جماليات شعر الصعلكة:

جماليات شعر الصعلكة:

الحركة الشعرية في العصر الجاهلي عند الصعاليك:

لأمانة العلمية هذا من جهد أساتذتنا الكرام:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة على النبي الأمين

سلام الله عليكم رواد منتديات العاشق

لم أشأ أن أثقل هوامشي بالشرح،ففي الشعر تتعدد القراءات والرؤى،وهناك من له نظرة أفضل مني.

ما دفعني للشرح الموجز هو الإغراب اللفظي في شعر الصعاليك له شاهد:

أزج زلوج هزرفي زفازف هزف بيذ الناجيات الصوافنا

أول مرة سمعت البيت ظننته من طلاسم المشعوذين،لذا إبتعدت عن غريب ألفاظهم.

ولمن همه الإطلاع على شرح البيت عليه أن يزور أول معجم للغة العربية :العين للخليل.

المهم أنه وصف لسرعة خيله .

الشنفرى:معناه غليظ الشفتين،ويقال أعدى من الشنفرى من الجري والعدو،كان عداء سريعا جدا،

اسمه (ثابت بن أوس الزدي).

تأبط شرا:تأبط من الإبط،يقال ماذا تتأبط؟أي: ماذا تضع تحت إبطك؟ لأنه تأبط حية في إحدى المرات،

اسمه(ثابت بن جابر).

كيف جاءت الصعلكة؟

لكي لا أطيل فالموضوع أدبي بالدرجة الأولى ولاحاجة للمنهج التاريخي كثيرا هنا.

المهم أن بعضهم تخلى عن قبيلته بإرادته وبعضهم طرد، بصرف البصر عن كون الصعلوك قاطع طريق ،

فما يهمنا هي لغتهم الراقية العذبة ذات الطابع الحادالقاس، التي تجسد صلابة أبدانهم وقوة عزائمهم وعزة نفوسهم .

1الأغراض الشعرية عندهم:

انحصرت أغراض شعراء الصكلة الجاهلية في الفخر والغزل مع الرثاء عند فقد عزيز أوحبيب.

1الفخر:تغير وانحرف مفهوم الفخر عند الصعلوك ،الذي فقد إنتماءه القبلي،بغض النظر عن الأسباب،فأصبح لا يفتخر إلا بذاته لا يمجد إلا نفسه ولا يعظم سوى بُطولاته،فذهب بذلك مفهوم الفخر بالأنا الخاصة بالعشيرة أجمع ،وزال إلتزام الشاعر بقضايا مجتمعه .

وعن هذا نجد الشنفرى قائلا:

وكل أبيٌ باسل غيرأنني إذا عُرضت أولى الطرائد أبسل

يحتاج هذا البيت للبيت الذي يسبقه حتى تتضح مراميه،أورده لاحقا.

ويقول في موضع غيره :

إذا الأمعز الأصوان لاقى مناسمي تطاير منه قادح ومفلل

جمع هذا البيت الفصاحة والبلاغة معا،فالشاعر أعطانا معان في قمة الجمال في ألفاظ موجزة.

الشرح:حينما يعدو الشنفرى على الأرض ذات الحجارة تتطاير الحصى متهشمة ،من قوة رجله التي تشبه منسم البعيرأي قدمه،ليس هذا فقط بل إنها تصدر شرارة نارية إثر تصادم الحصى بعضها ببعض.

2الرثاء:معلوم أن الرثاء ليس فيه ذلك التكلف والزخرف الكلامي المعسول، وخاصة إن كان المرثي من الأهل أو الأصحاب.

الصعلوك في نظر القبائل مجرد متشرد قاتل لارحمة في قلبه،فما يؤكد على إنسانية الصعلوك بالدرجة الأولى هو الرثاء لأنه شمل معاني الحب المفقود والألف المحمود.

والرثاء مدح لميت بإظهار محاسنه مناقبه صفاته وحسناته.

يقول صخر الغي في رثاء أخيه:

أخي لا أخا لي بعده سبقت بـه منيته ،جمع الرقي والطبـائب

وذلك مما يحدث الدهـر إنـه له كل مطلوب جثيث وطالب

الشرح:نفى الشاعر المحزون أن تكون له قرابة أخوة بعد أن تخطف الموت أخاه،فما أكرمه من أخ جمع من الأخلاق أسماها ومن الصفات أنداها،فكأنه جزع من القضاء.

ثم يستدرك في البيت الثاني بجميل صبره على أن الموت سيُخضع الجميع لا محالة .

ذكرني هذا بآية قرءانية جليلة:

قال تعالى (ضعف الطالب والمطلوب ماقدروا الله حق قدره )أواخر سورة الحج.

3الغزل:برهان ثان على إنسانية الصعلوك المشرد،الهائم في الفيافي والصحاري،

فالغزل فيه دليل على مدى رقة وحان الشاعر طبعا مع إثبات قوته.

وتصوير عفتهم وطهارة أنفسهم (مازلنا في العصر الجاهلي)

لكن المراد أمهم يستخدمون القوة مع الأعداء ويظهرون العطف مع الأخلاء.

وهذا خلق فاضل على حد علمي ورد في عدة مواضع في القرءان الكريم،

ومنه قوله تعالى(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)سورة الفتح.

إمتاز غزلهم بالعفة والترفع عن الكلام الماجن.

كما أنه قائم وفق تجربة حقيقية مع امرأة.

تبع الشنفرى زوجته مرة فأعجب بشجاعتها وشخصيتها الفذة،فقال:

لا أم عمرُو أجمعت فاستقلت وما ودعت جيرانها إذ تولت

لقد أعجبتني لاسقوطا قناعها إذا مشت ولا بذات تلفت

أُميمة لا يُخزى نثاها حليلها إذا ذكر النسوان عفت وجلت

الوضع:صحراء موحشة، زوجها صعلوك من الدرجة الأولى.

ولكن مع ذلك كله لم تلتفت وراءها.

فكيف إلتفتنا نحن وراءنا؟

2الخصائص الفنية لشعرهم:

1الواقعية:يقصد بالواقعية صدق النقل عن الحياة التي يعيشونها،أسعفتهم بذلك بديهتهم في قوة الوصف لما يحيط بهم،ودقة إيرادهم للتفاصيل.

والوصف متجذر في قصائدهم كأساس لبناء شعرهم.

المخاطرت بالنفس طارت هي دأب الصعلوك ودربه،يقول عروى بن الورد:

1خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة إن القعود مع العيال قبيح

2المال فيه مهابة وتجلة والفقر فيه مذلة وفضوح

البيت(1) ذو لغة سلسة سهلة له عدة معان يصب فيها،ولكن مع الأسف ليس هدفي التحليل،

تجنبا لإطناب وإثقال الهوامش.

أما عن الوصف فنجد الشنفرى يصف سلاحه(القوس والسهم) قائلا:

هتوف من الملس المتون يزينها رصائع قد نيطت إليها ومحمل

الشرح:يصف قوسه بانها تصدر صوتا عند رميها النبال،كما أنها ملساء لاتجرح يد حاملها،بل وأنه مهتم بأناقة مظهرها لأنه يزينها بالحلي،بالإضافة إلى المحافظة عليها بعد إستعمالها بوضعها في محملها الخاص.

إذا زل عنها السهم حنت كأنها مرزأة ثكلى ترن وتعول

الشرح:النائحة تبكي على الميت بعد الثأر له،كذلك هي قوس الشنفرى،فهي كلما رمت سهما على الأعداء بكت عويلا وصراخا على والد الشنفرى.

للتنويه فقط هناك سحر بلاغي في البيت،فيوجد فيه مالايقل عن 7إستعارات وتشبيه،ربما تحتاج لبلاغي متمكن كي يستخرجها ببراعة.

2القصصية:استخدام الحكي والسرد في الشعر،وللتوضيح أكثر:نجد العناصر التالية في القصيدة:

(الزمان.المكان.الحدث.الحوار).

خير شاهد شعري هنا هو قصيدة لامية العرب للشنفرى،التي تناهز 69بيتا على إختلاف رواياتها.

وهي عبارة عن قصة حياة الشنفرى بعد أن تخلت قبيلته المطالبة بدم أبيه،وخروجه منها وإحترافه

الصعلكة،وإغارته على أعداءه،التي مطلعها:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل

لو كان لي نصيب في المشاركة في مسابقة الشعراء كنت سأختار الشنفرى أوتأبط شرا،

ولكن مع الأسف لاأقدر.

قال الشنفرى :

وتشرب أسآري القطا الكدر بعدما سرت أحناؤها قربا تتصلصل

هممت وهمت وابتدرنا وأسدلت وشمر مني فارط متمهل

فوليت عنها وهي تكبو لعقره يباشره منا ذقون وحوصل

شرح:بدأ الشنفرى سباق العدو الصحراوي مع طائرالقطا المعروف بسرعته في التحليق،

فوصل الشنفرى إلى الماء وشرب وانصرف، ثم بعد مدة وصل الطائر منهكا من السباق يلتمس

الماء بالذقن بل حتى أنه يطلبه بالبطن وبدأ يشرب في حالة انهاك يرثى لها.

مع الشنفرى لم يعدو بأقصى سرعته بل جرى متمهلا.

3الرمزية:التعبير عن الشيء بأسلوب غير مباشر،ومنه :الإيماء والتعريض والكناية...

وهي من الأمور الصعبة:فهناك المعنى السطحي وهناك المعنى العميق الصعب المنال.

أنا سيئ في كشف البنى العميقة لذا لا أريد تعقيد الأمر على نفسي.

كلها تدرس في البلاغة وعلومها،ولمن أراد التفصيل فعليه بكتاب العمدة لإبن رشيق القيرواني.

كفائدة ختامية:

الأهل عند الشنفرى:

ولي دونكم أهلون سيد عملس وأرقط زهلول وعرفاء جيأل

وكل أبي باسل غير أنني إذا عرضت أولى الطرائد أبسل

الشرح:اتخد الشنفرى أهلا غير قبيلته السابقة هم عبارة عن وحوش برية ضارية:

سيد عملس:ذئب قوي وسريع.

أرقط زهلول:النمر الخفيف.

عرفاء جيأل:الضبع الطويل العرف.

ثم وصفها الشجاعة ولكنه أشجع وأقوى،فجعل من نفسه وحشا أشد فتكا، أما عن فهمي لذا البيت

بصورة أوضح:

لم يورد الشنفرى الأسد في سرده للأهل لأنه استحق أن يكون هو ملك تلك الوحوش،أسد الصحاري.

الأصحاب عند الشنفرى:

ثلاثة أصحاب فؤاد مشيع وأبيض إصليت وصفراء عيطل

الشرح:حصر الشنفرى أصحابه في :قلب مقدام وسيف قاطع وقوس طويل ،يوحي لنا القوس الطويل عن

شدة طول حامله،وبنيته الجسدية القوية.(وهذا نوع من الرمزية).

آداب الطعام عند الشنفرى:

8وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل.

14واغدو خميص البطن لا يستفزني إلى الزاد حرص ولا فؤاد موكل.

22أديم مطال الجوع حتى أميته وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل.

26وأطوي على الخمس الحوايا كما انطوت خيوطه ماريّ تغار وتفتل.

27وأغذوا على القوت الزهيد كما غدا أزل تهاداه التنائف أطحل.

ملاحظات عامة:

1الذي يلاحظ أنه يمكن تغيير ترتيب غالبية أبيات قصائد شعر الصعاليك دون فساد المعنى،

فكل بيت مستقل عن سابقه إلا نادرا.

2الشنفرى تحدث عن الجوع فقط دون ذكر العطش،لأن العطش أشد اهلاكا في الصحراء،

وعليه كان الشنفرى يثقب بيض الطيور ويملأه ماءا،ويضعه في عدة أماكن.

في الأخير حياكم الله وبياكم.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

طيب الله وقتك بذكره ، وأسعدك في الدارين

ماذا أقول الأن !!؟؟ فكرت الأبيات مثل ما فكرت إنت بها

كأنها طلاسم لشعوذة أو ترنيمة لعمل أمر سحري !!

لكن للإسف المشكله ليست بالمصطلحات حتى نعتقد إنها طلاسم

المشكلة كوننا ضعفاء باللغة العربية لإبعد الحدود ، ولدرجة لا يتصورها عقل

فتخيلوا لو كلمنا شخص مطلع باللغة العربية الفصيحة ، فما هو حالنا؟

عن نفسي سأضع يدي بفمي لإني لن أفهم ما سيقوله على أقل تقدير.

شعر الصعلكة من الأشعار ذات الطابع العربي الفصيح الذي لا غنى عنه بتاريخنا

بالرغم من صعوبة الإبيات لأفهمها وانطقها إلا إنها بجد جميلة للغاية

وتقف عليها برهة من الزمن لتتمعن في القراءة لجمالية المعنى ، ولجمالية النطق

مشكور يا أخي على هذا الطرح الرائع منك

الله يعطيك العافية والخير والراحة والسعادة والهناء بإذن الله