1- معلومات عن الشيخ .
2- نشأتُه .
3- بداياتُه .
4- أعمالُه .
5- إصداراتُه .
6- أناشيد بصوت الشيخ .
7- الرقية الشرعية من الشيخ .
8- القرآن كاملاً بتلاوة الشيخ .
9- تلاوات نادرة للشيخ .
10- الأذكار .
11- صور للشيخ .
12- خُطب الجمعة للشيخ .
13- مقالات للشيخ .
14- خواطر للشيخ .
15- مراجع .
16- شُكر خاص .
الاسم كاملاً : سعد بن سعيد الغامدي .
تاريخ الميلاد : 1387 هـ .. الموافق 1967 للميلاد .
العمر : 46 عاماً - أطال الله في عمره .
مكان الميلاد : مدينة الدمام في المنطقة الشرقية - المملكة العربية السعودية .
الحالة الإجتماعية : متزوج من كريمة الشيخ سعد بن عمر الغامدي حفظه الله
ولديه ثلاثة أولاد , وهم : مجاهد وسلمان وعبدالعزيز .
الشيخ من محبي تلاوة الشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ مروان القادري وكان يقول : لم أشعر بقراءة
تدخل إلى قلبي بل في عظمي كقراءة الشيخ محمد المنشاوي خاصة قراءته في آخر سورة الحشر .
يُعتبر صاحب الفضل الأول بعد الله تعالى تجاه الشيخ سعد الغامدي هو الشيخ الفاضل والمربي الجليل الشيخ مروان القادري
إمام وخطيب جامع المجدوعي بمدينة الدمام، حيث تأثر به كثيراً وبالأخص من ناحية قراءة القرآن الكريم.
بدأ الشيخ سعد الغامدي في الإمامة عام 1411 هـ في جامع عقبة بن غزوان بمدينة الدمام، وكان يصلي فيه صلاة التراويح
والقيام من كل عام. وفي عام 1421 هـ تم تعيينه إماماً وخطيباً على جامع يوسف بن احمد كانو بمدينة الدمام.وفي العام 1430هـ
تم تعيينه إماماً في الحرم النبوي لشهر رمضان المبارك ..
له من الإخوة أربعة وهم: محمد وأحمد والدكتور يوسف ( إمام وخطيب جامع العيسى بمدينة الدمام ) ومروان.
درس في مدينة الدمام في جميع المراحل الدراسية , وقد كان الشيخ سعد محباً للنشاط الشبابي منذ أيام دراسته
فقد شارك في المراكز الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم والمكتبات والتي كانت بدورها تنمي المهارات
عند الشباب ومن أشهر المهارات التي كانت تعتني بها هذه التجمعات الخيرية هي موهبة الإقراء والإنشاد ..
وقد سلك الشيخ بدايته في هذا المجال عام 1405 هـ , وقد برز الشيخ في هذا المجال , وله أشرطة لاقت قبولاً
لدى الناس مثل : أناشيد الدمام الجزء الأول والثاني , من أشهر أناشيده : "ملكنا الدنيا قروناً" و "غرباء" .
تخرج الشيخ من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالإحساء (كلية الشريعة تخصص أصول الدين)
عام 1410 هـ. ومنذ دخول الشيخ للجامعة كان حريصاً على مراجعة القرآن وإتقانه. ففي عام 1415 هـ أتم
حفظ القرآن كاملاً ، حصل على إجازة الإسناد برواية حفص عن عاصم في العام 1417ه، وقد أجازه الشيخ أحمد أبوضيف
حفظه الله ورعاه ، وقد برز الشيخ في ذلك الوقت كصاحب صوت جميل تلاوة القرآن الكريم.
في عام 1411هـ أمّ الناس في صلاة التراويح وكانت بداية انطلاقه في عالم التلاوة , وخرج له أول إصدار
يحمل سورتي الأحزاب والزمر وبعدها تتابعت تلاواته وازداد إقبال الناس على متابعتها والإستماع لها ..
وقد أمّ الشيخ في مساجد مختلفة من العالم كالنمسا وامريكا وبريطانيا وكما دُعي أيضا للصلاة في
مملكة البحرين وكما دعي للصلاة في دولة الكويت في مسجدها المعروف بالمسجد الكبير ولكن
لم يقدر الله ذلك الأمر ..
1- المشرف العام على مركز الإمام الشاطبي للقرآن الكريم بالدمام.
2- المشرف العام على مركز منار الهدى للدورات الشرعية والتروبية.
3- إمام وخطيب جامع يوسف بن أحمد كانو بالدمام.
4- عضو اللجنة الاجتماعية بالدمام التابعة للشؤون الاجتماعية.
5- إمام مشارك في امامة التراويح في المسجد النبوي عام 1430هـ.
6- عضو اللجنة العلمية السعودية للقرآن الكريم.
7- شارك في إمامة المصلين بعدد من الدول الخليجية.
وغير ذلك من المشاركات المحلية والخارجية..
1- المصحف المرتل للقرآن الكريم صدر في عام 1417هـ .
2- نظم هداية المرتاب في متشابه الكتاب للإمام السخاوي -رحمه الله-.
3- نظم ألفية العراقي للحافظ العراقي.
4- رسالة (إلى أهل القرآن).
5- الأذكار.
6- الرقية الشرعية.
7- متن الجزرية ومتن تحفة الأطفال .
8- أرجوزة الآداب في الأخلاق للشيخ الدكتور عبدالله بن سفيان الحكمي ( صوتي ) .
9- التحفة والجزرية في مقام التجويد ( صوتي ).
تم كتابة المُناسبة لكل الصور التالية .. ما عدا الموجودة في السبويلر الأول .. فهي من تجميعي ومن مُناسبات مُختلفه
اخترت لكم 5 خُطب وحسب للشيخ .. ما حبيت أطول عليكم ..
مقتل الحسين رضي الله عنه بين التهويل والتهوين
عن مقتل الحسين رضي الله عنه سأكتب ولكن من منظور أهل السنة والجماعة الذين ظُلموا كثيراً ، وذلك تجلية للحق
وبعداً عن المبالغة ...
الإسلام دين الوسط يُحذِّر من الغلو ويحب الاعتدال ومن ذلك الغلو في محبة آل البيت الأطهار حتى بلغ درجةً عاليةً فاقت
محبة الأنبياء الكرام والصحابة العظام ، وذلك لأننا اعتدنا أن نسمع ذكر الحسين وعلي رضي الله عنهما أكثر من ذكر
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام يختصر فكرة المبالغة : " إياكم والغلو فإنه
أهلك من كان قبلكم "
الحسين رضي الله عنه ... هو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة
بنت محمد ، ولد بعد أخيه الحسن رضي الله عنه ، في شعبان سنة أربعة من الهجرة ، وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء
في محرم سنة إحدى وستين للهجرة .
أدرك الحسين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين وصحبه إلى أن توفي وهو عنه راضٍ مع كونه كان
صغيراً ،ثم كان الصديق رضي الله عنه يكرمه ويعظمه وكذلك عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وصحب أباه علياً
رضي الله عنه وكان معه في غزواته كلها ولم يزل في طاعة أبيه حتى قتل ، فلما آلت الخلافة إلى أخيه الحسن وتنازل
عنها لمعاوية رضي الله عنه لم يكن الحسين موافقاً لأخيه لكنَّه سكت وسلم .
ولما توفي الحسن رضي الله عنه كان الحسين في الجيش الذي غزا القسطنطينية في زمن معاوية ولما أخذت البيعة
ليزيد بن معاوية في حياة معاوية امتنع الحسين عن البيعة لأنه كان يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة والبيعة من يزيد ،
فخرج الحسين من المدينة إلى مكة ولم يكن على وجه الأرض يومئذٍ أحدٌ يساويه في الفضل والمنزلة .
ثم بعد موقفه هذا من رفضه البيعة ليزيد صارت تأتيه الكتب والرسائل من بلاد العراق يدعونه إليهم ليبايعونه بالخلافة ،
فبعث ابن عمه مُسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى العراق ليكشف له حقيقة الأمر ، فلما ذهب مُسلم رضي الله عنه
إلى الكوفة اجتمع الناس إليه فبايعوه على إمرة الحسين فبايع له ثمانية عشر ألف ، وعندها كتب مسلم إلى الحسين
رضي الله عنهم إلى العراق فتجهز رضي الله عنه خارجاً من مكة إلى الكوفة ...
علم ابن زياد بقدوم الحسين رضي الله عنه وطلب أن يُقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب أو يُفنى من البلد ، ثم طلب
أن يُخَذل الناس عن بيعة الحسين والوقوف معه ، فتخاذل الناس عن مسلم حتى لم يبق معه إلا خمسمائة نفس ثم
تناقصوا حتى بقي معه ثلاثمائة ثم تناقصوا حتى ما بقي معه إلا ثلاثون رجلاً ...
ثم حوصر مسلم بن عقيل بن أبي طالب وضربت عنقه ورُمي من أعلى قصر ابن زياد وكان ذلك يوم التروية من شهر ذي
الحجة ...
خرج الحسين رضي الله عنه من مكة إلى العراق ولم يعلم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل ، وقبل أن يخرج إلى
العراق استشار الحسين ابنَ عباس فقال له ابنُ عباس : لولا أن يزري بي وبك الناس لشبَّثت يدي في رأسك فلم
أتركك تذهب . فقال الحسين : لئن أُقتَل في مكان كذا وكذا أحبَّ إليَّ من أن أُقتل في مكة .
فلما جاء الغد عاد ابنُ عباس يكلمه ويقول له : يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك ،
إن أهل العراق قوم غُدْر فلا تغتر بهم ، أقم في هذا البلد وإلا فسافر إلى اليمن فإن بهم حصوناً وشعاباً وكن عن الناس
في معزل . فقال الحسين رضي الله عنه : يا ابن عم والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق ولكني قد أزمعت المسير ...
فقال له : فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك فو الله إني لخائف أن تقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده
ينظرون إليه .
ثم جاء ابن عمر رضي الله عنهما إلى الحسين رضي الله عنه يحذره من الذهاب إلى العراق ، فقال الحسين رضي الله
عنه : هذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم . فقال ابن عمر : لا تأتهم . فأبي . فقال له : إني محدثك حديثاً .. إن جبريل أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنك بضعةٌ من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، والله ما يليها أحدٌ منكم أبداً وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خيرٌ لكم ، فأبى الحسين رضي الله عنه أن
يرجع ، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال : أستودعك الله من قتيل .
فخرج الحسين رضي الله عنه متوجهاً إلى العراق يوم الاثنين العاشر من ذي الحجة ولقي الفرزدق في طريقه فقال له
الحسين : ما أخبار الناس ؟ فقال له : قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية ، فاستمر الحسين متوجهاً إلى العراق
وما يدري ما حدث لابن عمه مسلم بن عقيل حتى وصل إلى كربلاء فقال : ما اسم هذه الأرض فقالوا له : كربلاء فقال :
كربٌ وبلاء !!
فنزلوا بها ، فأمر غلمانه أن يستقوا من الماء ويُكثروا منه ، فأقبلت عليهم خيولُ ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد وكانوا ألف
فارس والتقى الحسين رضي الله عنه بالحرِّ بن زياد ونثر الحسين رضي الله عنه رسائل أهل الكوفة وبيعتهم له ، فقال
الحرِّ : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا لك في شيء وقد أمرنا إذا لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على ابن زياد . فقال
الحسين رضي الله عنه : الموت أدنى من ذلك . فقال الحرُّ : فإني أَشهدُ لئن قاتلتَ لتُقتلن . فقال الحسين رضي الله
عنه أفبالموت تخوفني ؟
عندها تزاحف الطرفان بعد صلاة العصر والحسين رضي الله عنه جالس أمام خيمته ومعه سيفه ونعس فخفق رأسه
وسمعت أخته الضجة فأيقظته فرجع برأسه كما كان فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال
لي : إنك تروح إلينا . وهذه إشارة على موته ، فتقدم عشرون فارساً من جيش ابن زياد فقال أصحاب الحسين رضي الله
عنه : بئس القوم أنتم تريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس في زمانهم .
وكان الحسين رضي الله عنه في هذه الأثناء يستزيد من الصلاة والدعاء والاستغفار وقال : قد علم الله أني أحب الصلاة
له وتلاوة كتابه والاستغفار والدعاء ثم أوصى أهله تلك الليلة ، ثم خطب أصحابه أول الليل فحمد الله وأثنى عليه وقال :
من أحبَّ أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنتُ له فإن القوم إنما يريدونني فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل ،
فقالوا له : فما تقول الناس أنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم
نضرب معهم بسيف رغبةً في الحياة الدنيا لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد
موردك فقبح الله العيش بعدك .
وبات الحسين رضي الله عنه وأصحابه طول ليلتهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، فلما أذَّن الصبح صلى بهم
الفجر ثم قام فركب فرسه وحمل مصحفه ووضعه بين يديه ورفع يده يدعو حتى رآه القوم فتناولوه بالنبل وكثرت المبارزة
، واستمر القتال حتى جاء وقت الظهر فصلى بأصحابه صلاة الخوف ثم استمر القتال حتى قُتل جميعُ أصحابه فلم يبق
إلا هو رضي الله عنه ، ولم يقترب من جيش ابن زياد ولم يتجرأ أحدٌ أن يقتله هيبة من مكانته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فتكاثر عليه القوم فضُرب على كتفه اليسرى ثم طُعن بالرمح ثم سقط من فرسه ثم جاء أشقى القوم
ففصل رأسه من جسده الطاهر .
ثم أرسل الرأس إلى ابن زياد وهو أمير الكوفة ثم أرسله إلى يزيد بن معاوية فلما رأى رأسه بكى ودمعت عيناه وقال
لابن زياد : كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أما والله لو أني صاحبك ما قتلتك .
وكان مقتله رضي الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين في كربلاء العراق وله من العمر
ثمانية وخمسون سنة ، ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ جـ25ـ / 307 ] .
رضي الله عن الحسين بن علي بن أبي طالب ورضي الله عن أبيه وجمعنا بهم في دار كرامته .
ولنا من قصة قتله رضي الله عنه وقفات :
1. ما حصل بين المسلمين من معارك وحروب إنما هي فتنة ابتلى الله تعالى بها هذه الأمة ، وإن من منهج أهل السنة
والجماعة الإمساك عما شجر بين الصحابة لقوله تعالى " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون
عما كانوا يعملون " . والواجب علينا أن تَسلمَ قلوبنا وألسنتنا من نيل أحدٍ منهم ،كما قال سبحانه وتعالى " والذين جاءوا
من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ويمسكون عما شجر بين الصحابة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر
منهم ، حتى إنهم يُغفر لهم من السيئات مالا يغفر لمن بعدهم ن فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي
كانوا مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجرٌ واحد والخطأ مغفور ...
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب أحدٍ من الصحابة فقال : " لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن
أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نضيفه " .
فالصحابة لهم مكانة خاصة مكانة عالية ويلٌ لمن تعرَّض لهم بكلمة أو طال منهم بأذى أو عاب أحداً منهم أو فسَّقه أو
كفَّره ...
ومن فعل ذلك فقد خالف نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ويخشى على إسلامه ودينه .
2. أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته الطيبين الطاهرين فقال : " أذكركم الله في أهل بيتي " وقال أيضاً
للعباس وقد اشتكى له بعض قريش يجفو بني هاشم فقال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى
يحبوكم لله ولقرابتي " .
فأهل البيت لهم مكانة خاصة عند أهل السنة والجماعة وهذا خاص بالصالحين منهم وأما من يدعي أنه من أهل البيت
وهو مقيم على الضلال فهذا لا يدخل فيمن يجب توقيره ، فالتقوى والصلاح هما المعيار في التكريم ، ولا أدل على حبنا
لأهل البيت من أننا ندعو لهم في كل صلاة في الصلاة الإبراهيمية فنقول " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
ونقول : وبارك على محمد وعلى آل محمد " .
3. صوم عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين رضي الله عنه ، فالمسلمون يصومون يوم العاشر من شهر الله المحرم
لأنه يومٌ صامه النبي صلى الله عليه وسلم وقال عن ذلك اليوم : " ذلك يومٌ نجا الله فيه موسى وأغرق فرعون " ومن
يصومه لقتل الحسين ومن أجل ذلك فلا شك أنه خطأ كبير وعملٌ لا دليل عليه .
قال ابن رجب رحمه الله : وأما اتخاذه مأتماً لأجل قتل الحسين رضي الله عنه فهو عملُ من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا
وهو يحسب أنه يحسن صنعا ، ولم يأمر الله ورسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم " .
4. كلنا نحب الحسين رضي الله عنه ونُجلُّه ونقدره ، كيف وأبوه رابعُ الخلفاء ومن الشهداء ومن العشرة المبشرين بالجنة
، وأما أمه فهي سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد وأحبُّ بناته إليه ، ثم أليس جده رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وكفى لهذه السلالة الشريفة نسباً وشرفاً ومكانةً لاتصالها بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لكن حبَّ الحسين رضي الله
عنه يجب ألا يطغى على حب نبينا صلى الله عليه وسلم ، بل ولا على أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولاعلي ولا على
بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين ،فالصحابة في المنزلة درجات كما هم في محبتنا لهم درجات
حسب مكانتهم التي أنزلهم الله تعالى إياها .
أحبتي من أفاضل السنة والشيعة ..أقول : إن ديننا دينُ الواقعية لا دين المثالية ، فهو لم يجيء ليقتل العواطف ويكبتها
، وإنما جاء ليهذبها ولتكون في أرقى معانيها ، فلا يجرح ديناً ولا مذهباً ولكن جاء ليعلن الحقيقة الناصعة بما استبان من
نصوص القرآن الثابتة الواضحة وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم التي تقدم الثناء العاطر على صحابة رسول الله ، ولن
تقاوم قوة ووضوح تلك النصوص الشرعية أقوال أحد من الناس مهما بلغت مرتبته وعلا مجده بين قومه ، لأن الغربال وإن
كانت كثيفة فإنها لا يمكن أن تحجب نور الشمس ....
وما أعظم إغفال الماضي لأنه يمنحنا الصفح والتسامح ..
وسلاماً وأمناً يا أمة محمد ..
الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته ( 1 )
للبيوت أسرارُها وللعلامات الزوجية سماتُها ، وفي حياة كل زوجين أفراحٌ وأحزان ، فيوماً تطيب العشرة بين الزوجين
فيصبحان وكأنهما أسعدَ زوجين ، ويوماً يحدث في البيت ما يعكِّر صفوَه فتتباعد القلوب وتستوحش النفوس ويضيق البيت
على سعته بساكنيه .. فهل هناك بيت يخلوا من المشاكل والمنغصات بين الزوجين ؟ ومَنْ الزوجُ القادرُ على حُسن
إدارة البيت ويُجيد قيادة الأسرة ...
وحتى نتمكن من حُسن إدارة الحياة الأسرية ، دعونا نرحل إلى منزل زوجٍ مثالي وواقعي في آنٍ واحدٍ ، كان قدوةً
عظيمةً في بيته ، إنه زوج وأبٌ وأخٌ ومربي ومصلح ، لم يكن أغنى الناس بل كان أفقرهم ومع ذلك أدار البيت بنجاح ، لم
يكن بيته من أشرف البيوت فلا أدوار وطوابق ولا فخامة ولا أثاث بل كان غرفة واحدة هي مجلس الضيافة وهي غرفة
النوم وفيها المأكل والمشرب والصلاة والعبادة وحل المشكلات ، بل بلغ من تواضع هذه الغرفة أنه إذا رفع يده إلى
سقفها بلَغَها بكل سهولة ويسر ، لم يكن عند زوجته خدم ولا حاشية ومع ذلك عاش هو وأزواجه حياة هانئة مطمئنة
فيها الرضا والقناعة والسكينة ..
أعرفتم مَنْ هو هذا الرجل ؟
إنه محمد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه " وإنك لعلى خلق عظيم " وقال عنه " لقد كان لكم
في رسول الله أسوة حسنه " .
كان صلى الله عليه وسلم إذا خلا بنسائه كان ألين الناس وأكرمَ الناس ضحاكاً بساماً وكان من أنكت الناس أي من
أَمْزَحِهم إذا خلا بأهله ...
وكان يقول " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " ويقول " ألا واستوصوا بالنساء خيرا " رواه الترمذي ويقول " أكمل
المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً وخياركُم خيارُكم لنسائهم " رواه الترمذي . ولما جاء مجموعةٌ من نساء الصحابة يشكون
من عشرة أزواجهن والقسوة عليهم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أطاف بآلِ محمد نساء كثير يشكون أزواجهم ليس
أولئك بخياركم " ...
وكانت القاعدة في الحياة الزوجية والأسرية هي قولُ الله تبارك وتعالى " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى
أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا "
وقال صلى الله عليه وسلم " لا يَفْرَك ( لا ينقص ) مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر " رواه مسلم .
أيها الإخوة ... كيف يكون المسلم زوجاً صالحاً في بيته :
أولاً : إذا دخل بيته سلَّم على أهله وأقبل عليهم بوجه طلق " فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحيةً من عند الله
مباركة طيبة " ... والسلام أمانٌ وبركةٌ على أهل البيت .. قال صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه " يا
بُني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن بركةً وعلى أهل بيتك " رواه الترمذي ... والزوج المسلم يُقبل على أهله بالبشر
والسرور يمدُ يد العون لزوجته يُشعرها أنها تعيش في ظل زوجٍ قويٍ كريم يحبها ويرعاها ويهتم بشؤونها ويوفر لها
حاجاتها المشروعة ويُرضي أنوثتها بالتجمل لها وبالزينة ويعطيها جانباً من وقته واهتماماته ... وهذا خلاف ما يصنعه
بعض الأزواج ، فإذا دخل إلى بيته دخل بوجه عبوس لا سلام ولا كلام بل هموم وأحزان ، يحملُ همومَ العملِ والأصحاب
ويضعه بين يد زوجته وأبنائه ... إن صمت صمتوا ، وإن ضحك ضحكوا ، وإن كشَّرت أنيابُه كشروا ، يضحك بثقل ويبتسِّم
وهو يتصَّنع ... وما هذه سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ...
كان صلى الله عليه وسلم يحمل هموم أمة يبعث الجيوش والسرايا ويحكم بين الناس ويواسي الفقير والمحتاج ويعود
المريض ويتبع الجنازة ومع ذلك إذا دخل بيته دخل مبتسماً يلقي تحية الإسلام ويضع السواك في فمه ليستاك ليدخل
بأحسن ريح وأجمل عبارة ... ولم يكن يترك السلام حتى لو كان أهلهُ في نوم ، فكان إذا دخل البيت بادر بالسلام وإذا
سلَّم ليلاً خَافَتَ به حتى تسمعه زوجته إن كانت يقظة ولا تستيقظ إن كانت نائمة ، كما جاء في حديث المقداد : قال : "
فيجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يُوقظ نائماً ويُسمعُ اليقظان " رواه مسلم .
ثانياً : كان صلى الله عليه وسلم واقعياً في نظرته للحياة ، لم يكن متكلفاً ولا مثالياً أو كمالياً في تقييمه لسلوك الآخرين
، فهو يعامل الناس بما آتاهم الله تبارك وتعالى من خلق ولا يكلفهم مالا يطيقون ... ومثال ذلك : لو أنَّ أحَدنا اكتشف أن
زوجته تشك في بعض تصرفاته وحركاته وربما ترصدت على أقواله وأفعاله، ماذا سيصنع الزوج في زوجته ؟ أتوقع أن
لسان حال الكثيرين هو العصبية والشتم والضرب والتجريح ، وربما ذهب بها إلى بيت أهلها وقال إن ابنتكم ترميني
بالتُّهم وووو.. ولكن انظروا معي وتأملوا ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
...
قالت : ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنِّي ؟ قالت : لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه
وسلم فيها عندي ، انقلب فوضع رداءَه وخَلَعَ نعله فوضعهما عند رِجلَيْه وبسط طرفَ إزاره على فراشه فاضطجع ، فلم
يلبث إلا ريثما ظن أنْ قد رقدتُ فأخذ رداءَه رُويداً وانتقل رُويداً وفتح الباب فخرج ثم أَجَافَهُ رويداً ( أي أغلقه ) ، فجعلتُ
درعي في رأسي واختمرت وتقنَّعتُ إزاري ثم انتقلتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يده ثلاث
مرات ، ثم انحرف فانحرفتُ ، فأسرع فأسرعتُ ، فهرول فهرولتُ ، فأحضرَ فحضرت ، ( أي أسرعتُ أشدُّ من الهرولة )
فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعتُ فدخل فقال : مَالَكِ يا عائش حَشْياً رابية ( أي مالك ونفسك مرتفع ) من أثر
الهرولة وأنت نائمة قالت : لا شيء قال : لتُخبريني أو ليخبّرَني اللطُيف الخبير ، قالت : قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي
فأخبرته قال : فأنت السَّواد الذي رأيتُ أمامي قلت : نعم فَلَهَدَني في صدري لهدةً أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف
الله عليك ورسولهُ ؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمْه الله ...
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا بل بيَّن لها السبب الذي دعاه فقال : إن جبريل أتاني حين رأيت فناداني
فأخفاهُ منك ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابَكِ وظننتُ أنْ قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظكِ وخشيت أن تستوحشي
فقال : إن ربَّك يأمُركَ أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم " رواه مسلم .
يا له من نبي كريم يتعامل بكل واقعية ، يعرف النفوس وطبائعها ، وتلك القصة كانت من علامات موته صلى الله عليه
وسلم في أيامه الأخيرة ، إذ كان يذهب للبقيع يستغفر للأموات وكأنه إشارة لدنو أجله صلى الله عليه وسلم ، ولم
يغضب من زوجته غضباً يقودُه إلى الكراهية والبغضاء إنما تعامل مع غيرة عائشة رضي الله عنها بكل حلم وأدب ولم
يكتف بذلك بل علَّل هذا الذي قام به أن الله أمره أن يقوم من فراشه في هذه الساعة ويذهب إلى مقبرة البقيع
ليستغفر للشهداء وللأموات ... إن عائشة رضي الله عنها في هم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في همٍ آخر .
كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع طباع الزوجات دون مبالغة أو تهويل بل مع ما يناسب الموقف ، فكان لا يجد غضاضة
أن تُراجعه إحدى زوجاته في أمرٍ أو ربما تهجره شهراً لتطالبه بالنفقة إذا لم يكن عنده ما يعطيهن ...
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو والد إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ( حفصة بنت عمر ) .. يحدثنا
عما علمه وسمعه وشاهَدهُ فيقول : كنَّا معشَر قريش نغلب النساء ( أي في مكة قبل الهجرة ) فلما قدمنا على الأنصار
إذا قومٌ تَغْلبُهُم نساؤهم فطفق نساؤُنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فَصَخِبْتُ على امرأتي فَرَاجَعَتْني فأنكرتُ أن
تراجعَني قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإنَّ إحداهن لتهجُره اليومَ
حتى الليل يقول عمر : فأفزعني ذلك وقلت لها : قد خاب مَنْ فَعل ذلك منهنَّ ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلتُ على
حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ لها : أي حفصة أتغاضبْ إحداكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى
الليل ؟ قالت : نعم . قلتُ : قد خبتِ وخسرتِ أفتأمنين أن يغضبَ الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فَتَهْلَكي " رواه
البخاري .
إذا كان أمهات المؤمنين يراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَغضبن ويَهْجُرنَه حتى الليل ومع ذلك يصبر عليه
الصلاة والسلام ويتعامل مع المواقف بكل حلم وأدب فما بال بعض الأزواج اليوم لا يتحملون من أزواجهن لا صغيرةً ولا
كبيرةً .
جاءني أحد الأزواج يقول : طلقت زوجتي لأنها أغضبتني في أمرٍ قد طلبتهُ منها ، فقلت له : وما الأمر الكبير الذي
أغضبتك فيه حتى طلقتها ؟ قال : طلبتُ منها أن تذهب لزيارة أهلي فأبت وقالت : ليس لي رغبة ، وأنا ( الزوج ) لم أتعوَّد
أن يُرفض لي طلب . فقلت له : وهل تعامل زوجتك على أنها موظفة في بيتك أو سكرتيرة تأمر فتطاع أم كزوجة ؟ قال :
بل كزوجة . قلت : إذن فيجب أن تعاملها بالحسنى وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع عن شيء إلا شانه فالحياة
الزوجية أخذ وعطاء وحلمٌ وصبر وليس فيها سيفٌ بتَّار ولا غالب ولا مغلوب أو انتصار وهزيمة .. وهكذا عاش النبي صلى
الله عليه وسلم حياته الزوجية ..كم هي المواقف وكم هي الأخطاء ولكن النفوس تحتاج إلى رويَّة ، والأخلاق الصعبة
تحتاج إلى الحلم ..
ثالثاً : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً مع أهله في المزاح والمداعبة والملاطفة لم يكن فظاً
غليظاً جافاً في تعامله ... تقول عائشة رضي الله عنها : كنت إذا هويتُ شيئاً تابعني ، كنت أتعرَّق العظم وأنا حائض
فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعتُه وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في
الموضع الذي كنت أشربُ منه " رواه أبو داود وصَّح عنه
وكان يلاطفها ويقول : يا حميراء ، لأنها كانت بيضاء مُشربة بحمرة رضي الله عنها وتقول : وكان يتكئ على حجري ويقرأ
القرآن " رواه البخاري . وهذه منه دليلٌ على جواز قراءة القرآن الكريم بهذه الصورة ، وكان يقرأ القرآن ماشياً ومستلقياً .
فأين مَنْ يتأففون من أزواجهن إذا جاءت إحداهن الحيض يهجرونهن في المضاجع ولا يخالطوهن ولا يأكلون معهن حتى
يطهرن وهذه من عادات الجاهلية بل من عادات اليهود ...
أيها الإخوة ... ما ذكرته هو طَرَفٌ يسير من حياته صلى الله عليه وسلم في بيته فهل من مقتدٍ بأخلاقه وبسلوكه
وتعامله قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر " .
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا إتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم ..
أفراح المؤمن
آية في كتاب الله جل جلاله نزلت لتبين للناسِ الفرحَ الذي يجب أن يفرحوه والسعادة التي يجب أن ينالوها ... آيةٌ في
كتاب الله .. نزلت لتقول للناس .. ليس الفرحُ بجمع الحطام ولا بامتلاك الأموال ، ليس فرحاً حقيقياً ذلك الذي يظنه الناس
أنه ذاك الذي فاقهم مالاً أو جاهاً أو مكانةً ... آيةٌ في كتاب الله تعالى .. نزلت لتعيدَ للنفس توازنَها ولتوقظها من غفلتها
ولتكشف لها الأسبابَ الحقيقية للسعادةِ والفرحِ الذي يحبُّه الله تبارك وتعالى ...
إنها في قول الله تعالى في سورة يونس " يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى
ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون "
إن الآية تقولُ للناس .. أيها الناس .. قد جاءكم كتابٌ جامعٌ لكل ما تحتاجون إليه من موعظةٍ حسنةٍ لإصلاح أخلاقكم
وأعمالكم وحكمةٍ بالغةٍ لإصلاح خفايا نفوسكم وشفاءِ أمراضِها الباطنة وهدايةٍ واضحةٍ للصراط المستقيم الموصلِ إلى
سعادة الدنيا والآخرة ..... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " .. قل بفضل الله : أي بالقرآن
وبرحمته أي بالإسلام فليفرحوا .. هذا هو الفرحُ الحقيقي للمؤمن ... كيف كنتم في الجاهلية من الجهل والظلم
والبغي والكفر بالله ؟ كيف كنتم في أخلاقكم وأفعالكم الذميمة ؟ ... ولما جاءتكم هداية الله من السماء .. كيف انقلبتم
وتحولتم ... كنتم تعبدون الأصنام فأصبحتم تعبدون إلهاً واحداً ورباً واحداً ؟ .. كنتم تستغيثون وتقولون ارزقنا يا صنم ..
أطعمنا يا صنم .. اشفنا يا صنم .. فلما جاء الإسلام غدوتم تقولون : ارزقنا يا صمد .. أطعمنا يا صمد .. اشفنا يا صمد ..
كنتم تظلمون وتبغون وتسفكون الدماء ويأكل بعضكم أموال بعض فلما جاء الوحي من الله تعالى صرتم تخافون على
أنفسكم من المال الحرام واللقمة الحرام ؟ ... كنتم تقتلون أولادكم وتدفنون بناتِكم وهُنَّ أحياء فلما جاء الوحي من
السماء صار صلاح الولد والبنت طريقاً لكم إلى الجنة فخفتم عليهم من النار وعذاب النار ...
نعم ... " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون " ...
إن الفرح بفضل الله وبرحمته أفضلُ وأنفع للناس مما يجمعون من الذهب والفضة والأنعام والحرث وسائر متاع الحياةِ
الدنيا .. فلا يحزن مَنْ فَقَدَ هذه المُتع إن بقي له فَرَحُهُ بفضل الله ورحمته من القرآن والإسلام ، لأن الدنيا يجمعها
المسلم والكافر والبرُّ والفاجر وهي للمؤمن نعمة وهي للكافر نقمة ...
نظر كسرى إلى ملكِه يوماً فأعجبه فقال : هذا مُلْك إلا أنه هُلْك ، ونعيم إلا أنه عديم ، وغَنَاء لولا أنه عناء ، وسرور لولا
أنه شرور ، ويومٌ لو كان يوثق بِغد !!
أيها الإخوة ... كل فرحٍ في الدنيا سيزول لا محالة ، وإنَّ هناك محطاتٍ من عمر الإنسان المؤمن سيشعر فيها بالفرح
الحقيقي لأنه سيتعلق بمصيره في الدار الآخرة ... أربعُ مراحلَ من عمر الإنسان هي بشاراتٌ وأفراح ...
عُمْره في الدنيا، وعمره في البرزخ ، وعمره في المحشر ، وعمره في دار القرار ..
أما عمر الدنيا فالمؤمن يحقُّ له أن يفرح بنعمة القرآن والإسلام لأنه ينعم بالحياة المطمئنة بطاعة ربه وعبادته ، ينعم
بالسكينة والاستقرار لأنه مع الله تعالى في كل ساعات يومه وليلته ... فإذا وضع جنبه لينام قال : " اللهم أسلمت
نفسي إليك " وإذا ردَّ الله عليك روحَه وقام قال : " الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وأذن لي بذكره " ... فيقوم
يتطهر ويسكب الماء على جوارحه لتعيد لها الحياة وتَنْشَط للصلاة ويبدأ يومه بالصلاة ليكون أسعدُ الناس وأقوى الناس
وأعبدُ الناس ، وإذا أقبل الليل ختمه بالصلاة .. ليعلن أن بداية يومه وختامَه بالصلاة والعبادة ، وما بينهما هو رجلٌ يبحث
عن رزقه وقوتِه وقوتِ أولاده وهو رجلٌ يدعو الناس إلى الخير يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهو رجلٌ سلم
المسلمون من لسانه ويده فبات راضياً عن الله ومرضياً من الخَلْق ، ثم إن الله تعالى يختم لمثل هذا الصنف من الناس
حياتهم على الإسلام ، لأنهم عاشوا مع الله فرحين بنعمةِ الله فكانت حياتهم مع القرآن في منهجه ومع سنةِ رسول الله
صلى الله عليه وسلم في هديه ... وهكذا تنتهي حياة المؤمن على أحسن حال .. من عاش على الطاعات مات عليها
ومَنْ عاش على المعاصي مات عليها .. قال صلى الله عليه وسلم : إذا أحبَّ الله عبداً استعمله قالوا : وكيف يستعمله
يا رسول الله قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت " رواه الترمذي وصححه الألباني .. كأن يقبضه صائماً أو مصلياً أو حاجاً أو
معتمراً أو مُنْفقاً أو خارجاً في سبيله أو مجاهداً لأعدائه أو تالياً لكتابه أو مؤدياً عمله بإخلاص ، أو يختم له بما يحبُّه ربُّه
ويختاره له .
إنها فرحة المؤمن في دنياه بطاعةِ ربه ومولاه .. حتى وإن اعترضته المصائبُ والمكدرات ، لأنها إما عقوباتٌ مكفِّرة أو
حسناتٌ ورفعُ درجات ، وكلهَّا خيرٌ للمؤمن ... قال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لا يقضي اللهُ للمؤمن قضاءً
إلا كان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن " رواه مسلم ... هذه فرحة المؤمن في عمره الأول ونسأل الله تعالى أن نكون
وإياكم منهم .
أما عن فرحة المؤمن في عمره الثاني فهو في عالم البرزخ ، وهو عمر مديد طويل قد يكون سنين وقد يكون قرون
ودهور ، ولكن فرحةُ المؤمن فيه لا تعدلها فرحة فإن المؤمن إذا جاءت لحظات الاحتضار انتهى الأجل وبدأ يودع الدنيا
ويستقبل الآخرة عند ذلك يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه روائحُهم طيبة تحمل معها كفناً من حرير الجنة ويأتي مَلَكُ
الموتِ عند رأسه ويقول : أُخرجي أيتها الروح الطيبة أُخرجي إلى رَوْح وريحان ورب غير غضبان فتخرج روحُه برفق ولطف
كما تخرج قطرة الماء من فم القِربة فيأخذها مَلَكُ الموت ويُعطيها مَلَكَ الرحمة فيصعد بها إلى السمواتِ السبع ورائحةُ
روحِه كأطيب ريحِ مسك على وجه الأرض فإذا جاءت السماءَ الدنيا قالت الملائكة : رُوْحُ مَنْ هذه الطيبة ؟ فيقولون : روحُ
فلان بن فلان بأحب الأسماء التي كان يُسمَّى بها في الدنيا وتُفتح له السماء الأولى والثانيةِ والثالثةِ : إلى السابعة
والملائكة تزفُّ روحَه إلى الرحمن وقد استوى على العرش فيسمعون الرحمن جل جلاله يقول : يا ملائكتي : اعلموا
أني قد رضيت عن عبدي فأروه الجنةَ وأروه مكانه منها واجعلوه في عليين فتنزل الملائكة إلى جثمانه وهو محمول إلى
قبره والروحُ تقول : عَجِّلوا به إلى خيرِ يومٍ منذ ولدته أمُّه حتى إذا ما وضع في اللَّحد وضمَّه القبر ضمَّةَ اليقظة فيستفيق
ويجلس في عالمٍ ليس كعالم الدنيا فيأتيه رجلٌ حسنُ الوجه حسن الرِّيح حسن الصوت فيقول : أنا لا أفارقُك أبداً أنا
عملُك الصالح .. فيأتيه ملكان يسألانه : مَنْ ربُّك ؟ وما دينُك ؟ وماذا تقول في الرجل الذي أرسل إليكم ؟ فيجيب إجابةً
تامة عندها يُفتح له بابٌ إلى الجنة فيرى مقعده في الجنة وما أعدَّه الله له من النعم فيقول من شدة الفرح .. ربِّ أقم
الساعة .. ربِّ أقم الساعة .. كيما أبشِّر أهلي .. فيُحال دون ذلك فتُرفع روحه إلى بارئها ويُقال له : نَمْ نومةِ العروس في
خدرها فينام كما بين الظهر والعصر ..... هذه فرحة المؤمن في قبره .. حين يبشَّر بالفوز والرضوان ويبشر بجنة الرحمن
.. وهذا هو عمره الثاني .. نسأل الله أن نكون وإياكم منهم ...
أما عمر المؤمن الثالث .. فإذا جاء البعث ونَفَخَ إسرافيلُ النفخةَ الثانية وقام الناس من قبورهم ينظرون وينتظرون
الحساب خمسين ألف سنة في أرض المحشر والناس في عرقهم غارقون وعلى تفريطهم نادمون ومن عذاب ربهم
مشفقون كان المؤمن تحت ظل عرش الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله ، فهو في نعيم وعافية لما فيه من الخلائق من
العذاب والبكاء والندم ، وإذا تطايرت الصحف في أرض المحشر فمنهم شقي وسعيد ومنهم مَنْ يُؤتى كتابه بشماله
ومنهم من يُؤتى كتابه بيمينه وكان المؤمن فرحاً مسروراً ويُنادي بأعلى صوته : هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاقٍ
حسابيه فهو في عيشهٍ راضيةٍ في جنةٍ عالية قطوفها دائنة ... وإذا جاءت لحظات الصراط .. الذي هو آخر عرصات يوم
القيامة .. الصراط الذي لا طريق غيرُه يوصل إلى الجنة .. الصراطُ الذي هو أدقُّ من الشَّعر وأحدَّ من السيف .. " وإن
منكم إلا واردُها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ...
على الصراط .. يمرُّ المؤمن كالبرق الخاطف أو الرعد القاصف أو كالريح المُرسلة أو كأجاويد الخيل أو مهرولاً أو ماشياً ...
فينجو من النار وقعرهها وظلمتها ، ينجو من سماع صوت أهلها ، ينجوا من الزبانية فيقول الحمد لله الذي نجَّاني منك ...
ثم يستقبل المؤمن فرحه الرابع وهو عمره المديد الذي لا نهاية له " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت
السموات والأرض " .
يدخل الجنة .. فيرجع إلى منزله الأول فينعم برضوان الله وأعظمُ نعيمٍ في الجنة هو رؤيةُ الخالق تبارك وتعالى ... قال
صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربَّنا وسعديك والخير كلُّه في يديك
فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطينا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل
من ذلك ؟ فيقولون : أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " متفق عليه ..... نسأل الله من فضله العظيم ...
أيها الإخوة ... هذه أعظم لحظات فرح المؤمن وهي ثمرة من ثمرات فَرَحِه بالقرآن والإسلام يوم جاء إليه ... فآمن به
وعاش عليه ومات عليه ... فنسأل الله أن يُسعد قلوبنا بطاعته وأن يرزقنا الجنة وار كرامته ...
الإيجابية في حياة المسلم
أعد من مشرق التوحيد نـــــوراً يتم به اتحاد العالمينـــــــــا
وأنت العطر في روض المعالي فكيف تظل محتبساً دفينـــــا
وأنت نسيمه فاحمل شــــــــــذاه ولا تحمل غبار الخاملينــــا
وأرسل شعلة الإيمان شمســــــاً وصُغ من ذرةٍ جبلاً حصينا
وكن في قمة الطوفان موجــــــاً ومزناً يمطر الغيث الهتونـا
الإيجابية تعني أن يكون المسلم فيضاً من العطاء قوياً في البناء ، ثابتاً حين تدلهم الخطوب ، لا ييأس حين يقنط الناس ،
ولا يتراخى عن العمل حين يفتر العاملون ، يصنع من الشمعة نوراً ، ومن الحزن سروراً ، متفائل في حياته ، شاكر في
نعمائه ، صابر في ضرائه ، قانع بعطاء ربه له ، مؤمن بأن لهذا الكون إلهاً قدر مقاديره قبل أن يخلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة (1).
إن المسلم يحتاج لهذه الإيجابية لأنه المسئول عن نفسه ، وسيحاسب يوم القيامة فرداً ، وأنه ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
(الإسراء /15).
ومن الإيمان بهذا المنطلق ، يجب أن ينحصر تفكير المسلم فيما يجلب له الأجر ويقربه من الطاعة دون أن يكون تبعاً ،
وأن يمتلك زمام المبادرة إلى الطاعات دون الالتفات إلى عمل أحد من الناس ، وليكون رسول الله صلى الله عليه وسلم
قدوة عملية أمام عينيه ، ولا يجعل الأشخاص الآخرين أياً كانوا مثلاً له ، فقد يفتح الله عليه الهمة أكثر مما عند الآخرين ،
أو يوفقه الله تعالى إلى عمل يتفرد به ، أو إلى فضل يؤثر فيه ، فلله في خلقه شؤون ، وهو المتفضل على عباده ،
يختص برحمته من يشاء وكيفما يشاء .
وحين نتأمل معنى الإيجابية في القرآن ، نجد أنه تكرر بصور شتى وأساليب متنوعة ، ليتأكد لدى المؤمن فردية التكليف
وبالتالي ذاتية العمل ، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ﴾ (مريم/95)ـ
وإذا كان كل منا سيقدم على ربه فرداً، فعليه أن يعمل ويقدم أفضل ما يملك ، قال سبحانه وتعالى ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا
وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ (مريم / 72،71) وهناك على
الصراط المنصوب على متن جهنم من ينجي الإنسان بعد رحمة الله ، غير العمل الذي قدمه ..
وقال جلا جلاله ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (النساء/84) ، قال الزجاج رحمه الله ، أمر
الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده ، لأنه قد ضمن له النصر ـ إن تذكر المسلم بأنه مطالب
بالعمل والحركة يدفعه إلى الإيجابية ، مهما كانت أحواله من القوة والضعف أو الغنى والفقر .
وإذا تأملنا القرآن في قصصه وأحداثه ، نجد هدهد سليمان عليه السلام مثلاً رائعاً في الإيجابية ، ذاك الطائر الصغير في
حجمه الكبير في همه ، العظيم في تفكيره ، وذلك حين انفرد بعمل إيجابي أدخل أمة كاملة في الإسلام ، وما كان من
لسليمان عليه السلام أن يعلم بذلك لولا حركة الهدهد التي قدرها الله جل جلاله ، مع أنه عليه السلام سخرت له
الأنس والجن والطير والرياح والملك والسلطان ، ومع ذلك ، قام الهدهد بعمل إعلامي عظيم في نقل خبر ملكة سبأ
قال تعالى يحكي قصة الهدهد مع سليمان ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ (النمل/20).
إن سليمان عليه السلام يعرف جنوده جميعاً والهدهد من جنده إذ كان يجلب له أخبار الماء وإن كان باطن الأرض ، فهو لا
يستغني عنه ، ولذلك افتقده بين جنوده ﴿ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ
لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي
وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .... ﴾
(النمل/20...24)ـ
إن المسلم أولى من الهدهد بالعمل الإيجابي والسعي وراء المصالح والبحث عن الخير ، إن القرآن العظيم قص علينا
خبر الهدهد في تقصيه الحقائق والأخبار ونقلها ، وقص علينا خبر النمل في حركته وحرصه على قوته ومدى تعاونه ،
وقص علينا خبر النحل في تعاونه وتعاضده ، أفلا يكون الإنسان أولى بالعمل الدئوب والحركة المتعاقبة المثمرة .
إن الناظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يرى الإيجابية واضحة في كل معانيها ، من يوم أن كان غلاماً يتيماً
إلى حين وفاته عليه الصلاة والسلام ، وهكذا ربى أصحابه على معاني الإيجابية الفاعلة ، لقد كان يقول لهم : بادروا
بالأعمال الصالحة (2). ويقول : اغتنم خمساً قبل خمس (3). ويقول : استعن بالله ولا تعجز (4) ....
وكان يكره أن يرى الرجل بلا عمل ، وإذا اشتكى إليه الرجل القوي قلة المال ، قال له : اذهب فاحتطب (5). وكان يشجع
عبد الله بن عمر ويقول : نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل. (6) ، بل كان يشجع الأعمال الصغيرة ويثيب عليها ، حتى
تلك التي زهد فيها الناس اليوم ويرونها عملاً قليلاً ، كتنظيف المسجد مثلاً ، فحينما ماتت تلك المرأة التي كانت تقم
المسجد وتطيبه بالبخور سأل عنها فأخبر بموتها وغضب لما لم يخبر فذهب وصلى عليها بعد أن دفنت (7).
إن مقياس الخيرية في الناس ليس أن يقدم الواحد منهم عملاً عظيماً ، وإنما الخيرية حين يقدم الواحد ما هو قادر على
أدائه بعد استنفاد جهده وطاقته ، ولهذا نرى النبي عليه الصلاة والسلام يستعمل إيجابية كل صحابي بما هو قادر عليه
وبما هو أهل له ، حتى صار كل صحابي أمة وحده ، ففي الجانب العسكري استفاد من فكر سلمان الفارسي رضي الله
عنه وخلفيته الحضارية فاقترح الخندق ، والحباب بن المنذر يقترح الوقوف على الماء يوم بدر ، وآخر ينصب المنجنيق في
غزوة الطائف ، وأبو بصير يخطط لحرب عصابات بعيداً عن بنود صلح الحديبية ، وأما الجانب الاقتصادي فنرى ذلك الصحابي
الذي يؤرقه كثرة أبناء المهاجرين والأنصار ، فينقل زراعة القمح إلى الحجاز ، وعبد الرحمن بن عوف يصفق بالسوق حتى
لا يكون عالة على غيره.
وفي جانب الفكر والتربية يسارع عبد الله بن عمرو بن العاص لتدوين الحديث ، وزيد بن ثابت لجمع القرآن ويسارع في
تعلم العبرانية والسريانية .
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العمل الإيجابي من كل أحد ، فكثيراً ما كان يوجه كلامه إلى الأفراد .......... "
من رأى منكم منكراً فليغيره بيده " (8) " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع إن لا تقوم حتى
يغرسها فليغرسها " (9) " بلغوا عني ولو آية " (10) " تبسمك في وجه أخيك صدقة " (11) " سلم على من عرفت ومن
لم تعرف " (12).
لقد كان من النتائج المبهرة التي ورثتها هذه التربية النبوية ، أن خرج القادة والخلفاء والوزراء والعلماء وخرج الجنود
والمرابطون ، يتسابقون في البذل والعطاء والتضحية والفداء ، لعلمهم أن المرء يهيئ لنفسه مقعداً في الجنة ، .......
إن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يتقدم فيقول يا رسول الله " اسألك مرافقتك في الجنة ؟ فيقول له : أعني
على نفسك بكثرة السجود ... (13) ويتقدم آخر فيقول : يا رسول الله : ليس بيني وبين الجنة إلا أن أقتل ؟ (14) ،
فيمضي يقاتل يطلب الشهادة ليستعجل دخول الجنة ، ويعلن علي رضي الله عنه عن أشواقه وأعظم ما يتمنى فيقول :
الضرب بالسيف والصوم بالصيف وإكرام الضيف وقل مثل هذه الأشواق ما تمناه أبو بكر وعمر وعثمان وبقية صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة .
إن أهم ما يميز المسلم الإيجابي جملة من الأمور :
أولاً : أنه يتعامل مع الأحداث والمواقف بحذر ، فهو لا يتعجل الأحكام ولا يقدم رأيه إلا بعد تأن ولا يصدر عن رأي العلماء ،
بل يزن الأمور بميزان الشرع ، فما وافقها أخذ وما خالفها ترك .
ثانياً : أنه في زمن الفتن ، يمسك زمام نفسه ويلجم لسانه عن الإشاعة ويتحرى الصدق ، يتأمل حكمة الله فيما قدره
وكتبه على عباده من الفتن المزلزلة ، التي قدرها لحكمة وكتبها لعلم يعلمه سبحانه .
ثالثاً : في المصائب التي منها الموت والمرض والهموم والغموم ، يكل المسلم الأمر إلى الله ويحوقل ويسترجع ، ولا
تقعده المصيبة عن العمل ، ولا تقعده الهموم عن بذل الجهد ، لعلمه ويقينه أنها قدرت عليه قبل خلق السماوات
والأرض ، ومادام الله تعالى قد كتبها وقدرها فهي حبيبة لنفسه لأن الله هو الذي كتبها عليه .
رابعاً : وأهم ما يميز المسلم الإيجابي أنه ذو همة عالية ، يرمق أعلى الجنة وهو يعمل ، ويتطلع إلى موافقة النبي
صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى ، ويطمع فوق ذلك كله إلى ذلك اليوم الذي يرى فيه وجه الخالق جل جلاله ، حين
يكشف الستر عن عباده ، ( نسأل الله أن نكون منهم ) .
قد يقول قائل : إذا كانت الإيجابية بهذه الأهمية ، فكيف يكون الطريق إليها ؟؟ فأقول له :
أولاً : بالنية السليمة والعمل الصالح .
ثانياً : بالعلم وهو علم الدين وإذا أضيف له علم الدنيا كان خيراً على خير ، خاصة ونحن في عصر القوة العلمية والتقنية .
ثالثاً : الانشغال بتقوية الإيمان من ذكر وصلاة وتلاوة وصدقة وتذكر للآخرين وقيام ليل وصيام نهار .
رابعاً: الحفاظ على الهمة وهو العامل المهم في حياة المسلم ، أن يحتفظ بهمته ولا يضيعها ، قال الجنيد رحمه الله
( عليك بحفظ الهمه فإن الهمة مقدمة الأشياء ) ، وقال بعضهم ( إذا فتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه ، فإنه لا يدري
متى يغلق عنه )
خامساً: النفسية المتفائلة ، وهذه من أهم مميزات المسلم الداعية خاصة ، فإنه في غمار الحركة يصنع من الشمعة
ضوءاً ، ومن المصائب مغنماً ، ومن الموت حياةً ، لا ييأس إذا قنط الناس ، ينظر للحياة بعين الرضا لا بعين السخط ،
ويدفع مكاره الحياة بالصبر والتسليم ولا يعني هذا أنه لا يحزن ولا يتألم بل يصيبه ذلك كله ، ولكنه لا يقعد ولا يفتر عن
الحركة والعمل.
يظل شعور المسلم بالعجز وافتقاره إلى الله تعالى وعونه وتسديده هو العامل المحرك لكل أسباب هذه الإيجابية ،
فبقدر إظهار ذله لربه تعالى واستمداد العون منه ، بقدر ما ينال التوفيق والإعانة ، حتى أنه ربما سن سنناً في الخير لم
يسبقه إليها أحد . قال تعالى ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ
سَابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُو الفضل الكبير ﴾ (فاطر /32).
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم
آثار الإستغفار
جاء رجل إلى الحسن البصرى رحمه الله يشكو إليه الجدب والقحط فقال له : استغفر الله ، ثم جاء رجل آخر يشكو الحاجة
والفقر فقال له استغفر الله ، ثم جاءه ثالث يشكو قلة الولد ، فقال له استغفر الله ، فعجب القوم من إجاباته ، فأرشدهم
الحسن البصري إلى الفقه الإيمانى والفهم القرآنى والهدي النبوي ثم قرأ قوله جل جلاله ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ
كَانَ غَفَّارًا ◌ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ◌ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ ( نوح /10 ، 11 )
تأملوا هذا الفهم العميق والفقه الدقيق في إجابة هذا الإمام من أئمة التابعين ، ليس قولاً مجرداً ولا فلسفة ، وإنما
يقين ومعرفة وتجربة وتوكل على الله تبارك وتعالى .
هل فكر أحد منا حينما يصيبه هم أو غم ، أو حينما يقع فى مصيبة مادية أو معنوية ، هل فكر بان المخرج هو مد الحبال
إلى الله عز وجل ، دعاءً وتوسلاً واستعانة واستغفاراً كثيراً ، إن هذه الخطوة الإيمانية ، هى سمة المؤمن الذى يؤمن
ويوقن بأن المعضلات والعقبات حين تعترض الطريق ، فإن الكاشف الوحيد لها هو الله تبارك وتعالى .
إن الحسن البصرى رحمه الله ، حين أرشد أصحاب الحاجات المختلفة إلى الإستغفار ، فإنه يعلم علم اليقين ، أن الخير
عند الله فى السماء ، ولكن يمسكه عن الناس لذنوب أحدثوها ، وفظائع ارتكبوها ، ولولا شيوخ رُكّع وأطفالاً رُضّع وبهائم
رُتّع ، ودعوات مستجابات ترفع من أناس الآن، لَحَرُمَ الناس من الخير النازل من السماء ....
من أين فهم الحسن البصرى هذا الفهم ؟ لقد فهمه من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ، الذين فهموا القرآن
وعايشوا المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فعلموا ما هى العلاقة بين كثرة الإستغفار والتوبة وبين انهمار الخير من الله
على العبد ، .... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر
الله إلا غفر الله له ثم قرأ ﴿ والذين وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ ( آل عمران / 135 ) (1)
فوائد كثيرة ومنافع عظيمة تفوتنا ونفرط فيها ونغفل عنها ، وربما تجاهلناها وتكاسلنا عنها ، تجد الواحد منا يغرق في
الذنوب ، أو يشغل بالدنيا ، أو تحل به المصائب ، فينسى أن يمد يديه الفقيرتين إلى الله الذى بيده خزائن كل شئ ، تراه
يذهب إلى فلان من الناس ، يستنجد بهذا أو ذاك ، وربما ما ترك باباً إلا طرقه ، يستجدى الناس أن يخلصوه مما هو فيه ،
ولكن ينسى أن يطرق باباً واحداً ، وهو باب الملك تبارك وتعالى !!
إلى هذه الدرجة إلى هذا الحد !! ، جعلت باب الرحيم الرحمن آخر الأبواب طرقاً ؟ أفتظن أن المخلوق أرحم من الخالق ؟
أن المخلوق أقدر من الخالق ؟ .... أتتقلب فى نعم الله ثم تطرق باب غيره ؟
ألم تر إلى رحمة الوالد بولده ،وحنينه وشفقته عليه ، هذه رحمة الوالد بولده ، فكيف برحمة الخالق بخلقه ، الله الذي
خلق الخلق هو أرحم بهم وأشفق عليهم ، ..... والخلق إن وقفوا معك ، وصبروا على استجدائك ، فكم سيصبرون ؟
لكل شيء أجل ، ولكن الخالق الرحيم يمهل العبد المذنب الأعوام تلو الأعوام ، ويتجاوز عن السيئات ، ويصفح عن
الزلات ، ويمنح العبد عمراً مديداً ، علَّه يتوب ، علَّ يستغفر ، ويصبر ويصبر ومن أسمائه الصبور سبحانه وتعالى ، ويمهل
عبده ما لم يحضره الموت أو تشرق الشمس من مغربها ، أفلا يكون باب الإستغفار بعد ذلك هو خير الأبواب ...
ورد أثر عظيم من آثار الإستغفار في حديث أبى سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب تبارك و تعالى :
وعزتي وجلالي : لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ) (2)
هذه مهمة الشيطان مع الخلق ، إغواء وتضليل ما بقيت الأرواح فى الأجساد ، ولكن الإستغفار سلاح لرد الشيطان
على عقبيه ، فالمؤمن حين يستغفر كأنه سدَّد سهماً أو ضرب سيفاً فى خاصرة إبليس فرده خائباً قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ
اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ ( الأعراف /201 )
وأثر آخر للأستغفار، وهو أثر عظيم يحتاجه الإنسان فى وقت عصيب ، فى وقت تنقطع فيه الأسباب وتنعدم فيه الإعانة
من كل أحد ، وهو يوم يقف العبد بين يدى ربه سبحانه وتعالى ، فيلتفت ويلتفت ، لعله يجد استغفاراً لهج به لسانه فى
الدنيا ، لينقذه مما هو فيه ، ليعلن براءته من الذنب ، وربُّه أعلم به ، ولكن يوم القيامة تخرس الألسن فلا يبقى إلا
الصحائف التى سطرت على العبد ، فهى الشاهد على عمله فى الدنيا ولهذا يفرح المؤمن حين يجد فى صحيفته عملاً
صالحاً قدمه ، قال النبى صلى الله عليه وسلم " من أحب أن تسره صحيفته ، فليكثر فيها من الاستغفار" (3) ، وقال
صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن وجد فى صحيفته استغفاراً كثيراً " (4)
وأفضل من طبق المنهج هو سيد العارفين ، وإمام التائبين عليه الصلاة والسلام ، فلقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر ، ومع ذلك فهو عليه الصلاة والسلام يتوب ويستغفر ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح " يا
أيها الناس ! توبوا إلى الله و استغفروه ، فإني أتوب إلى الله و أستغفره في كل يوم مائة مرة " (5) يستغفر ويتوب من
ماذا ؟ وهو الطاهر المطهر وقد غفر الله له ما تقدم من الذنوب وما تأخر ، ونحن هل نستغفر فى يومنا وليلتنا مثل هذا
العدد ؟ وهل استغفارنا لو استغفرنا ، مثل استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل حاجتنا ونحن مثقلون
بالذنوب والخطايا ، مثل حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستغفار ؟ ......
إنه عليه الصلاة والسلام حين يستغفر لا يستغفر بسبب ذنب ، حاشاه عليه الصلاة والسلام ولكن لأجل الاستزادة من
الخير التي يستحقها ربنا سبحانه وتعالى ،.... نحن أحوج إلى الإستغفار ، نحن نذنب فى اليوم عشرات المرات ، من
نظرة محرمة وغيبة ونميمة وكذب وعقوق ، وربما تفريط فى الصلوات وتأخيرٌ لها ، ولا يجلى هذه الذنوب من القلوب إلا
الاستغفار ، قال صلى الله عليه وسلم " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " (6) ....
فالإستغفار تطهير للقلب من الران ، وهذا الران هو الذي يسبب ظلمه القلب ، وهو الذى يسبب القلق الذى لا نعرف له
سبباً فى كثير من الأحيان ، تجد الرجل مهموماً مغموماً ، تعلو وجهه غشاوة ، ويشتكى من خوف وقلق ، .... ولو أنه
جلس فى مسجده ، أو خلا مع نفسه فى بيته ، ليستغفر ويستغفر مع شعور كاملٍ بحاجته إلى ربه ، لزال ما فى
نفسه ، ولصفا ما فى قلبه ، ولكن أين من يجلس للاستغفار والتوبة والندم ، ....
ومن آثار الاستغفار رفع العذاب ودفع المصائب ، قال سبحانه وتعالى ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ( الأنفال /33 ) وهذا يدل على أن الإنسان معرض للخطأ والذنب ، ولكن مطلوب منه الإنكسار
المستمر ، والإستغفار الدائم ، قال صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم
يذنبون فيستغفرون الله ، فيغفر لهم " (7)
والحديث لا يدل ولا يدعو لمقارفة الذنب وإنما يصور طبيعة الإنسان فى غفلته ووقوعه فى زلته ، وطبيعة ما يجب أن
يكون عليه المؤمن ، وهو المبادرة للاستغفار ، فإن لم يفعل ذلك لم يكن محققاً لمعنى العبودية ، ولم يظهر مظاهر
التذلل والخضوع التى يحبها الله تبارك وتعالى .
ومن آثار الإستغفار ، أنه يبقى القلب سليماً وضاءً قوياً في مواجهة فتنة الشبهات ، وهو ما يحتاجه المؤمن فى مثل
هذه الأزمان التي كثرت فيها الفتن ، فلو لم يكن مليئاً قلبه بالتوحيد والإيمان واليقين والسكينة ، فسوف يضعف عن
مجابهة الفتن ، ولذلك أرشدنا النبى صلى الله عليه وسلم بقوله " إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نكت فى قلبه نكته سوداء ،
فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه ، وهو الران الذي ذكر الله " كلا بل ران على
قلوبهم ما كانوا يكسبون " (8)
ومن آثار الإستغفار ، أنه علامة من علامات عبودية العبد ، فكون المسلم يحتاج إلى الإستغفار فذلك دليل على أنه
محتاج إلى ربه فى كل وقت ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال : أذنب عبد ذنبا فقال اللهم
اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال أي
رب ! اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب
فقال : أي رب ! اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، اعمل ما
شئت قد غفرت لك " (9)
· ما أحوجنا إلى الاستغفار حتى تصفو قلوبنا وتسموا أرواحنا ....
· ما أحوجنا إلى الاستغفار حتى يبارك الله فى ذرياتنا وأموالنا وأزواجنا .....
· ما أحوجنا إلى الاستغفار حتى نكون قريبين من ربنا جل جلاله ، معلنين تقصيرنا وضعفنا وذلنا ، فهي صفات يحبها الله
تبارك وتعالى من عبده .
نسأل الله جل فى علاه ، أن يرطب ألسنتنا بالاستغفار ، وأن ينجينا من عذاب النار ، .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم
عدة مقالات من كتابة الشيخ .. عددها 4 وقد جمعتها لكم
رؤيا خير أزفها إليه ..
ليس من عادتي أن أتحدث عن الرؤى والمنامات .. ولكن حين يتعلق الأمر بشخصية لها وجود مؤثر في العالم العربي ،
فإن حديثي اليوم عن رؤيا تراءت لي ، خصوصاً إذا ما كانت هذه الرؤيا تحمل في طياتها بشرى جميلة لرجلٌ فيه من الخير
والصلاح ،
وقد شهد له بذلك من يعرفه بشهود الصلوات الخمس في المسجد وبذل الخير للناس والعمل الصالح والخلق الرفيع –
ولا أزكي على الله أحداً – إلا أنه اُبتلي بحب الغناء فأفنى عمره فيه حتى بلغت شهرته الآفاق ...
سأحدثكـــم بالـــرؤيـــا كمـــا رأيتهـــا :
" رأيت فيما يرى النائم أني دخلت مسجداً فصليت إماماً بجماعة من الناس وكان في صوتي ثقل وبطء ، فلما أنهيت
صلاتي إذا بالأستاذ الفنان/ محمد عبده ، يدخل المسجد ويصلي إماماً بجماعة أخرى فلما بدأ بالقراءة إذا بي أسمع
أجمل صوت في القرآن وكان يقرأ بصوتٍ عال يسمعه كل من كان في المسجد ، فجلست أستمع لقراءته حتى انتهى
من الصلاة ، فلما خرج من المسجد تبعته فسلمت عليه .... (إلى آخر الرؤيا) "
هذه الرؤيا كما رأيتها في أخينا الأستاذ ابو نوره (كما يحلو للبعض ان ينادوه بها) ، قد عبرها أحد المعبرين المعروفين وقال
بأنها رؤيا وبشرى خير لك وله ، وسأذكر طرفاً واحداً فقط من تعبيره للرؤيا حيث قال: فيها بشارة خير لمحمد عبده أنه
سيختم حياته بالقرآن ويتعلق قلبه به وسيكون له شأن كبير فيه إن شاء الله تعالى .
أيها الإخوة ،، لقد حرصت على تسجيل هذه الرؤيا هنا لعدة أسباب :
أولاً : التأكيد على أن الرؤيا حق وأنها قد تكون بشارة وقد تكون نذارة ، وأن المؤمن قد يرى الرؤيا لنفسه أو يراها لغيره ،
وأن عليه أن يخبر بها صاحبها ليستبشر بها ، فكيف إذا كانت البشارة في الرؤيا متعلقة بملايين الناس الذين يعرفون هذا
الفنان .
ثانيا: ألا نصدر الأحكام على الناس فنحكم لهم بجنةٍ أو نار .. فقد يكون أحدهم مقصراً في مظهره أو عمله فيما بدا عليه
للناس ، ولكنه عند الله تعالى أعظم وأفضل ممن طعن فيه ، وذلك بسبب خبيئة صالحة بينه وبين الله أو هو أفضل من
ظاهره بما سيختم الله له من عمل صالح يقبضه عليه .
ثالثاُ : لا أدري ما الذي جاء بالأستاذ محمد عبده في رؤياي مع أني لست مستمعاً إليه إلا فيما مضى من بدايات عمري
، وقد يكون هناك بعض الخبايا كصفة مشتركة في الرؤيا ، وإني لأرى هذا الرجل – والعلم عند الله تعالى – أنه سيختم
حياته بالقرآن وسيكون له فيه شأن عظيم وسبب كبير في توبة كثير من الفنانين والمطربين والمعجبين ، وهذ ما
شجعني لكتابة الرؤيا هنا ، لعموم فائدتها بإذن الله على الكثيرين ، وهي بشارة خير حتى يوقن الناس يقيناً جازماً بأن
الإنسان مهما اعتقد انه سيرتفع بغير القرآن فقد أخطأ الطريق ..
وأنه مهما أفنى عمره بحثاً عن سعادة أو شهرة تملأ قلبه فلن يجدها إلا مع القرآن ..
وأنه مهما اعتقد أنه مستغني عن الله فإنه لن يجد أكرم ولا أرحم من الله في حسن الحفاوة والفرح ، لأنه ربه وسيده
ومولاه الذي خلقه ورباه وغذاه وعلمه وأنعم عليه ، فسبحان الكريم في جوده ، وسبحان العظيم في رحمته ، وسبحان
الحكيم في لطفه ..
أتمنى من يقرأ رؤياي هذه أن يبلغها لأخي الأستاذ محمد عبده ويقرؤه مني السلام ويقول له : أبشر بالخير من ربك
بإذنه تعالى ، وأنك ستكون ( القارئ محمد عبده ) يغنيك الله بها عن الفنان محمد عبده ...
تأملات على شفير القبر
وقفت على شفير القبر في هذه الساعة من النهار تلفحني الرياح من كل اتجاه ، ويملأ عيني تراب القبور ... وقفت
متأملاً حال هؤلاء الموتى المرتهنين في قبورهم القابعين في منازل الصمت الرهيب ، كم حوت في بطنها من شيوخ
ونساء وأطفال وشباب كانت لهم آمال لم يحققوها وأماني لم ينالوها ، كانوا أنعم ما يكون ، فلم يكن أحدهم يطيق حرارة
الشمس ، وهاهو اليوم في جوفها ، ولم يكن يتحمل عجاج التراب وهاهو اليوم يتقلب في قلبها ، كم كان ينازع هذا
الإنسان الساكن في قبره هنا الأحياء يطلب منهم جاهاً ومالاً ومنصباً ، فذهبت المناصب والأموال وبقيت الأعمال ،
هاهو يسكن هنا وحيداً فريداً .. لا مال ولا ولد ولا أصدقاء ، الكل غابت صورته وبقي هو بذاكرة عمله وحسن كدحه في
حفرة مظلمة ضيقة ، إلا ما كان من بعضها من الوسع والنور والسرور بسبب صلاة خاشعة أو آيات من القرآن تليت في
جوف الليل أو صدقة خفية كانت بعيدة عن أعين الناس ...
أترى هؤلاء بعد أن عاينوا وشاهدوا ما لم نشاهده نحن الأحياء أكانوا سيعملون أ كثر مما عملوا ولتابوا مما كانوا فيه من
التقصير والتسويف !!!
إنني أقف بين القبور الآن وأتذكر نفسي وأقول : لو كنت بين هؤلاء الموتى كم سأكون محروماً من العمل ، محروماً من
الإخلاص ، محروماً من اغتنام الأوقات ؟
لا لا .. لا أريد أن تذهب ساعات عمري ولم أشبع من الصلاة ولم أشبع من تلاوة القرآن وذكر الله والعمل لدينه ..
لا لا .. لن تذهب لحظاتي حتى أعطي نفسي كل ما أملك وأرضي ربي غاية جهدي ، لن يطيق جسدي هذا المكان وأنا
الذي غرقت في الترف والنعيم ، سأبذل قصارى الجهد لأراجع أمري وأتدارك ما فات من حياتي ...
إنها النفس .. تتذكر مصيرها فترتد إلى طبيعتها !
عجباً لك أيتها النفس .. ألست قبل لحظات كان لك آمال وطموحات ورغبة في الانتقام !! ما الذي غيرك وأسكنك !! أم
أنها لحظة المحاسبة والمراجعة !!
إنني أقف هنا متأملاً وأتذكر فرقاً من الناس وأقول ما أقساهم وأظلمهم :
تذكرت في هذه الساعة طواغيت الأرض ، كم قتلوا وكم شردوا وكم عذبوا .. تذكرت ذلك الطاغوت الصغير طاغوت سوريا
" بشار " - لا بشره الله بالخير - كم بطشت زبانيته بالناس وتلطخت أيديهم الظالمة بدمائهم وأعراضهم وأموالهم،
ماذا يريدون وعلى ماذا يقاتلون !!
أمن أجل العرش البائد !!
أم من أجل الطائفة البائسة التي ما عرف التاريخ الإنساني شر منها !!
أم من أجل عيون أولئك الفرس الذين يستميتون من أجل إعادة أمجاد زرادشت وكسرى وعبدة النار ، ولا بأس عندهم أن
يقتل في سبيل ذلك كل من في الأرض جميعا ليبقى الطاغوت الصغير !!
ألا يعتبر هذا الطاغوت بمصير والده الهالك الذي أباد في حماة لوحدها أكثر من خمسين ألف انسان ومات من غير عقوبة
حتى يقف أولئك الخمسون ألف ليطلبوا بالقصاص العادل ممن حرمهم حق الحياة ..
أليس لك في هذه الحفرة عبرة وآية ؟
وتذكرت هنا .. أولئك الذين أضاعوا الفرائض أو تكاسلوا عنها أو أخروها عن وقتها وقلت لنفسي : أترى لو تذكروا هذا
المكان الموحش أكانوا سيضيعون صلاةً واحدة ؟ إن هؤلاء الموتى يتمنون أن تعود لهم أنفاسهم ساعة واحدة ليقولوا
لإخوانهم وأصحابهم وأولادهم بل للناس جميعاً : ما أجمل الصلاة .. ما أجمل القرآن .. ما أجمل الحياة بالطاعة .. ما
أعذب الدنيا إذا كانت مع الله ..
حتماً سنقول : يا ليتنا جعلنا الليل والنهار عبادة وطاعة ودعوة وتغاضي عن هفوات الناس وزلاتهم ، ياليتنا كنا أكبر من أن
نتتبع عيوب الناس وأخطائهم ، فلقد كان في الانشغال بعيوبنا أعظم الخير .. ولكن هيهات هيهات " لكل أجل كتاب " ولكل خاتمة حساب .
وتذكرت في هذا المكان الساكن أولئك الذين أنفقوا ساعات عمرهم في تحصيل الملذات والشهوات ليس لهم هم في
الحياة إلا ذلك حتى أنساهم الشيطان لحظة النهاية ، فبقيت الحسرة وتلاشت السكرة ، أين القابعون الساعات الطويلة
أمام أنفاس الغزل الكاذبة يتبادلونها عبر أثير الانترنت فهجروا صلواتهم وربما زوجاتهم وأولادهم حتى عاش الخمسيني
أو الستيني حياة عشق جديدة تاركاً كل مسئوليات الحياة خلف ظهره ، وتناسوا أن النفس لها إقبال وشغف وتعلق ، وأن
الشيطان قد أحكم قبضته في الأشواط الأخيرة من عمر الدنيا ، فما ذهب منها أكثر مما بقي ، نعم لقد اشتدت قبضة
الشيطان فأخذ يعيث في الأرض فساداً ويخترع أشنع الأساليب للتضليل والإغواء ، والمتساقطون على الطريق أعداد
رهيبة وكأني أراهم جثثاً متناثرة هنا وهناك ، فيقال هذا مات بكأس وآخر بامرأة وثالث بدرهم حرام في لحظة غفلة
ورابع مات بنظرة وسابع بردة عن الإسلام ..
كم ضل عن الطريق أناس كانوا صالحين ، وكم ثبت على الطريق أناس كنا نعدهم من الغافلين ، ولكن العبرة ليست
بالصور ولا بالأشكال ، إنما العبرة بصدق القلب في علاقته بربه ، والعبرة بإيثار حب الله على كل محاب الدنيا وإن تزينت ،
والعبرة بفهم طبيعة الصراع بين النداءات الثلاثة .. نداء الرحمن أو نداء الشيطان أو نداء النفس الأمارة بالسوء .. فالطريق
واضحة المعالم لمن كان له قلب ، أو ما زال له بقايا قلب ، أن يستدرك الجولة وأن يتعاهد نفسه بالعزيمة وأن يتيقن أن
الحياة ابتلاء وأي ابتلاء ..
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين "
هل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء ؟
أينما تلفت المسلم وجد عالماً يموج وأمةً تضطرب دولاً تسقط ومعارك تشتعل ونزاعات وحروباً أهلية طاحنة لا تُبقي
على شيء ، يغذيها العدو بدهائه ومكره ، ويزرع فتيلها العملاء في كل بلد وطائفة ، ويرسم مخططها ويوزع أدوار
البطولة فيها الاستخبارات العالمية والمصالح الخاصة بالدول الكبرى ورأسهم الأفعى ( اليهود )..... لا تقولوا هذه
مبالغات، فما نراه ونشاهده في هذا العالم من أحداث تؤكد أنه يحاك للمسلمين وبلادهم أسوأ أنواع الكيد والمكر ، وإن
لم يحذر المسلمون من أعدائهم في هذه الفترة الحرجة فنخشى من عاقبةٍ مجهولة ، فالسنن الربانية لا تحابي أحداً
.....
إن ما يحدث من مخططٍ رهيب في المنطقة العربية والإسلامية يجعل المسلم يقف مشدوداً أمام أربعة حروبٍ يصنعها
العدو :
1. حربٌ عسكرية لفرض الهيمنة وإحكام القبضة ولضمان إمدادات وسائل الحياة المدنية والتفوق الدائم .
2. حربٌ فكرية لتمهيد الطريق أمام المحتل للاحتلال بكافة أشكاله.
3. حربٌ إعلامية لإدارة العقول وتوجيه الرأي العام وللإلهاء وتخدير الشعوب وخاصة فئة الشباب.
4. عملاءُ خونة يتلونون بأثواب مختلفة ، فتارة يتحدثون باسم الإسلام وتارة باسم الفكر والأدب وتارة باسم الحرص على
المصلحة العامة.
والمسلمون مطالبون باليقظة والحذر وعدم الانشغال ببنيات الطريق من الملهيات والمغريات لأنها بمثابة تغييب الناس
عن الواقع وأحداثه والعدو وإجرامه ، ولقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى بالحذر فقال " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم " وقال
النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن كيِّسٌ فطن " وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لست بالخب ولا الخبُّ
يخدعني " ... ومن هذا المنطلق الشرعي يجب على المسلم أن يأخذ أهبته ولا يغفل ولا ينام وإن أريدَ له النوم فليكن
خفيف النوم ، يهب مبادراً عند أول صيحة أو تحذير !
سأتناول ثلاثة قضايا أراها مهمة وذلك لمن استقرأ التاريخ القديم والحديث فهي لبُّ استقرار كل أمة وأمنها وأمانها ومن
الفرقة والخلاف ومن تسلط العدو ومن منع الاستغراق في شهوات الدنيا وملهياتها وهذه الثلاثة هي :
الوحدة بين المسلمين .
التربية الإيمانية .
فقه الخلاف .
أما الأمر الأول فهو الوحدة بين المسلمين :
فشخصية الجماعة في الإسلام شخصية متميزة شعارها الوحدة المتكاملة " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاعبدون " ولما دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ربهما وهما يرفعان قواعد البيت الحرام دعيا بأن يجعلهما من
المسلمين لأن الإسلام هو الرابطة والوعاء والوثاق الذي يجتمع عليه كل فردٍ في الأمة " ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن
ذريتنا أمةً مسلمةً لك " ... إنها دعوة بالإسلام لله والإخلاص له والنزول على حكمه وتشريعه دون أن يكون لسلطان
الدنيا أو النفس أو المكانة في القوم أو الجماعة أو الطائفة أي نصيب منها وإنما أن يكون مسلم لله تبارك وتعالى ، وما
أجمله وأعظمه من دعاء وما أحسنها من تسمية كما قال الله تبارك وتعالى " هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا
ليكون الرسولُ شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس " .
فالأمر الأعظم الذي يجمع أهل الإسلام هو اسم الإسلام وحده ، وإذا ابتكر الناس اليوم مسمَّيات من باب التعريف
والتميُّز فالأصل أنهم يرجعون إلى مسمَّى المسلمين ، وما يبقى لأي مسمَّى أي قدسية ومكانة كقدسية ومكانة
الإسلام فيوالي عليها ويعادي عليها .....
إن الأمة اليوم أخفقت في مجال الوحدة فمنذ أن أسقطت الخلافة والأمة الإسلامية تنشد الوحدة بصورةٍ من الصور ولا
تصل إليها ، مع أن الأمة الإسلامية حقيقةٌ لا وهم لها وجود ولها كيان فقد اعتبرها القرآن أمة واحدة وحدتها العقيدة
والشريعة والقيم والآداب المشتركة والقبلة الواحدة والمسمى الواحد ... لكن الاستعمار أرادهم أمماً شتى واستطاع
بوسائله أن يغيب الأمة الواحدة ويبرز الأمم المختلفة ، وكذلك ساندهم في هذا التفريق والتشتيت علماء السوء أو
المتعالمين الذين قادوا الناس بجهلهم وأهوائهم .....
إن الإسلام أمر بالوحدة والائتلاف ونهى عن التفرق والاختلاف وجسَّد هذه الوحدة بأحكام أساسية ثلاثة :
1. وحدة المرجعية العليا المتمثلة في الكتاب والسنة.
2. وحدة دار الإسلام التي تجعل أوطان المسلمين وطناً واحداً وإن تباعدت الديار وتناءت الأمصار.
3. وحدة القيادة حين فرض الإسلام أن يكون للمسلمين خليفة واحد ولكن أنى لهم هذا وقد نجح الاستعمار في تمزيق
دول الإسلام ، ومع عدم وجود هذا الخليفة للمسلمين صار كلُّ حاكمٍ لبلدٍ مسلم هو حاكمٌ شرعيٌّ تجب طاعته وعدم
مخالفته.
إن العالم يتقارب فما بالنا نتباعد ؟ والعالم يتوحد فما بالنا نختلف؟ إن النصارى يتقاربون مع اختلاف مذاهبهم ، بل وتقارب
النصارى مع اليهود حين أصدر الفاتيكان وثيقته الشهيرة في تبرئة اليهود من دم المسيح .....
إن الوحدة بين المسلمين مطلبٌ شرعي ولا يجوز لهم أن يختلفوا ويتفرقوا شيعاً وأحزاباً توالي من ناصرها وساندها
وأيدها وتعادي من خالفها في رأي أو توجه أو طريقه ، فلا يزال المسلمون يخالف بعضهم بعضا في الآراء والمواقف
حسب ما توصل إليهم اجتهادهم ولم يكن ذلك الخلاف عائقاً أن يكونوا إخواناً متحابين متقاربين اسماً وحقيقة ، وأقصد
بمعنى اسماً أن يكونوا تحت مسمَّى أخوة الدين ، وحقيقته أن يكون الواقع مصدقاً لهذه الوحدة في الأقوال والأعمال
والمواقف وألا تحكم بين المسلمين الأهواء والشعارات ودسائس النفوس وخطر الشيطان من التفريق والتمزيق
والتحريش حتى ينعم المسلمون بحياة ملؤها الاستقرار الحقيقي في المعنى والمضمون ...
ولعل أحداث العراق والصومال وأفغانستان ونتائج الثورات العربية وغيرها تؤكد أهمية هذا المعنى في الوحدة الحقيقية
، فأحداث العراق كنموذج للخلاف بين المسلمين ونتائجه المُرة تجسد المطلب الشرعي في وجوب وحدة المسلمين
داخلياً وخارجياً ... فالحرب الأهلية وإن كانت بفعل العملاء والخونة وبتدبير المحتل الغازي كانت ثمرتها المرة أن حصدت
المئات من المسلمين ووصل الأمر إلى هدم المساجد وقتل الأبرياء باسم النص الشرعي أو بفتوى من هنا أو هناك ،
ولو كانت الوحدة بين المسلمين على أساسٍ شرعي متين وفهمٍ إسلامي حصين لما تمكن المحتل من إذكاء هذه
الحرب الطائفية ... وقل مثل هذا في أي بلدٍ في العالم تنافر المسلمون فيه بسبب آراء فقهية أو مذهبية أو حتى
أساليب دعوية جعلت منهم فرقاً وأحزاباً وهذا ما يمقته الإسلام قال جل جلاله " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً
لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله " ...
ولهذا كان من قواعد الإسلام الأساسية إقرار مبدأ التآخي بين المسلمين حتى كان من فضلها أن من الله بها على
المؤمنين فقال " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم " وتأملوا أنه ألف بين القلوب لأنه قد تتآلف
الأسماء والشعارات ولا تتآلف القلوب ، فالنعمة من الله أن ألف بين قلوبكم " فأصبحتم بنعمته إخوانا " ... ونهانا سبحانه
وتعالى أن نسلك مسلك الأمم السابقة في التنازع والاختلاف فقال " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما
جاءتهم البينات وأولئك لهم عذابٌ عظيم " ... وما تنازع قومٌ واختلفوا إلا أذهب الله قوتهم وأبدلهم بعد القوة ضعفاً وخلافاً
وهدراً للأموال والأوقات قال سبحانه وتعالى " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " .
إن النبي صلى الله عليه وسلم أحس بأهمية هذه الوحدة فما إن وطئت قدماه المدينة بادر ببناء المسجد الذي تجمع
عليه القلوب وتتصافى النفوس وتلتقي الأرواح المؤمنة فتزداد من معين الوحي والحكمة ، ولعل أعظم ما يجسدها هو
الإمام الواحد والصوت الواحد والصفوف المتماسكة والقلوب المترابطة ، يكبرون جميعاً ويسلمون من الصلاة جميعاً ولا
يجرؤ مأمومٌ أن يخالف إمامة في الصلاة ، وتلك أعظم صور التآخي ، وحين بنى المسجد الذي هو محراب القلوب توجَّه
النبي صلى الله عليه وسلم إلى محراب العلاقات فآخى بين المسلمين آخى بين المهاجرين والأنصار لتذوب الفوارق
ولتكون عنواناً حقيقياً للأخوة الصادقة ، حتى أثنى الله عليهم في آيات بينات تتلى إلى يوم القيامة دليلاً على صدق
الأخوة والمحبة " والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاءوا من بعدهم
يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم " ... إنها
شهادة من الله جل جلاله على الأخوة الحقيقية التي كانت بين المهاجرين والأنصار حتى استحقوا هذا التكريم الرباني
... وبعد هذا التآخي كان هناك ضوابط وقواعد تنظم سير الحياة وتحمي الأخوة الإيمانية ، كقوله صلى الله عليه وسلم :
" ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل عصبية وليس منا من مات على عصبية " رواه أبو داود ، وقال صلى
الله عليه وسلم : " من قُتل تحت رايةٍ عميه يدعو لعصبية فقتلته جاهلية " رواه مسلم ... وغير ذلك من الأحاديث
والمواقف النبوية التي تحكم التصرفات والأفعال فلا تكون النصرة والتأييد إلا بالحق .
الوحدة بين المسلمين أمر واجبٌ شرعاً ، وحدة القيادة بالسمع والطاعة بالمعروف ، ووحدة الصف بين المسلمين ، أن
يكون كل مسلم عوناً وسنداً ونصيراً لأخيه المسلم فلا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه ولا يخذله وكما قال صلى الله عليه
وسلم : " وكونوا عباد الله إخوانا " ...
يجب أن تتوقف الطوائف الإسلامية بكل أشكالها مهما اختلفت فيما بينها في المذهب أو الأفكار أو المظالم عن تأجيج
الفتنة والطائفية وادعاء الحق المطلق ونبذ الخلافات التاريخية التي يؤججها المنتفعون من خلافنا الضاحكون على
أوضاعنا ، فلن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة أن يحاكم التاريخ فقد ذهب بخيره وشره ، ولكننا نستطيع أن نحاكم
المستقبل لأنه من صنع أيدينا .
هل نحن بحاجة إلى صحوة إسلامية ثانية !!
قبل ثلاثين عاماً أو تزيد قليلاً كانت بدايات الصحوة الإسلامية التي استيقظ فيها شباب العالم الإسلامي بعد نومٍ عميق
غاب فيها عن ذاته وأهدافه ورسالته فهب من رقدته واستشعر دوره الواجب في حقه وكانت صحوة أو إفاقة بعد سبات ،
فانطلق الشباب من الجامعات والمدارس يعلنون نداء الحب والخير أنهم أتباع هذا الدين وأنصاره وأنهم على خطى
الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وعلى منهجه وأثره ،
فتمسكوا بسنته وظهرت آثارها في هيئتهم ولباسهم ومعاملاتهم وتفانيهم في دعوتهم حتى غدا حب الدعوة في
صدورهم يفوق الوصف والخيال ، وخالجهم شعور وربما لأول مرة أنهم متميزون عن العالم كلّه بدينهم وعقيدتهم
وأخلاقهم بل بلغ الحب والتعلق بالله تعالى مبلغاً يعجز الواصفون عن وصفه ، فترى أحدهم إذا هبًّ للصلاة اشتاق أن
يقف بين يدي ربه متمثلاً سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان الشوق إلى الخشوع ووضع اليدين على الصدر
وتطبيق السنة فيها لا يدانيه فيها جمال ولا جلال ، حتى غدا الشباب شامة في جبين المساجد بعبادتهم وهيئتهم
وتقربهم إلى ربهم بالتبكير إلى الصفوف الأولى ، وكأنهم جيلٌ غاب أو حُرم الهداية فكان العناق وكان اللقاء وما أحلاه من
لقاء .
امتدت الصحوة الإسلامية الأولى في كل ميادين الحياة ونادى الشباب فيها إلى ضرورة التغيير وفي الفكر والأخلاق
والسياسة والاقتصاد ، وأن تكون الحياة مصبوغة بصبغة الإسلام في كل مناحي الحياة وكان ما كان من أحداث وآمال
وآلام ، ولكن استجاب الناس إلى الصوت الإسلامي ولم يخل من سنة المدافعة والممانعة كسنة قدرية فلا مناص من
المخالفين والمعترضين ، بل ربما ازدانت الحياة بهم لتقوية الأفكار وتنضج التجربة وتتم مراجعة النفس واستدراك الخطأ ،
وكم من صحوة حملت معها أملاً وألماً وجمالاً وبؤساً وعلماً وجهلاً ، وإذا لم يكن الخطأ فمتى يدرك الصواب ؟
لا أشك لحظة أن الصحوة الإسلامية الأولى كانت كالسيل الجرار حملت معهم الحصى والأخشاب المؤلمة ، لكنها كانت
أحياناً أخرى كالنهر الجاري الذي يُطل بجماله ومائه وعذوبته على كل دار وقرية ، فاستقى الجميع منه كلٌّ حسب حاجته
وقوته وطاقته ... ولا أستغرق في التفاصيل !!
أما اليوم وقد مضى على تلك الصحوة أكثر من ثلاثة عقود متتالية ، ألفت فيها النفوس وتعلقت به ، وغدت فيها حياة ذلك
الجيل أشبه بالإنسان العادي ، ونامت تلك الرؤوس عن أهدافها ومالت إلى الدنيا بزينتها وشهوتها بل وهجرت القرآن
والسنة بشكل كبير واستبدلت عنهما بكتب مترجمة من الغرب وحياته وعاداته وصارت هي الموضوعات الأكثر أهمية
في اللقاءات والدورات والمؤتمرات التي يحضرها غالب الشباب وهجرت دروس الجامع إلا من كبار السن وقلة من
الحريصين على العلم والمعرفة ، وغدا القلة القليلة هي التي تقرأ في تفسير القرآن أو كتب السنة ، بل لا تعجبوا إن
قلتم لكم بأني سمعت كثيراً من الناس يشكون حتى من إمام المسجد فيقولون مللنا سماع أحاديث كتاب " رياض
الصالحين " ونريد الإمام يخاطبنا بطريقة عصرية وأفكار جديدة !! سبحان الله ... وهل تُمل آيات القرآن وأحاديثُ المصطفى
العدنان صلى الله عليه وسلم حتى وإن صدرت من إمام مسجد متكاسل !؟
إن الحياة التي بُشر بها العالم الجديد في ثورته العلمية والتقنية والمعلوماتية ما هي إلا إغراق للإنسان في عالم
المادة وإرهاق لأعصابه وعقله وقلبه ، لأن العالم المتمدن والمتحضر لا يعرف إلا هذه الأرض ولا يدرك إلا المادة المجردة
وظواهر الأشياء ، كما قال تعالى " يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا "- الروم فهم يعلمون ويبدعون في صناعة الحياة
ويتفننون في إضفاء البهجة عليها لأنهم لا يعرفون إلا هذه الحياة ، وسيرزح معهم أهل الإسلام وسيقتفون آثارهم ،
وكلما زادوا في الإغراق زدنا في الإتباع ، حتى تنقلب حياة الكثيرين إلى إشباع للرغبات والنزوات والأموال والأنفس
والأوقات جرياً خلف سراب الحضارة العرجاء التي تبني الدنيا وتغفل الآخرة ... فهل بعد أن غرق المسلمون في الحياة
المادية بكل أشكالها وصورها وبعد أن أغرق العالم في لجج بحرها وأصاب المسلمين من آثارها وشهواتها ودهشتها ...
هل نحن بحاجة إلى صحوة إسلامية ثانية ؟
إنني أقول جازماً ... نعم نحن بحاجة إلى صحوة إسلامية أخرى ولكنها تختلف في معالمها عن الصحوة الإسلامية الأولى
، فتلك كانت هزّة لنائم ليصحوا من سباته ، وهي اليوم هزة ليقظان ليفيق من سكرته ووهدته ويصحوا مما أحيط بأفكاره
وعقله وقلبه وأخلاقه وشروده ، وحتى لا يطول مقالي هذا فيمل القارئ ويسهو ، فإني أُوجز معالم الصحوة الإسلامية
الثانية حسب رأيي الخاص في عشر معالم :
إحياء مرجعية القرآن والسنة لمواجهة تعدد المرجعيات.
تجديد الإيمان لمواجهة طغيان المادة.
العلم لمقاومة الشبهات والتقوى لمقاومة الشهوات.
الاكثار من العبادة في مواجهة الفتن.
الوحدة الإسلامية في مواجهة الفرقة أو التكامل لا التصادم.
الأمر بالمعروف في مواجهة انتشار المنكر.
الحياة مع الجماهير لا الإغراق في النخبوية.
إحياء التخصص لمواجهة الفوضى والارتجال.
صناعة القوة المتكاملة في مواجهة القوة المتآكلة.
الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لمواجهة هيمنة الهوية الغربية.
هذه خواطر كتبها الشيخ سعد الغامدي .. و أسماها بـ "من فيض الخاطر" .. أضعها بين يديكم
تفاوت الهمم
للناس مشارب شتى وهمم متفاوتة ، فبينما تبصر عيناك مجاهداً يرابط على ثغور القدس وأسوارها ، تتفاجأ بأنه ما يزال
من يموت منتحراً من أجل عيون عشيقته !! ولا يمكن أن تستوعب كثيراً أو قليلاً ما الذي فارق بين الهمتين وباعد بين
الفريقين ؟
إن تفاوت الهمم مبني على قوة القلب وضعفه أو انشغاله بالله أو فراغه منه أو ارتقاء همته أو سفولها . العجيب في
الأمر وأنت تقرأ التاريخ قراءة متأنية ومنصفة وتتأمل في حياة الملوك والخلفاء والعلماء تجد أنك أمام مفارقات صعبة أو
قُل أمام قامات أو هامات عظيمة لكنها متفاوتة في عظمتها ، وخذ أمثلة على ذلك :
كانت همة الخليفة عبد الملك بن مروان في الملك والرياسة والفتوحات ولا صبابة له في النساء ، حتى إنه قد اشتهر
قبل الخلافة بطلب العلم والجلوس مع العلماء ، ولما تولى الخلافة حمل المصحف بين يديه وقال : هذا فراق بيني
وبينك ، أي أنه سينشغل بالحكم عن القرآن .
وأما همة ابنه الوليد بن عبد الملك فكانت في البناء ، فهو الذي بنى الجامع الأموي وقبة الصخرة ودمشق ومناراتها
وقام بتوسعة المسجد النبوي وبنى القصور على أنهار الشام.
وأما همة أخيه سليمان بن عبد الملك فكانت في النساء والجواري حتى صارت أمه تنتقي له الحسناوات منهن
ليتزوجهن أو يتسرى بهن لعلمها بحبه لذلك !
وأما الخليفة عمر بن عبد العزيز فكانت همته في نشر الإسلام وإقامة العدل وتوزيع الثروة بالتساوي بين المسلمين
بلا تفريق بين حاكم ومحكوم ، كما كانت همته في الجلوس مع العلماء وقيام الليل والتطلع للآخرة .
وهكذا غيرهم من الملوك والخلفاء ، والناس تبع لهم ، ففي عهد عبد الملك بن مروان المغرم بالجهاد والفتوحات كان
الناس يتنافسون في عدد حضور الغزوات ، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كان الناس يتنافسون في بنا ء الدور والقصور ،
وفي عهد سليمان كانوا يتنافسون في عدد الزوجات والجواري ، وفي عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كانوا
يتنافسون في العبادة وقيام الليل وصيام النهار والصدقة وإقامة العدل ، والناس على دين ملوكهم .
وكما تفاوت الخلفاء فكذلك تفاوت العلماء ، قوة وعلماً ودعوةً وجهاداً ، فمنهم من بز أقرانه بمراحل في العلم ، بحسب
قدرته وقوته وهمته وفهمه وسفره في طلب العلم بما أفاء الله على كل واحد منهم ، ومنهم من كان أقل بمراحل
وأشواط .
تفاوتوا في إظهار الحق أمام السلاطين ، فمنهم الصادع بالحق الصابر عند البلاء والعذاب ، القوي الصلب في الوقوف
أمام الجماهير الغاضبة ، ومنهم من لا يطيق الخروج من بيته لتلبية نداء السلطان خوفاً على رقبته ، فلزم الصمت أو
داهن أو وافق مكرهاً .
وتفاوتوا أيضاً في القرب من الخلفاء أو أخذ شيئا من الأموال ، فمنهم من أخذ ومنهم من أمسك ، ومنهم من اقترب من
القصر ومنهم من آثر العزلة .
وتفاوتوا في الجهاد ، فانشغل علماء بالعلم والجهاد والمرابطة على الثغور ، بينما انشغل آخرون بالعلم دون الجهاد ،
لعلمه بقوته وصبره وقدرته على المواجهة ، ولم يعب منهم الآخر ولم يعير منهم الآخر ، وما ورد على لسان عبد الله بن
المبارك في ذم عبادة الفضيل بن عياض فإنه لا يثبت ولا يصح ، " قد علم كل أناس مشربهم " و " والله فضل بعضكم
على بعض في الرزق " .
إن تفاوت الهمم لا يقتصر على بني الإنسان ، بل وحتى عالم الحيوان وعالم النبات وعالم الجماد ، فالطبائع متفاوتة
ومتباينة لأن الله تعالى أرادها كذلك إرادة كونية وقدرية ، ويوم أن يعذر الإنسان أخاه الإنسان فيما رزقه الله من ضعف
الهمة ، ويشكر الله على ما آتاه من قوة الهمة ، فإن الحياة تستقيم بالود والحب والأمل والتعايش ، على أن المرء يجب
أن يسعى دوماً في الترقي وطلب المعالي والتجديد المستمر ، فالحياة يصيبها الركود والموت حين تتوقف ، وكذلك المرء
حين يتوقف عن طلب الكمالات فإنه يتراجع إلى الوراء سنين عديدة ، فلا يجد نفسه إلا في آخر الركب وقد فاته قطار
الحياة .
حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بين العفوية والمثالية
لا أدري من أين وفد إلى جماهير من المسلمين المثالية في التدين ، حتى صار التكلف واصطناع الهيبة جزء منه ، فلم
يعد ينعم بعض المتدينين بالحياة العفوية والطبيعية في حياتهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش حياته بصورة
تلقائية وعفوية ، فالبعض منهم لا يفكر في نفسه ورغبتها واحتياجاتها بقدر ما يهتم ما يقول عنه الآخرون ، والبعض يرزح
تحت وطأة العادات الخاطئة حتى وإن خالفت النصوص الشرعية ، فهو في حياته ميكانيكي الحركة .. نمطي التفكير ..
وضع نفسه في قوالب شكلية فرضتها عليه نظرات الآخرين وتقديراتهم العقلية المبنية على التحسين والتقبيح ليس
إلا ...
هل التدين الذي تعلمناه من النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وحياته هو هذا القالب الجامد من أذواق الجماهير
في الشكل والمظهر ؟ أم هو تديُّن اهتم بالقلب والقالب معاً ؟ هل منتهى هذا التدين أن يصل إلى حد المثالية المفرطة
في تصوير المفاهيم المغلوطة عن الكون والإنسان والحياة حتى استقرَّ به المقام في مجرد العبادات الظاهرة والثوب
والمظهر العام ، دون الاهتمام بكل مناحي الحياة الثقافية والفكرية والاقتصادية وغيرها ...
بعض المتدينين حرَّم على نفسه الملبس المباح والطعام المباح والنزهة البريئة والحديث الضاحك الباسم ، لأنه ظن أن
من أبرز سمات التدين هو طول الصمت والحرمان من المباح والسعي لإرضاء جماهير معينة من الناس خوفاً من
مخالفتهم ، بل بلغ بالبعض أن يتصنع الهيبة فلم يعد يتكلم بعفوية أو يضحك بعفوية أو يمشي مشيته الطبيعية لأن
الهيبة عنده صارت من أساسات التدين حتى وإن خالفت باطنه الخرب !...
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبسط الناس ملبساً ومسكناً ومطعماً ومشرباً وأنساً وحديثاً في مخالطته
لأصحابه وأزواجه ، ولم يكن يعرف هذه المثالية الغارقة في التكلف المذموم الذي قال الله تعالى عنه " قل ما أسألكم
عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " .. فلم يعرف أن له لباساً خاصاً أو جلسة خاصة أو صنع لنفسه هالة أو هيبة إنما
هي هيبة الرسالة والنبوة ...
إذا دخل الضيف الجديد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يُعرف بلبس أو هيبة أو جلسة إنما هو واحدٌ
منهم ...
إذا جلس ليأكل جلس جلسة العبد !!
يبكي إذا مرض أحدٌ أو مات أو قتل في سبيل الله !!
ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبيه !! ولا يشترط على قوم حين يزورهم أن ينام في أفخم الفنادق والأجنحة الملكية
أو يشترط مركباً خاصاً أو طائرة خاصة كما يفعل البعض اليوم حين يطلب منه درساً أو محاضرةً ، وهم قلة نادرة بحمد الله
..
يخرج أحياناً من بيته وليس على رأسه عمامة !! ولا ضير أن يراه أصحابه كذلك لأنه بشر ..
يركب على الدابة ويردف غيره خلفه !! ولا يعنيه ما يقوله الناس ركب حماراً أو بغلاً أو غير ذلك !! هي دابة والسلام ..
يبني مع أصحابه المسجد ويحمل التراب على ظهره وكتفه ولا يصنع لنفسه مكانة خاصة ولا يطلبها !!
يخصف النعل ويرقع الثــوب ويكون في مهنة أهلـه ، ولا يرى أنه شيـخ مهـاب وهو مع أهلـه وبين أبنائـــه !!
يقرأ القرآن في بيته قائماً وقاعداً ومضطجعاً ، بل ويضع رأسه أحياناً على فخذ عائشة رضي الله عنها وهو يقرأ أعظم
كتاب !!
يصلي إماماً بالناس ، فإن جاءته العبرة والدمعة بكى وتأثر ، وإن لم تأته العبرة فإنه لا يتصنع البكاء ولا تهييج الناس على
البكاء ، بحجة التأثير فيهم !!
يستدين المال إن احتاج إليه كما يستدين الناس بعضهم من بعض ولا يتعالى ويترفع عن طلب حاجته حتى وإن استدان
من جاره اليهودي !!
بل بلغ من طبيعته وعفويته النادرة أن يخاصمه زوجاته فتجلس إحداهن الأيام لا تكلمه ، وربما هو غضب عليهن فقاطعهن
شهراً لا يكلمهن ، لعلمه عن نفسه أنه بشر يعتريه ما يعتري الناس من الخلاف الأسري والزوجي ، فأين المتكلفون عن
مثل هذا وغيره كثير ، ولكن ليس هذا المقام مقام بسط ولكن مقام إشارة ..
ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك هي حياته العفوية ، بلا تكلف ولا تصنع ، حاشاه بأبي هو وأمي عليه
الصلاة والسلام ، وما ذلك إلا ليلقن بعض المتدينين المتكلفين المثالية الواقعية لا الواقعية المثالية ، التي ترفع النفس
عن حطام الأرض وتسمو به في سماء القيم ، وتربيهم على أن الإسلام مثاليُّ القدر والمكانة ، لكنه واقعي التطبيق
في حدود الإنسان وطاقته ، فلا يسعى لمصادمة طبيعة الخلق حتى لا يتصادم مع منهج السماء .
الإقتراب على قدر الإفتقار
تأملت كثيراً في أقرب نقطة ممكن أن يصل إليها العبد من ربه ، فوجدت أنه بقدر ما نفتقر بقدر ما نقترب ، وبقدر ما
ننطرح بقدر ما ننشرح ، وبقدر ما نعجز بقدر ما ننجز ...... فأفضل ساعات العبد قرباً وأكثرها صفاءً حين يصل إلى مرحلة
العجز عن الخلق ولا يبقى إلا قوة الله تعالى وحده ..
فالمجاهد في سبيل الله حين تدلهم به الخطوب ويشعر بالنهاية المحتملة فإن نفسه تصفوا مع الله وينكسر بين يديه
حتى يصل إلى أقصى درجات الضعف والحاجة ، وعندها تكون الإجابة قريبة والنصر متحقق ، ولهذا إذا التقى الصفان في
المعركة فإنها ساعة إجابة للمجاهد المؤمن ..
والمريض حين يعجز عن الشفاء والدواء ويبلغ الغاية في المرض وتنكسر نفسه ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين ، فإن
له دعوة مستجابة .. ولهذا قال بعض العلماء لأصحابه : إذا دخلتم على مريض فاطلبوا منه الدعاء لأن نفسه قد انكسرت
وذلت فله دعوة مستجابة ..
والتاجر الذي ذهبت أمواله وأفلس رصيده وانقطعت آماله بقدراته الضعيفة وقوته الهزيلة ، فإن نفسه تصفو مع الله ، ولو
سأله لأعطاه ..
والوالد الذي يئس من تربية أولاده وأعلن عجزه التام ، فإنه إلى الله تعالى أقرب ، لأنه فوض الأمر إلى الله ولهج لسانه
بذكر الله والاستعانة به وحده ..
تأملوا معي هذه الأحاديث النبوية التي تدلل على ما أقول :
- قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " ..... أعز وأجل وأجمل ما
في الإنسان وجهه وجبهته ، فإذا وضعها في الأرض ساجداً لله منكسراً بين يدي الله معترفاً بحق ذلك لله وحده ، فإنها
أجمل ساعات العمر وأكثرها حباً وقرباً ، فلا يفوت الفرصة في سؤال ما يحب من أمر الدنيا والآخرة .. فإنها لحظة إجابة ..
- وقال عليه الصلاة والسلام : " للصائم دعوة لا ترد " لم ؟ لضعفه وحاجته ..
- وقال عليه الصلاة والسلام : " واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " لأن المظلوم لم تبق له من
أسباب الأرض ما يرفع الظلم عنه وبقيت نصرة من في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه ..
- وقال عليه الصلاة والسلام : " ثلاث دعوات يستجاب لهن لاشك فيهن – وذكر منها دعوة المسافر .. " لأنه مقطوع عن
الناس مفتقر إلى ربه تعالى ، فهو يسيح في الأرض مجاهداً أو مهاجراً أو سائحاً أو طالباً للرزق ، فضعفه وحاجته سبب
في قبول دعوته ..
ثم تأملوا حين يباهي الله تعالى بعباده يوم عرفة ويقول : " انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد
غفرت لهم " فشعث العبد وغبرته في موطن العبادة حبيب إلى الله لما فيه من إظهار الفقر المحبوب إليه سبحانه ..
وهكذا يستجاب للمضطر إذا دعاه لانقطاع الأسباب الأرضية وبقاء الأسباب العلوية والتوفيقات الربانية .. " أمن يجيب المضطر إذا دعاه "
" ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد "
إن لحظات الفقر إلى الله هي لحظات القرب منه ، والعاجز المحروم من ظن أنه قريب وهو منه بعيد ، لأنه استغنى
بالناس عن الله ..
سبحي يا نفس وصلي عنــد سطو العاديات
فـــإذا القلـــب تنـــزى مــن تباريح الصلاة
رقرقي النفس دموعـاً واسكبيها في الصلاة
فإله الكـــون يصغــي للنفـــوس البـاكيـات
أولـــويـــات مبعثـــرة !
في جلسة حوار هادئة سألني أحدهم فقال: تزاحمت في رأسي الأعمال والأفكار والاهتمامات ، وقفت الحقوق
والواجبات والمسئوليات تصرخ في وجهي تطالبني بالعمل ، في عالم تكثر فيه الملهيات والمهلكات والمعوقات ، في
عالم انتشرت فيه الثقافات والتوجهات ، في عالم فتحت فيه المنافذ الموصدة حتى أصبح الكون بيت واحد لا قرية واحدة !!
قل لي : كيف أرتب أولوياتي المبعثرة ؟
تأملت سؤاله العميق محاولاً أنا الآخر أن أستجمع الجواب حيث بدأ سؤاله دقيقاً في وصف الواقع ، ولاشك أنني لا
أملك أدوات تغيير الواقع ، ولكني أعتقد أنني أملك أدوات تغيير النفس تجاه هذا الواقع الصعب ، لاعتقادي أن قوة
النفس الداخلية وترتيبها وتنظيمها من الأعماق هو الذي يعظم الأمر أو يحقره ,,
قلت له :
أولاً : أعتقد أننا حين نصل مرحلة العجز والضعف التي وصفت بها نفسك تجاه ما ترى وما تسمع فيجب حينئذ أن نظهر
التذلل لله تعالى والافتقار إليه ، لأنه ما من معضلة ولا شائكة إلا عند الله المخرج منها ، فبقدر ما تفتقر بقدر ما تقترب !
وبقدر ما تستغني عنه معتمداً على علمك وقدراتك الضعيفة بقدر ما يتولى عنك التوفيق والإيمان ، وثق تماماً أنك إذا
بلغت أوج ضعفك فإن الفرج قريب .
ثانياً : لابد أن تعلم أن الأصل في الدنيا الحزن والكدر والمشقة والكبد ، وأن الفرح نعمة طارئة وعارضة ، يهبها الله تعالى
من يشاء ومتى ما شاء ، ألم تسمع أو تقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم :" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " فهي
سجن وحبس ، وهل تتخيل الحبس إلا ضيق وابتلاء وشدة ؟ وأنك مقهور بالنفس والعقل والجوارح ، مضنون بالوقت
وتصريفه .
ثالثاً : مشكلة البعض أنهم يريدون إدراك الأولويات والإحاطة بكل معاني الأشياء في العمر القصير من حياتهم ، وهذا
مخالف لطبيعة بناء الإنسان !! ألم تر كيف خلق الله تعالى آدم في مراحل ؟ وكيف تم خلق الإنسان من أطوار ؟ وكيف
خلقت الدنيا في ستة أيام ؟ وكيف يلبث الجنين في بطن أمه خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؟ وغير ذلك من طبيعة
بناء الأشياء ..
إن الله تعالى أعطاك قدرات محدودة وأنت تريد إدراك اللامحدود ! فلا تكلف نفسك فوق قدراتها حتى لا تتهاوى أمام
عظمة الخالق الذي تفرد بالإحاطة المطلقة والإدراك المطلق " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "
رابعاً : تأمل كيف طولب الإنسان بأولوياته في بناء الإسلام والإيمان ثم تُرك بعد ذلك يجتهد في تحصيل المزيد مما ينفعه
في دنياه وأخراه ، فالإسلام خمسة أركان يبدأ بالشهادتين وينتهي بفريضة الحج , والإيمان يبدأ بالإيمان بالله وينتهي
بالإيمان بالقضاء والقدر ، ثم الصعود إلى مرتبة الإحسان التي لا يصل إليها إلا من رسخت قدمه في الإسلام والإيمان ..
لاحظ أنك مطالب بالأولويات ، وهي التي عليها مدار السعادة والشقاوة ، فلا تلتفت إلى تحقيق أولويات أخرى حتى
تستكمل أو تزامن بناء الأصول ، وسوف تجد أن نفسك قد امتلأت طمأنينة وسكينة ورضاً في إدراك الأولويات لأنك أدركت
أنك لا يمكن أن تدعوا الناس قبل أن تحقق إقامة الصلاة ، ولا يمكن أن تؤلف كتاباً في العقيدة قبل أن تدرك معنى
الإيمان ، ولا يمكن أن تبرز في العلم قبل أن تفهم أصول الإسلام وقواعده ... وهكذا ..
خامساً : يجب أن تعلم أن الناس يتفاوتون في درجات العلم كما يتفاوتون في درجات الفهم ، ويتفاوتون في طلب
المصالح العليا كما يتفاوتون في طلب المصالح الدنيا ، ومن رحمة الله بك أن جعل لك واعظاً من نفسك يبحث ويسأل من
أين يبدأ وإلى أين ينتهي في علاقته مع الله تعالى وفي الواجبات المنوطة في حقه وفي سؤالك عن أولوياتك المبعثرة
كيف تهذبها وتنظمها ، مع أن الجم الغفير من الناس ليسوا في مثل اهتمامك وسؤالك ، بل هم في غفلة وتغييب عن
مصالحهم !!
سادساً : أكثر ما يشغل الناس ويقتل من أوقاتهم هو الاهتمام بتوافه الأمور حتى تستنفذ وقته كله أو جله ، حتى غاب
فقه الأولويات في حياتهم ، فترى احدهم يقضي يومه في إصلاح جهازه المحمول أو هاتفه النقال أو يتجول الساعات
الطويلة في شراء حذاء ، ثم يشكي ذهاب أيامه بلا فائدة ! فأين يتدارك ما يطمح إليه وقد بعثر في التوافه عمره ..
ودعني صاحبي في آخر حديثي معه وتمتم بكلمات مع نفسه قبل أن يفارقني قائلاً لي : أدركت الطريق !