|
#1
|
||||
|
||||
![]() الصفحة الثامنة والعشرون : 28- ما بعد معركة بدر: كان خبر انتصار المسلمون في بدر أثر كبير على النفوس ، فمنهم من فرح واستقبل النبي -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالفرح ، ومنهم من ازداد غضباً وحقداً على هذا الدين : 1- اليهود: وكانوا أشد استياء لنتائج هذه المعركة ، فهم يرون أن نصرهم ضرباً قاصماً على كيانهم الاقتصادي والديني . 2- المشركون : قال تعالى : [ لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَـكْبِرُونَ ] (المائدة:82) . 3- المنافقون : وهم بطانة للفريقين السابقين ، فقد دخلوا في الإسلام حين لم يبقَ مجال لعزهم إلا في الإسلام (عبد الله بن أبي السلول وأتباعه )،ولم تكن هذه الفرقة أقل غيضاً من الأوليين . ![]() (غزوات ومؤامرة ): أ- غزوة بني سليم : بعد غزوة بدر مباشرة حشد بنو سليم من قبائل غطفان قواتهم لغزو المدينة فهجم عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم - وفاجأهم في عقر دارهم ، وكان معه مائتا راكب ففروا (كان ذلك في شوال سنة 2 هـ) . ب- مؤامرة لاغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم -: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية واتفقا على أن يقتل عميراً محمداً -صلى الله عليه وسلم - ويقضي صفوان عنه دينه ويتكفل بأبنائه ، وذهب عمير إلى المدينة وأُ خذ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فسأله عن سبب حضوره فقال : (الأسير الذي بأيديكم)، يقصد ابنه. قال :[اصدقني ، ما الذي جئت له؟] قال :" ما جئت إلا لذاك". قال :[بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجر،فذكرتما أصحاب القليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقـتـلني ، والله حال بينك وبين ذلك]. قال عمير: ( أشهد أنك رسول الله )، قد كنا يارسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا الأمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (فـقهوا أخاكم في دينه ،وأقرؤه القرآن ، وأطلقوا له أسيره )، فلما عاد إلى مكة دعى إلى دين الإسلام فأسلم على يده الكثير ، وأما صفوان حلف ألا يكلمه أبداً. ج- غزوة بنو قينقاع : لم يكف اليهود عن الكيد للمسلمين ، رغم وجود المعاهدة التي عقدها الرسول -صلى الله عليه وسلم - مع اليهود في مستهل وجوده المدينة ، فقد حاولوا الإيقاع بين المسلمين من أوس وخزرج ، ففشلوا ، وكانوايثيرون الشغب ، ويتعرضون بالسخرية ، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين حتى أخذوا يتعرضون بنسائهم ، وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم جمعهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدى ، وحذرهم مغبة البغي والعدوان ، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم . عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: (لما أصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع ، فقال: ((يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً)). قالوا : (يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لايعرفون القتال ، إنك لوقاتلتنا لعرفت أنا نخن الناس) ، وأنك لم تلقَ مثلنا ) فأنزل الله تعالى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( 12 ) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ( 13) } (ال عمران) فكان معنى إجابتهم إعلان عن الحرب ، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم - كتم غيضه ، وصبر المسلمون ، لكن اليهودا زدادوا جرأة ، فقد قدمت امرأة مسلمة يوماً إلى صائغ يهودي بجلب لها فباعته في سوق بني قينقاع ، فحاولوا كشف وجهها ، فأبت فربط الصائغ ثوبها إلى ظهرها وهي غافلة ،فلما قامت انكشفت عورتها ، فضحكوا بها ،فصاحت ، فقفز رجل من المسلمين على اليهودي فقتله ، فاجتمع اليهود على المسلم فقتلوه،فوصل الخبر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -فسار إليهم بجنده ، وأعطى اللواء لحمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه - ولما رأؤه تحصنوا في حصونهم ، فحاصرهم أشد حصار ، وكان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 هـ ،ودام الحصار خمسة عشر ليلة ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فنزلوا على حكم رسول -صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاورونه بها ، فخرجوا إلى أذرعات الشام ، وقبض منهم -صلى الله عليه وسلم - أموالهم ، فأخذ منها : (ثلاثة قِصي ،درعين ، وثلاثة أسياف ، وثلاثة رماح ، وخُمس غنائمهم ). د- (غزوة السويق ): كان أبو سفيان يفكر بعمل قليل المغارم ظاهر الأثر ليحفظ مكانة قومه، وليبرز ما لديهم من قوة ، فخرج في مائتي راكب وأغار على ناحية من المدينة ، فقطع وأحرق بعض النخيل وقتل رجلين ،وفروا راجعين إلى مكة ، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم -الخبر، فسارع لمطاردة أبي سفيان وأصحابه ، ولكنهم فروا منهم ببالغ السرعة وقد طرحوا سويقاً كثيراً من أزوادهم وتمويناتهم ليتخففوا منها ،فحمل المسلمون ما طرحه الكفارمن سويقهم ، لذا سُميت بغزوة السويق ، وقد وقعت في ذي لبحجة سنة 2 هـ هـ - (غزوة ذي أمر ): سببها أن استخبارات المدينة نقلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - أن جمعاً من كبيراً من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة على أطراف المدينة ، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم - مع أربعمائة وخمسين مقاتلاً ، وفي الطريق قبضوا على رجل من بنو ثعلبة يقال له :جُبَار، فأدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم - فدعاه على الإسلام فأسلم ، وصار دليلاً لجيش المسلمين إلى أرض العدو، وتفرق الأعداء في رؤوس الجبال حين سمعوا بقدوم جيش المسلمين .أما النبي -صلى الله عليه وسلم - فقد وصل بجيشه إلى مكان تجمعهم ، وهو الماءالمسمى " بذي أمر"، فأقام صفراً كله من سنة 3 هـ ، لشعر الأعراب بقوة المسلمين ويستولي الرعب في قلوبهم ، ثم رجع إلى المدينة . و - (قتل كعب بن الأشرف): كان من أشد اليهود عداوة للإسلام ، وإيذاء للرسول -صلى الله عليه وسلم - ،فلما بلغه خبر انتصار المسلمين في بدر ، وقتل صناديد قريش وملوك الناس قال : (والله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها ) ، ثم أخذ يهجو رسول الله -صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليهم ، ولم يكتفي بذلك بل أتى عبد المطلب السهمي ، وجعل ينشد الأشعار يبكي فيها على أصحاب القليب من قتلى المشركين ليثير حفائظهم ويذكي حقدهم على النبي -صلى الله عليه وسلم - ، ويدعوهم إلى حربه ، وحينما كان بمكة سأله أبو سفيان والمشركين : ( أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه ، وأي الفريقين أهدى سبيلاً، وأفضل ؟) فقال :( أنتم أهدى منهم سبيلاً، وأفضل) فأنزل الله تعالى الأيات بخبرهم قال تعالى: { ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51)}(النساء). ثم رجع إلى المدينة ، وأخذ يشبب في أشعاره بنساء الصحابة ويؤذيهم بسلاطة لسانه أشد الإيذاء ، وحينئذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : [ من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه آذى الله ورسوله] ، فانتدب محمد بن مسلمة ، وعبَّاد بن بشر ، وأبو نائلة "أخو كعب من الرضاعة " والحارث بن أوس ، وأبو عبس بن جبر فقتلوه .ولما علمت اليهود بمصرع طاغيتهم كعب بن الأشرف دب الرعب في قلوبهم ، وعلموا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم - لن يتوانى في استخذام القوة حين يرى النصح لايجدي نفعاً لمن يريد العبث بالأمن وإثارة الاضطرابات وعدم احترام المواثيق ، وقد لزموا الهدوء ، وتظاهروا بإيفاء العهود . ز- (غزوة بحران ): قاد الرسول -صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة مقاتل إلى أرض يقال لها بحران ثم رجع بغير لقاء العدو . ح - سرية زيد بن الحارثة (جماد الاخرة سنة 2هـ): أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مائة راكب بقيادة زيد بن حارثة فانفضوا فجأة على قافلة لقريش بقيادة صفوان بن أمية كانت آخذه طريق الساحل الشرقي إلى العراق ثم الشام ، ففر حراسها ووقعت في أيدي المسلمين ، وأما دليل القافلة فقد أُسر فأسلم. "وهو فرات بن حيان" ![]() الصفحة التاسعة والعشرون : 29- (غزوة أحد ): الصفحة الثلاثون : 30- (السرايا والبعوث بين أحد والأحزاب ): كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين ، فقد زالت هيبتهم عن النفوس ، وزادت المتاعب الداخلية والخارجية عليهم وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب ، وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر، وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين ، فما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يرسل إليهم السرايا : 1- سرية أبي سلمة (أول محرم سنة 4هـ): أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وخمسين مقاتلاً، وعلى رأسهم أبو سلمة فباغت بني أسد في ديارهم فـتشتتوا وعادت السرية إلى المدينة غانمة سالمة بغير قتال ، وكان بنو أسد قد دعوا إلى حرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أُحد . 2- بعث عبد الله بن أنيس(5 محرم سنة 4 هـ): جمع خالد بن سفيان الهذلي الجموع لحرب المسلمين ، فأرسل إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أنيس فأتى برأسه . 3- بعث الرجيع (صفر سنة 4 هـ): جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم من عضل وقارة يعلنون إسلامهم ويطلبون من يعلمهم الدين ،فأرسل معهم نفراً من المسلمين فغدروا بهم وقتلوهم جميعاً – رحمة الله عليهم - . 4- بئر معونة (صفر سنة 4 هـ): بعث رسول - صلى الله عليه وسلم - سبعين رجلاً وكان أميرهم المنذر بن عمروا إلى أهل نجد في جوار أبي براء عامر بن مالك الذي تعهد بذلك رسول - صلى الله عليه وسلم - ولما ذهبوا إلى هناك قتلهم جميعاً بنوسليم ، وقد مر بهم عمرو ابن أمية والمنذر بن عقبة ،فأسرعا لنجدتهم ، فأسر القوم الأول وقتلوا الثاني ، ثم ذهب عمرو فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - . 5- غزوة بني النضير (ربيع الأول سنة 4هـ): عاد اليهود في التآمر على المسلمين ، بعد أن خمدت نارهم في وقعة بني قينقاع ، وقتل كعب بن الأشرف ،وتجرأوا بعد أحد ، فاتصلوا بالمنافقين وأهل مكة سراً، وكانوا يعملون لصالحهم ضد المسلمين ، وبعد وقعة الرجيع وبئر معونة قاموا بمؤامرة للقضاء على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حين ذهب إليهم ليعينوه في دية رجلين معاهدين قتلهما عمرو بن أمية ،حينها جاء جبريل – عليه السلام – للنبي - صلى الله عليه وسلم - يخبره على عزم اليهود على إلقاء حجر فوق رأسه وهو جالس بجوار جدار لهم ، فأرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم أن اخرجوا من المدينة فتجهزوا للرحيل ، فجاءهم رسول أُبي بن السلول يشجعهم على البقاء على أن يقاتل معهم ، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرونه برفضهم الخروج ،فحاصرهم ،فكانوا يرمون المسلمين بالنبل والحجارة من خلف نخيلهم، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتقطيعها ، ثم أُخرحوا فمنهم من ذهب إلى خيبر، ومنهم من ذهب إلى الشام ، وقد أسلم منهم رجلان : "يامين ين عمرو وأبو سعد بن وهب "، وفي هذه الغزوة أُنزلت سورة الحشر . 6- غزوة بدر الثانية ( في شعبان سنة 4هـ): خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ألف وخمسمائة مقاتل إلى بدر ، وخرج أبو سفيان في ألفين من مكة وما جاوزها إلى مسافة غير بعيدة ، ثم عاد وقد سيطر عليه الخوف من المسلمين بحجة أن هذا العام عام جدب . 7. غزوة دومة الجندل ( بيع الأول سنة 5هـ): خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ألف من المسلمين إلى دومة الجندل قرب الشام لعلمه أن القبائل هناك حشدت جمعاً كبيراً لمهاجمة المدينة ، ففرت الجموع ، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً ،فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - أياماً ،ثم رجعوا إلى المدينة . 8- غزوة الأحزاب ( الخندق): {الَّذِينَ قَالَ لَـهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) } (ال عمران) 9 - غزوة بني قريضة (ذو القعدة 5هـ): وفي اليوم الذي رجع فيه رسول الله إلى المدينة، جاءه جبريل – عليه السلام - عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: (أو قد وضعت السلاح ؟) ، فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة) . وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذناً فأذن في الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصَلِّينَّ العصر إلا ببني قريظة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطي الراية على بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة، فسار على حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موكبه من المهاجرين والأنصار، حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال لها: بئر " أنَّـا " وبادر المسلمون إلى امتثال أمره، ونهضوا من فورهم، وتحركوا نحو قريظة، وأدركتهم العصر في الطريق فقال بعضهم: (لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا)، حتى إن رجالاً منهم صلوا العصر بعد العشاء الآخرة، وقال بعضهم: (لم يرد منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج، فصلوها في الطريق)، فلم يعنف - صلى الله عليه وسلم - واحدة من الطائفتين. .. هكذا تحرك الجيش الإسلامي نحو بني قريظة أرسالاً حتى تلاحقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم ثلاثة آلاف، والخيل ثلاثون فرساً، فنازلوا حصون بني قريظة، وفرضوا عليهم الحصار. ، ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال : 1- إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد - صلى الله عليه وسلم - في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم . وقد قال لهم: ((والله، لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم)) . 2- وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيوف مُصْلِتِين، يناجزونه حتى يظفروا بهمأ و يقتلوا عن آخرهم. 3- وإما أن يهجموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويكبسوهم يوم السبت ؛ لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه. فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث، وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد ـ في انزعاج وغضب - : (ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما ) . ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين، لعلهم يتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه، فبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أرسل إلينا أبا لُبَابة نستشيره، وكان حليفاً لهم، وكانت أمواله وولده في منطقتهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وجَهَشَ النساء والصبيان يبكون في وجهه، فَرَقَّ لهم . وقالوا: (يا أبا لبابة، أتري أن ننزل على حكم محمد ؟) قال :"نعم" وأشار بيده إلى حلقه يقول: (إنه الذبح) . ، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله فمضي على وجهه، ولم يرجع إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - حتى أتي المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف ألا يحله إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً. فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره ـ وكان قد استبطأه قال : (أما إنه لو جاءني لاستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه) . وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كان باستطاعة اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل ؛ لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون؛ ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم ؛ لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب، فقد قذف الله في قلوبهم الرعب، وأخذت معنوياتهم تنهار، وبلغ هذا الانهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، وصاح علي: [يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم] . وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باعتقال الرجال، فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بن مسلمة الأنصاري، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية، وقامت الأوس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالو : (يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم) ، فقال :(ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟) قالوا :" بلي" . قال: [ فذاك إلى سعد بن معاذ] قالوا :"قد رضينا " فأرسل إلى سعد بن معاذ، وكان في المدينة لم يخرج معهم للجرح الذي كان قد أصاب أكْحُلَه في معركة الأحزاب. فأُركب حماراً، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعلوا يقولون، وهم كَنَفَيْهِ: (يا سعد، أجمل في مواليك، فأحسن فيهم، فإن رسول الله قد حكمك لتحسن فيهم)، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً، فلما أكثروا عليه قال: (لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم)، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعي إليهم القوم. ولما انتهى سعد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة: (قوموا إلى سيدكم) ، فلما أنزلوه قالوا:( يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك. قال: (وحكمي نافذ عليهم؟) قالوا: نعم. قال: (وعلى المسلمين؟) قالوا: نعم، قال: (وعلى من هاهنا؟) وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالاً له وتعظيمًا. قال: (نعم، وعليّ). قال: (فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبي الذرية، وتقسم الأموال)، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: [لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات ] وكان حكم سعد في غاية العدل والإنصاف، فإن بني قريظة، بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع، كانوا قد جمعوا لإبادة المسلمين ألفاً وخمسمائة سيف، وألفين من الرماح، وثلاثمائة درع، وخمسمائة ترس، وحَجَفَة ، حصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحبس بنو قريظة في دار بنت الحارث "امرأة من بني النجار"، وحُـفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم. فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد: (ما تراه يصنع بنا؟)فقال: ( أفي كل موطن لا تعقلون؟ أما ترون الداعي لا ينزع ؟ والذاهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل). ،وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، فضُربت أعناقهم. وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب (حيي بن أخطب)والد صفية أم المؤمنين- رضي الله عنها- كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ؛ وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب، فلما أتي به ، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يُغالب الله يُغْلَب. ثم قال: أيها الناس، لابأس بأمر الله، كتاب وقَدَر ومَلْحَمَة كتبها الله على بني إسرائيل). ، ثم جلس، فضُربت عنقه. وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت قد طرحت الرحى على خَلاَّد بن سُوَيْد فقتلته، فقُـتلت لأجل ذلك. . التعديل الأخير تم بواسطة رائحة المطر ; 10-24-2012 الساعة 05:34 AM |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
[ لوحة :: أحلى حياة & أسوأ حياة | حسن النيرب ] | Sandylove89 | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 2 | 10-31-2012 08:27 PM |
((ّّ((ّّ((طبع البشر ~~هو & هي~~))ّّ))ّّ)) | تاج الراس | قسم الأدب العربي و العالمي | 10 | 12-06-2010 12:30 AM |
خدع البصر | لجلك تركت اناس حولي | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 3 | 12-02-2009 03:44 AM |
اأضحك مع غير البشر اضحك مع طائر البطريق وسيبك من كل البشر يلا بينا | انازوتي | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 1 | 08-07-2009 10:32 PM |
فحص البصر | العاشق 2005 | أرشيف قسم البرامج | 0 | 02-04-2009 12:01 PM |