قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة قسم خاص بجميع المواضيع المحذوفة و المُكررة والتي لاتنطبق على الشروط والقوانين والتي لا شأن لها في أي قسم من أقسام المُنتدى |
#1
|
||||
|
||||
تأملات في مرثية
]إذا أردت أن تقف على قوة وصدق العاطفة عندشاعرما فابحث عنها في غرضي الرثاء والغزل لديه .
أقدم للقاريء الكريم مقطوعة شعرية ساخنة ، باكية مبكية ، نفّس بها الشاعر مويلك بن مزموم ، عن مكنون صدره حيال وفاة زوجه – أم العلاء - امرر على الجدث الذي حلّتْ به * أم العلاء ، فنادها ، لو تسمعُ أنَّى حللتِ ؟ وكنتِ جدّ فروقة ، * بلدا ،يمرّ به الشجاعُ ، فيفزعُ مطلع هائج ، يعبر عن شعور يغلي ، لفقد إلفِ شاعر حساس ! يطلّ علينا بفعل الأمر : امرر ، الذي تزيد وضوح قسوته باستخدام هذه الصيغة بدلا عن - مُر- ، لكي يبدو مفككا ومهلهلا ، وكأنما يرمز لذلك الخلل الذي اعترى حياة الشاعر بعد مصابه الجلل ، فهو ذو دلالة من الهيجان العاطفي ، حتى لكأن المُتلقّي يسير على صخور خشنة حامية ، كما يزيد وضوح هذا الشعور الصلف أسلوب التجريد الذي تعمده الشاعر ، بحيث جعل من نفسه شخصا آخر يوجه إليه شكواه . ثم تأتي لفظة ( الجدث) التي تهز القلوب ، وكأنما هية داهية قد امتلأ جوفها بتلك الفقيدة . وفي تعمّد الشاعر الاكتفاء بكنية فقيدته ما يشعرنا بمدى ضنّه بها ، فهو في أوج أحزانه ، يؤصِّلُ لقِيم مُثلى يجدر أن تسود بين الزوجين . ويترقّى خيال الشاعر ، وتتصاعد انفعالاته ، وتتوالى زفراته ، فنراه يحشد كل ملكاته اللغوية ، ليقول بعد ذلك : صلّى عليكِ اللهُ من مفقودة * إذ لايلائمك المكان البلقعُ فلقد تركتِ صبيّة مرحومةً ، * لم تدرِ ماجزعٌ عليكِ فتجزعُ بعد دعائه لها ، أخذ يتفكّر في مآل صبيّته ، التي لم تميّز بعد . تأمّل لفظة ( صبيّة) الدال على صغر سنها ، بحيث تلهو وتسكن عواطفها نهارا ، ولكن سكونها ما يلبث أن يهيّجه الليل ، ويستثيره الظلام ، فتبيت ساهرة مسهرة . ثم تأمل اللفظة نفسها من زاوية أخرى ، كيف استطاع الشاعر أن يجعلها لمشاعره وقودا ، لايزال يمدها بما يذكيها ، كلما كاد أُوارها أن يخبو . ثم تأمل اللفظة نفسها من زاوية ثالثة ، إذ إنها لم تخصص بتعريف ، ولم تحدد بمخصوص ، وإنما هي صالحة لتصوير الشاعر مرهونا بتوالي سنيّها ، وشمولية مدلولها . ثم يصل الشاعر إلى ذروة انفعاله ، وقمة أحزانه ، فيقول : فَقَدَتْ شمائلَ من لزامكِ حلوةً * فتبيتُ تُسهِر أهلها ، وتُفَجِّعُ الشطر الثاني من هذا البيت يمثل عين القصيد في المقطوعة ، فقد فجّر فيه ثلاثة أفعال مضارعة ، تبيت ، وتسهر ، وتفجّع . تبيت ، فعل ليلي أسود ، وتسهر ، فعل ليلي أسود كذلك ، وفيه مايدل على أنها لم تسهر لوحدها ، ولكنها تسهر معها ذلك الحزين المكلوم وغيره . وتُفَجِّع ، فيه زيادة في مبناه ، دلّت على الزيادة في معناه ، فهي لم تفجَعهم مرة واحدة ، ولكنها تُفجِّعهم مرة تلومرة تلو مرة …. ! ولاحظ مايكتنزه هذا البيت من حروف العلة – التي تسمح بامتداد الأنين وبثّ الشكوى ! فهذه الألف في : شمائل ، لزام ، أهلها . وهذه الياء في : تبيت . وأخيرا يقول : وإذا سمعْتُ أنينها في ليلها * طفقت عليكِ شؤون عيني تدمع . عندما يستنهضه أنين طفلته ، يستحضر صورة أمها ، فيبكي فقدها . يدرك القاريء الكريم أن الشاعر قد تمكّن من إيصال رسالة قوية إلى المتلقي ، مفادها : إن فاجعته ليست كأية فاجعة ، تطويها الأيام ، ولكنها فاجعة حية تنمو مع الأيام ؛ بوجود مصدر ذكراها ( الصّبيّه) ، أجاد الشاعر ، فبكى وأبكى في وقته ، وفي وقتنا وما بينهما . وأما بعد : فلقد استخدم الشاعر قافية العين ، وهي قافية شرود ، لايروضها إلا شاعر*متمكن في هذه الصنعه . التعديل الأخير تم بواسطة أحمد بن محمد الفيفي ; 12-14-2013 الساعة 04:12 AM |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع تأملات في مرثية: | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تأملات في سورة الحج : | رائحة المطر | قسم الصوتيات والمرئيات | 1 | 11-10-2010 09:21 PM |
أروع أسطوانة لأغلى أم هدية إلى مربية الأجيال :: أمــاه :: | العاشق 2005 | قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة | 0 | 12-24-2009 10:40 AM |
تأملات | حورية العشق | قسم الأدب العربي و العالمي | 3 | 02-09-2009 12:44 AM |
ذكريات الاْمس مرثية فى الغالى رحمة اللة علية | الشاعر الأليم | قسم الأدب العربي و العالمي | 0 | 10-23-2008 01:31 PM |