قدره الله
منذ القدم كان هذا الكون العجيب محط تساؤل الإنسان وفضوله؛ وتردد السؤال: هل صنعت الكون حقًّا مصادفة؟, ودافع المؤمنون بالأدلة العقلية أن الوجود لا يمكن أن يصنع ذاته وإنما يشهد بضرورة المُبدع القدير، وظل الملحدون يُرَدِّدُون مقولة الدهريين بلا أثرة من منطق أو علم أن المادة أزلية؛ موجودة هكذا أبد الدهر, والطبيعة تجدد أشكالها بذاتها, ويكشف القرآن الكريم الأساس الواهي لزعم الدهريين في قوله تعالى:﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ الجاثية: 24, وذكر المتقي المكي في مناقب أبي حنيفة (ص51) مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة وجماعة من الدهريين الملحدين؛ ونقلت كحكاية وعظية مفادها انتظارهم على شاطئ دجلة بحضور السلطان والحاشية لمجيئه من الشاطئ المقابل ليحاورهم, وبرر تأخره باجتماع بعض ألواح ثبتتها مطرقة بالمسامير بلا طارق وكونت قاربًا من ذاتها؛ اعتلاه وقدم إليهم, فاتهموه بالجنون, فأقام الحجة عليهم بقوله: "كيف تُنْكِرُون صنع قارب بدون صانع ثم تقبلون أن تكون سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج من صنع العبث والوهم والمصادفة!".
وقد جاءت الكشوف العلمية في كل مجالات العلوم شاهدةً للقرآن الكريم بالسبق, وأحدث اكتشاف قد نال أصحابه جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام 2011, وهو يعلن أن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو في توسع يتسارع مع الابتعاد مما يؤكد أن له ابتداء؛ يعني لحظة خلق, وهو ما أعلنته مسبقا نظرية الانفجار الكبير Big Bang وأكده الاكتشاف الجديد باستخدام وسائل أحدث, وقد أسقط علم الفلك فرضيات الإلحاد التي شاعت في القرن التاسع عشر, وصدمت نظرية الانفجار الكبير الإلحاد بتأكيدها أن للكون ابتداء يُعلن بضرورة الخالق كحقيقة يشهد بها كل الخلق, وأيدت الفيزياء علم الفلك أن في الكون منذ البداية إبداعًا يفوق الوصف وتوازنًا يهز الوجدان وتصميم وتخطيط بإتقان يفوق الخيال لا يمكن أن تصنعه مصادفة, ورغم النزوع الإلحادي اضطر الفيزيائي ستيفن هوكنج إلى الاعتراف في كتابه (تاريخ موجز للزمن) دافعًا الفوضى بقوله (ص 140): ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"؛ وطعن في الإلحاد بقوله (ص 122): "طالما أن للكون بداية فحتما لا بد من خالق", وبالمثل دفع إتقان التصميم في الكون الفيزيائي روس في كتاب (الكون والخالق) إلى الاعتراف أيضًا بقوله صريحًا (ص 123): "عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنه لم يبق في علم الفيزياء Physics شيء يدل عليه".
|