حرض دوق بڪنجهام على دس
السم لوالده جيمس الأول، ويتهم الملڪ الميت بڪل "ضروب الفساد الخلقي والإثم مع الدوق
المذڪور، ويتهم شارل بتقبيل النسوۃ في المسرح، وبمداعبته أثداء العذارى والعقيلات علناً".
وڪان سالماسيوس قد أطلق على ملتون أسماء ڪثيرۃ، فثأر ملتون بأن نعت سالماسيوس
بأنه، غبي، خنفساء، حمار، ڪذاب، قذاف مغتر، مرتد، معتوه، جهول، متشرد، عبد ذليل،
ويسخر من سالماسيوس لسيطرۃ زوجته عليه، ويعنف على أخطائه اللاتينيۃ. ويدعوه إلى أن
يشنق نفسه، ويضمن له الدخول إلى الجحيم. ونظر توماس هويز إلى هذه الڪتب المتنافسۃ
من علياء فلسفته، فأعلن أنه عاجز عن أن يقرر أي الفريقين أقوى لغۃ وأيهما أضعف حجۃ. على
أن مجلس الدولۃ قدم الشڪر لملتون.


تلقى سالماسيوس نسخۃ من "دفاع" ملتون أثناء وجوده في بلاط الملڪۃ ڪريستينا في
ستوڪهولم، ووعد بالرد عليه، ولڪنه أبطأ. وفي والوقت نفسه انصرف ملتون عن الشؤون
الخارجيۃ إلى شؤون بيته. ففي 1649 انتقل إلى دار في "شيرنج ڪروس" ليڪون قريباً من
عمله. وهناڪ وضعت زوجته ولداً، لم يلبث أن مات، وفي 1652 وضعت بنتاً "دِبورا" ڪلفته
ولادتها حياۃ أمها. وفي تلڪ السنۃ فقد ملتون بصره تماماً. وعندئذ نظم قصيدۃ من أروع
قصائده (السونيت) "عندما أتدبر ڪيف فقدت نور عيني". وأبقى عليه المجلس سڪرتيراً
لاتينياً، وخصص له ڪاتباً ليدون له ما يمليه عليه.

ومني، وهو رهين العمى، بخسارۃ أخرى، ففي عام 1653 انهارت الجمهوريۃ التي طالما هلل
لها ورحب بها، إلى "ملڪيۃ عسڪريۃ" وأصبح فيها "حامي الحمى" ڪرومول، في واقع الأمر
ملڪاً. وراض ملتون نفسه على هذه التطورات بقوله: "أن أساليب العنايۃ الإلهيۃ يحوطها
الغموض والإبهام". وظل على إعجابه بڪرومول وامتدحه بأنه "أعظم بني الوطن وأڪثرهم
تألقاً وامتيازاً...أنه أبو البلاد"، وأڪد له "أن في ائتلاف المجتمع الإنساني ليس ثمۃ شيء
أحب إلى الله، أو أڪثر التئاماً مع القليل من أن يتولى أسمى العقول السلطۃ العليا".


وسرعان ما طلب إليه أن يتولى الدفاع عن "حامي الحمى" في اتهام خطير. ذلڪ أنه في
1652 ظهر ڪتاب يشڪل عنوانه نفسه صيحۃ الحرب "صرخۃ الدم الملڪي" إلى السموات
ضد الإنجليز الذين قتلوا أباهم" وبدأ الڪتاب بأن نعت ملتون بأنه "حيوان شرير بشع، قبيح
المنظر، ضخم الجسم، مڪفوف البصر....جلاد...يستحق الشنق". وقرن الڪتاب إعدام شارل
الأول بصلب المسيح، واعتبر قتل الملڪ ڪبرى الجرائم وسخر من جهر "الغاصبين" بإيمانهم
بالدين: أن لغۃ وثائقهم العامۃ محشوۃ بالتقى والورع وڪان لزاماً أن يجاريها أسلوب ڪرومول
ومن يدافعون عنه، وأنه لمما يثير الاشمئزاز، ڪما يثير السخريۃ المريرۃ، إلى أي حد من
الوقاحۃ والصفاقۃ يخفي هؤلاء الأوغاد الخفيون واللصوص الظاهرون حقيقۃ شرورهم بذريعۃ أو
ستار من الدين.

وڪما فعل سالماسيوس، أهاب المؤلف المجهول بدول القارۃ أن تغزو إنجلترا وتعيد آل ستيوارت
إلى العرش. وختم الڪتاب بتوجيهه إلى الحارس القذر المتوحش، جون ملتون، المدافع عن
قتل الآباء وقتلتهم، مع الأمل في أن يلقى وشيڪاً شر الجزاء فيضرب بالسياط: حول هذا
الرأس الحانث سدد الضربات جيداً، وشوه ڪل بوصۃ فيه بآثار العصا، إلى أن تصبح الجثۃ ڪتلۃ
هلاميۃ واحدۃ. هل توقفت؟ اضرب حتى تتفجر الصفراء من ڪبده من خلال عينيه الداميتين.


واستحث مجلس الدولۃ ملتون للرد على هذا العنف، ولڪنه تمهل توقعاً لحملۃ من
سالماسيوس، أملاً في أن يرد على الخصمين في رسالۃ واحدۃ. ولڪن سالماسيوس قضى
نحبه (1653) دون أن يتم رده. وخدع ملتون في اعتقاده بأن ڪاتب "صرخۃ الدم الملڪي" هو
ألڪسندر مورس، وهو قسيس عالم في مدلبرۃ فطلب إلى مراسليه في المقاطعات المتحدۃ
موافاته ببيانات عن حياۃ موريس العامۃ والخاصۃ. وڪتب أوريان أولاڪ، طابع الڪتاب، إلى
هارتاب، صديق ملتون، مؤڪداً أن موريس ليس هو المؤلف. ولڪن ملتون أبى أن يصدق هذا،
وأيده في هذا، ما يتناقله الناس في امستردام. وفي إبريل 1654 ڪتب جون دروري إلى
ملتون، محذراً إياه بأنه مخطئ في نسبه "صرخۃ الدم الملڪي" إلى موريس، ولڪن ملتون
تجاهل هذا التحذير، وفي 30 مايو ڪتب الدفاع الثاني للشعب الإنجليزي"-جون ملتون.

وڪان سحر البيان في هذا الڪتاب الذي بلغ عدد صفحاته 173، أمراً مشهوداً، حيث أملاه
باللاتينيۃ رجل ڪف بصره تماماً. وعزا أعداؤه ما أصابه من عمى إلى العقاب الإلهي جزاء
خطاياه الفادحۃ. وأجاب ملتون على هذا بأنه لا يمڪن أن يڪون، لأن حياته ڪانت مثاليۃ، وهو
يشعر بالفرح والابتهاج لأن الدفاع الأول: هڪذا أصاب غريمي بهزيمۃ ساحقۃ....إلى حد أنه
أستسلم من فوره وقد تحطمت روحه وانهارت سمعته، وعلى مدى السنوات الثلاث التاليۃ من
حياته، ولو أنه ڪان يهدد ويرغى ويزيد ڪثيراً. فإنه لم يعد يزعجنا، فيما عدا أنه استعان
بالجهد التافه لشخص جدير بڪل الازدراء، حرضه بما لست أدري من الملق القبيح المسرف،
على أن يرقعا قدر الإمڪان بمديحهما، ما حل بشخصه مؤخراً من دمار غير متوقع.


ثم يعرج ملتون على عدوه الجديد، فيذڪر أن "موريس" تعني بالإغريقيۃ "مغفل" ويتهمه
بالهرطقۃ والتهتڪ والزنى، وبأن خادمۃ سالماً سالماسيوس حملت منه سفاحاً، ثم هجرها.
بل أن طابع "صرخۃ الدم الملڪي" نفسه يجلد بالسوط، وڪل إنسان يعرف أنه غشاش
مفلس سيئ السمعۃ. وفي ظرف ومرح أڪثر، ويستعرض ملتون أعمال ڪرومول، ويدافع عن
حملاته في أيرلندۃ، وعن حل البرلمان، وعن استيلاء على السلطۃ، ويوجه الحديث إلى
"حامي الحمى": إننا جميعاً نقدرڪ حق قدرڪ ونقر بفضلڪ الذي لا يدانيه فضل، فأمض في
طريقڪ القويم، ياڪرومول، ... يا محرر بلادڪ، ويا من أرسى دعائم الحريۃ فيها، ويا من
تفوقت بأعمالڪ المجيدۃ، لا على إنجازات الملوڪ فحسب، بل على مغامرات أبطالنا
الأسطوريۃ أيضاً.

ولڪن بعد عبارات الإجلال والإڪبار هذه، لم يتردد ملتون في أن يمحض ڪرومول النصح في
أمر السياسۃ. فأشار عليه بأن يحيط نفسه برجال من أمثال فليتوود ولمبرت (وهما من
المتطرفين)، وأن يدعم حريۃ الصحافۃ وأن يترڪ الدين منفصلاً تمام الانفصال عن الدولۃ. ڪما
ينبغي ألا تجمع أيۃ عشور لرجال الدين، فإنهم بالفعل متخمون، (وڪل ما فيهم سمين، حتى
عقولهم دون استثناء". ويسترسل ملتون فيحذر ڪرومول من أنه "ونحن نعده، دوننا جميعاً،
أعدل وأقدس وأفضل رجل" إذا أقدم على قمع الحريۃ التي دافع عنها، فلن تڪون النتيجۃ إلا
وبالاً ودماراً، لا لشخصه فحسب، بل ڪذلڪ لڪل متطلبات الفضيلۃ والتقوى.



ويوضح ملتون بأجلى بيان أنه لا يقصد "بالحريۃ" الديمقراطيۃ، وهو يسأل الناس:
Cquote2.png لماذا يؤڪد لڪم أي إنسان حقڪم في الاقتراع العام، أو قدرتڪم على انتخاب
من تريدون للبرلمان؟ هل من أجل أن تتمڪنوا من انتخاب رجال من حزبڪم في المدن، وفي
الأقاليم، تنتخبون الرجل الذي مد لڪم الموائد في بذخ بالغ، أو أسرف في تقديم الشراب
برجال الريف والفلاحين السذج، سواء ڪان جديراً أو غير جدير بالانتخاب؟ ومن ثم لا يجتمع
لنا في البرلمان أعضاء اتسموا بالحصافۃ والحڪمۃ والخبرۃ والثقۃ، بل أعضاء صنعتهم الحزبيۃ
وموائد الطعام!

وبعبارۃ أخرى تحصل على أعضاء من تجار الخمور والباعۃ المتجولين، من الحانات في المدن،
ومن الرعاۃ ومربي الماشيۃ في الريف، فهل يجدر بأي إنسان أن يڪل أمور الجمهور لأمثال
هؤلاء الذين لا يثق أحد أن يعهد إليهم بشأن من شئونه الخاصۃ؟
ڪلا، إن مثل هذا الاقتراع العام لا يعتبر حريۃ. فلأن تڪون حراً، هو بالضبط أن تڪون تقياً عاقلاً
عادلاً معتدلاً مڪتفياً بذاتڪ، لا تمد يديڪ إلى ما بأيدي الناس، وقصارى القول، أن تڪون
شهماً رحب الصدر شجاعاً. أما إذا تجردت من هذا ڪله أو ڪنت على نقيضه، فإنڪ لن تعدو
أن تڪون عبداً رقيقاً. وقد حڪم الله على الأمۃ التي لا تستطيع أن تحڪم نفسها وتدبر
أمورها بنفسها، والتي استعبدتها شهواتها، بأنها لابد أن تستسلم لسلطان غيرها، فتقع
في ذل العبوديۃ بإرادتها وضد إرادتها معاً.


وفي أڪتوبر 1654 أعاد أولاڪ طبع "الدفاع الثاني" لملتون، في لاهاي، مع رد عليه بقلم
موريس بعنوان "دليل دامغ". وفي المقدمۃ أڪد الطابع أن موريس ليس مؤلف "صرخۃ الدم
الملڪي"، وأنه، أي أولاڪ، تسلم مخطوطته من سلماسيوس الذي أبى أن يميط اللثام عن
أسم المؤلف. وأنڪر مورس إنڪاراً تاماً أنه المؤلف، وأڪد أن ملتون قد أبلغ بهذا الأمر مراراً
وتڪراراً، واتهمه بأنه قد رفض من قبل تغيير "دفاعه"، لأنه لن يتبقى من شيء يذڪر إذا حذف
من السباب الذي وجهه إلى موريس. وفي أغسطس 1655 أصدر ملتون ڪتاباً من مائتين
وأربع صفحات "دفاع عن النفس" ورفض أن يصدق إنڪار مورس، وأورد من جديد فعلته الشائنۃ
مع خادمه سالماسيوس، وأضاف أنها، في شجار مشروع أوسعت مورس ضرباً وطرحته أرضاً،
وڪادت أن تفقأ عينيه. ولڪن تبين في خاتمۃ المطاف أن أحد رجال اللاهوت البروتستانت،
واسمه پيير دي مولان، هو الذي ڪتب "صرخۃ الدم الملڪي"، وأن مورس هو الذي نشره
وڪتب إهداءه.

ولما دعي مورس ليڪون راعياً لإحدى ڪنائس الإصلاح قرب باريس، أرسل شاعرنا عدۃ نسخ
من "الدفاع الثاني" إلى الأبرشيۃ لمنع تعيينه. ولڪن مجلس الأبرشيۃ عينه على الرغم من
ذلڪ ڪله، وختم مورس سيرته التي اڪتنفتها المضايقات (1670) وهو أنصح الوعاظ
البروتستانت بياناً في باريس أو فيما حولها. ويبدو ملتون في مظهر أرق في قصيدۃ السونيت
"مذبحۃ پيدمونت" (1655) . ويحتمل أنه هو الذي دون الرسائل التي أهاب فيها ڪرومول بدوق
سافوي ليضع حداً لاضطهاد "الڤودوا Vaudois" (أتباع پيتر ڤالدو-بيوريتانيون منشقون في جنوب
فرنسا)، وإلى مزران وحڪام السويد والدنمرڪ والمقاطعات المتحدۃ ومقاطعات سويسرا،
ليتوسطوا لدى الدوق.


وفي 1656، بعد أربع سنوات من حياۃ العزوبۃ، تزوج ملتون من ڪاترين وودڪرڪ التي لم
تڪتحل عيناه بمرآها، بطبيعۃ الحال ولڪنها أثبتت أنها برڪۃ ونعمۃ عليه، فڪانت ممرضۃ
صابرۃ متجلدۃ لزوج مڪفوف عنيف، وأما لبناته الثلاث، ولڪنها قضت نحبها (1658)، أثناء وضع
طفل لم يعمر. وڪانت تلڪ سنۃ عصيبۃ على ملتون، حيث رحل عن الوجود وڪرومول أيضاً،
فڪان لزاماً على السڪرتير اللاتيني أن يحافظ على منصبه، قدر طاقته، في غمرۃ فوضى
الأحزاب التي انحدرت بريتشارد ڪرومول إلى مجرد رجل عاجز تافه محب للخير. وعلى الرغم
من أن ملتون لابد ڪان يدرڪ أن إنجلترا سائرۃ في طريق استعادۃ ملڪيۃ آل ستيوراث، فإنه
أصدر في أڪتوبر 1658 طبعۃ جديدۃ من "دفاع الشعب الإنجليزي عن نفسه" في أسلوب
يغري بالاستشهاد. وفي مقدمۃ رائعۃ وصف ملتون "الدفاع الأول" بأنه "أثر ... تتعذر إزالته
بسهولۃ"، وزعم أنه من وحي السماء ووضعه في المرتبۃ التاليۃ لمآثر ڪرومول، الذي أنقذ
حريۃ إنجلترا.

وقاوم في شجاعۃ عمياء حرڪۃ إعادۃ تشارلز الثاني، وعندما وصل جيش مونڪ إلى لندن،
وتردد البرلمان بين الجمهوريۃ والملڪيۃ، نشر ملتون في فبراير 1660 رسالۃ موجهۃ إلى
البرلمان، تقع في 18 صحيفۃ، "الطريق الممهد والسهل لإقامۃ جمهوريۃ حرۃ، ومزاياه المرتقبۃ
بالمقارنۃ إلى مساوئ ومخاطر إعادۃ الملڪيۃ في هذه الأمۃ". ومهرها في جرأۃ وبسالۃ
باسمه (بقلم جون ملتون) وفيها ناشد البرلمان:
Cquote2.png ألا يلوث ويهزأ بدم آلاف الإنجليز المخلصين البواسل الذين خلفوا لنا هذه الحريۃ،
التي اشترت بحياتنا نحن. وماذا عسى أن يقول جيراننا عنا وعن اسم إنجلترا عامۃ، إلا أنهم
على أحسن الفروض، سيسخرون منا، قدر السخريۃ بهذا الرجل الغبي، الذي أورد (مخلصنا)
ذڪره، والذي بدأ يبني صرحاً وعجز عن إتمام البناء؟ أين صرح الجمهوريۃ الشامخ الذي تباهي
الإنجليز بأنهم سيقيمونه ليتقلص ظل الملوڪ، وتصبح إنجلترا روما أخرى في الغرب؟ ... ما
هذا الجنون الذي اعترى هؤلاء الذي يستطيعون في شرف وڪرامۃ أن يدبروا شئونها
بأنفسهم، حتى يحولوا ڪل هذه السلطات إلى شخص رجل واحد! يا للجبن والنذالۃ أن
نحسب أن مثل هذا الفرد هو مناط حياتنا، ونعلق عليه ڪل سعادتنا وأمتنا وسلامتنا وخيرنا،
وبدونه لا يڪون لنا وجود، أو نڪون مجرد أفراد ڪسالى بلداء أو أطفال! إنه ليجدر بنا أن نعتمد
على الله وحده، وعلى أنفسنا نحن، وعلى فضائلنا العمليۃ وعملنا الجاد.


وتنبأ ملتون بأن ڪل (الاعتداءات القديمۃ) التي ارتڪبتها الملڪيۃ ضد حريۃ الشعب سوف
تعود وشيڪاً بعودۃ الملڪيۃ. واقترح أن يحل محل البرلمان (مجلس عام) يضم أقدر الرجال
الذين ينتخبهم الشعب للعمل حتى الموت، ولا يخضعون للعزل إلا عند الإدانۃ بإحدى الجرائم،
ويجدد المجلس بانتخابات دوريۃ. وعلى هذا المجلس، على أيۃ حال أن يوفر أڪبر قدر ممڪن
من حريۃ الڪلام والعبادۃ والحڪم المحلي. واختتم ملتون رسالته بقوله:
"أرجو أن أڪون تحدثت إلى حد الإقناع إلى مجموعۃ ڪبيرۃ من الرجال الواعين المخلصين،
أو إلى بعض من قد يقيمهم الله من هذه المقاعد الحجريۃ ليصبحوا "أبناء الحريۃ"،
ويوقفهم ويجمعهم على قرارات حڪيمۃ تقيم ما أعوج من أمورنا، وتصلح ما أفسد من أحوالنا،
وتعالج هذه الخلل العام المتفشي في الجمهور الذي أسيء استغلاله وأعوزه من يوجهه
ويرشده".

وتجاهل البرلمان هذا الالتماس الذي ينطوي على القضاء عليه. وظهرت النشرات المطبوعۃ
التي تهاجم ملتون، وحبذت إحداها شنقه وأصدر مجلس الدولۃ، وهو آنئذ ملڪي النزعۃ، أمراً
بالقبض على طابع رسالۃ ملتون، وفصله من منصبه (السڪرتير اللاتيني للمجلس) فڪان
جوابه على ذلڪ إنه أصدر طبعۃ ثانيۃ مزيدۃ من الرسالۃ "الطريق الممهد السهل" (إبريل
1660) وحذر البرلمان من أن الوعود التي يقطعها الآن شارل من اليسير أن تنقض بمجرد تثبيت
دعائم السلطۃ الملڪيۃ الجديدۃ. وسلم بأن غالبيۃ الشعب ترغب في عودۃ تشارلز الثاني،
ولڪنه دفع بأن الأغلبيۃ ليس لها الحق في استعباد الأقليۃ أو التحڪم فيها.


إنه لمن الأعدل....إذا وصل الأمر إلى حد الفرض بالقوۃ، أن ترغم الأقليۃ مجموعۃ أڪبر مجموعۃ
أڪبر منها على أن تعيد إليها حريتها. من أن تفرض الأغلبيۃ على أقليۃ من الناس من بني وطنهم
أن يڪونوا عبيداً أرقاء لهم، بشڪل يسيء إليهم أبلغ إساءۃ. وتڪاثرت الهجمات والحملات
على ملتون وناشدت إحداها الملڪ تشارلز الثاني، وڪان آنذاڪ في بريداً أن يتذڪر جيداً
الإهانات التي وجهها ملتون من قبل في رسالۃ "محطم الصور" وغيرها، إلى والده تشارلز
الأول. واقترحت أن يضم ملتون إلى قائمۃ قتلۃ الملڪ الفعليين، لأنه يستحق الإعدام.

وقبل أن تصل هذه النشرۃ إلى تشارلز الثاني، ڪان قد أبحر هو بالفعل إلى إنجلترا، وفي 7
مايو، ودع ملتون أولاده وآوى إلى مخبأ مع أحد الأصدقاء. ولڪن ڪشف أمره وأودع السجن،
وبات مصيره لمدۃ ثلاثۃ أشهر مرهوناً بما يقرره البرلمان الملڪي ورأى ڪثير من الأعضاء أنه
إذا ڪان ثمۃ من يستحق الإعدام، فهو ملتون. وڪان هذا متوقعاً. ولڪن مارڤل دافينانت وبعض
الأعضاء الآخرين توصلوا إلى البرلمان أن يرحم شيخوخته وبصره المڪفوف فاڪتفى البرلمان
بالأمر بإحراق بعض ڪتب بعينها من مؤلفاته، حيثما وجدت. وأطلق سراحه في 15 ديسمبر،
فاتخذ داراً في هلبورن، انتقل إليها هو وأولاده، حيث انصرف-بعد أحد عشر عاماً صاخباً عصبياً
مضطرباً، عن النشر، إلى الفترۃ الثانيۃ من نظم الشعر، وهي فترۃ بالغۃ الروعۃ والعظمۃ.


# الشاعر العجوز
جون ميلتون في أواخر أيامه.


وجد ملتون بعض السلوى والعزاء في العزف على الأرغن وفي الغناء، ويقول أوبري "ڪان صوته
رخيماً رقيقاً" وفي 1661 انتقل إلى دار أخرى، وفي 1664 استقربه المقام نهائياً في بيت في
Artillery Wolk، فيه حديقۃ صغيرۃ استطاع أن يتمشى فيها دون أن يقوده أحد سوى يديه
وقدميه. وڪثيراً ما أقدم إليه أبناء أخته لزيارته ومعاونته، وقد نسوا ما ڪال لهم من ضرب في
سابق الأيام، ڪما جاء إليه الأصدقاء ليقرئوا له، أو يڪتبوا ما يمليه عليهم. وتولى بناته الثلاث
خدمته بصبر نافد وجهد جهيد. وڪانت ڪبراهن-آن-عرجاء شوهاء لڪناء. وڪانت ديبورا تتولى
له الڪتابۃ، وتعلمت هي وأختها ماري قراءۃ اللاتينيۃ واليونانيۃ والعبريۃ والفرنسيۃ والإيطاليۃ
والأسبانيۃ، ولو أنهما لم تڪونا تفهمان ما تقرآن. والحق أن أياً منهما لم تذهب قط إلى
مدرسۃ، ولڪنهن تلقين بعض الدروس الخاصۃ. ولڪن لم يحظين من التعاليم إلا بأقل نصيب،
على أحسن الفروض وباع ملتون معظم مڪتبته قبل وفاته، لأن بناته لم تعنين بالڪتب إلا
قليلاً.

وشڪا من أنهن بعين الڪتب خفيۃ، وأنهن أهملن شأنه في وقت الحاجۃ والشدۃ، وأنهن
تأمرن مع الخدم على مغالطته وسلبه عند شراء حاجيات المنزل، ولم تشعر البنات بالسعادۃ
في هذا البيت الڪئيب، مع والد قاسٍ ڪثير المطالب سريع الغضب. ولما سمعت ابنته ماري
بأنه يرتب لزواج جديد قالت: "ليس ثمۃ أنباء تستحق أن تسمع عن زفافه، ولڪن النبأ الجدير
بالاستماع هو نبأ وفاته"(. واتخذ ملتون في 1663، وهو آنذاڪ في الخامسۃ والخمسين، زوجۃ
ثالثۃ، هي اليزابث منشول، وڪانت في الرابعۃ والعشرين من العمر. وتولت خدمته بإخلاص
وأمانۃ حتى آخر أيام حياته. وبعد سبع سنوات مع زوجۃ الأب التي وصفها أوبري بأنها "وديعۃ
مسالمۃ مرحۃ مقبولۃ" هجر البنات الثلاث منزل والدهن، ليتعلمن، على نفقۃ ملتون بعض
الحرف.


# الفردوس المفقود
المقالۃ الرئيسيۃ: الفردوس المفقود


ملتون يملي الفردوس المفقود على بناته الثلاث، ح. 1826. بريشۃ اوجين دلاڪروا
قصيدۃ الفردوس المفقود مترجمۃ للعربيۃ. لقراءۃ القصيدۃ، وڪانت عودۃ الملڪ قد ڪلفته
ڪثيراً، وڪادت أن تڪلفه حياته، ولڪنها مهدت الطريق لنظم "الفردوس المفقود". فلولاها
ربما أفنى ملتون نفسه في التراشق بالنشر في المعرڪۃ، لأن "المقاتل" ڪان في مثل قوۃ
"الشاعر" في شخصه. وبرغم هذا ڪله، لم يودع ملتون قط الأمل في أن يڪتب لإنجلترا شيئاً
تتغنى به لقرون قادمۃ. وفي 1640 أعد بياناً بموضوعات يمڪن أن تڪون ملحمۃ أو دراما،
ڪان من بينها موضوع خطيئۃ آدم (خروجه من الجنۃ)، وأساطير الملڪ آرثر (ملڪ بريطانيا
الذي يفترض أنه عاش في القرن السادس ق.م.، وبطل المائدۃ المستديرۃ) وتأرجح بين
اللاتينيۃ والإنجليزيۃ، بأيتهما يڪتب، وحتى حين قر قراره على "الفردوس المفقود"، موضوعاً
له، فڪر في أن يڪتبه على شڪل مأساۃ إغريقيۃ، أو روايۃ دينيۃ، على غرار روايات العصور
الوسطى، وفي أوقات مختلفۃ نظم بعض أبيات أو مقطوعات أدخلت فيما بعد في القصيدۃ. ولم
يتسن له إلا بعد وفاۃ ڪرومول، أن يجد فسحۃ من الوقت يومياً، ليڪتب الملحمۃ، وفي 1658
فقد بصره تماماً.

في الأيام السود، وألسن السوء، ولو أنها ولت، فقد لفنا الظلام واڪتنفتنا الأخطار من ڪل
جانب. وتواردت على ذهنه الأبيات، حين ڪان يرقد عاجزاً أرقاً، ويڪاد ينفجر بها. فينادي على
من يڪتب له قائلاً: "إنه يحتاج إلى من يحلبه". وڪانت تنتابه حمى الشعر، فيملي أربعين
بيتاً "في نفس واحد"، ثم يجد في تصحيحها عندما تعاد تلاوتها عليه. ويحتمل ألا تڪون ثمۃ
قصيدۃ نظمت بمثل هذا الجد والڪد والشجاعۃ والجراءۃ. وداخل ملتون شعور قوي بأنه يمثل
لإنجلترا هوميروس واشعيا معاً، حيث اعتقد بأن الشاعر صوت الله، وأنه نبي أوحي إليه أن
يعلم الناس. وفي 1665، حين انتشر الطاعون بلندن، اتخذ التدابير صديق سجين من
الڪويڪرز، هو توماس الوود، لنقل ملتون ليقيم في "ڪوخه المڪون من عشۃ حجرات
في "ڪالفونت سانت شيل في بنڪجهام مشير".


وهناڪ في هذه "المقصورۃ الجميلۃ" أڪمل الشاعر "الفردوس المفقود" ولڪن من ذا الذي
يقدم على نشرها؟ لقد ڪانت لندن في اضطراب بالغ في 1665-1666 بسبب الحريق الذي
جاء في أعقاب الطاعون، وإذا ڪان ثمۃ شيء من الفرح والمرح باق، فهو عودۃ الملڪيۃ في
صخبها وعربدتها. وفي حالۃ نفسيۃ ليس معها مجال لملحمۃ من 10558 بيتاً الخطيئۃ الأولى.
لقد حصل ملتون من قبل على ألف من الجنيهات عن رسالته "دفاع الشعب الإنجليزي" أما
الآن، في 27 إبريل 1667، فقد باع ڪل حقوقه في "الفردوس المفقود" إلى الناشر صمويل
سيمونز لقاء خمسۃ جنيهات نقداً، مع الاتفاق على دفعات أخرى قيمۃ ڪل منها خمسۃ
جنيهات، يتوقف تسديدها على ما يباع من الڪتاب، فڪان ڪل ما حصل عليه هو 18 جنيهاً.

ونشرت القصيدۃ في أغسطس 1667. وبيع منها العامين الأولين 1300 نسخۃ، وفي الأحد
عشر عاماً الأولى بيع 3000 نسخۃ. وربما لا يقبل على القراءۃ القصيدۃ بأڪملها مثل هذا
العدد من القراء في أيۃ سنۃ من أيامنا هذه، فليس لدينا فراغ ڪبير، حتى لقد اخترعنا ڪثيراً
من الأدوات التي توفر الجهد.وتشترڪ "الفردوس المفقود" مع "انياذۃ فرجيل"، فيما أصاب
ڪلتيهما من نڪسۃ وتعويق، لظهورهما بعد الياذۃ هوميروس، فإن مشاهد المعرڪۃ
والمحاربين الخارقين للطبيعۃ يفقدون قوتهم وسحرهم، ولڪنهم تقليداً ومحاڪاۃ. ولا ريب في
أن هوميروس قلد نماذج قديمۃ، ولڪنا نسيناها ولم نعد نذڪرها، وذهب جونسون إلى أن
"الفردوس المفقود"، بطبيعۃ موضوعها، تمتاز على ما عداها، بأنها ممتعۃ مشوقۃ للجميع دائماً
"ولڪنه اعترف بأن" أحد لم تساوره الرغبۃ في أن تڪون أطل مما هي.


أن موضوع "الخطيئۃ الأولى للإنسان. وثمار الشجرۃ المحرمۃ التي جلب مذاقها القاتل الموت
والفناء على العالم، وجلب علينا ڪل الڪروب والويلات"، ڪان موضوعاً مناسباً إلى حد ڪبير،
لأيام شباب ملتون، حين ڪان يتلقى سفر التڪوين على أنه تاريخ، وحين ڪانت الجنۃ والنار،
والملائڪۃ والشياطين، هي نسيج التفڪير اليومي. أما اليوم فإن موضوع القصيدۃ أڪبر
عائق في سبيلها، إنها قصۃ خرافيۃ تروي للشبان في أحد عشر قسماً، وأن الاستمرار في
مشاهدۃ مثل هذا العرض الطويل اللاهوت من البدايۃ حتى النهايۃ جاف قاس عتيق، ليتطلب
اليوم جهداً شاقاً متصلاً. وما ڪان الهراء ليسي عليه يوماً مثل السمو والرفعۃ قط. إن عظمۃ
المشهد وجلاله، ومعانقۃ الجنۃ والنار والأرض، والانسياب الفخم المهيب للشعر المرسل،
ومعالجۃ الموضوع المعقد ببراعۃ فائقۃ، والوصف الرقيق الجديد للطبيعۃ، والمحاولۃ الموفقۃ
لإسباغ الواقعيۃ والشخصيۃ على آدم وحواء، وڪثرۃ القطع الشعريۃ البالغۃ الروعۃ والقوۃ، ڪل
أولئڪ بعض الأسباب التي جعلت من "الفردوس المفقود" أعظم قصيدۃ في اللغۃ الإنجليزيۃ.

وتبدأ القصۃ في جهنم حيث الشيطان على هيئۃ طائر "ضخم الجسم"، ذي جناحين
مبسوطين، ينصح ملائڪته الهابطين بألا ييأسوا: لم يضع ڪل شيء، فإن الإرادۃ التي لا تقهر
، وتدبر للأخذ بالثأر والڪراهيۃ التي لا يخبوا أوارها أبداً، والشجاعۃ التي لا تخضع ولا تستسلم،
أما أن تنثني متوسلۃ للرحمۃ، على رڪبتين ضارعتين، وتعظم من سلطانه...فهذا أمر دنئ
حقاً هذا خزي وعار أنڪى من هذا السقوط ويبقى العقل والروح ولا سبيل إلى قهرهما.
وڪأني بهذه الأبيات تردد صدى ڪرومول وهو يتحدى شارل الأول، وصدى ملتون وهو يتحدى
شارل الثاني؛ وثمۃ عدۃ قطع في وصف الشيطان تذڪرنا بملتون: عقل لا يغير منه زمان أو
مڪان، فالعقل راسخ في مڪانه، يستطيع في نفسه أن يجعل من الجنۃ جحيماً، ومن
الجحيم جنۃ.


وفي الأجزاء القديمۃ من القصيدۃ نجد أن فصاحۃ ملتون أغرته بأن يرسم لإبليس صورۃ تڪاد
تتسم بالود والعطف، وڪأنه زعيم ثورۃ ضد السلطۃ الرسميۃ الاستبداديۃ. وتخلص الشاعر من
أن يجعل الشيطان بطل الملحمۃ بتصويره، فيما بعد، بأنه "أبو الأڪاذيب" الذي "يجثم مثل
ضفدع الطين" أو ڪالأفعى التي تنزلق ملتويۃ فوق الوحل. ولڪن في هذا القسم من الملحمۃ
نفسه ينهض الشيطان مدافعاً عن المعرفۃ: المعرفۃ محرمۃ محظورۃ؟ لماذا ينفس عليهما
ربهما ذلڪ؟ هل تڪون المعرفۃ إثماً؟ أو تڪون فناء؟ هل يعيشان (آدم وحواء) على الجهل
وحده؟ أو أن حالتهما السعيدۃ هي دليل طاعتهما وإيمانهما؟ سأثير في عقليهما مزيداً من
الرغبۃ في المعرفۃ.

ومن ثم يحاور حواء وڪأنه ڪنيسۃ عقلانيۃ تحمل على ڪنيسۃ جامدۃ تعيش في ظلام
الجهل، تقف عقبه ڪأداۃ في طريق انتشار المعرفۃ:
لماذا إذن ڪان هذا التحريم؟. لماذا ڪان، إلا ليرهب عباده ويبقيهم على حالۃ من الانحطاط
والجهل، إنه يعلم أنه في اليوم الذي تأڪلان من تلڪما الشجرۃ، فإن أعينڪما التي تبدو الآن
صافيۃ ولڪنها ڪليلۃ، سوف تنفتح وتصفو تمام الانفتاح والصفاء، ومن ثم تڪونان مثل الآلهۃ.
ويأمر روفائيل، وهو أحد الملائڪۃ، آدم، بأن يڪبت من حبه لاستطاع الڪون، فليس من
الحڪمۃ أن يتطلع الإنسان إلى معرفۃ ما وراء نطاقه الفاني(115) فالإيمان أعقل من المعرفۃ.


وڪان لنا أن نتوقع ألا يفسر ملتون "الخطيئۃ الأولى" بأنها رغبۃ في المعرفۃ، بل أنها علاقۃ
جنسيۃ. أنه على النقيض من ذلڪ، ينشد تسبيحۃ غير بيوريتانيۃ إطلاقاً، من أجل مشروعيۃ
اللذۃ الجنسيۃ، في حدود الزواج، ويصور آدم وحواء منغمسين في مثل هذه القيم الماديۃ، مع
بقائهما على "حالۃ البراءۃ"، ولڪن بعد "الخطيئۃ" أي أڪل الفاڪهۃ المحرمۃ من شجرۃ
المعرفۃ-بدأ يستشعران الخزي والعار في الاتصال الجنسي. وهنا ينظر آدم إلى حواء على
أنها مصدر ڪل الشر، "ضلع أعوج بالطبيعۃ" ويرثي لأن الله خلق المرأۃ:
لماذا خلق الله في النهايۃ هذه البدعۃ على الأرض، هذه العلۃ الجميلۃ في الطبيعۃ، ولم يملأ
العالم على الفور، برجال مثل الملائڪۃ، دون أثاث، أو يجد طريقۃ أخرى لتوالد بني البشر؟

ومن ثم فإن الإنسان الأول، في تاريخ الزواج في الڪتاب المقدس، سرعان ما اصطنع ذريعۃ
ليطلق الرجل زوجته في سهولۃ ويسر، وهنا نجد ملتون ينسي آدم، ويڪرر شعراً ما سبق أن
ذڪره نثراً، عن خضوع المرأۃ خضوعاً حقيقياً تاماً للرجل. وسيعود إلى هذه اللازمۃ في قصيدۃ
"Samson Agoniates". فهي حلمه الأثير الحبيب إلى نفسه. وفي رسالته السريۃ "العقيدۃ
المسيحيۃ" دافع عن إعادۃ "تعدد الزوجات"، ألم يجره العهد القديم. ألم يترڪ العهد الجديد هذا
القانون الحڪيم الشجاع دون إلغاء أو تعطيل؟.


ومهما فسرت "مخالفۃ الإنسان الأول لأمر ربه" (الخطيئۃ الأولى)، فقد ثبت أنها موضوع أصغر
من أن يملأ اثني عشر قسماً، لأن الملحمۃ تتطلب سلسلۃ من الأحداث والأعمال، ولڪن
حيث أن ثورۃ الملائڪۃ انتهت حين بدأت القصۃ. فإن المسرحيۃ لا تدخل إلى القصيدۃ إلا عن
طريق الذڪريات أو العودۃ إلى الماضي، وهو صدى آخذ في الذبول والزوال. ومشاهد
المعرڪۃ موصوفۃ وصفاً جيداً، بما في ذلڪ التصارع المناسب بالسلاح، وشج الرؤوس وتقطيع
الأوصال، ولڪن من العسير أن تشعر بالألم أو بنشوۃ الابتهاج لهذه الضربات الخياليۃ. وعلى
غرار الڪتاب المسرحيين الفرنسيين يطلق ملتون لنفسه العنان للخطابۃ، فالجميع ابتداء من
"الله" إلى حواء يخطبون، ولم يجد الشيطان في سعير جهنم ما يحول بينه وبين البلاغۃ وأنه
لمن المزعج حقاً أن نعلم أنه حتى في الجحيم سنڪون مضطرين إلى الاستماع إلى
محاضرات".

"والرب" في هذه القصيدۃ ليس هو التألق الذي يجل عن الوصف الذي تحس به في "جنۃ
دانتي" فهو في القصيدۃ فيلسوف سڪولاس (فيلسوف نصراني من العصور الوسطى)، يدلي
بأسباب مطولۃ غير مقنعۃ، لأنه وهو القادر على ڪل شيء، يجيز للشيطان أن يوجد، وإن
يغوي الإنسان، متنبئاً، طوال الوقت، بأن هذا الإنسان سيبذل ويخضع، ويجلب على البشريۃ
يأسرها قروناً من الخطيئۃ والشقاء والتعاسۃ. ويحاج بأنه بدون الإثم لا تڪون الفضيلۃ، وبدون
التجربۃ لا توجد الحڪمۃ والتعقل، ويرى أنه من الأفضل أن يواجه الإنسان الإغراء ويقاومه، من
عدم التعرض للإغراء إطلاقاً، دون أن يتوقع أبداً أن الصلوات سوف تتوسل إلى الله ألا يقود
الإنسان إلى الغوايۃ والإغراء. ومن ذا الذي يطبق التعاطف مع تمرد الشيطان على هذا السادي
الذي لا يصدق؟ (الساديۃ: الابتهاج بالقسوۃ المفرطۃ).


وهل ڪان ملتون يؤمن حقاً بهذا الهول الجبري المقدر؟. من الواضح أنه ڪان ڪذلڪ، لأنه
بسط الڪلام فيه، لا في "الفردوس المفقود" فحسب، بل في رسالته السريۃ "العقيدۃ
المسيحيۃ" ڪذلڪ. أي أن الله، قبل خلق الإنسان بزمن طويل، قدر أي الأرواح يڪتب لها
الخلاص، وأيها قدر عليها العذاب المقيم. وانطوت هذه الرسالۃ، على أيۃ حال، على شيء من
الهرطقۃ. ولم ينشرها ملتون قط، ولم يڪشف أمرها إلا في 1823، ولم تصل إلى المطبعۃ إلا
في 1825.

إن هذه الرسالۃ وثيقۃ جديرۃ بالذڪر، فهي تبدأ في إطار من التقوى، ودون جدل أو لجاجۃ،
بافتراض أن ڪل ڪلمۃ في الڪتاب المقدس هي وحي من عند الله. وسلم ملتون بأن نصوص
الڪتاب المقدس قد طرأ عليها "التزييف والتشويه والتبديل" ولڪنها حتى في صيغتها الراهنۃ،
من صنع الله. وهو لايجيز غير التفسير الحرفي الأمين. فإذا جاءت الأسفار بأن "الرب"، استراح،
أو خاف، أو خاف، أو ندم، أو ڪان غاضباً، أو حزينا، فإنه ينبغي أن تؤخذ هذه الألفاظ بمعناها
الظاهري، ألا تخفف على أنها مجازات، بل ڪذلڪ أجزاء الجسم والصفات الجسديۃ التي
تنسب إلى "الله" يجب قبولها على أنها حقيقيۃ من الوجهۃ الماديۃ. ولڪن "الله" بالإضافۃ إلى
هذا الڪشف الظاهري الذي جاءت به الأسفار المقدسۃ والذي يڪشف به عن ڪنهه فإنه،
زودنا بوحي داخلي، هو الروح القدس الذي يتحدث في داخل قلوبنا. وهذا الوحي الداخلي
"الملڪ الخاص لڪل مؤمن، أسمى بڪثير...ومرشد أصدق، من الأسفار المقدسۃ(124).
ومهما يڪن من أمر، فإن ملتون يقتبس من الڪتاب المقدس، ما يؤيد ما يسوق من حجج،
على أنه البرهان الحاسم الدامغ.


وعلى أساس من الأسفار المقدسۃ، ينبذ ملتون نظريۃ الثالوث الأقدس التقليديۃ، ويؤثر عليها
هرطقۃ آريوس (الذي بقول بأن المسيح ليس من مادۃ الله، بل هو خير خليقۃ فقط)، فالمسيح
بڪل معنى الڪلمۃ، أبن الله، ولڪن الأب ولده في زمن ما، ومن ثم فهو غير معاصر للأب
وليس متساويا معه أبداً. فالمسيح هو الوسيط الذي خلقه الله على أنه "اللوجوس أي
الڪلمۃ" الذي سيخلق منها ڪل من عداه. ولا يسلم ملتون "بالخلق من العدم"، فعالم
المادۃ، مثل عالم الروح؛ انبثاق أو فيض سرمدي من المادۃ الإلهيۃ. وحتى الروح نفسها، فهي
مادۃ رقيقۃ جداً أثيريۃ، ولا يجوز تمييزها تمييزاً حاداً عن المادۃ. وفي النهايۃ، المادۃ والروح،
والجسم والنفس في الإنسان، شيء واحد. وثمۃ شبه ڪبير يستحق الملاحظۃ بين هذه
الآراء، وآراء هوبز (1588-1689) وسبينوزا (1632-1677)، وقد نرى أنهما فارقا الحياۃ في نفس
العقد من السنين الذي مات فيه ملتون (1608-1674). وربما أطلع ملتون على مؤلفات هوبز
التي لها دوي ملحوظ في بلاط شارل الثاني.

وظلت عقيدۃ ملتون خليطاً غريباً من التوحيد والماديۃ، ومن مذهب حريۃ الإرادۃ عند جاڪوب
أرمينيوس (لاهوتي بروتستانتي هولندي 1506-1609)، ومن مذهب الجبريۃ أو القضاء والقدر
عند ڪلفن. ويبدو في ڪتاباته أنه ڪان رجلاً متعمقاً في أمور الدين. ومع ذلڪ لم يذهب قط
إلى الڪنيسۃ حتى قبل فقد بصره، ولم يقم الشعائر الدينيۃ في بيته. وڪتب دڪتور
جونسون:"في توزيع ساعاته لم يخصص وقتاً للصلاۃ، وحده، أو مع أهل بيته. وحذف الصلوات
العامۃ، لقد حذف الصلوات جميعاً". وازدرى رجال الدين، ونعني على ڪرومول احتفاظه بعدد
من رجال الدين تدفع الدولۃ رواتبهم، على أنه لون من "عبادۃ الأوثان"، يؤذي الدولۃ والڪنيسۃ
معاً. وفي أحد بياناته الأخيرۃ "بحث في العقيدۃ الحقۃ، والهرطقۃ والانشقاق عن الڪنيسۃ
والتسامح، وأمثل الطرق للحيلولۃ دون نمو البابويۃ" (1633) عارض بطريق مباشر الإعلان الثاني
الذي أصدره شارل الثاني عن التسامح (1672)، محذرا إنجلترا من التسامح مع الڪاثوليڪ
وأنصار التوحيد، أو أيۃ شيعۃ أخرى لا تعترف بالڪتاب لمقدس أساساً وحيداً لمذهبها.


أن هذا الرجل الذي تفوح منه رائحۃ الهرطقۃ، عرف عنه مقاومۃ رجال الدين وتدخلهم في
الشؤون العامۃ والخروج على الڪنيسۃ، هو نفس الرجل الذي أخرج للعقيدۃ المسيحيۃ أڪرم
شرح حديث لها. السنوات الأخيرۃ احتفظ ملتون مع دخوله في العقد السابع من العمر، فيما
خلا فقد البصر، بصحبۃ جسمه واعتداده بنفسه، وهما اللذان دعماه وسانداه في ڪل
الصراعات الدينيۃ والسياسيۃ التي خاضها. ويصفه أوبري بأنه "نحيل...متوسط القامۃ"...فهو
جسم جميل متناسب الأجزاء، وبشرته فوق المتوسطۃ...صحيح الجسم، لا يشڪو علۃ، قلما
يتناول الدواء، ڪل ما في الأمر أن النقرس انتابه في أخريات أيامه (129)". وڪان شعره الذي
فرقه في الوسط يتدلى على ڪتفيه في حليقات أو عقصات. ولم تنبئ عيناه عن فقد بصره.
وظلت مشيته ثابتۃ منتصبۃ. وڪان إذا غادر بيته بدا على زيه شدۃ الحساسيۃ والڪلف
بملابسه، وتمنطق بسيف، لأنه ڪان فخوراً ببراعته في المبارزۃ واللعب بالسيف(130).

وأضفت عليه الثقۃ الزائدۃ عن الحد وقاراً، وعزوفاً عن المرح. ولڪنه ڪان مع ذلڪ حلو الحديث
إلا إذا لقي معارضۃ. ولم يڪن بيوريتانياً بڪل معنى الڪلمۃ: ڪان عنده شعور البيوريتانيين
بالإثم، والجحيم والإصطفاء والأسفار المقدسۃ التي لا تخطئ، ولڪنه استساغ الجمال
واستمتع بالموسيقى، وألف روايۃ، واحتاج إلى عدۃ زوجات، وتخلفت أثاره من حيويۃ عصر
اليزابث وسطر زانته الخاليۃ من المرح. وڪان أنانياً، أو أنه ڪشف عن أنانيته الطبيعيۃ إلى حد
الإفراط غير المألوف. إنه ڪما قال أنطوني رود: "لم يڪن يجهل مواهبه(131)"، وڪما قال
جونسون: "قل من الرجال من ڪتب ڪثيراً وامتدح قليلاً من الناس، مثله"، وربما تطلبت
العبقريۃ أنانيۃ يدعمها اعتداد داخلي بالنفس، حتى تقف في ثبات في وجه الجمهور.


إن أثقل ما يمڪن قبوله في ملتون هو طاقۃ الڪراهيۃ والبغضاء عنده، وإساءته المفرطۃ لمن
اختلفوا عنه وذهب إلى أنه ينبغي علينا أن نصلي من أجل أعدائنا، ولڪن ينبغي أيضاً أن
نستنزل اللعنات جهاراً على أعداء الله وأعداء الڪنيسۃ، وڪذلڪ على الأخوان المضللين
الزائفين، أو من يقترفون الآثام الفظيعۃ ضد الله، أو حتى ضد أنفسهم". أما الوجه الآخر لهذه
العاطفۃ المشبوبۃ، فهو شجاعۃ النبي في استنڪار زمانه، فإنه بدلاً من أن يڪمم فاه ما
اقترن بعودۃ الملڪيۃ من شغف وصخب، هاجم في عنف، غراميات البلاط "في عهد تشارلز
الثاني"، "والشهوات والاغتصاب" في القصور، و"البسمات المشتراۃ على شفاه بنات الهوى"
و "المسرحيات الخليعۃ أو حفلات الرقص في منتصف الليل".

وڪأنما ڪان ملتون يقذف بآخر سهم في جعبته تحدياً للعصر المظلم، حين نشر في يوم واحد
(20 سبتمبر 1671) في غير ما شفقۃ ولا رحمۃ، اثنين من أعماله: "الفردوس المستعاد"
و"شمشون المعذب". في 1665 بعد أن انتهى توماس إلوود من قراءۃ ملحمۃ ملتون الأولى
تحداه قائلاً: "لقد تحدثت هنا ڪثيراً عن الفردوس المفقود، فماذا عساڪ تقول الآن عن
الفردوس الذي وجد؟"، وطرقت الفڪرۃ ذهنه بشدۃ، ولڪنه تسائل: ڪيف يعرض استعادۃ
الفردوس في أيۃ مرحلۃ في التاريخ، فإن موت المسيح نفسه لم يطهر الإنسان من الجريمۃ
والشهوۃ والحرب ولڪنه فڪر أنه رأى في مقاومۃ المسيح لإغراء الشيطان، وعداً بأن جانب
الله في الإنسان لابد يوماً أن يقهر جانب الشيطان في الإنسان نفسه، ويهيئه للحياۃ تحت
حڪم المسيح والعدالۃ على الأرض.


ومن ثم فإن ملتون في الأقسام الأربعۃ من "الفردوس المسترد"، لم يرڪز في حياۃ المسيح
على الصلب، بل على "تجربۃ الإغراء في البريۃ"، حيث يقدم الشيطان للمسيح "ولداناً...أجمل
من سقاۃ الآلهۃ"، ثم "الحور والعذارى الفاتنات، وسيدات من حدائق التفاح الذهبي" ثم يعرض
عليه المال والثراء-ولڪن أولئڪ دون جدوى. ثم يريه الشيطان روما الإمبراطوريۃ تحت حڪم
تيبريوس المنهوڪ المڪروه الذي لم يعقب، فهلا يريد المسيح أن يقود ثورۃ بعون من
الشيطان، وينصب نفسه إمبراطوراً على العالم؟ ولما لم يرق هذا في عيني يسوع ، ولم
يستهو قلبه فإن الشيطان، أراه أثينا بلد أرسطو وأفلاطون، فهلا رغب في اللحاق بهما ليڪون
فيلسوفاً؟ ثم يدخل المسيح والشيطان في حوار غريب حول مزايا الأدب اليوناني والعبري.
فينحاز المسيح إلى جانب أنبياء وشعراء بني إسرائيل على أنهم أسمى بڪثير من اليونانيين:
أخذت اليونان عنا هذه الفنون، ولم تحسن تقليدها.

وبعد قسمين من الملحمۃ استغرقهما الحوار، أقر الشيطان بهزيمته، وبسط جناحيه وطار، على
حين تتجمع فرقۃ من الملائڪۃ حول المسيح المنتصر، وتنشد:
الآن انتقمت لآدم المغدور به، وبالتغلب على الإغراء استعدت الفردوس المفقود.
ولم يروِ ملتون لنا القصۃ بمثل الروعۃ الفياضۃ الرنانۃ التي تجلت في الملحمۃ الأولى الڪبرى،
ولڪن بمثل براعته في الشعر، وميله إلى الحاجۃ، وهما أمران معهودان فيه، ڪما ڪشف
في القصۃ حتى حادث صلب المسيح، وربما ڪان مرد ذلڪ إلى أنه لم يتفق مع القائلين بـأن
موت المسيح هو الذي فتح أبواب الجنۃ من جديد. فالفضيلۃ وضبط النفس وحدهما اللذان
يجلبان السعادۃ. ولم يدرڪ ملتون قط لما رفضت إنجلترا أن تأخذ بمأخذ الجد، إعادۃ ڪتابۃ
الأناجيل على هذا الشڪل المضحڪ، وذهب إلى القول بأن الملحمۃ الثانيۃ ليست أقل من
الملحمۃ الأولى، اللهم إلا من حيث مداها. وڪان لا يطيق أن يسمع أن "الفردوس المفقود"
تفضل "الفردوس المسترد".


وتألقت عبقريۃ ملتون لآخر مرۃ في "شمشون أجونست-الجبار". إنه بعد أن تحدى هوميروس
وڤرجيل ودانتي، بملحمته، نراه الآن يتحدى أخيللس وسوفوڪليس بروايۃ ارتضت ڪل القيود
المأساۃ (التراجيديا) اليونانيۃ. وهو في المقدمۃ يطلب إلى القارئ أن يلحظ أن المسرحيۃ
(الدراما) تخضع للوحدات التقليديۃ القديمۃ، وتتجنب "خطأ الشاعر في خلط المادۃ الهزليۃ
(الڪوميديۃ) بأحزان المأساۃ ووقارها ورهبتها، أو في إدخال شخوص تافهين مبتذلين. وهنا نجد
ملتون يولي ظهره لعصر اليزابث، ويشق طريقه إلى اليونان ولا يبعد ڪثيراً عن النماذج
اليونانيۃ. إن شمشون الذي فارقته قوته بعد أن حلقت دليلۃ سبع خصلات من شعر رأسه، وقلع
من أوثقوه من الفلسطينيين عينيه، نقول أن شمشون هذا لا يحڪي فقط، أوديب المڪفوف
في ڪولونس، بل أنه يحڪي ملتون نفسه يعيش في عالم بغيضاً يرى منه أثراً:
Cquote2.png "ضريران أعداء، أواه هذا شيء أسوأ من الأغلال أو الزنزانۃ أو التسول، أو العجز
بفعل الهرم، فالضياء، وهو فاتحۃ صنع الله، منطفئ أمامي، ولا أملڪ من مباهجه شيئاً. ربما
ڪان يهدي من آلامي وأحزاني، آه، أنه الظلام والقتام والحڪمۃ وسط وهج النور عند الظهيرۃ،
ينشر ڪسوفاً ڪليلاً لا خلاص منه، دون أي أمل في بزوغ النهار".

والحق أن الروايۃ ڪلها يمڪن تفسيرها بأنها قصۃ رمزيۃ متناغمۃ متماسڪۃ: فملتون هو
شمشون يناضل ويتعذب في محنته، وبنو إسرائيل المقهورون هم البيوريتانيون، أي الشعب
المختار حطمته عودۃ الملڪيۃ، والفلسطينيون هو الملڪيون الوثنيون المنتصرون، وهدم
هيڪلهم يڪاد يڪون تنبؤاً "بالثورۃ الجليلۃ" التي أطاحت بآل ستيوارت "الوثنيين" في 1788.
أما دليلۃ فهي المرأۃ الخائنۃ ماري پاول، Powell. وتڪرر فرقۃ الموسيقى (الڪورس) حجج
ملتون وناقشاته من أجل الطلاق. ويڪاد ملتون يڪون قد تخلص من غضبه وحقده بترديد
تلڪ الحجج والناقشات على لسان شمشون الذي يتقبل نهايته التي لابد آتيۃ:
"سوف تمضي سلالۃ المجد، أما سلالۃ الخزي والعار التي ستبقى فسألحق بها وشيڪاً."


وفي يوليه 1674 أحس ملتون بأنه يضعف وتنحط قواه، ولأسباب لا نعلمها أهمل تدوين وصيته.
وبدلاً من ذلڪ وجه إلى أخيه ڪريستوفر وصيۃ "شفويۃ" تڪاد تڪون غير مسطورۃ، نقلها
ڪريستوفر على وجه الآتي:
"أخي، إني أترڪ نصيبي من ترڪۃ مستر پاول Powell والد زوجتي السابقۃ، لأولادي العاقين،
ولڪني لم أتسلم شيئاً منه ووصيتي ومقصودي ألا يستولوا على أي جزء آخر من ضيعتي
أڪثر من الجزء المذڪور، ومما ضيعت من أجلهم، غيره، لأنهم قصروا أشد
التقصير في القيام بواجباتهم نحوي، أما بقيۃ ضيعتي فأني أضعها تحت تصرف زوجتي الحبيبۃ
إليزابث."

وأعاد ملتون هذه الوصيۃ الشفويۃ على أسماع زوجته وأناس غيرها في أوقات مختلفۃ.
وتشبث ملتون بالحياۃ في عزيمۃ قويۃ. ولڪن آلام النقرس اشتدت عليه يوماً بعد يوم حتى
شلت يداه وقدماه. وفي 8 نوفمبر 1674 وأنهڪت الحمى قواه، وفارق الحياۃ في تلڪ الليلۃ.
وعاش ملتون خمساً وستين سنۃ وسبعۃ أشهر. ودفن في مقبرۃ ڪنيسۃ الأبرشيۃ، في
سانت جيل ڪربلجيت، بجوار والده. وڪان القانون الإنجليزي يعترف بالوصايا الشفويۃ حتى
1677، ولڪن المحاڪم ڪانت تدقق قيها تدقيقاً شديداً. واعترض البنات على وصيۃ أبيهم،
ورفضها القاضي، وأعطى ثلثي المال للزوجۃ، والثلث الباقي، وقدره 300 جنيه للبنات. أما
الحصۃ في أموال پاول فلم يدفع منها شيء قط.


وأنا لنعلم عن ملتون أڪثر ڪثيراً مما نعلم عن شڪسبير، ولا بد من تدوين الڪثير عنه حتى
نخرج له صورۃ حقيقيۃ أو نصفه وصفاً ڪاملاً. ولڪنا لا نزال نجهل ما يڪفي للحڪم عليه-إذا
ڪان هذا ممڪناً بالنسبۃ لأي رجل. فنحن لا نعلم، بشڪل ڪاف، لماذا أثار بناته استياءه
إلى هذا الحد، ولا ڪيف عاملن زوجته الثالثۃ التي واسته وأراحته في سني شيخوخته،
ولڪنا نستطيع فقط أن نبدي الأسف على أنه عجز عن ڪسب حبهم. ولسنا ندري بالتفصيل
لماذا ارتضى أن يڪون رقيباً على الصحافۃ أيام ڪرومول، بعد دفاعه المجيد عن "حريۃ
المطبوعات". ويمڪن أن نعزو ڪثيراً من تعسفه وبذاءته في الخصومۃ إلى أحول العصر
ومعاييره. وقد نغتفر غروره وأنانيته باعتبارهما الرڪيزۃ التي تستند إليها العبقريۃ إذا لم تجد
إلى القليل من ثناء الدنيا وإطرائها. ولسنا بحاجۃ إلى الاستماع به رجلاً. والإعجاب به شاعراً،
وواحداً من أعظم الناشرين الإنجليز.

إن الذين يعتزمون قراءۃ الفردوس المفقود من البدايۃ إلى النهايۃ، سيتولاهم الدهش إذ يجدون
أنها غالباً ما تحلق في آفاق عاليۃ من الخيال والبيان، حتى ليغتفرون إن عاجلاً أو آجلاً،
الصفحات المملۃ المحشوۃ بالنقاش أو العلوم أو الجغرافيا، وڪأنها بمثابۃ فترات لالتقاط الأنفاس
من فرط الثأر والتحليق. وأنه لمن الحمق أن نتوقع أن تبقى هذه التحليقات المفرطۃ في
التناغم والعاطفۃ بصفۃ مستمرۃ، فقد يڪون هذا في القصائد القصيرۃ. وهناڪ في نثر ملتون
وبخاصۃ في "الأريوباجيتيڪا"، قطع، لا يسمو عليها، في قوتها وروعتها، وفڪرها وموسيقاها،
شيء من سلسلۃ الأدب الدنيوي في العالم.


وأضفى عليه معاصروه شهرۃ يشوبها الحسد والتذمر، وفي الفترۃ التي صعد فيها حزبه إلى
منصۃ الحڪم، ڪان مناضلاً ثائراً، ونسيت قصائده الغنائيۃ الأولى. ونشر ملتون قصائده الڪبرى
في عهد عودۃ الملڪيۃ، ذلڪ العهد الذي احتقر شيعته، ورضي له البقاء على قيد الحياۃ،
على ڪره منه. وعندما طلب لويس الرابع عشر من سفيره في لندن أن يعدد له أحسن
الڪتاب الإنجليز الأحياء، ڪان جواب السفير: لا يوجد منهم من يستحق الذڪر إلا ملتون الذي
دافع من قبل، من سوء الحظ، عن قتل الملوڪ الذين ڪانوا آنذاڪ يشنقون أحياء أو أمواتاً.
وحتى في هذا العصر المستهتر المشاغب، على أيۃ حال، نجد أن أشهر شعرائه، جون دريدن،
الذي قال عنه ملتون من قبل أنه "ناظم قواف جيد، وليس بشاعر". نقول أن دريدن هذا، اعتبر
"الفردوس المفقود" "من أعظم وأروع وأسمى ما أبدع هذا العصر وهذه الأمۃ من قصائد".

وبعد أن دالت دولۃ أسرۃ ستيوارت عاد إلى ملتون مجده ومڪانته الرفيعۃ. وأطنب أديسون في
مداحه في مجلۃ "سبڪتاتور". ومنذ ذلڪ الوقت ازدادت صورۃ ملتون رفعۃ وقداسۃ في ضمير
بريطانيا حتى ناجاه وردزوث في 1802:
"أي ملتون، ما ڪنا أجدرڪ أن تڪون حياً بيننا في هذه الساعۃ..، أن روحڪ
مثل نجم رحل عنا بعيداً، لقد ڪان لڪ صوت يهدر ڪالبحر، صاف مثل السموات المڪشوفۃ،
صوت ڪريم حر". أن نفسه ڪانت مثل أثر باق، قام بعيداً عن أقرب الناس إليه، ولڪن عقله
حلق مثل السموات العلى، فوق ڪل هموم البشر، وصوته يدوي في الاستماع مثل "البحر
المتلاطم الأمواج" عند هوميروس.


# ميلتون والاستعادۃ

ويمڪن ان نضيف الى ذلڪ ان ميلتون شارڪ الڪثيرين من شعراء النهضۃ ـ خاصۃ سبنسر ـ
في القدرۃ على استخدام الأساطير الڪلاسيڪيۃ بطريقۃ جادۃ في اطار من الشعر الديني.
ولاشڪ ان احساس ميلتون بالڪرامۃ وايمانه بالجنس البشري بصورۃ عامۃ منعه من تصوير
الڪائنات البشريۃ ڪديدان أو حتى شرذمۃ من المخطئين خلقوا من أجل ان يخطئوا.
ڪتب ميلتون بڪتابه الڪثير من الأعمال الدينيۃ ومن أشهرها «الأعمال الالهيۃ والأيام»
والتي تعطي نبذۃ عن خلق العالم ومسيرۃ الانسان داخل هذا العالم، وڪذلڪ يتحدث ايضا
عن سقوط الانسان بسبب آثامه المتڪررۃ.

ويختلف الصراع الداخلي في أعمال ميلتون عن ذلڪ الموجود في أعمال الشعراء
الميتافيزيقيين والآخرين، حيث يرى ميلتون ان الصراع ينشأ نتيجۃ للصدام بين انسان صالح
وعالم ظالم وليس نتيجۃ لأخطاء وذنوب هذا الانسان. ڪذلڪ يتميز ايضا بشغفه الزائد بالشعر
الرعوي الذي ينبع من ايهامه بالطبيعۃ من حوله وجمالها الفتان، وڪانت المرحلۃ الأولى من
ڪتابته في هذا المجال عن وصف تقليدي منظم ولڪن ما لبث ان ڪون فڪرۃ جديدۃ عن
الطبيعۃ مؤداها انها رمز للانسجام الڪامل مع السماء ويرى بعض النقاد ان السطر الافتتاحي
من الفردوس المستعاد يضع الفردوس المفقود في مصاف الشعر الرعوي حيث يرى في هذا
السطر ان الفردوس المفقود ما هو الا قصيدۃ عن الحديقۃ السعيدۃ!


ربما ڪون هذا الوصف غريبا بعض الشيء ولڪن لو تعمقنا في أحداث الفردوس المفقود نجد
ان قدرا ڪبيرا منها يتناول حياۃ آدم وحواء وقد ڪان النمط الرعوي مرتبطا بالمراحل الأولى من
تطور ميلتون ڪشاعر، نلاحظ ان ڪثيراً من الشعراء اتبعوا النهج نفسه، فعلى سبيل المثال
نجد أن سپنسر بدأ قبل أن يڪتب قصيدته الشهيرۃ «The Fair Queen». في الفردوس
المفقود يوضح ميلتون ڪيفيۃ فقدان انسان للجنۃ وذلڪ بسبب طاعته، ثم بعد ذلڪ يعرض
الأسباب التي أدت لسقوط الانسان حيث يروي قصۃ آدم وحواء مع الشيطان وڪيف استطاع
الشيطان أن ينجح في اغوائهما بشتى الطرق من أجل معصيۃ الله، وذلڪ عن طريق تحريضهما
على الأڪل من الشجرۃ التي تعرف بشجرۃ المعرفۃ، أما في قصيدته «ليسيداس» فڪان
ميلتون يرثي الملڪ إدوارد الذي تحطمت سفينته ومات غرقا في البحر الايرلندي وڪان عمره
لا يتعدى الخامسۃ والعشرين.

ويتناول ميلتون هذه الفڪرۃ بطريقۃ فيها نوع من الجدۃ والحداثۃ، حيث يحاول الشاعر ان يصنع
إڪليلاً من الزهور لصديقه المتوفى ولڪن عندما يذهب لاحضار الزهور التي يصنع منها هذا
الاڪليل نجد ان الزهور لم تنضج بعد وهنا يحاول ان يوجد نوعا من العلاقۃ بين الزهور غير
الناضجۃ وبين صديقه الذي مات في ريعان شبابه، ڪما لو ڪان ڪلاهما قد قطف قبل أوانه.
هذا المعنى عبّر عنه أمل دنقل اثناء مرضه الذي مات فيه في قصيدته عن باقۃ الزهور.
أما في "عذاب شمشون" فهو يحڪي قصۃ شمشون الذي وقع في الأسر وتم ايداعه سجن
غزۃ.


وبعد ذلڪ يرد المحاولات المتڪررۃ من أصدقائه وأبيه (مانيو) لاخراجه من السجن، واثناء فترۃ
سجنه يأمره الحاڪم ان يستعرض قوته أمام الشعب في أحد الاحتفالات ولڪنه يتمنع في
البدايۃ، ثم لا يلبث ان يوافق على ذلڪ وتستمر القصۃ على هذا المنوال الى ان تنتهي بموت
شمشون في مشهد تراجيدي مؤثر. ڪذلڪ هناڪ الڪثير من قصائد الحب المؤثرۃ في
ڪتابات ميلتون ومنها على سبيل المثال قصيدته «ڪوموس» التي تحڪي قصۃ حب مثيرۃ
بعيداً عن الاثارۃ الجنسيۃ التي ڪانت تتصف بها ڪتابات ذلڪ العصر.




في الخ‘ـٺام أٺمنےٰ أن يگۋن الموضۋع قدنال علےٰ رضاگم ۋإسٺحـسانگم

ۋإن ۋج‘ـدٺم بـﮧ نقص أۋ زيادة فجل من لا يخطےٰء والگمال للـﮧ ۋح‘ـده.

ۋ أشگر أخ‘ـۋٺي المبدعين أعضاء ( ج‘ـمعيـۃ العاشق الح‘ـره ) علےٰ ج‘ـهۋدهم المبذۋلـﮧ

في السعي ۋ الرقي بالٺقدم من أج‘ـل أزدهار المنٺدى

ۋأخ‘ـص بالذگر الأخ‘ـٺين المبدعٺين

ليـﮧ ياح‘ـلم

urahra

لقائنا يٺج‘ـدد معگم بمواضيع أخرى إن شاء اللـﮧ

ۋإلےٰ ذلگ الحـين أسٺۋدعگم اللـﮧ الذي لا ٺضيع ۋدائعه








التعديل الأخير تم بواسطة حلم القمر ; 12-01-2015 الساعة 08:42 AM
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع ●●||الأديب الإنجليزي الشهير جون ميلتون || ●● ‏:
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
●●● تصميم ـے لـ ρєяǿйά şάмά ●●● z.d.l نشأة مُبدع 8 10-06-2012 05:51 AM
●●● [ لاتدع الحزن يتغلب عليك فأنت تشرق دائما بأجمل إبتسامه ] ●●● HAYBARA قسم الصوتيات والمرئيات 88 07-01-2012 05:37 PM
مُـسـآبـقـۃ ●● زد نُـقـآطـڪـ ●● المۈسم الثاني ●● بدأت المٌسابقه Tomoya القسم العام 69 03-30-2012 02:55 AM
●● || قوانين قسم القصص و الروايات [ الرسمية ] || ●● آخر تعديل بتاريخ:19-06-2011 ●● ĵυ๓аnα قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة 0 06-11-2011 06:39 PM
●●●●●برنامج KMPlayer لتشغيل جميع الصيغ الفيديو و الصوت بحجم 13 ميقا فقط●●●●● العاشق 2005 أرشيف قسم البرامج 7 04-17-2011 01:15 AM

الساعة الآن 02:48 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

كُل ما يُكتب أو يُنشر في منتديات العاشق يُمثل وجهة نظر الكاتب والناشر فحسب، ولا يمثل وجهه نظر الإدارة

rel="nofollow" maxseven simplicity and clarity