يتأوَّهُ الحبُ عندَ رثاءِ الأحبةِ !!

"كانَ هنا !!"

-منْ؟

-شخصٌ عزيزٌ ..لهُ سجلٌ معطرٌ بالعودِ والعنبر..

وضعتُ سجلَهُ في أحدِ رفوف مكتبةِ ذاكرتي !!

وفي الناحيةِ الغربية الجنوبية من موقعِ المكتبة..

عَمَّرَ له حبي الصادق ُ قصراً جميلاً توسطَ قلبي ..

وسَمًّى القصرَ باسمهِ ..

كانَ حبي يزورهُ كُلَّ يومٍ ليتفقدَ حالهُ ..وليستمعَ لقصصهِ ..وليأنسَ بقربهِ.. وليكرمَهُ أيضاً بحديثٍ طيبٍ ..

وفي اللحظةِ التي تَعَلّقَ حبي به ..أُوصدت في وجههِ كًلَّ أبوابِ قصرهِ..

هكذا كانت نهايةَ حبي لهُ ..

رجاءً فلا تكثروا من الأسئلةِ المؤبؤةِ بفيروسِ الوجعِ والألمِ ..

فملكُ الموتِ قد أغلقَ قَصْرَهُ ..وعَلَّقَ على واجهةِ بابهِ الأمامي لافتةً تقولُ :

"كانَ هنا حقاً فلا تجزعْ باختفائهِ..كانَ هنا حقاً يعيش في قصره الوردي..ويتلذذُ بكلِّ عطاياكَ ..وينعمُ بدفءِ حنانكَ وحبكَ.. ولكنَّ حروفَ فعلٍ أنتَ تَعرفُها جيداً.. هي من أطفتْ مصابيحَ قصرهِ كُلَّها ..وخَيَّمَ الحزنُ والأسى في قصرِهِ كغيمةٍ سوداء تكظمُ غيظها المشبعُ بوابلٍ من المطرِ.. فعلُ (مَـــــــــاتَ) ما قصدتُ..فأنصتْ لأخرِ ما أقولُه لك : مــــــــَـات منْ تُحِبُّ وغادر قصره الواسع.. فأكتمْ تَوجعكَ ونَحيبكَ في أعماقِكَ.. وعطرْ لسانكَ بذكرٍ يُسْكِنُ أوجاعَكَ وحزنكَ:

..إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها..

هذهِ هي كُلُّ حكايتي عنهُ إنْ أطلتُ في سردِها أو أقصرتُها عَمْداً ..

ففراقُ الأحبةِ مهما قلتُ عنهُ ..

يلهبُ شرايين قلبي بوقعِ ذكراهم ..

ويستعرُ قعرُ جوفي كبركانٍ جامحٍ..

فتسقطُ دموعي دافئةٌ تَعِجُ دواخلها حنيناً لرؤيتِهم..

أعلمُ أننا كُلُّنَا زائلونَ ومنتهونَ لا محالةَ..

ومنسيونَ على مرِّ الزّمانِ ..

وأعرفُ أيضاً بأنّ قطارَ الموتِ دقيقٌ في مواعيدهِ.. ومُحصيٌ بدقةٍ كلَّ راكبيهِ..

ولا يبقى منَا في نهايةِ المطافِ سوى اسمٍ ..اكتسى ثوباً هيئتهُ ونوعُ قماشه يحددهُ عقولُ الأحياءِ ..

وبذكرِكَ الحسنُ المعطرُ بريحِ السوسنِ والنرجسِ يزدادُ ثوبَكَ جمالاً وتَألُقاً..

لقد توقفَ بوحُ قلمي لبرهةٍ..ليستعيدَ رباطَ جأشهِ ..ويُكمِلُ رثاءً يلتحفُ برداءٍ أسودَ اللونِ ..

رأيتُكَ بعيني وأنتَ تحتضرُ ..

وتشهقُ شهقةً هزتْ كياني ..

كما أني أحسستُ بملكِ الموتِ قبلها يدخلُ غرفتَكَ ..

فدبت وقتذاكَ قشعريرةٌ مريعةٌ على جسدي ..

فلمْ أعدْ بعدها أسمعُ أنفاسَكَ المفزوعة ..فلقد سكنتْ أخيراً كسكونِ جسدِكَ الباردِ الأطرافِ..

لقد كانَ هناك كفنين ..واحدٌ لجسدك وأخرٌ لجسدِ ذكرياتي معك..

مضوا بنعشك نحو قبرك أو بيتك الجديد..

كُنْتُ خلفهم نعم خلفهم في أحلامِ يقظتي ..أجرُ أذيالَ حبي وحنيني إليكً..

ومن خلفي يسيرُ حزني المدقعّ ..

وتحومُ حولي فقاعاتُ ذكرى..

تحوي كلُّ واحدةً منها ما اختزنتهُ ذاكرتي معك...

ودَفَنْتَ بعدها تحتَ الثرى برفقةِ روحي التي تخيلت أنّها تجلسُ بقربِكَ لتؤنسَ وحدتك ...

ها أنتَ تغادرُ دنيا ..

يَزخرُ شريطُ ذكرياتي بعبقِ أنفاسكَ وطيبِ أفعالكَ..

نعم كخيالِ ريمِ يذهبُ طيفُك نحو الأفقِ البعيد ..

تاركاً حبيبةً تتألمُ لفراقك ..

لقد طوي ظلّك كطي السجل ..

ومحي اسمك من ذاكرةِ ألسنةً أحببتَهم..

نسوك ومضوا في حياتهم.. فالكلٌّ ملهيٌ بحاله ..

إلا أنا ملهيةٌ بك ..ومشغولةٌ أتصفحُ كتابَ ذكرياتنا أنا وأنتَ ..

أتذكر أثوابك التي كنتَ تَلبسُها ..ورائحة عطورك التي ملأت صدري ..

وابتسامتكَ الندية على شفتيك ..

وحنانك وحبك لي ..

وكل كلماتك الغزلية عني ..

اختفت كلها كسرابٍ مخيف ..

ويؤججُ ذِكراكَ نفسي المتعبة من يومٍ مثقلٍ بالهموم والأحزان ..

ولا يهدئها غير ضمةٍ قويةٍ لبعضٍ من أثارك التي خلفتها بعدك قبل الرحيل ..

أني أشربُ الآنَ بعضاً من الماء لأُزيلَ غصةً تلاحقني بين الحين والأخر ..

ها هي عيني تكتحلُ بالنومِ أخيراً ..

وها أنا أغرقَ في بحرِ أحلامي ..لأوهم نفسي أني معك ..

وأنثرُ على مسامعك ما بقي من حديثٍ معلقٍ أو سؤالٍ مبهمٍ سألتني عنه في يومٍ ما ..

هناك فقط سأحكي لك كلَّ ما يجولُ في خاطري بإسهابٍ ..

لأني إن صحوتُ من منامي فأني لنْ أراك ...

خاطري يجسدُ تقمصي لشخصية امرأةٌ ترثي زوجها المتوفى..

في تصوير يحتوي على مدى تأثير فراق الأحبة علينا،وإن أختلفنا في تفاصيل الصور فالموت والحزن والألم واحدٌ ودرجة تأثرنا بمدى قربنا ممن نحب...
.